کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 137
رمضان، إلى غير ذلك مما لم يثبت في الدين، فإذا ردّ هذا بالإجماع، كان الإجماع على القرآن أثبت و آكد.
قال الإمام أبو بكر، محمد بن القاسم، بن بشار، بن محمد الأنباري: و لم يزل أهل الفضل، و العقل يعرفون من شرف القرآن، و علوّ منزلته، ما يوجبه الحقّ، و الإنصاف و الديانة، و ينفون عنه قول المبطلين، و تمويه الملحدين، و تحريف الزائفين، حتى نبع في زماننا هذا، زائغ زاغ عن الملّة، و هجم على الأمة بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال اللّه يؤيدها، و يثبت أسّها، و ينمي فرعها، و يحرسها من معايب أولي الحيف، و الجور، و مكايد أهل العداوة، و الكفر، فزعم: أن المصحف الذي جمعه عثمان- رضي اللّه عنه- باتفاق أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، على تصويبه فيما فعل، لا يشتمل على جميع القرآن، إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف، قد قرأت بعضها، و سأقرأ بقيتها.
فمنها: و العصر و نوائب الدّهر فقد سقط من القرآن على جماعة المسلمين، و نوائب الدهر.
و منها: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ و ما كان اللّه ليهلكهم إلّا بذنوب أهلها فادّعى هذا الإنسان، أنّه سقط على أهل الإسلام من القرآن و ما كان اللّه ليهلكهم إلّا بذنوب أهلها و ذكر مما يدّعي حروفا كثيرة.
و ادعى: أن عثمان، و الصحابة- رضي اللّه عنهم- زادوا في
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 138
القرآن ما ليس فيه، فقرأ في صلاة الفرض، و الناس يسمعون:
اللّه الواحد الصمد فأسقط من القرآن: قُلْ هُوَ* ، و غير لفظ أحد، و ادعى أنّ هذا هو الصواب، و الذي عليه الناس هو الباطل، و المحال. و قرأ في صلاة الفرض قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ و طعن على قراءة المسلمين. و ادّعى: أنّ المصحف الذي في أيدينا اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيّرة.
منها: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) فادّعى: أنّ الحكمة، و العزّة لا يشاكلان المغفرة، و أن الصواب وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و ترامى به الغيّ في هذا، و أشكاله، حتى ادّعى: أنّ المسلمين يصحّفون وَ كانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً و الصواب الذي لم يغيّر عنده: و كان عبد اللّه وجيها و حتى قرأ في صلاة مفترضة، على ما أخبرنا جماعة سمعوه، و شهدوه: لا تحرّك به لسانك إنّ علينا جمعه- و قراءته فإذا قرأناه فاتبع قراءته ثم إن علينا نبأ به. و حكى لنا آخرون عن آخرين: أنهم سمعوه يقرأ: و لقد نصركم ببدر بسيف عليّ و أنتم أذلّةو روى هؤلاء أيضا لنا عنه، قال: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ و أخبرونا أنّه: أدخل في آية من القرآن، ما لا يضاهي فصاحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و لا يدخل في لسان قومه، الذين قال اللّه عزّ و جلّ فيهم: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ فقرأ:
أ ليس قلت للناس في موضع أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ و هذا لا يعرف في نحو المعربين، و لا يحمل على مذاهب النحويّين؛ لأنّ
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 139
العرب لم تقل: ليس قمت، فأمّا: ألست قمت؟ بالتاء، فشاذّ، قبيح، خبيث، رديء، لأنّ ليس لا تجحد الماضي، و لم يوجد مثل هذا إلّا في قولهم: أليس قد خلق اللّه مثلهم؟ و هو لغة شاذّة، لا يحمل كتاب اللّه عليها.
و ادّعى: أنّ عثمان- رضي اللّه عنه-: لمّا أسند جمع القرآن إلى زيد بن ثابت لم يصب؛ لأنّ عبد اللّه بن مسعود، و أبيّ بن كعب، كانا أولى بذلك من زيد؛ لقول النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «اقرأ أمتي أبيّ بن كعب». و لقوله صلّى اللّه عليه و سلم: «من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أمّ عبد». و قال هذا القائل: لي أن أخالف مصحف عثمان، كما خالفه أبو عمرو بن العلاء، فقرأ إنّ هذين فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ فَبَشِّرْ عِبادِ الذين بفتح الياء فَما آتانِيَ اللَّهُ بفتح الياء، و الذي في المصحف: إِنْ هذانِ بالألف فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ بغير واو فَبَشِّرْ عِبادِ فَما آتانِيَ اللَّهُ بغير ياءين في الموضعين، و كما خالف ابن كثير، و نافع، و حمزة، و الكسائيّ مصحف عثمان فقرؤوا: كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ بإثبات نونين، يفتح الثانية بعضهم، و يسكّنها بعضهم، و في المصحف نون واحدة، و كما خالف حمزة المصحف، فقرأ: أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ بنون واحدة، و وقف على الياء، و في المصحف نونان، و لا ياء بعدهما، و كما خالف حمزة أيضا المصحف، فقرأ: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ بغير تنوين، و إثبات الألف يوجب التنوين، و كلّ هذا الذي شنّع به على القرّاء ما يلزمهم به خلاف المصحف. قال أبو
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 140
بكر: و ذكر هذا الإنسان: أنّ أبيّ بن كعب هو الذي قرأ: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ و ما كان اللّه ليهلكها إلّا بذنوب أهلها و ذلك باطل؛ لأنّ عبد اللّه بن كثير قرأ على مجاهد، و مجاهد قرأ على ابن عباس، و ابن عباس قرأ القرآن على أبيّ بن كعب حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ في رواية، و قرأ أبيّ القرآن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و هذا الإسناد متّصل بالرسول صلّى اللّه عليه و سلم، نقله أهل العدالة، و الصيانة، و إذا صح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أمر، لم يؤخذ بحديث يخالفه. و قال يحيى بن المبارك: قرأت القرآن على أبي عمرو بن العلاء، و قرأ أبو عمرو على مجاهد، و قرأ مجاهد على ابن عباس، و قرأ ابن عباس على أبيّ بن كعب، و قرأ أبيّ بن كعب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و ليس فيها، و ما كان اللّه ليهلكها إلّا بذنوب أهلها فمن جحد أنّ هذه الزيادة أنزلها اللّه تعالى على نبيّه صلّى اللّه عليه و سلم، فليس بكافر، و لا آثم. و مثل هذه الزيادة: ما رووا عن ابن عباس أنّه قرأ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ في مواسم الحج. و ما حكوه عن عمر بن الخطاب أنّه قرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، و غير الضالين فهذه الزيادات، و نظائرها، لو جحدها جاحد، أنّها من القرآن لم يكن كافرا. و القرآن الذي جمعه عثمان بموافقة الصحابة له، لو أنكر بعضه منكر كان كافرا، حكمه حكم المرتد، يستتاب، فإن تاب، و إلا ضربت عنقه.
و قال أبو عبيد: لم يزل صنيع عثمان- رضي اللّه عنه- في جمعه القرآن يعتدّ له؛ بأنه من مناقبه العظام. و قد طعن عليه فيه
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 141
بعض أهل الزيغ، فانكشف عواره، و وضحت فضائحه. و قال أبو عبيد: و قد حدثت عن يزيد بن زريع، عن عمران بن جرير، عن أبي مجلز قال: طعن قوم على عثمان- رضي اللّه عنه- بحمقهم جمع القرآن، ثم قرؤوا ما نسخ. قال أبو عبيد: يذهب أبو مجلز إلى أن عثمان أسقط الذي أسقط بعلم، كما أثبت الذي أثبت بعلم. قال أبو بكر: و في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) دلالة على: كفر هذا الإنسان؛ لأن اللّه عزّ و جلّ، قد حفظ القرآن من التغيير، و التبديل، و الزيادة، و النقصان، فإذا قرأ قارىء تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ و قد تب ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ و مريّته حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ ليف فقد كذب على اللّه جلّ و علا، و قوّله ما لم يقل، و بدّل كتابه، و حرّفه، و حاول ما قد حفظه منه، و منع عن اختلاطه به، و في هذا الذي أتاه؛ توطئة الطريق لأهل الإلحاد؛ ليدخلوا في القرآن ما يحلون به عرى الإسلام، و ينسبونه إلى قوم، كهؤلاء القوم، الذين أحال هذا الإنسان بالأباطيل عليهم، و فيه إبطال الإجماع الذي به يحرس الإسلام، و بثباته تقام الصلوات، و تؤدّى الزكوات، و تتحرّى المتعبدات. و في قول اللّه تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ دلالة على: بدعة هذا الإنسان، و خروجه إلى الكفر، لأن معنى أحكمت آياته: منع الخلق من القدرة على أن يزيدوا فيها، أو ينقصوا منها، أو يعارضو بمثلها. و قد وجدنا هذا الإنسان زاد فيها: و كفى اللّه المؤمنين القتال بعليّ و كان اللّه قويا عزيزا فقال في القرآن: هجرا. و ذكر عليّا في مكان، لو سمعه
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 142
يذكره فيه، لأمضى عليه الحدّ، و حكم عليه بالقتل، و أسقط من كلام اللّه قُلْ هُوَ* و غيّر أحد، فقرأ: اللّه الواحد الصمد و إسقاط ما أسقطه نفي، و كفر به، و من كفر بحرف من القرآن، فقد كفر به، إلى آخر ما أطال به القرطبيّ رحمه اللّه تعالى.
و اللّه أعلم
***
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، متن، ص: 143
الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟
و اعلم: أنه لا خلاف بين الأمّة: أنه ليس في القرآن كلام مركّب على أساليب غير العرب، و أنّ فيه أسماء أعلاما لمن لسانه غير لسان العرب، كإسرائيل، و جبرائيل، و عمران، و نوح، و لوط، و اختلفوا: هل وقع فيه ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب؟ فذهب القاضي أبو بكر بن الطيّب، و الطبريّ، و غيرهما:
إلى أنّ ذلك لا يوجد فيه، و أنّ القرآن عربيّ صريح، و ما وجد فيه من الألفاظ التي تنسب إلى سائر اللغات؛ إنّما اتّفق فيها أن تواردت اللغات عليها، فتكلّمت بها العرب، و الفرس، و الحبشة، و غيرهم، و ذهب بعضهم: إلى وجودها فيه، و أن تلك الألفاظ لقلّتها، لا تخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، و لا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، عن كونه متكلّما بلسان قومه. فالمشكاة: الكوّة، و نشأ: قام من الليل و منه إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ و يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ أي: ضعفين، و فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) أي: الأسد كله بلسان الحبشة، و الغسّاق: البارد المنتن بلسان الترك، و القسطاس: الميزان بلغة الروم، و السجّيل: