کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 70

الشروع فيه، فلم أخّر الاستعانة عن العبادة؟

قلت: ذكروا فيه وجوها:

أحدها: أنّ هذا يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل، و نحن بحمد اللّه نجعل التوفيق و الاستطاعة مع الفعل، فلا فرق بين التقديم و التأخير.

الثاني: أنّ الاستعانة نوع تعبّد، فكأنّه ذكر جملة العبادة أولا، ثمّ ذكر ما هو من تفاصيلها ثانيا.

الثالث: كأنّ العبد يقول: شرعت في العبادة فأنا أستعين بك على إتمامها، فلا يمنعني من إتمامها مانع.

و الرابع: أنّ العبد إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ حصل له الفخر، و ذلك منزلة عظيمة، فيحصل بذلك العجب، فأردف ذلك بقوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ ليزول ذلك العجب الحاصل بسبب تلك العبادة.

و في «النسفي»: و أطلقت الاستعانة؛ لتتناول كلّ مستعان فيه، و يجوز أن يراد الاستعانة به و بتوفيقه على أداء العبادات، و يكون قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ بيانا للمطلوب منه المعونة، فكأنّه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ... الخ. اه.

و المجي‏ء بالنون في الفعلين‏ «1» ؛ لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه و عن جنسه من العباد. و قيل: إنّ المقام لمّا كان عظيما، لم يستقلّ به الواحد؛ استقصارا لنفسه، و استصغارا لها، فالمجي‏ء بالنون؛ لقصد التواضع لا لتعظيم النفس، و تقديم المعمول على العامل في الفعلين؛ لقصد الاختصاص. و قيل:

للاهتمام، و الصواب أنّه لهما، و لا تزاحم بين المقتضيات.

و كرّر «2» إِيَّاكَ‏ للتنصيص على اختصاصه تعالى بالاستعانة أيضا، و الاستعانة: طلب العون، و يعدّى بالباء و بنفسه؛ أي: نطلب العون على عبادتك،

(1) الشوكاني.

(2) روح البيان.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 71

أو على ما لا طاقة لنا به، أو على محاربة الشيطان المانع من عبادتك، أو في أمورنا بما يصلحنا في ديننا و دنيانا، و الجامع للأقاويل: نسألك أن تعيننا على أداء الحقّ و إقامة الفروض، و تحمّل المكاره و طلب المصالح. و الضمير المستكن في‏ نَعْبُدُ ، و كذا في‏ نَسْتَعِينُ‏ للقارى‏ء، و من معه من الحفظة و حاضري صلاة الجماعة، أو له و لسائر الموحدين، أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم، و خلط حاجته بحاجتهم، لعلّها تقبل ببركتها، و تجاب، و لهذا شرعت الجماعة.

ثمّ قوله‏ نَعْبُدُ يحتمل أن يكون من العبادة، كما عليه تفسيرنا السابق، أو من العبودة. و العبادة: هي العابدية، و العبودة: هي العبدية، فمن العبادة:

الصلاة بلا غفلة، و الصوم بلا غيبة، و الصدقة بلا منّة، و الحج بلا إراءة، و الغزو بلا سمعة، و العتق بلا أذيّة، و الذّكر بلا ملالة، و سائر الطاعات بلا آفة. و من العبودة: الرضى بلا خصومة، و الصبر بلا شكاية، و اليقين بلا شبهة، و الشهود بلا غيبة، و الإقبال بلا رجعة، و الإيصال بلا قطيعة.

و خلاصة ما في الآية: أنّ اللّه سبحانه و تعالى‏ «1» قد أمرنا أن لا نعبد أحدا سواه. لأنّه المنفرد بالسلطان، فلا ينبغي أن يشاركه في العبادة سواه، و لا أن يعظم تعظيم المعبود غيره، كما أمرنا أن لا نستعين بمن دونه، و لا نطلب المعونة المتّمّمة للعمل، و الموصلة إلى الثمرة المرجوّة إلّا منه فيما وراء الأسباب التي يمكننا كسبها و تحصيلها.

بيان هذا: أنّ الأعمال يتوقّف نجاحها على أسباب ربطتها الحكمة الإلهية بمسبّباتها، و جعلتها موصلة إليها، و على انتفاء موانع من شأنها أن تحول دونها، و قد أوتي الإنسان بما فطره اللّه عليه من العلم و المعرفة، كسب بعض الأسباب، و دفع بعض الموانع بقدر استعداده الذي أوتيه، و في هذا القدر أمرنا أن نتعاون، و يساعد بعضنا بعضا، كما قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى‏

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 72

الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ‏ . فنحن نحضر الدواء مثلا؛ لشفاء المرضى، و نجلب السلاح و الكراع، و نكثر الجند؛ لغلب العدوّ، و نضع في الأرض السماد، و نرويها و نقتلع منها الحشائش الضارّة؛ للخصب و تكثير الغلّة.

و فيما وراء ذلك مما حجب عنّا من الأسباب: يجب أن نفوّض أمره إلى اللّه تعالى، فنستعين به وحده، و نفزع إليه في شفاء مريضنا، و نصرنا على عدونا، و رفع الجوائح السماوية و الأرضية عن مزارعنا، إذ لا يقدر على دفع ذلك سواه، و هو قد وعدنا إذا نحن لجأنا إليه بإجابة سؤلنا، كما قال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ ، و أرشد إلى أنّه قريب منّا، يسمع دعاءنا، كما قال: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .

و في ذكر الاستعانة باللّه: إرشاد للإنسان إلى أنّه يجب عليه أن يطلب المعونة منه على عمل له فيه كسب، فمن ترك الكسب فقد خالف الفطرة، و نبذ هدي الشريعة، و أصبح مذموما مدحورا لا متوكلا محمودا، و كذلك فيها إيماء إلى أنّ الإنسان مهما أوتي من حصافة الرأي، و حسن التدبير، و تقليب الأمور على وجوهها، لا يستغني عن العون الإلهيّ، و اللطف الخفي.

و الاستعانة «1» بهذا المعنى ترادف التوكّل على اللّه، و هي من كمال التوحيد و العبادة الخالصة له تعالى، و بها يكون المرء مع اللّه عبدا خاضعا مخبتا، و مع الناس حرّا كريما لا سلطان لأحد عليه لا حيّ و لا ميّت، و في هذا فكّ للإرادة من أسر الرؤساء، و الدجّالين المخرّفين، و إطلاق العزائم من قيود الأفاكين الكاذبين.

إيّا «2» : تلحقه ياء المتكلم، و كاف المخاطب، و هاء الغائب، و فروعها، فيكون ضمير نصب منفصلا لا اسما ظاهرا أضيف، خلافا لزاعمه، و هل الضمير

(1) المراغي.

(2) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 73

هو مع لواحقه، أو هو وحده و اللواحق حروف تبيّن المراد به؟ أو هو و اللواحق أسماء أضيف هو إليها، أو اللواحق وحدها، و إيّا زائدة لتتصل بها الضمائر.

أقوال ذكرت في كتب النحو.

و أما لغاته: فبكسر الهمزة و تشديد الياء، و بها قرأ الجمهور، و بفتح الهمزة و تشديد الياء، و بها قرأ الفضل الرقاشيّ، و بكسر الهمزة و تخفيف الياء، و بها قرأ عمرو بن فائد، عن أبيّ، و بإبدال الهمزة المكسورة هاء، و بإبدال الهمزة المفتوحة هاء، و بذلك قرأ ابن السوّار الغنويّ، و ذهاب أبي عبيدة إلى أنّ (إيّا) مشتق ضعيف، و كان أبو عبيدة لا يحسن النّحو، و إن كان إماما في اللّغات و أيّام العرب.

و إضافة (إيّا) إلى الظاهر نادر، نحو: و إيّا الشوابّ، أو ضرورة، نحو:

دعني و إيّا خالد، و استعماله تحذيرا معروف، و إياك و الأسد. و قرأ الحسن، و أبو مجلز، و أبو المتوكل إيّاك يعبد بالياء مبنيا للمفعول، و هذه القراءة مشكلة؛ لأنّ إيّاك ضمير نصب و لا ناصب له، و توجيهها أنّ فيها استعارة و التفاتا، فالاستعارة إحلال الضمير المنصوب موضع الضمير المرفوع، فكأنّه قال: أنت، ثمّ التفت فأخبر عنه إخبار الغائب؛ لمّا كان‏ إِيَّاكَ‏ هو الغائب من حيث المعنى فقال: يعبد، فكأنّه قيل: هو يعبد؛ أي: ربّ العالمين الموصوف بما ذكر يعبد، و غرابة هذا الالتفات كونه في جملة واحدة.

و عن بعض أهل مكة نَعْبُدُ بإسكان الدال. و قرأ زيد بن عليّ، و يحيى بن وثّاب، و عبيد بن عمير الليثيّ و نعبد بكسر النون. و قرأ الجمهور نَسْتَعِينُ‏ بفتح النون الأولى، و هي لغة الحجاز، و هي الفصحى. و قرأ عبيد بن عمير الليثيّ، و زرّ بن حبيش، و يحيى بن وثّاب، و النخعيّ، و الأعمش بكسرها، و هي لغة قيس، و تميم، و أسد، و ربيعة، و كذلك حكم حرف المضارعة في هذا الفعل و ما أشبهه. و قال أبو جعفر الطّوسيّ: هي لغة هذيل. و انقلاب الواو ألفا في استعان و مستعان و ياء في نستعين و مستعين و الحذف في الاستعانة مذكور في علم التصريف، فراجعه.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 74

و كرر إِيَّاكَ‏ ليكون كلّ من العبادة و الاستعانة سيقا في جملتين، و كلّ منهما مقصودة، و للتنصيص على طلب العون منه، بخلاف ما لو قال: إيّاك نعبد و نستعين، فإنّه كان يحتمل أن يكون إخبارا بطلب العون؛ أي: و ليطلب العون من غير أن يعيّن ممن يطلب منه، و في قوله: نَعْبُدُ قالوا: ردّ على الجبرية، و في‏ نَسْتَعِينُ‏ ردّ على القدرية، و قالوا: في قوله: إِيَّاكَ‏ ردّ على الدهرية، و المعطلة، و المنكرين لوجود الصانع، فإنه خطاب لموجود حاضر، و اللّه أعلم بأسرار كتابه.

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ، أي: أرشدنا إلى الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه، الذي هو دين الإسلام، و ثبتنا على المنهاج الواضح الذي رضيته لنا، و هذا بيان للمعونة المطلوبة أوّلا، فكأنّه قال: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهدنا.

و إفراد لما هو المقصود الأعظم الذي هو الهداية و هي الدلالة بلطف.

و المراد زدنا هداية إليه، أو أدمنا مهديّين إليه، و إلا فنحن مهديّون بحمد اللّه تعالى. و في «السمين»: و أصل هدى أن يتعدّى إلى الأول بنفسه، و إلى الثاني بحرف الجرّ، و هو إمّا إلى أو اللام، كقوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ و قوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏ ، ثمّ قد يتّبع فيه، فيحذف الحرف فيتعدى للثاني بنفسه، كما هنا، فأصل‏ اهْدِنَا الصِّراطَ : اهدنا للصراط، أو إلى الصراط، ثم حذف الحرف و وصل الفعل إلى المفعول بنفسه، و وزن اهد:

إفع، حذفت لامه و هي الياء؛ حملا للأمر على المضارع المجزوم، و المجزوم تحذف لامه إذا كان حرف علّة. و الهداية: الإرشاد، و الدلالة، و التبيين، كقوله:

وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ‏ أي: بيّنا لهم، و الإلهام: كقوله: الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ ؛ أي: ألهمه لمصالحه، و الدعاء: كقوله: وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ؛ أي:

داع. و قال الراغب: الهداية دلالة بلطف، و منه: الهديّة؛ لأنّها تمال من مالك إلى مالك. و الصراط: الطريق المستهل، و بعضهم لا يقيده بالمستهل، و منه قول جرير:

أمير المؤمنين على صراط

إذا اعوجّ الموارد مستقيم‏

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 75

أي: على طريقة حسنة، و المراد به هنا: دين الإسلام كما قاله ابن عباس.

و قيل: هو القرآن، و روي ذلك مرفوعا. و قيل: السنة و الجماعة «1» . و قيل: معناه:

اهدنا صراط المستحقّين للجنة.

و أصله‏ «2» : السين، و قرأ بها قنبل حيث ورد، و إنّما أبدلت صادا؛ لأجل حرف الاستعلاء؛ أي: ليطابق الطاء في الإطباق. و السراط: من سرط الطعام إذا ابتلعه، فكأنّه يسرط السابلة، و لذلك سمّي لقما؛ لأنّه يلتقمهم، و جمعه: سرط ككتب، و قد تشمّ الصاد في الصراط زايا، و به قرأ خلف، و قرى‏ء بالزاي المحضة، و لم يرسم في المصحف إلّا بالصاد مع اختلاف قراءتهم فيها، كما سيأتي. و الصراط يذكر و يؤنّث كالطريق، فالتذكير: لغة تميم، و التأنيث: لغة الحجاز. و المستقيم: اسم فاعل من استقام، و معناه: استوى من غير اعوجاج، و أصله: مستقوم، ثم أعلّ كإعلال‏ نَسْتَعِينُ‏ ، كما سيأتي في مباحث الصرف.

و في «أبي السعود»: و الصراط: جمعه صرط، ككتاب و كتب، و هو كالطريق و السبيل، في التذكير و التأنيث. و المستقيم: المستوي، و المراد به: طريق الحقّ، و هي الملّة الحنيفيّة السّمحة المتوسّطة بين الإفراط و التفريط. اه. و أصل الصراط: السراط بالسين.

و قرأ قنبل، و رويس‏ «3» : الصراط بإبدال سينه صادا، و هي الفصحى، و هي لغة قريش، و بها قرأ الجمهور، و بها كتبت في مصحف الإمام. و الزراط:

لغة رواها الأصمعيّ، عن أبي عمرو، و إشمامها زايا: لغة قيس، و به قرأ حمزة بخلاف و تفصيل عن رواته. و قال أبو عليّ. و روي عن أبي عمرو السين و الصاد، و المضارعة بين الزاي و الصاد. و قال أبو جعفر الطّوسي في تفسيره:

الصراط بالصاد: لغة قريش، و هي اللغة الجيّده، و عامّة العرب يجعلونها سينا،

(1) الفتوحات.

(2) البحر المحيط.

(3) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 76

و الزاي: لغة لبني عذرة، و كعب، و بني القين، و قال أبو بكر بن مجاهد: و هذه القراءة تشير: إلى أنّ قراءة من قرأ بين الزاي و الصاد تكلّف حرف بين حرفين، و ذلك صعب على اللسان، و ليس بحرف يبنى عليه الكلام و لا من حروف المعجم، لست أدفع أنّه من كلام فصحاء العرب إلّا أنّ الصاد أفصح و أوسع.

و قرأ زيد بن علي، و الضحاك، و نصر بن علي، عن الحسن اهدنا صراطا مستقيما بالتنوين من غير لام التعريف، كقوله: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ‏ . و قرأ جعفر الصادق في صراط مستقيم بالإضافة.

و اعلم‏ «1» : أنّ هداية اللّه للإنسان على ضروب.

1- هداية الإلهام: و تكون للطفل منذ ولادته فهو يشعر بالحاجة إلى الغذاء، و يصرخ طالبا له.

2- هداية الحواسّ: و هاتان الهدايتان يشترك فيهما الإنسان و الحيوان الأعجم، بل هما في الحيوان أتم منهما في الإنسان، إذ إلهامه و حواسّه يكملان بعد ولادته بقليل، و يحصلان في الإنسان تدريجا.

3- هداية العقل: و هي هداية أعلى من هداية الحسّ و الإلهام، فالإنسان قد خلق ليعيش مجتمعا مع غيره، و حواسّه و إلهامه لا يكفيان لهذه الحياة، فلا بدّ له من العقل الذي يصحّح له أغلاط الحواسّ. ألا ترى الصّفراويّ يذوق الحلو مرّا، و الرّائي يبصر العود المستقيم في الماء معوجّا.

4- هداية الأديان و الشرائع: و هي هداية لا بدّ منها لمن استرقّت الأهواء عقله، و سخّر نفسه للذّاته و شهواته، و سلك مسالك الشرور و الآثام، و عدا على بني جنسه، و حدث بينه و بينهم التّجاذب و التدافع، فبها يحصل الرشاد، إذا غلبت الأهواء العقول، و تتبينّ للناس الحدود و الشرائع، ليقفوا عندها، و يكفّوا أيديهم عمّا وراءها إلى أنّ في غرائز الإنسان الشعور بسلطان غيبيّ متسلط على الأكوان،

صفحه بعد