کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 101
الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه
روي: أنّ القرّاء، لما قسّموا القرآن في زمن الحجّاج إلى ثلاثين جزءا، قسموه أيضا إلى نصفين، فقال لهم الحجّاج:
أخبروني إلى أيّ حرف ينتهي نصف القرآن؟ فإذا هو في الكهف وَ لْيَتَلَطَّفْ في الفاء. قال فأخبروني بأثلاثه؟ فإذا الثلث الأول:
رأس مائة من براءة و الثلث الثاني: رأس مائة و إحدى و عشرين من طسم (1) الشعراء، و الثلث الثالث: ما بقي من القرآن. قال فأخبروني بأسباعه على الحروف؟ فإذا أول سبع: في النساء فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ في الدال، و السبع الثاني: في الأعراف فَأُولئِكَ حَبِطَتْ* في التاء، و السبع الثالث في الرعد أُكُلُها دائِمٌ في الألف من آخر أكلها، و السبع الرابع في الحج وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً في الألف، و السبع الخامس: في الأحزاب وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ في الهاء، و السبع السادس: في الفتح الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ في الواو، و السبع السابع: ما بقي من القرآن.
قال سلام، أبو محمد الحماني: أمرني الحجاجّ بهذه التقسيمات، فعملناها في أربعة أشهر، و كان الحجاج يقرأ كل ليلة
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 102
ربعا؛ فأول ربعه: خاتمة الأنعام، و الربع الثاني: في الكهف وَ لْيَتَلَطَّفْ و الربع الثالث: خاتمة الزمر، و الربع الرابع: ما بقي من القرآن، و في هذه الجملة خلاف مذكور في كتاب «البيان» لأبي عمرو الداني، من أراد الوقوف عليه وجده هناك. و عن السلف الصالحين. من ختم القرآن على هذا الترتيب الذي نذكره، ثم دعا تقبل حاجته، و هو الترتيب الذي كان يفعله عثمان- رضي اللّه عنه- يقرأ يوم الجمعة من أوله إلى سورة الأنعام، و يوم السبت من سورة الأنعام إلى سورة يونس، و يوم الأحد من سورة يونس إلى سورة طه، و يوم الاثنين من سورة طه إلى سورة العنكبوت، و يوم الثلاثاء من سورة العنكبوت إلى سورة الزمر، و يوم الأربعاء من سورة الزمر إلى سورة الواقعة، و يوم الخميس من سورة الواقعة إلى آخر القرآن.
و قيل: أحزاب القرآن سبعة:
الحزب الأوّل: ثلاث سور.
و الثاني: خمس سور.
و الثالث: سبع سور.
و الرابع: تسع سور.
و الخامس: إحدى عشرة سورة.
و السادس: ثلاث عشرة سورة.
و السابع: المفصّل من ق. و في «فتح الرحمن»: و أحزاب
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 103
القرآن ستون حزبا. و على هذا الحزب نصف الجزء، و على هذا العمل الآن في المصاحف.
و اللّه أعلم
***
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 104
الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السّور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك
و أمّا وضع الأعشار: فقال ابن عطية، مرّ بي في بعض التواريخ: أن المأمون العباسي، أمر بذلك. و قيل إن الحجّاج فعل ذلك؛ أي: جزّأ الحجّاج القرآن عشرة أجزاء، و كتب عند أول كل عشر بهامش المصحف (عشر) بضم العين، و كذلك كتب الأسباع.
و ذكر أبو عمرو الداني في كتاب «البيان» له، عن عبد اللّه: أنه كره التعشير في المصحف، و أنه كان يحكّه. و عن مجاهد: أنه كره التعشير، و الطيب في المصحف. و قال أشهب: سمعت مالكا، و سئل عن العشور التي تكون في المصحف بالحمرة، و غيرها من الألوان؟ فكره ذلك، و قال: (تعشير القرآن لا بأس به).
و سئل عن المصحف؛ يكتب فيها خواتم السور في كل سورة ما فيها من آية؟ قال: إني أكره ذلك في أمهات المصاحف، أن يكتب فيها شيء، أو يشكّل، فأما ما يتعلم فيها الغلمان من المصاحف؛ فلا أرى بذلك بأسا. قال أشهب: ثم أخرج إلينا مصحفا لجدّه كتبه: إذ كتب عثمان المصاحف، فرأينا خواتمه من حبر على عمل السلسلة في طول السطر، و رأيته معجوم الآي
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 105
بالحبر. و قال قتادة: بدؤوا فنقّطوا، ثم خمّسوا، ثم عشّروا. و قال يحيى بن أبي كثير: كان القرآن مجرّدا في المصاحف، فأول ما أحدثوا فيه: النقطة على الباء، و التاء، و الثاء، و قالوا: لا بأس به هو نور له، ثم أحدثوا نقطا عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتح، و الخواتم.
و عن أبي جمرة: رأى إبراهيم النخعي في مصحفي فاتحة سورة كذا و كذا، فقال لي: أمحه، فإن عبد اللّه بن مسعود قال:
(لا تخلطوا في كتاب اللّه ما ليس فيه). و عن أبي بكر السراج قال:
قلت لأبي رزين: أأكتب في مصحفي سورة كذا و كذا؟ قال: إني أخاف أن ينشأ قوم لا يعرفونه، فيظنونه من القرآن. قال الداني- رحمه اللّه تعالى-: و هذه الأخبار كلها، تؤذن بأن التعشير و التخميس، و التّثمين، و فواتح السور، و رؤوس الآي من عمل الصحابة- رضي اللّه عنهم أجمعين- فأدّاهم إلى عمله الاجتهاد، و أرى: أن من كره ذلك منهم، و من غيرهم؛ إنما كره أن يعمل بالألوان، كالحمرة، و الصّفرة، و غيرهما، على أن المسلمين في سائر الآفاق قد أطبقوا على جواز ذلك، و استعماله في الأمهات، و غيرها. و الحرج، و الخطأ مرتفعان عنهم فيما أطبقوا عليه إن شاء اللّه تعالى.
و اللّه أعلم
***
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 106
الفصل التاسع عشر في بيان أوّل من وضع النّقط، و الشّكل، و الشّدّة، و المدّة، و الهمزة، و علامة الغنّة في المصاحف، و أوّل من وضع النّحو، و جعل الإعراب فيها
و كانت المصاحف العثمانية مجرّدة من النقط، و الشكل، و الشدّة، و المدّة، و علامة الإعراب، فلم يكن فيها إعراب، و سبب ترك الإعراب فيها، و اللّه أعلم؛ استغناؤهم عنه، فإن القوم كانوا عربا لا يعرفون اللحن، و لم يكن في زمنهم نحو.
و أوّل من وضع النحو، و جعل الإعراب في المصاحف: أبو الأسود الدّؤليّ، التابعيّ، البصريّ.
حكى أنه سمع قارئا يقرأ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ بكسر اللام (في رسوله)، فأعظمه ذلك، و قال: عزّ وجه اللّه أن يبرأ من رسوله، ثم جعل الإعراب في المصاحف. و كان علامته:
نقطا بالحمرة غير لون المداد، فكانت علامة الفتحة: نقطة فوق الحرف و علامة الضمة: نقطة في نفس الحرف، و علامة الكسرة:
نقطة تحت الحرف، و علامة الغنة: نقطتين، ثم أحدث الخليل بن أحمد الفراهيدي بعد هذا، هذه الصور: الشدّة، و المدّة، و الهمزة، و علامة السكون، و علامة الوصل، و نقل الإعراب من صورة النقطة
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 107
إلى ما هو عليه الآن. و أما النقط المميزة بين الحروف، فأوّل من وضعها في المصحف: نصر بن عاصم الليثيّ، بأمر الحجاج بن يوسف، أمير العراق، و خراسان، و سببه: أنّ الناس كانوا يقرأون في مصحف عثمان، نيّفا و أربعين سنة إلى يوم عبد اللّه بن مروان، ثم كثر التصحيف، و انتشر بالعراق، فأمر الحجاج أن يضعوا لهذه الأحرف المشتبهة علامات، فقام بذلك نصر المذكور، فوضع النّقطة أفرادا، و أزواجا، و خالف بين أماكنها، و كان يقال له نصر الحروف. و أوّل ما أحدثوا النقطة على الباء، و التاء، و قالوا: لا بأس به هو نور له، ثم أحدثوا نقطا عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتح، و الخواتم. فأبو الأسود هو السابق إلى إعرابه، و المبتدىء به، ثم نصر بن عاصم، وضع النقط بعده، ثم الخليل بن أحمد نقل الإعراب إلى هذه الصّورة، و كان مع استعمال النّقط، و الشكل يقع التصحيف، فالتمسوا حيلة، فلم يروا فيها إلا على الأخذ من أفواه الرجال بالتلقين، فانتدب جهابذة علماء الأمة، و صناديد الأئمّة، و بالغوا في الاجتهاد، و جمعوا الحروف، و القراءات، حتى بيّنوا الصواب، و أزالوا الإشكال- رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.
و أوّل من خطّ بالعربية: يعرب بن قحطان، و كان يتكلم بالعربية، و السريانية.