کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

الفصل الاول في حقيقة العلم و الجهل المشابه للعلم الفصل الثانى في شرافة هذا العلم و خساسة الجهل الفصل الثالث في ان العلم كلما ازداد ضعفت الانانية، و الجهل كلما ازداد زادت الانانية الفصل الرابع في تلازم العلم و العمل و اقتضاء العلم الحيرة و الخشية و العزلة الفصل الخامس في فضل قراءة القرآن و فضل التوسل به باى نحو كان الفصل السادس في آداب القراءة و كيفيتها و مراتب القراء الفصل السابع في جواز تفسير آيات القرآن و أخبار المعصومين عليه السلام و النظر فيها و التأمل في مفاهيمها و التفكر في معانيها و المراد بها و التدبر في مقاصدها و الغايات المؤول إليها و استعلام تنزيلها و استنباط تأويلها بقدر استعداد المفسر الناظر الفصل الثامن في الفرق بين الظهر و البطن و التنزيل و التأويل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ و العام و الخاص الفصل التاسع في تحقيق التفسير بالرأى الذى ورد حرمته و مذمته في الاخبار الفصل العاشر في ان علم القرآن بتمام مراتبه منحصر في محمد صلى الله عليه و آله و أوصيائه الاثنى عشر و ليس لغيرهم الا بقدر مقامه الفصل الحادي عشر في تحقيق ان القرآن ذو وجوه الفصل الثاني عشر في جواز نزول القرآن بوجوه مختلفة في ألفاظه الفصل الثالث عشر في وقوع الزيادة و النقيصة و التقديم و التأخير و التحريف و التغيير في القرآن الذى بين أظهرنا الذى أمرنا بتلاوته و امتثال أوامره و نواهيه و اقامة احكامه و حدوده الفصل الرابع عشر
سورة الفاتحة

سورة البقرة

تحقيق مراتب الوجود و انه حقيقة واحدة مشككه

تحقيق معنى بسيط الحقيقة كل الأشياء تحقيق جريان الحروف المقطعة على لسان المنسلخ عن هذا البنيان معنى تأويل القرآن و بطونه في الوجوه المحتملة في اعراب فواتح السور و عدم اعرابها تحقيق كون جميع الكتب المدونة حقه و باطله صور الكتاب الحقيقى الذى هو حقيقة القرآن تحقيق الكتاب و مصاديقه تحقيق معنى الكلام الفرق بين الكتاب و الكلام تحقيق ان الإنسان ما لم يخرج من أسر نفسه لا يدرك من القرآن الا اللفظ و العبارة تحقيق معنى الهداية تحقيق معنى التقوى و مراتبها بيان سر ظهور بعض الشطحيات من السلاك تحقيق قوله تعالى ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات تحقيق الايمان و مراتبه تحقيق الصلوة و مراتبها تحقيق استمرار الصلوة و الزكاة للإنسان تكوينا بيان الكفر و اقسامه تحقيق مراتب القلب و إطلاقاته و تحقيق ختم القلب و البصر بيان اشتراء الضلالة بالهدى تحقيق الرعد و البرق و السحاب و المطر تحقيق معنى من دون الله الاشارة الى وجوه اعجاز القرآن بيان قطع ما امر الله به ان يوصل تحقيق الإفساد في الأرض تحقيق تكرار الأحياء و الاماتة للإنسان تحقيق خلق جميع الأشياء حتى السموم و ذوات السموم لنفع الإنسان تحقيق مادة الملك و أقسام الملائكة تحقيق كيفية قول الله و أمره للملائكة تحقيق معنى التسبيح و التقديس و الفرق بينهما تحقيق معنى الاسم و بيان تعليم آدم الأسماء كلها و بيان اللطائف المندرجة في الاية الشريفة تحقيق مراتب العالم و كيفية خلق الاجنة و الشياطين تحقيق توبة العبد تحقيق توبة الرب في توبة العبد تحقيق بيان اختلاف الفقرتين من قوله فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون تحقيق و تفصيل لاشتراء الثمن القليل بالآيات تحقيق الأمر بالمعروف و موارده تحقيق الوالدين و النسبة الروحانية حكاية ملك سليمان و كونه في خاتمه و رمز ذلك تحقيق السحر حكاية هاروت و ماروت و رموزها تحقيق الولى و النصير تحقيق الظلم تحقيق المسجد تحقيق ابتلاء إبراهيم بكلمات تحقيق مراتب الخلق من النبوة و الرسالة و الخلة و الامامة بيان خطوات الشيطان تحقيق القول على الله بما لا يعلمه تحقيق نزول الكتاب جملة و نجوما تحقيق كون القرآن بينات من الهدى تحقيق قربه تعالى تحقيق اجابته تعالى و عدم اجابته للعباد تحقيق إتيان البيوت من الأبواب و منع الإتيان من الظهور تحقيق الإفساد في الأرض و إهلاك الحرث و النسل تحقيق معنى الرجوع الأمور الى الله تعالى تحقيق مراتب كمال الإنسان تحقيق الولى و النبى و الرسول و الامام بيان حرمة شرب دخان الأفيون تحقيق تكيف النفوس من مجاورها تحقيق النعمة و مراتبها بحسب مراتب الإنسان بيان حكمة عدة النساء بيان الصلوة الوسطى بيان قرض الله و تحقيقه بيان التابوت و السكينة تحقيق الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين و تحقيق بعض المطالب و تحقيق افعال العباد بحيث لا يلزم من نسبتها الى الله جبر للعباد و لا من نسبتها الى العباد تفويض إليهم و لا تعدد في النسبة يستدعى ذكر مقدمات: بيان الاحاطة بما شاء الله من علمه تحقيق الاستمساك بالعروة الوثقى و بيان العروة الوثقى بيان ابتغاء مرضات الله بحيث لا يخل بإخلاص العمل بيان الحكمة و مراتبها بيان الخبط من مس الشيطان

الجزء الثاني

سورة الانعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة الرعد سورة إبراهيم

الجزء الرابع

سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة الطور سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الدهر سورة المرسلات سورة النبا سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الانشقاق سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الشمس سورة و الليل سورة و الضحى سورة الم نشرح سورة و التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزال سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الفلق سورة الناس

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة


صفحه قبل

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 25

دعوة في الدّارين‏ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ‏ عند معاينة الموت و تهيّؤ أسباب العذاب لكم‏ ما أَقُولُ لَكُمْ وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ‏ لانّه العزيز العليم القدير ذو العناية بأمر العباد و لا أخاف ما تخوّفوننى به لعدم قدرته على شي‏ء إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فيحفظ من توسّل به‏ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ‏ قد

ورد في الاخبار انّهم قطعوه اربا اربا و لكن وقاه اللّه ان يفتنوه في دينه‏

، و

عن الصّادق (ع) في حديث: كان حزقيل يدعوهم الى توحيد اللّه و نبوّة موسى (ع) و تفضيل محمّد (ص) على جميع رسل اللّه و خلقه و تفضيل علىّ بن- ابى طالب (ع) و الخيار من الائمّة على سائر أوصياء النّبيّين و الى البراءة من ربوبيّة فرعون، فوشى به الواشون الى فرعون و قالوا: انّ حزقيل يدعوهم الى مخالفتك و يعين أعداءك الى مضادّتك فقال لهم فرعون: ابن عمّى و خليفتي على ملكي و ولىّ عهدي ان فعل ما قلتم فقد استحقّ العذاب على كفره بنعمتي، و ان كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم اشدّ العذاب، لإيثاركم الدّخول في مساءته فجاء بحزقيل و جاء بهم فكاشفوه، و قالوا: أ أنت تجحد ربوبيّة فرعون الملك و تكفر بنعمائه؟- فقال حزقيل: ايّها الملك هل جرّبت علىّ كذبا قطّ؟- قال: لا، قال فسلهم من ربّهم؟- قالوا: فرعون هذا، قال: و من خالقكم؟- قالوا: فرعون هذا، قال: و من رازقكم الكافل لمعايشكم و الدّافع عنكم مكارهكم؟- قالوا:

فرعون هذا، قال حزقيل: ايّها الملك فأشهدك و كلّ من حضرك انّ ربّهم هو ربّى، و خالقهم هو خالقي، و رازقهم هو رازقي، و مصلح معايشهم هو مصلح معايشي، لا ربّ لي و لا خالق و لا رازق غير ربّهم و خالقهم و رازقهم، و أشهدك و من حضرك انّ كلّ ربّ و رازق و خالق سوى ربّهم و خالقهم و رازقهم فانا بري‏ء منه و من ربوبيّته و كافر بالهيّته، يقول حزقيل: هذا و هو يعنى انّ ربّهم و هو اللّه ربّى، و لم يقل: انّ الّذى قالوا: انّه ربّهم هو ربّى، و خفي هذا المعنى على فرعون و من حضره و توهّم انّه يقول: فرعون ربّى و خالقي و رازقي، فقال لهم فرعون: يا رجال السّوء و يا طلّاب الفساد في ملكي و مريدي الفتنة بيني و بين ابن عمّى و هو عضدي أنتم المستحقّون لعذابي لارادتكم فساد أمري و إهلاك ابن عمّى و الفتّ في عضدي، ثمّ أمر بأوتاد فجعل في ساق كلّ واحد منهم وتدا و في صدره وتدا، و امر أصحاب أمشاط- الحديد فشقّوا بها لحومهم من أبدانهم فذلك ما قال اللّه تعالى: فوقيه اللّه سيّئات ما مكروا به لمّا وشوا به الى فرعون ليهلكوه، و حاق بآل فرعون سوء العذاب و هم الّذين وشوا بحزقيل اليه لما أوتد فيهم الأوتاد و مشط عن أبدانهم لحومها بالامشاط

النَّارُ ان كان المراد بسوء العذاب عذاب البرزخ و الآخرة جاز ان يكون النّار بدلا منه بدل- الاشتمال، و جاز ان يكون مبتدء و قوله تعالى‏ يُعْرَضُونَ‏ خبره و الجملة تفسيرا لسوء العذاب، و ان كان المراد به عذاب فرعون في الدّنيا فالنّار مبتدء و يعرضون خبره و الجملة مستأنفة منقطعة أو حاليّة حالا مقدّرة اى حالكونهم بعد سوء العذاب النّار يعرضون‏ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا في اخبار كثيرة انّ هذا في نار الدّنيا يعنى نار البرزخ لانّ في نار القيامة لا يكون غدوّ و عشىّ و امّا نار الخلد فهو قوله تعالى‏ وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ‏ بتقدير القول، و قرئ ادخلوا من الثّلاثىّ المجرّد وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ الاتباع‏ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا المتبوعين‏ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ قد مضى الآية في سورة إبراهيم (ع) و قد مضى مكرّرا انّ أمثال هذه تعريض بمنافقى الامّة

وَ قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 26

يَوْماً مِنَ الْعَذابِ قالُوا أَ وَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ المعجزات أو براهين صدقهم أو احكام الرّسالة قالُوا بَلى‏ قالُوا فَادْعُوا تهكّموا بهم و سخروا منهم و لذلك قالوا وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ‏ اى في ضياع، و يحتمل ان يكون هذا من اللّه‏ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ المراد بالحيوة الدّنيا ان كان الحيوة المصاحبة للحيوة الحيوانيّة الطّبيعيّة فالمراد بالنّصرة نصرتهم في دينهم لا في دنياهم لانّ أكثر الأنبياء لم ينصروا بحسب دنياهم، و ان كان المراد الحيوة البرزخيّة فلا إشكال، و المراد بالاشهاد الأنبياء (ع) و أوصيائهم (ع) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ يعنى جهنّم‏ وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى‏ اى أعطيناه وصف الهداية للخلق بان جعلناه رسولا إليهم، أو كونه مهديّا بان هديناه الى ما ينبغي ان يهتدى اليه، أو آتيناه ما يهتدى به من الآيات أو من الأحكام أو من التّوراة وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ‏ كتاب النّبوّة و أحكامها، أو كتاب التّوراة هُدىً وَ ذِكْرى‏ اى ذا هدى، أو هاديا، أو ما يهتدى به‏ لِأُولِي الْأَلْبابِ‏ قد تكرّر انّ الإنسان بدون الاتّصال بالولاية كالجوز الخالي من اللّبّ و يكون اعماله خالية من اللّبّ و ان كانت مطابقة لما ورد في الشّريعة كما أفتى به الفقهاء موافقا لما ورد في الاخبار و كان هو و اعماله لائقة للنّار، و إذا اتّصل بالولاية صار ذا لبّ و صار اعماله ذوات الباب‏ فَاصْبِرْ لمّا كان ذكر الأمم الماضية و رسلهم (ع) و هلاكهم بسبب تكذيب الرّسل (ع) و ذكر موسى (ع) و فرعون كلّها لتسلية الرّسول (ص) في تكذيب قومه و تركهم للولاية قال بعد ما ذكر حكايتهم بطريق التّفريع فاصبر إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بنصرتك‏ حَقٌّ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ‏ كرّر الآية لتعليل امره بالصّبر إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ اى الانصراف عن الحقّ و الاستكبار على أهل الحقّ‏ ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ اى بالغي ذلك الكبر و مقتضاه‏ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ‏ منه أو منهم‏ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏ لاستعاذتك فيعيذك و لما يقولون فيك و يدبّرونه فلا يدعهم ينفذ مكرهم فيك‏ الْبَصِيرُ بك و بهم، و بما تفعل و يفعلون، و بكبرك ان استكبرت و بكبرهم‏ لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ‏ فلا ينبغي للنّاس الضّعيف الخلق الكبر في مقابل ما هو أكبر منه و انّما قال لخلق السّماوات و لم يقل السّماوات و الأرض للاشعار بانّ الصّورة الخلقيّة منهما أكبر من الصّورة الخلقيّة الانسانيّة، و امّا النّشأة الرّوحيّة الانسانيّة فهو أكبر بمراتب من صورة السّماوات و الأرض و من نشأتهما الرّوحيّة الامريّة، و المجادل تنزّل من مقام روحيّته الامريّة الى الصّورة الخلقيّة كأنّه ليس له نشأة روحيّة وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ ليس لهم مقام علم حتّى يعلموا ضعفهم، أو لا يعلمون ضعفهم و حقارتهم بالنّسبة الى السّماوات‏ وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ رفع لتوهّم انّ عدم العلم يكون عذرا لهم في كبرهم و جدالهم و لذلك قدّم الأعمى و المراد بالعمى عمى القلب الّذى يكون من أوصاف القوّة العلّامة بمعنى الجهل كما انّ المراد بالبصر بصيرة القلب الّتى هي عبارة عن العلم‏ وَ الَّذِينَ آمَنُوا لم يقدّم المسي‏ء هاهنا لحصول الغرض من تقديم الأعمى‏ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ لَا الْمُسِي‏ءُ و المراد بالايمان الانقياد و التّسليم الحاصل بالبيعة العامّة، أو الخاصّة، أو نفس البيعة العامّة أو الخاصّة، و المراد بالعمل الصّالح البيعة الخاصّة، أو العمل بالشّروط الّتى تؤخذ في البيعتين، و ايّا ما كان فالمقصود بيان عدم التّسوية بين من كمّل قوّته العمّالة و من لم يكمّلها، و زيادة

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 27

لا في المسي‏ء لاشارة خفيّة الى انّ المسي‏ء منفىّ معدوم بخلاف المحسن كأنّه لا يجوز ان يدخل عليه النّفى و الّا فسوق العبارة ان يدخل لا الّتى هي لتأكيد النّفى على الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات‏ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ‏ جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل: فلم لا يظهر الفرق بين المحسن و المسي‏ء؟- فقال: يظهر الفرق عند قيام السّاعة إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها قد مضى في اوّل البقرة وجه عدم الرّيب في الكتاب مع كثرة المرتابين فيه فقس عليه وجه عدم الرّيب في القيامة و السّاعة و ظهور القائم (ع) و الرّجعة مع كثرة المرتابين فيها وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ‏ لا يذعنون بها أو لا يؤمنون باللّه حتّى يعلموا مجي‏ء السّاعة، أو لا يؤمنون بك حتّى يصدّقوك في مجي‏ء السّاعة وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ قد مضى في سورة البقرة و في سورة النّمل بيان تعليق الاستجابة على الدّعاء و كيفيّة الدّعاء و كيفيّة اجابة اللّه للدّاعين، من أراد فليرجع اليه، و هل الظّفر بالمراد بعد الدّعوات و التّصدّقات و البركة في الأموال و الأولاد عقيب الصلات من الاتّفاقيّات؟ أو هي من الأسباب للوصول الى المراد؟- قال بعض الفلاسفة: انّ ذلك من الاتّفاقيّات، و برهان إنكارهم لسببيّة ذلك انّ العالي لا التفات له الى الدّانى و انّه لا تأثير للدّانى في العالي فلا يكون الظّفر بالمقصود عقيب ذلك الّا محض الاتّفاق، و صريح الآيات و الاخبار يثبت التّسبيب بين الدّعوات و الإجابات و بين الصّدقات و دفع البلايا و جذب البركات، و بين الصّلات و زيادة الأموال و الاعمار و الأولاد.

تحقيق البداء و نسبة التّردّد و المحو و الإثبات الى اللّه تعالى‏

و تحقيق ذلك، انّ العوالم بعد مقام الغيب المعبّر عنه بالعمى الّذى لا خبر عنه و لا اسم له و لا رسم، و بعد مقام الواحديّة المعبّر عنه بمقام الأسماء و الصّفات، و بعد مقام الفعل المعبّر عنه بالمشيّة بوجه ستّة و بوجه سبعة، و بوجه سبعون، و بوجه سبع مائة، و بوجه سبعة آلاف، و بوجه سبعون ألفا، و بوجه غير متناهية، و انّ كلّ عالم عال بالنّسبة الى الدّانى حاله حال النّفس بالنّسبة الى قواها و مداركها، و انّ عالم المثال مرتبته من عالم الطّبع مرتبة الخيال الانسانىّ من بدنه و قواه فكما انّ قوى النّفس الخياليّة تتأثّر من بدنها و من غير بدنها و بذلك التّأثّر يتأثّر الخيال و تأثر الخيال هو بعينه تأثّر النّفس كذلك عالم المثال يتأثّر من عالم الطّبع، و تأثّره بعينه تأثّر النّفوس الكلّيّة، و تأثّرها تأثّر العقول الكلّيّة، و تأثّرها تأثّر المشيّة، و هو تأثّر الا له، و كما انّ النّفوس البشريّة بعد التّأثّر من الأبدان و قواها تحرّك قوّتها الشّوقيّة و الاراديّة لدفع الموذي أو جذب النّافع كذلك النّفوس الكلّيّة بعد تأثّر قواها المثاليّة الخياليّة تهيّج أسباب دفع الموذي و جذب النّافع لما تأثّرت منه، و انّ الحوادث كما تكون بأسباب طبيعيّة ارضيّة تكون بأسباب إلهيّة سماويّة و انّ الأسباب السّماويّة قد تؤثّر بتسبيب الأسباب الطّبيعيّة و قد تؤثّر بمحض التّصوّر و الارادة لانّها مظاهر ارادة اللّه، و افعالها مظاهر افعال اللّه، إذا أرادت شيئا تقول له: كن، فيكون، من غير تسبيب أسباب طبيعيّة، و عالم المثال كعالم الخيال يضيق عن الاحاطة بجملة المدركات دفعة بل يرد عليه الصّور بالتّعاقب و يتجدّد عليه الإدراكات متبادلة و لذلك قد يثبت ضرّ شخص أو خيره فيه ثمّ يقع من ذلك الشّخص أو من غيره دعاء لدفع ذلك الضّرّ أو عمل يدفع ذلك الخير فيقع صورة ذلك الدّعاء أو العمل فيه و يقع صورة لازمه من دفع الضّرّ أو دفع الخير فيه، و كلّما تصوّره النّفوس العالية الجزئيّة أو الكلّيّة يقع صورته في هذا العالم امّا على مجرى العادة و بالأسباب الطّبيعيّة أو خارجا عن مجرى العادة و من هذه الألواح المثاليّة ينسب البداء الى اللّه تعالى، و ينسب التّردّد الّذى هو عبارة عن ترجيح أحد المتصوّرين تارة و الآخر اخرى، فانّه إذا تعارض دعاء مؤمن لشخص بالخير و دعاء آخر عليه بالشّرّ فيثبت صورة دعاء هذا تارة مع لازمها و صورة دعاء ذاك اخرى مع لازمها، فيظهر في نظر النّاظر صورة التّردّد

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 28

في الصّورتين المتقابلتين و ينسب هذا التّردّد الى اللّه تعالى كما ينسب افعال القوى الانسانيّة الى النّفوس، و هكذا حال نسبة البداء الى اللّه تعالى و قد يتّصل المكاشف من النّبىّ (ص) أو الولىّ (ع) بتلك الألواح فيشاهد فيها بعض الأسباب و المسبّبات و لا يشاهد منافيات تلك الأسباب و المسبّبات ان كان منافياتها ثابتة فيها الضيق النّفوس البشريّة الخياليّة عن الاحاطة بجميع ما ثبت فيها فيخبر بذلك و لا يقع ما يخبر به فينسب البداء الى تلك الألواح لقصور نظره لا لعدم ثبت ما وقع، و ما كذب في ذلك لانّه أخبر عن عيانه‏

إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ لمّا كان اقتضاء العبوديّة الخروج من الانانيّة و التّعلّق بالحقّ الاوّل تعالى شأنه و كان اقتضاء ذلك التّعلّق استدعاء استقلال الحقّ بالانانيّة في وجود العبد قال تعالى في مقام يستكبرون عن دعائي يستكبرون عن عبادتي اشارة الى هذا التّلازم‏ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‏ صاغرين‏ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ‏ الجملة مستأنفة جواب لسؤال مقدّر و تعداد لنعمه تعالى على العباد في مقام التّعليل‏ وَ النَّهارَ مُبْصِراً قد سبق الآية مع بيانها في سورة يونس (ع) إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ‏ بحسب مقاماتهم النّباتيّة و الحيوانيّة و الانسانيّة وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ‏ نعمه و فضله عليهم لانكار بعضهم مبدء عليما قديرا ذا عناية بالخلق، و عدم تفطّن بعضهم بكون النّعم منه، و عدم تفطن بعضهم بنفس النّعمة، و غفلة بعضهم عن المنعم و النّعمة ذلِكُمُ اللَّهُ‏ الموصوف بأنعام تلك النّعم‏ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اثبت اوّلا ربوبيّته لهم حتّى يتنبّهوا بانّه المستحقّ للعبادة دون غيره الّذى لم يكن له سمة الرّبوبيّة ثمّ ذكر خالقيّته لكلّ الأشياء، و منها معبوداتهم، ثمّ حصر الآلهة فيه نفيا لالهة معبوداتهم بعد ما أشار الى عنايته بخلقه و افضاله عليهم ليظهر بطلان انصرافهم الى غيره قبل انكار الانصراف‏ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ كَذلِكَ‏ الصّرف مع وضوح بطلانه‏ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَكُمْ‏ في مقام أبدانكم و مقام أرواحكم‏ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ في كلا المقامين‏ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ من الأرزاق الطّيّبة النّباتيّة الارضيّة فانّ رزق مقام نبات الإنسان أطيب أرزاق سائر الحيوان بحسب الشّرف و اللّطف و اللّذّة و النّصح، و من الأرزاق الطّيّبة الحيوانيّة الارضيّة و السّماويّة فانّ رزق الحيوان هو الالتذاذ بغذاء النّبات و الالتذاذ بإدراك مدارك الحيوان و من الأرزاق الطّيّبة الانسانيّة السّماويّة من العلوم و المكاشفات و المعاينات و التّحقّق بالحقائق‏ ذلِكُمُ‏ الموصوف بتلك الأوصاف‏ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ مدح نفسه على خلق الإنسان و تهيّة رزقه بحسب جملة مقاماته من ألطف المأكول و المشروب و المدرك و المتخيّل و المعلوم و المكشوف لانّ في خلقه دقائق عظيمة عديدة و صنائع متقنة و حكما بالغة يعجز عن إدراكها العقول، و كذا في تهيّة أسباب رزقه بحسب مقاماته الثّلاثة هُوَ الْحَيُ‏ بعد ما أشار الى بعض إضافاته بالنّسبة الى خلقه أشار الى بعض صفاته الحقيقيّة تعريضا بمعبوداتهم و فنائها و تعريضا بهم و بموتهم و انتهائهم اليه ليكون حجّة على عبوديّتهم للّه و بطلان معبوديّة غيره‏ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كرّره للاهتمام بتوحيده في مقام ردّ آلهتهم‏ فَادْعُوهُ‏ يعنى إذا كان هو الباقي و الباقون هم الفانين فادعوه و لا تتركوا دعاءه و لا تدعوا غيره لفنائكم و انتهائكم اليه لبقائه و لفناء غيره‏ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ اى الطّريق أو الأعمال الشّرعيّة الملّيّة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ إنشاء حمد منه تعالى على تفرّده بالآلهة كما

ورد عن السّجّاد (ع): إذا قال أحدكم: لا اله الّا اللّه فليقل: الحمد للّه ربّ العالمين فانّ اللّه يقول: هو الحىّ (الآية)

فانّ ظاهره الأمر بإنشاء الحمد عند توحيده، أو اخبار منه بحصر الحمد فيه تعالى بعد حصر

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 29

الآلهة فيه فيكون بمنزلة النّتيجة لسابقه، و لمّا كان الآيات في مقام تعداد النّعم لم يأت بأداة الوصل في رؤس الآي‏

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ يعنى بعد ما ذكّرتهم بنعم اللّه و حصر الآلهة فيه تعالى أظهر براءتك عن عبادة معبوداتهم‏ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏ ذكر نعمة اخرى بطريق تعداد النّعم أو في مقام التّعليل لقوله نهيت‏ مِنْ تُرابٍ‏ فانّ تولّد مادّة النّطفة ليس الّا من حبوب النّبات و بقولها و لحوم الحيوان و ألبانها و الكلّ يحصل من التّراب‏ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أتى بالثّلاثة منكّرة للاشارة الى انّ التّراب الحاصل منه مادّة النّطفة لا بدّ و ان يكون ترابا مخصوصا متكيّفا بكيفيّة مخصوصة ممتزجا مع سائر العناصر، و انّ النّطفة الّتى تصير مادّة الإنسان تكون نطفة مخصوصة ممتازة عن سائر النّطف و كذا العلقة ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا عطف على لتكونوا أو على محذوف اى لتستكملوا في نفوسكم و لتبلغوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ و يكون قوله و منكم من يتوفّى بين المعطوف و المعطوف عليه، أو بين العلّة و معلولها، أو متعلّق بمحذوف اى و منكم من يبقى لتبلغوا أجلا مسمّى‏ وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ تدركون بعقولكم، أو تصيرون عقلاء، أو تعقلون امر الآخرة من امر الدّنيا، فانّ الانتقالات في الحالات إماتات و إحياءات، و ليدرك الإنسان من تلك الانتقالات النّقلة العظمى و انّها ليست افناء و استيصالا بل هي افناء لصورة و احياء بصورة أتمّ و أكمل، و قد سبق في سورة الحجّ الآية بأكثر اجزائها مع بيان لها هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ من قبيل تعداد النّعم أو تعليل لسابقه و اشارة الى نعمه تعالى‏ فَإِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ قد مضى الآية مع بيانها في سورة البقرة عند قوله تعالى: بديع السّماوات و الأرض و إذا قضى امرا (الآية) و في غيرها أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ من اللّه‏ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا بدل أو صفة للّذين يجادلون، أو خبر أو مفعول لمحذوف أو مبتدء خبره‏ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ‏ إذ مفعول يعلمون أو ظرف له، و الفعل منسىّ المفعول، أو مقدّر المفعول‏ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ يحمون أو يوقدون‏ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ‏ ما زائدة أو موصولة أو موصوفة و العائد محذوف‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا أخبروا اوّلا بانّهم أفلتوا من أيديهم، ثمّ التفتوا الى انّهم كانوا مدعوّين بحسب حدودهم و تعيّناتهم، و الحدود كانت عدميّة و لكن كانت على القاصرين كالسّراب تظهر بصورة الموجود و في القيامة يرتفع الحدود و يعلم كلّ أحد أنّها كانت سرابا لا حقيقة لها فأضربوا عن أخبارهم بضلال الشّركاء عنهم و قالوا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً و قد ورد الاخبار بانّ الآية في المعرضين عن الولاية و

عن علىّ (ع) ، و المراد بما يشركون رؤساء الضّلالة

و على هذا فالمراد ب الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ‏ الّذين يجادلون في خلافة علىّ (ع)، و المراد ب الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ‏ الّذين كذّبوا الآيات الواردة في الولاية، و بما أرسلنا به رسلنا هو الولاية لانّها غاية الرّسالة بدليل ان لم تفعل فما بلّغت رسالتك، و المراد بما يشركون ما جعلوه شريكا لعلىّ (ع) في الخلافة، و من دون اللّه من دون اذن اللّه، أو حالكون الشّركاء غير علىّ (ع) الّذى هو مظهر اللّه‏ كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ في الدّنيا أو في الآخرة، عن الباقر (ع) فامّا النّصّاب من أهل‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 30

القبلة فانّهم يخدّ لهم خدّا الى النّار الّتى خلقها في المشرق فيدخل عليهم منها اللّهب و الشّرر و الدّخان و فورة الحميم الى يوم القيامة ثمّ مصيرهم الى الحميم، ثمّ في النّار يسجرون، ثمّ قيل لهم: أينما كنتم تشركون من دون اللّه اى اين إمامكم الّذى اتّخذتموه دون الامام الّذى جعله اللّه للنّاس إماما ذلِكُمْ‏ العذاب‏ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ يعنى بالباطل فانّه يستعمل في هذا المعنى‏ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ المرح شدّة الفرح و هو مذموم لانّه إسراف في الفرح سواء كان بالحقّ أو بغير الحقّ‏ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ‏ قد سبق في سورة الزّمر وجه تقييد الدّخول بأبواب جهنّم‏ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ وضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بانّ المتكبّر من خرج من طاعة الامام، و سرّه انّ الخروج من طاعة الامام ليس الّا من الانانيّة، و الانانيّة و رؤية النّفس هو التّكبّر

فَاصْبِرْ يعنى إذا علمت حال المنافقين الّذين ينافقون بالنّسبة إليك و الى علىّ (ع) فاصبر و لا تجزع و لا تحزن‏ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ لا خلف فيه‏ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ من العذاب‏ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ‏ و قد سبق الآية في سورة يونس و سورة الرّعد وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ‏ فانظر الى حالهم و مآلهم من اللّه و ما ورد عليهم من أممهم، و لينظر قومك الى ما كان منهم حتّى تتسلّى و تصبر على أذى قومك، و يعلم قومك انّ الرّسول لا يكون الّا بشرا، و لا يكون حاله سوى حال سائر النّاس‏ وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ فانّ الآيات تنزل من اللّه على وفق الحكم و المصالح فليس لأحد ان يقترح و ليس لك ان تسأل ما اقترحوا فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ‏ بالعذاب في الدّنيا أو الآخرة أو بانقضاء الأجل أو بالحساب في القيامة أو بظهور القائم عجّل اللّه فرجه‏ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ‏ الزّمان و المكان‏ الْمُبْطِلُونَ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ‏ في مقام التّعليل أو مقام تعداد النّعم‏ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ‏ أخر كالالبان و الجلود و الأوبار و غير ذلك‏ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ‏ بحمل الأحمال على ظهورها و نقلها الى ما تريدون‏ وَ عَلَيْها في البرّ وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ‏ قد سبق الآية ببعض اجزائها في سورة المؤمنون‏ وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ‏ الدّالة على علمه و قدرته و حكمته و عنايته و رأفته بخلقه‏ تُنْكِرُونَ أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ‏ اى ارض العالم الكبير حتّى يشاهدوا آثار الأمم الهالكة الماضية و يسمعوا أخبارهم، أو ارض العالم الصّغير فيعلموا و يجدوا آثار الأمم التّابعة لشهوتهم و غضبهم و شيطنتهم، أو ارض الاخبار و سير الأمم الماضية، أو ارض القرآن‏ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ‏ اى عن عذابهم‏ ما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ ما الاولى نافية أو استفهاميّة، و الثّانية موصولة أو موصوفة أو مصدريّة أو استفهاميّة فَلَمَّا جاءَتْهُمْ‏ عطف من قبيل عطف التّفصيل على الإجمال‏ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ من دقائق- العلوم الحكميّة من الطّبيعيّة و الرّياضيّة و الإلهيّة و لم يعلموا انّ هذه العلوم ان لم تكن بإذن من اللّه و خلفائه و لم يكن صاحبها في الطّريق تكون حجابا عظيما و سدّا سديدا عن السّلوك الى اللّه بل السّلوك الى اللّه لا يكون الّا بطرح جملة علوم النّفس و الخروج من العلوم النّفسانيّة الى الجهل كما قيل: الخروج من الجهل جهل، و الخروج الى الجهل علم، لانّ النّفس إذا كانت متصوّرة بصور تلك العلوم ظهرت بالانانيّة، و الانانيّة كبرياء النّفس الّتى من اتّصف بها بادر اللّه‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 31

بالمحاربة و نازع اللّه، أعاذنا اللّه منها، و لذلك ترى انّ أكثر المعاندين لأهل الحقّ هم المتشبّهون بالعلماء المتصوّر نفوسهم بصور العلوم الحكميّة أو غيرها وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ اى العذاب أو الفعل و القول الّذى كانوا به يستهزؤن‏ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا عذابنا عند معاينة الموت‏ قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ‏ و المراد بما أشركوا به الأصنام و الكواكب و رؤساء الضّلالة الّذين اشركوهم بالأنبياء و الأولياء (ع) خصوصا من اشركوه بعلىّ (ع) في الولاية فانّهم حينئذ يرون بطلان الشّركاء فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا لانّ الايمان حين رؤية البأس ليس الّا لخوف الخيال لا لشوق العقل و لذلك كانوا لو زال الخوف لعادوا كما قال تعالى: و لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه فلم يك ينفعهم ايمانهم لمّا رأوا بأسنا يعنى انّهم تمكّنوا في الكفر و النّفاق بحيث لا يعقلون منه و كلّما أرادوا ان يخرجوا منه من غمّ أعيدوا فيه لتمكّنهم فيه بحيث لا يزال عنهم‏ سُنَّتَ اللَّهِ‏ سنّ اللّه عدم قبول التّوبة حين رؤية البأس يعنى عدم قبول التّوبة إذا كان من غمّ و خوف السّنة الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ‏ المقام أو الزّمان‏ الْكافِرُونَ‏ لانّ المقام مقام ظهور الحقّ و بطلان الباطل.

سورة حم السّجدة

اربع و خمسون آية، مكّيّة كلّها

صفحه بعد