کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 19
ما حوى العلم جميعا أحد
لا و لو مارسه ألف سنه
إنما العلم بعيد غوره
فخذو من كل علم أحسنه
هذا و قد آن أوان شروع القارىء في تفحص هذا الكنز و إلقاء النظر على جواهره الثمينة و الفريدة و باللّه التوفيق و الهداية لأقوم طريق، و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
الدكتور/ هاشم بن محمد علي مهدي الأربعاء 5/ 5/ 1420 ه
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 20
الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلّمه، و تعليمه «1»
فقد ورد في فضله، و تعلّمه، و تعليمه أحاديث كثيرة:
فمنها: ما رواه الإمام مسلم- رحمه اللّه تعالى- في «صحيحة» عن زيد بن أرقم- رضي اللّه عنه- قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى: خمّا، بين مكّة و المدينة، فحمد اللّه، و أثنى عليه، و وعظ و ذكّر، ثمّ قال: «أمّا بعد: ألا أيّها النّاس! إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، و إنّي تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب اللّه، فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به»، فحثّ على كتاب اللّه، و رغّب فيه، ثمّ قال: و أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي». زاد في رواية:
«كتاب اللّه فيه الهدى و النور، من استمسك به، و أخذ به كان على الهدى، و من أخطأه ضلّ». و في رواية: «كتاب اللّه هو حبل اللّه من اتّبعه كان على الهدى، و من تركه كان على ضلالة». و في رواية الترمذي عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي»، أحدهما أعظم من الآخر: و هو كتاب اللّه؛ «حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل
(1) الخازن.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 21
بيتي، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
و منها: ما أخرجه مسلم أيضا: عن عمر بن الخطاب قال:
أما إنّ نبيّكم صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إنّ اللّه تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما، و يضع به آخرين».
و منها: ما روي عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن، كالبيت الخرب». أخرجه الترمذيّ، و قال: حديث حسن صحيح.
و منها: ما أخرجه البخاريّ، عن عثمان بن عفان- رضي اللّه عنه: عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «خيركم من تعلّم القرآن، و علّمه».
و منها: ما روي عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة، و الذي يقرأ القرآن، و يتعتع فيه و هو عليه شاقّ له أجران». متّفق عليه.
(الماهر): الحاذق الكامل الحفظ، الجيّد التلاوة. (يتعتع)؛ أي:
يتردّد في تلاوته؛ لضعف حفظه. (له أجران) يعني: أجر بسبب القراءة، و أجر بسبب تعبه فيها و المشقّة فيها، و ليس معناه: أنّ له أجرا أكثر من أجر الماهر، بل الماهر أفضل منه، و أكثر أجرا.
و منها: ما روي عن أبي موسى الأشعري- رضي اللّه عنه- أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن؛ كمثل الأترجّة طعمها طيّب، و ريحها طيّب، و مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن،
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 22
كمثل التمرة طعمها طيّب، و لا ريح له، و مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن، كمثل الريحانة ريحها طيّب، و طعمها مرّ، و مثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن، كمثل الحنظلة طعمها مرّ، و لا ريح لها».
متّفق عليه. فيه دليل على فضيلة حفّاظ القرآن، و مشروعيّة ضرب الأمثال؛ لإيضاح المقاصد.
و منها: ما روي عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من قرأ حرفا من كتاب اللّه، فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم* حرف، و لكن ألف حرف، و لام حرف، و ميم حرف». أخرجه الترمذي، و قال: حديث حسن صحيح.
و منها: ما روي عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- قال: قال رجل: يا رسول اللّه! أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه تعالى؟ قال:
«الحالّ المرتحل»، قال: و ما الحال المرتحل؟ قال: «الذي يضرب من أوّل القرآن إلى آخره، كلّما حلّ ارتحل». أخرجه الترمذي.
و منها: ما روي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، و رتّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإنّ منزلك عند اللّه آخر آية تقرؤها» أخرجه الترمذي، و قال: حديث حسن صحيح.
و منها: ما روي عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «يجيء القرآن يوم القيامة، فيقول: يا ربّ! حلّه، فيلبس تاج الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ! زده، فيلبس حلّة الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ! ارض
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 23
عنه، فيرضى عنه، فيقال: اقرأ، وارق، و يزاد بكلّ آية حسنة».
أخرجه الترمذي، و قال: حديث حسن.
و منها: ما روي عن سهل بن معاذ الجهنيّ، عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «من قرأ القرآن و عمل به، ألبس والداه يوم القيامة تاجا، ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنّكم بالذي عمل بهذا» أخرجه أبو داود.
و منها: ما روي عن علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من قرأ القرآن فاستظهره، فأحلّ حلاله، و حرّم حرامه، أدخله اللّه الجنّة، و شفّعه في عشرة من أهل بيته، كلّهم قد وجبت لهم النار». أخرجه الترمذي، و قال: حديث غريب، و ليس له إسناد صحيح.
و منها: ما روي عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «ما أذن اللّه لشيء، كإذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن يجهر به» متّفق عليه. ما أذن اللّه، أي: استمع لمن يتغنّى بالقرآن، أي:
يحسّن صوته به.
و منها: ما روي عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن».
و منها: ما روي عن عقبة بن عامر- رضي اللّه عنه، قال:
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، و المسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصدقة» أخرجه أبو داود، و النسائيّ، و الدارميّ، و الترمذي، و قال: حديث حسن غريب.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 24
و في «مسند أبي داود الطيالسيّ: و هو أوّل مسند ألّف في الإسلام، عن عبد اللّه بن عمرو، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.
قال: «من قام بعشر آيات، لم يكتب من الغافلين، و من قام بمائة آية، كتب من القانتين، و من قام بألف آية، كتب من المقنطرين». و الآثار في معنى هذا الفصل كثيرة، و فيما ذكرناه كفاية، و اللّه الموفّق للهداية.
و اللّه أعلم
***
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 25
الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب اللّه تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك «1»
روى البخاري، عن قتادة قال: سألت أنسا عن قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم؟ قال: (يمدّ مدّا، إذ قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* (1)، يمدّ بسم اللّه و يمدّ بالرحمن و يمدّ بالرحيم).
و روى الترمذي، عن أمّ سلمة قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقطّع قراءته، يقول: «الحمد للّه ربّ العالمين»، ثمّ يقف الرحمن الرحيم، ثمّ يقف، و كان يقرأ مالك يوم الدين. قال: حديث غريب. و أخرجه أبو داود بنحوه.
و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنّه قال: «أحسن الناس صوتا؛ من إذا قرأ رأيته يخشى اللّه تعالى».
و روي عن زياد النّميري: «أنّه جاء مع القرّاء إلى أنس بن مالك، فقيل له: اقرأ، فرفع صوته و طرّب؛ و كان رفيع الصّوت، فكشف أنس عن وجهه، و كان على وجهه خرقة سوادء، فقال: (يا هذا ما هكذا يفعلون)، و كان إذا رأى شيئا ينكره، كشف عن وجهه الخرقة.