کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 67

الزروع. و إن كان جائرا كان باطلا، فارتفع الخير.

قرأ «1» مالِكِ‏ على وزن فاعل بالخفض عاصم، و الكسائي، و خلف في اختياره، و يعقوب، و هي قراءة العشرة المبشرة إلّا طلحة، و الزبير، و قراءة كثير من الصحابة منهم: أبيّ، و ابن مسعود، و معاذ، و ابن عباس، و التابعين منهم:

قتادة، و الأعمش. و قرأ ملك على وزن فعل بالخفض باقي السبعة، و زيد، و أبو الدرداء، و ابن عمر، و المسور، و كثير من الصحابة و التابعين. و قرأ مُلْكِ‏ على وزن سهل: أبو هريرة، و عاصم الجحدري، و رواها الجعفي، و عبد الوارث، عن أبي عمرو، و هي لغة بكر بن وائل. و قرأ ملكي بإشباع كسرة الكاف:

أحمد بن صالح، عن ورش، عن نافع. و قرأ ملك على وزن عجل: أبو عثمان النهدي، و الشعبي، و عطيّة، و نسبها ابن عطية إلى أبي حياة. و قال صاحب اللوامح: قرأ أنس بن مالك، و أبو نوفل، عمر بن مسلم بن أبي عدي ملك يوم الدين بنصب الكاف من غير ألف، و جاء كذلك عن أبي حياة. انتهى. و قرأ كذلك إلّا أنّه رفع الكاف: سعد بن أبي وقاص، و عائشة، و مورّق العجليّ. و قرأ ملك فعلا ماضيا: أبو حياة، و أبو حنيفة، و جبير بن مطعم، و أبو عاصم، عبيد بن عمير الليثي، و أبو المحشر، عاصم بن ميمون الجحدري، فينصبون اليوم. و ذكر ابن عطيّة: أنّ هذه قراءة يحيى بن يعمر، و الحسن، و عليّ بن أبي طالب. و قرأ مالك بنصب الكاف: الأعمش، و ابن السميقع، و عثمان بن أبي سليمان، و عبد الملك قاضي الهند. و ذكر ابن عطيّة: أنّها قراءة عمر بن عبد العزيز، و أبي صالح السمان، و أبي عبد الملك الشاميّ. و روى ابن أبي عاصم، عن اليمان ملكا بالنصب و التنوين. و قرأ مالك برفع الكاف و التنوين: عون العقيليّ، و رويت، عن خلف بن هشام، و أبي عبيد، و أبي حاتم، و بنصب اليوم. و قرأ مالك يوم بالرفع و الإضافة: أبو هريرة، و أبو حياة، و عمر بن عبد العزيز بخلاف عنه، و نسبها صاحب اللوامح إلى أبي روح، عون بن‏

(1) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 68

أبي شدّاد العقيلي ساكن البصرة. و قرأ مليك على وزن فعيل: أبيّ، و أبو هريرة، و أبو رجاء العطاردي. و قرأ مالِكِ‏ بالإمالة البليغة: يحيى بن يعمر، و أيوب السختياني، و بين بين: قتيبة بن مهران، عن الكسائي، و جهل أبو علي الفارسيّ النقل في قراءة الإمالة، فقال: لم يمل أحد من القرّاء ألف مالك، و ذلك جائز إلّا أنّه لا يقرأ بما يجوز إلّا أن يأتي بذلك أثر مستفيض، و ذكر أيضا: أنّه قرى‏ء في الشاذ ملّاك بالألف، و تشديد اللام، و كسر الكاف. فهذه ثلاث عشرة قراءة بعضها راجع إلى الملك، و بعضها إلى المالك، و هما راجعان إلى الملك، و هو الربط، و منه: ملك العجين. ذكره أبو حيان.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ ؛ أي: إيّاك لا غير نخصّ بالعبادة، و نوحّدك، و نطيعك خاضعين لك. و فيه‏ «1» التفات من الغيبة إلى الخطاب، و فائدة ذلك من أوّل السورة إلى هنا ثناء، و الثناء في الغيبة أولى، و من قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ دعاء، و الخطاب في الدعاء أولى. و قيل: فيه مضمر تقديره: أي: قولوا إيّاك نعبد؛ أي:

إيّاك نخصّ بالعبادة، و نوحدك، و نطيعك خاضعين لك، و العبادة: أقصى غاية الخضوع و التذلّل، و سمّي العبد عبدا؛ لذلّته و انقياده. و قيل: «2» العبادة: عبارة عن الفعل الذي يؤدّى به الفرض لتعظيم اللّه تعالى، فقول العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ معناه:

لا أعبد أحدا سواك، و العبادة: غاية التذلّل من العبد، و نهاية التعظيم للرب سبحانه و تعالى؛ لأنّه العظيم المستحقّ للعبادة، و لا تستعمل العبادة إلّا في الخضوع للّه تعالى؛ لأنّه مولي أعظم النعم، و هي إيجاد العبد من العدم إلى الوجود، ثمّ هداه إلى دينه فكان العبد حقيقا بالخضوع، و التذلّل له. و قال ابن كثير: و العبادة في الشرع: عبارة عمّا يجمع كمال المحبّة و الخضوع. اه.

و عبارة المراغي: و العبادة «3» خضوع ينشأ عن استشعار القلب بعظمة المعبود اعتقادا بأنّ له سلطانا لا يدرك العقل حقيقته؛ لأنّه أعلى من أن يحيط به‏

(1) الخازن.

(2) الخازن.

(3) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 69

فكره، أو يرقى إليه إدراكه.

فمن يتذلّل لملك لا يقال: إنّه عبده؛ لأن سبب التذلّل معروف، و هو إما؛ لخوف من جوره و ظلمه، و إما؛ رجاء كرمه و جوده. و للعبادة صور و أشكال تختلف باختلاف الأديان و الأزمان، و كلّها شرعت؛ لتنبيه الإنسان إلى ذلك السلطان الأعلى، و الملكوت الأسمى؛ و لتقويم المعوجّ من الأخلاق، و تهذيب النفوس، فإن لم تحدث هذا الأثر لم تكن هي العبادة التي شرعها الدين.

هاك الصلاة: هب أنّ اللّه أمرنا بإقامتها، و الإتيان بها كاملة، و جعل من آثارها: أنّها تنهى عن الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ ، فإن لم يكن لها هذا الأثر في النفوس، كانت صورا من الحركات و العبارات، خالية من روح العبادة و سرّها، فاقدة جلالها و كمالها، و قد توعّد اللّه سبحانه فاعلها بالويل و الثبور، فقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ‏ ، فهم و إن سمّاهم مصلّين لأنهم أتوا بصورة الصلاة، وصفهم بالسهو عن حقيقتها و لبّها؛ و هو توجّه القلب إلى اللّه و الإخبات إليه، و هو المشعر بعظمته. و في الحديث: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر، لم يزدد من اللّه إلّا بعدا». و أنّها «تلفّ كما يلّف الثوب البالي، و يضرب بها وجهه».

وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ أي‏ «1» : منك لا من غيرك نطلب المعونة على عبادتك، و علي جميع أمورنا دينا و دنيا. فإن قلت: الاستعانة على العمل إنّما تكون قبل الشروع فيه، فلم أخّر الاستعانة عن العبادة، و ما الحكمة فيه؟

قلنا: قدّمت العبادة على الاستعانة؛ لأنّ تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة، أو قدّمها؛ لرعاية الفاصلة كما قدّم الرحمن، و إن كان الأبلغ لا يقدّم. اه. «نسفي».

و عبارة «الخازن» هنا: فإن قلت: الاستعانة على العمل إنّما تكون قبل‏

(1) النسفي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 70

الشروع فيه، فلم أخّر الاستعانة عن العبادة؟

قلت: ذكروا فيه وجوها:

أحدها: أنّ هذا يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل، و نحن بحمد اللّه نجعل التوفيق و الاستطاعة مع الفعل، فلا فرق بين التقديم و التأخير.

الثاني: أنّ الاستعانة نوع تعبّد، فكأنّه ذكر جملة العبادة أولا، ثمّ ذكر ما هو من تفاصيلها ثانيا.

الثالث: كأنّ العبد يقول: شرعت في العبادة فأنا أستعين بك على إتمامها، فلا يمنعني من إتمامها مانع.

و الرابع: أنّ العبد إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ حصل له الفخر، و ذلك منزلة عظيمة، فيحصل بذلك العجب، فأردف ذلك بقوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ ليزول ذلك العجب الحاصل بسبب تلك العبادة.

و في «النسفي»: و أطلقت الاستعانة؛ لتتناول كلّ مستعان فيه، و يجوز أن يراد الاستعانة به و بتوفيقه على أداء العبادات، و يكون قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ بيانا للمطلوب منه المعونة، فكأنّه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ... الخ. اه.

و المجي‏ء بالنون في الفعلين‏ «1» ؛ لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه و عن جنسه من العباد. و قيل: إنّ المقام لمّا كان عظيما، لم يستقلّ به الواحد؛ استقصارا لنفسه، و استصغارا لها، فالمجي‏ء بالنون؛ لقصد التواضع لا لتعظيم النفس، و تقديم المعمول على العامل في الفعلين؛ لقصد الاختصاص. و قيل:

للاهتمام، و الصواب أنّه لهما، و لا تزاحم بين المقتضيات.

و كرّر «2» إِيَّاكَ‏ للتنصيص على اختصاصه تعالى بالاستعانة أيضا، و الاستعانة: طلب العون، و يعدّى بالباء و بنفسه؛ أي: نطلب العون على عبادتك،

(1) الشوكاني.

(2) روح البيان.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 71

أو على ما لا طاقة لنا به، أو على محاربة الشيطان المانع من عبادتك، أو في أمورنا بما يصلحنا في ديننا و دنيانا، و الجامع للأقاويل: نسألك أن تعيننا على أداء الحقّ و إقامة الفروض، و تحمّل المكاره و طلب المصالح. و الضمير المستكن في‏ نَعْبُدُ ، و كذا في‏ نَسْتَعِينُ‏ للقارى‏ء، و من معه من الحفظة و حاضري صلاة الجماعة، أو له و لسائر الموحدين، أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم، و خلط حاجته بحاجتهم، لعلّها تقبل ببركتها، و تجاب، و لهذا شرعت الجماعة.

ثمّ قوله‏ نَعْبُدُ يحتمل أن يكون من العبادة، كما عليه تفسيرنا السابق، أو من العبودة. و العبادة: هي العابدية، و العبودة: هي العبدية، فمن العبادة:

الصلاة بلا غفلة، و الصوم بلا غيبة، و الصدقة بلا منّة، و الحج بلا إراءة، و الغزو بلا سمعة، و العتق بلا أذيّة، و الذّكر بلا ملالة، و سائر الطاعات بلا آفة. و من العبودة: الرضى بلا خصومة، و الصبر بلا شكاية، و اليقين بلا شبهة، و الشهود بلا غيبة، و الإقبال بلا رجعة، و الإيصال بلا قطيعة.

و خلاصة ما في الآية: أنّ اللّه سبحانه و تعالى‏ «1» قد أمرنا أن لا نعبد أحدا سواه. لأنّه المنفرد بالسلطان، فلا ينبغي أن يشاركه في العبادة سواه، و لا أن يعظم تعظيم المعبود غيره، كما أمرنا أن لا نستعين بمن دونه، و لا نطلب المعونة المتّمّمة للعمل، و الموصلة إلى الثمرة المرجوّة إلّا منه فيما وراء الأسباب التي يمكننا كسبها و تحصيلها.

بيان هذا: أنّ الأعمال يتوقّف نجاحها على أسباب ربطتها الحكمة الإلهية بمسبّباتها، و جعلتها موصلة إليها، و على انتفاء موانع من شأنها أن تحول دونها، و قد أوتي الإنسان بما فطره اللّه عليه من العلم و المعرفة، كسب بعض الأسباب، و دفع بعض الموانع بقدر استعداده الذي أوتيه، و في هذا القدر أمرنا أن نتعاون، و يساعد بعضنا بعضا، كما قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى‏

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 72

الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ‏ . فنحن نحضر الدواء مثلا؛ لشفاء المرضى، و نجلب السلاح و الكراع، و نكثر الجند؛ لغلب العدوّ، و نضع في الأرض السماد، و نرويها و نقتلع منها الحشائش الضارّة؛ للخصب و تكثير الغلّة.

و فيما وراء ذلك مما حجب عنّا من الأسباب: يجب أن نفوّض أمره إلى اللّه تعالى، فنستعين به وحده، و نفزع إليه في شفاء مريضنا، و نصرنا على عدونا، و رفع الجوائح السماوية و الأرضية عن مزارعنا، إذ لا يقدر على دفع ذلك سواه، و هو قد وعدنا إذا نحن لجأنا إليه بإجابة سؤلنا، كما قال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ ، و أرشد إلى أنّه قريب منّا، يسمع دعاءنا، كما قال: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .

و في ذكر الاستعانة باللّه: إرشاد للإنسان إلى أنّه يجب عليه أن يطلب المعونة منه على عمل له فيه كسب، فمن ترك الكسب فقد خالف الفطرة، و نبذ هدي الشريعة، و أصبح مذموما مدحورا لا متوكلا محمودا، و كذلك فيها إيماء إلى أنّ الإنسان مهما أوتي من حصافة الرأي، و حسن التدبير، و تقليب الأمور على وجوهها، لا يستغني عن العون الإلهيّ، و اللطف الخفي.

و الاستعانة «1» بهذا المعنى ترادف التوكّل على اللّه، و هي من كمال التوحيد و العبادة الخالصة له تعالى، و بها يكون المرء مع اللّه عبدا خاضعا مخبتا، و مع الناس حرّا كريما لا سلطان لأحد عليه لا حيّ و لا ميّت، و في هذا فكّ للإرادة من أسر الرؤساء، و الدجّالين المخرّفين، و إطلاق العزائم من قيود الأفاكين الكاذبين.

إيّا «2» : تلحقه ياء المتكلم، و كاف المخاطب، و هاء الغائب، و فروعها، فيكون ضمير نصب منفصلا لا اسما ظاهرا أضيف، خلافا لزاعمه، و هل الضمير

(1) المراغي.

(2) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 73

هو مع لواحقه، أو هو وحده و اللواحق حروف تبيّن المراد به؟ أو هو و اللواحق أسماء أضيف هو إليها، أو اللواحق وحدها، و إيّا زائدة لتتصل بها الضمائر.

أقوال ذكرت في كتب النحو.

و أما لغاته: فبكسر الهمزة و تشديد الياء، و بها قرأ الجمهور، و بفتح الهمزة و تشديد الياء، و بها قرأ الفضل الرقاشيّ، و بكسر الهمزة و تخفيف الياء، و بها قرأ عمرو بن فائد، عن أبيّ، و بإبدال الهمزة المكسورة هاء، و بإبدال الهمزة المفتوحة هاء، و بذلك قرأ ابن السوّار الغنويّ، و ذهاب أبي عبيدة إلى أنّ (إيّا) مشتق ضعيف، و كان أبو عبيدة لا يحسن النّحو، و إن كان إماما في اللّغات و أيّام العرب.

و إضافة (إيّا) إلى الظاهر نادر، نحو: و إيّا الشوابّ، أو ضرورة، نحو:

دعني و إيّا خالد، و استعماله تحذيرا معروف، و إياك و الأسد. و قرأ الحسن، و أبو مجلز، و أبو المتوكل إيّاك يعبد بالياء مبنيا للمفعول، و هذه القراءة مشكلة؛ لأنّ إيّاك ضمير نصب و لا ناصب له، و توجيهها أنّ فيها استعارة و التفاتا، فالاستعارة إحلال الضمير المنصوب موضع الضمير المرفوع، فكأنّه قال: أنت، ثمّ التفت فأخبر عنه إخبار الغائب؛ لمّا كان‏ إِيَّاكَ‏ هو الغائب من حيث المعنى فقال: يعبد، فكأنّه قيل: هو يعبد؛ أي: ربّ العالمين الموصوف بما ذكر يعبد، و غرابة هذا الالتفات كونه في جملة واحدة.

صفحه بعد