کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 48

قال اللّه سبحانه و تعالى:

[سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 7]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)

التفسير و أوجه القراءة

استدراك في بحث البسملة: و الباء «1» في‏ بِسْمِ اللَّهِ‏ : حرف خافض يخفض ما بعده، مثل: من و عن، و المتعلق به مضمر محذوف؛ لدلالة الكلام عليه، تقديره: أبدأ باسم اللّه أو باسم اللّه أبدأ أو أقرأ. و إنما طوّلت الباء في‏ بِسْمِ اللَّهِ‏ ، و أسقطت الألف؛ طلبا للخفة، و قيل: لمّا أسقطوا الألف عوضوا طولها عن الألف المحذوفة، و أثبتت الألف في قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏ ، و قوله: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏ ؛ لقلّة استعماله. و قيل: إنّما طوّلوا الباء؛ لأنّهم أرادوا أن يستفتحوا كتاب اللّه بحرف معظم. و قيل: الباء حرف منخفض الصورة، فلمّا اتصل باسم اللّه ارتفع و استعلى، و قيل: إنّ عمر بن عبد العزيز كان يقول لكتّابه: طوّلوا الباء من‏ بِسْمِ اللَّهِ‏ و أظهروا السين، و دوّروا الميم؛ تعظيما لكتاب اللّه تعالى.

و الاسم: هو المسمى عينه، و ذاته، قال اللّه تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى‏ ، ثمّ نادى الاسم فقال: يا يَحْيى‏ ، و قال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ‏ ، و تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ‏ ، و هذا القول ليس بقوي. و الصحيح المختار: أنّ الاسم غير المسمى، و غير التسمية، فالاسم: ما تعرف به ذات الشي‏ء، و ذلك؛ لأنّ الاسم هو الأصوات المقطّعة، و الحروف المؤلّفة على ذات ذلك الشي‏ء، فثبت بهذا أنّ الاسم غير المسمى، و أيضا: قد تكون الأسماء كثيرة، و المسمّى واحد، كقوله‏

(1) الخازن.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 49

تعالى: وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ ، و قد يكون الاسم واحدا، و المسمّيات به كثيرة، كالأسماء المشتركة، و ذلك يوجب المغايرة، و أيضا فقوله: فَادْعُوهُ بِها أمر أن يدعى اللّه تعالى بأسمائه، فالاسم آلة الدعاء، و المدعو هو اللّه تعالى، فالمغايرة حاصلة بين ذات المدعو، و بين اللفظ المدعو به.

و أجيب عن قوله تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى‏ بأنّ المراد: ذات الشخص المعبّر عنه بيحيى، لا نفس الاسم. و أجيب عن قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ‏ و تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ‏ : بأنّ معنى هذه الألفاظ: يقتضي إضافة الاسم إلى اللّه تعالى، و إضافة الشي‏ء إلى نفسه محال. و قيل: كما يجب تنزيه ذاته تعالى عن النقص فكذلك يجب تنزيه أسمائه.

و كون الاسم غير التسمية، هو أنّ التسمية: عبارة عن تعيين اللفظ المعيّن؛ لتعريف ذات الشي‏ء، و الاسم عبارة عن تلك اللفظة المعينة، و الفرق ظاهر مما ذكرنا. و اختلفوا في اشتقاق الاسم كما مرّ، فقال البصريون: من السموّ، و هو العلوّ، فاسم الشي‏ء ما علاه حتى ظهر به، و علا عليه، فكأنه علا على معناه، و صار علما له. و قال الكوفيون: من السمة، و هي العلامة، فكأنّه علامة لمسمّاه.

و حجة البصريين: لو كان الاسم اشتقاقه من السمة؛ لكان تصغيره و سيما، و جمعه أو ساما، و أجمعوا على أنّ تصغيره سميّ، و جمعه أسماء، و آسام.

اللَّهِ‏ : هو اسم‏ «1» خاص للّه تعالى، تفرّد به البارى‏ء سبحانه و تعالى، ليس بمشتقّ، و لا يشركه فيه أحد، و هو الصحيح المختار. دليله قوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا . و قيل: هو مشتق من أله يأله إلاهة من باب فتح، مثل: عبد الرجل يعبد عبادة. دليله قوله تعالى: وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ‏ ؛ أي: و عبادتك على قراءة قرّاء كسر الهمزة. و معناه: المستحق للعبادة دون غيره. و قيل: من الوله، و هو الفزع؛ لأن الخلق يولهون إليه؛ أي: يفزعون إليه في حوائجهم. قال بعضهم:

و لهت إليكم في بلايا تنوبني‏

فألفيتكم فيها كرائم محتد

(1) الخازن.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 50

و قيل: أصله أله، يقال: ألهت إلى فلان، أي: سكنت إليه، فكأنّ الخلق يسكنون إليه و يطمئنّون بذكره. و قيل: أصله ولاه، فأبدلت الواو همزة، سمّي بذلك؛ لأنّ كلّ مخلوق و اله نحوه: إمّا بالتحيّر، أو بالإرادة، و من هذا قيل: اللّه محبوب كلّ الأشياء، يدلّ عليه قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏ .

و من خصائص هذا الاسم: أنّك إذا حذفت منه شيئا، بقي الباقي يدّل عليه، فإن حذفت الألف بقي للّه، و إن حذفت اللام، و أثبتّ الألف بقي إله، و إن حذفتهما بقي له، و إن حذفت الألف و اللامين معا، بقي هو، و الواو عوض عن الضمّة.

و ذهب بعضهم إلى أنّ هذا الاسم هو الاسم الأعظم؛ لأنّه يدّل على الذات، و باقي الأسماء تدلّ على الصفات.

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرقّ من الآخر. و قيل: هما بمعنى؛ مثل: ندمان و نديم، و معناهما: ذو الرحمة، و إنما جمع بينهما؛ للتأكيد. و قيل: ذكر أحدهما بعد الآخر؛ تطميعا لقلوب الراغبين إليه. و قيل: الرحمن فيه معنى العموم، و الرحيم فيه معنى الخصوص. فالرحمن:

بمعنى الرزاق في الدنيا، و هو على العموم لكافة الخلق المؤمن و الكافر، و الرحيم:

بمعنى الغفور الكافي للمؤمنين في الآخرة، فهو على الخصوص؛ و لذلك قيل:

رحمن الدنيا، و رحيم الآخرة، و رحمة اللّه؛ إرادة الخير و الإحسان لأهله. و قيل:

هي ترك عقوبة من يستحق العقاب، و إسداء الخير و الإحسان إلى من لا يستحق، فهو على الأول صفة ذات، و على الثاني صفة فعل. و قيل: الرحمن بكشف الكروب، و الرحيم بغفر الذنوب. و قيل: الرحمن بتبيين الطريق، و الرحيم بالعصمة و التوفيق، و اللّه سبحانه و تعالى أعلم بحقائق أسمائه. اه. من الخازن.

الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ ؛ أي: جنس الحمد، و الثناء الحسن مستحقّ للّه سبحانه و تعالى وحده، فلا يستحق لغيره؛ لأنّه الفاعل المختار. و الأولى‏ «1» من‏

(1) عمدة التفاسير.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 51

الاحتمالات التسعة، الجارية في جملة الحمدلة؛ أن تكون (أل) جنسية، و اللام للاستحقاق كما في حلّنا؛ لأنّه يلزم من استحقاق الجنس استحقاق الإفراد؛ أي:

جنس الحمد مستحقّ للّه سبحانه؛ و ذلك لأنّ (أل) في‏ الْحَمْدُ : إمّا جنسيّة؛ أي:

جنس الحمد، أو استغراقية؛ أي: كلّ الحمد بأنواعه، أو للعهد؛ أي: الحمد المعهود، و هو حمد اللّه لنفسه، و حمد عباده له، و اللام في‏ لِلَّهِ‏ : إما للاستحقاق، أو للملك، أو للاختصاص، فهذه ثلاثة في الثلاثة الأولى بتسعة. و قال النسفي:

الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ لفظه خبر، كأنّه سبحانه يخبر «1» ، أنّ المستحقّ للحمد هو اللّه تعالى، و معناه الأمر؛ أي: قولوا: الحمد للّه، و فيه تعليم الخلق كيف يحمدونه.

و الْحَمْدُ لغة «2» : هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.

و عرفا: فعل يدلّ على تعظيم المنعم بسبب كونه منعما، سواء كان قولا باللسان؛ بأن يثني عليه به، أو اعتقادا بالجنان، بأن يعتقد اتصافه بصفات الكمال، أو عملا و خدمة بالأعضاء، و الأركان؛ بأن يجهد نفسه في طاعته، فمورد العرفي؛ أي: محلّه عامّ، و متعلّقه؛ أي: سببه الباعث عليه، و هو النعمة خاصّ، و الشكر: مقابلة النعمة قولا، و عملا، و اعتقادا، قال بعضهم:

و ما كان شكري وافيا بنوالكم‏

و لكنني حاولت في الجهد مذهبا

أفادتكم النعماء منّي ثلاثة

يدي و لساني و الضمير المحجّبا

يعني: أنّ الشكر هو الاعتراف بالفضل، إزاء نعمة صدرت من المشكور، بالقلب، أو باللسان، أو باليد، أو غيرها من الأعضاء، كما في البيت: يريد الشاعر أنّ يدي، و لساني، و قلبي لكم فليس في القلب إلّا نصحكم و محبتكم، و لا في اللسان، إلّا الثناء عليكم و مدحكم، و لا في اليد، و سائر الجوارح، و الأعضاء؛ إلّا مكافأتكم و خدمتكم.

(1) النسفي.

(2) البيضاوي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 52

و المدح: هو الثناء على الجميل مطلقا. تقول: حمدت زيدا على علمه، و كرمه، و لا تقول: حمدته على حسنه، بل مدحته. و قيل: هما أخوان. و الشكر أعمّ منهما من وجه، و أخصّ من آخر. و قيل: الحمد باللسان قولا، و الشكر بالأركان فعلا، و الذمّ نقيض الحمد، و الكفران نقيض الشكر، و الثناء يستعمل في المدح، و الذّم على السواء، فيقال: أثنى للّه عليه شرّا كما يقال: أثنى عليه خيرا.

و رفعه بالابتداء، و خبره‏ لِلَّهِ‏ ، و أصله النصب، و قد قرى‏ء به؛ لأنّه من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة أقيمت مقامها، لا تكاد تستعمل معها، كسقيا لك، و رعيا لك. و إنّما عدل عنه إلى الرفع؛ ليدلّ على عموم الحمد، و ثباته دون تجدده، و حدوثه، و لهذا أجمع‏ «1» عليها القرّاء السبعة. و قراءة النصب تحتاج إلى عامل مقدر من مادة الحمد، و اللام عليها؛ للتبيين، تقديره: أحمد للّه، أو حمدت للّه، فيتخصّص الحمد؛ بتخصيص فاعله، و أشعر بالتجدد و الحدوث، و اللام متعلّقة بالعامل المحذوف: ك: لام سقيا لك، و قدر بعضهم عاملا للنصب فعلا غير مشتق من الحمد؛ أي: أقول الحمد للّه، أو إلزموا الحمد للّه، كما حذفوا من نحو:

اللهم و ضبعا و ذئبا، و الأول هو الصحيح؛ لدلالة اللفظ عليه، و قرى‏ء الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ «2» باتباع الدال اللام، و بالعكس تنزيلا لهما، من حيث إنهما يستعملان معا منزلة كلمة واحدة. قال الشيخ داود القيصري‏ «3» : الحمد قوليّ، و فعليّ، و حاليّ، أمّا القولي: فحمد اللسان، و ثناؤه عليه بما أثنى به الحق على نفسه، على لسان أنبيائه عليهم السلام، و أمّا الفعليّ: فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات، و الخيرات؛ ابتغاء لوجه اللّه تعالى، و توجها إلى جنابه الكريم؛ لأنّ الحمد كما يجب على الإنسان باللسان، كذلك يجب عليه بحسب كلّ عضو، بل على كلّ عضو، كالشكر، و عند كلّ حال من الأحوال، كما قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «الحمد للّه على كلّ حال»، و ذلك لا يمكن، إلّا باستعمال كلّ عضو فيما خلق لأجله، على الوجه‏

(1) البحر المحيط.

(2) البيضاوي.

(3) روح البيان.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 53

المشروع؛ عبادة للحق تعالى و انقيادا لأمره، لا طلبا لحظوظ النفس، و مرضاتها.

و أما الحاليّ: فهو الذي يكون بحسب الروح، و القلب، كالاتصاف بالكمالات العلمية، و العملية، و التخلّق بالأخلاق الإلهية؛ لأنّ الناس مأمورون بالتخلّق بأخلاق اللّه تعالى، بلسان الأنبياء عليهم السلام؛ لتصير الكمالات ملكة نفوسهم و ذواتهم.

و ورد في الأثر «1» : (الحمد رأس الشكر ما شكر اللّه عبد لم يحمده). و قد جعله رأس الشكر؛ لأنّ ذكر النعمة باللسان، و الثناء على من أسداها، يشهرها بين الناس، و يجعل صاحبها القدوة المؤتسى به، أمّا الشكر بالقلب: فهو خفيّ قلّ من يعرفه، و كذلك الشكر بالجوارح مبهم لا يستبين لكثير من الناس.

لِلَّهِ‏ اللّه‏ «2» : علم على المعبود بحقّ، المستجمع لجميع صفات الكمال، عربي، مرتجل، جامد، أي: غير مشتقّ، و هو الصحيح. و عند الزمخشري: أنّه اسم جنس صار علما بالغلبة من أله بمعنى: تحيّر. و الإله: هو المعبود سواء بحقّ، أم بباطل، ثمّ غلب في عرف الشرع على المعبود بحقّ، و هو الذات الواجب الوجود. اه. كرخي.

و قد ورد في فضل‏ الْحَمْدُ أحاديث‏ «3» :

منها: ما أخرجه أحمد، و النسائي، و الحاكم، و صححه، و البخاري في «الأدب المفرد» عن الأسود بن سريع قال: قلت: يا رسول اللّه! ألا أنشدك محامد حمدت بها ربّي تبارك و تعالى؟ فقال: «أما إنّ ربّك يحبّ الحمد».

و أخرج الترمذي و حسّنه، و النسائي، و ابن ماجه، و ابن حبان، و البيهقي عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أفضل الذكر لا إله إلا اللّه، و أفضل الدعاء الحمد للّه».

و أخرج ابن ماجه، و البيهقي بسند حسن عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «ما

(1) المراغي.

(2) الفتوحات.

(3) الشوكاني.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 54

أنعم اللّه على عبد نعمة فقال: الحمد للّه، إلّا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ».

و أخرج الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول»، و القرطبي في «تفسيره» عن أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «لو أنّ الدنيا كلّها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثمّ قال: الحمد للّه لكان الحمد أفضل من ذلك»، قال القرطبي: معناه: لكان إلهامه الحمد، أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا؛ لأنّ ثواب الحمد لا يفنى و نعيم الدنيا لا يبقى.

و أخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «ما من عبد ينعم عليه بنعمة، إلّا كان الحمد أفضل منها».

و أخرج عبد الرزاق في «المصنف» نحوه عن الحسن مرفوعا.

و أخرج مسلم، و النسائي، و أحمد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «الطّهور شطر الإيمان، و الحمد للّه تملأ الميزان» الحديث.

و أخرج سعيد بن منصور، و أحمد، و الترمذي و حسّنه، و ابن مردويه، عن رجل من بني سليم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: سبحان اللّه نصف الميزان، و الحمد للّه تملأ الميزان، و اللّه أكبر تملأ ما بين السماء و الأرض، و الطهور نصف الإيمان، و الصوم نصف الصبر».

و غير ذلك من الأحاديث الواردة.

و في «القرطبي» «1» : اختلف العلماء: أيّما أفضل؟ قول العبد: الحمد للّه ربّ العالمين أو قوله: لا إله إلّا اللّه؟ فقالت طائفة: قول الحمد للّه ربّ العالمين أفضل؛ لأنّ في ضمنه التوحيد الذي هو لا إله إلّا اللّه، ففي قوله: الحمد للّه توحيد، و حمد، و في قوله: لا إله إلّا اللّه توحيد فقط. و قالت طائفة: لا إله إلّا اللّه أفضل؛ لأنّها تدفع الكفر، و الإشراك، و عليها يقاتل الخلق. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللّه». و اختار هذا القول ابن عطيّة. قال: و يدّل على ذلك: قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «أفضل ما قلت أنا، و النبيون من قبلي: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له». متفق عليه.

صفحه بعد