کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج1، ص: 77
إليه ينسب كل ما لا يعرف له سببا، و بأن له حياة وراء هذه الحياة المحدودة، و هو بعقله لا يدرك ما يجب لصاحب هذا السلطان، و لا يصل فكره إلى ما فيه سعادته في هذه الحياة، فاحتاج إلى هداية الدين التي تفضّل اللّه بها عليه و وهبه إيّاها.
و إلى تلك الهدايات أشار الكتاب الكريم في آيات كثيرات، كقوله:
وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ أي: طريق الخير و الشرّ، و السعادة و الشقاء، و قوله: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ؛ أي: أرشدناهم إلى طريق الخير و الشرّ، فاختاروا الثاني الذي عبّر عنه بالعمى. و هناك نوع آخر من الهداية.
و هي المعونة و التوفيق للسير في طريق الخير، و هي التي أمرنا اللّه بطلبها في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، إذ المراد: دلّنا دلالة تصحبها من لدنك معونة غيبيّة تحفظنا بها من الوقوع في الخطاء و الضلال، و هذه الهداية خاصّة به سبحانه لم يمنحها أحدا من خلقه، و من ثم نفاها عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ، و قوله: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ، و أثبتها لنفسه في قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ .
أمّا الهداية بمعنى الدلالة على الخير و الحقّ مع بيان ما يعقب ذلك من السعادة، و الفوز، و الفلاح، فهي مما تفضّل اللّه بها على خلقه، و منحهموها، و من ثمّ أثبتها للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .
هذا و الصراط المستقيم: هو جملة ما يوصل إلى السعادة في الدنيا، و الآخرة من عقائد، و أحكام، و آداب، و تشريع دينّي، كالعلم الصحيح باللّه و النبوة، و أحوال الكون، و أحوال الاجتماع. و قد سمّى هذا صراطا مستقيما؛ تشبيها له بالطريق الحسي، إذ كل منهما موصل إلى غاية، فهذا سير معنويّ يوصل إلى غاية يقصدها الإنسان، و ذاك سير حسيّ يصل به إلى غاية أخرى.
و قد أرشدنا اللّه سبحانه إلى طلب الهداية منه؛ ليكون عونا لنا بنصرنا على أهوائنا و شهواتنا، بعد أن نبذل ما نستطيع من الجهد في معرفة أحكام الشريعة، و نكلّف أنفسنا الجري على سننها؛ لنحصل على خير الدنيا و الآخرة.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج1، ص: 78
قال في «التيسير» «1» : إِيَّاكَ نَعْبُدُ لإظهار التوحيد، وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لطلب العون عليه، اهْدِنَا لسؤال الثبات على دينه، و هو تحقيق عبادته و استعانته؛ و ذلك لأنّ الثبات على الهداية أهمّ الحاجات، إذ هو الذي سأله الأنبياء و الأولياء، كما قال يوسف عليه السلام: تَوَفَّنِي مُسْلِماً ، و سحرة فرعون: وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ، و الصحابة: وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ؛ و ذلك لأنه لا ينبغي أن يعتمد على ظاهر الحال، فقد يتغيّر في المآل كما لإبليس، و برصيصا، و بلعم بن باعورا. اه.
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بدل «2» من الصراط، بدل كلّ من كلّ، فهو على نيّة تكرار العامل، و فائدته: التأكيد و الإشعار بأنّ الصراط المستقيم هو صراط هؤلاء الذين أنعمت عليهم. و يجوز أن يكون عطف بيان، و فائدته الإيضاح.
و الذين أنعم اللّه عليهم هم المذكورون في (سورة النساء)، حيث قال:
وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً ، و أطلق الإنعام؛ ليشمل كلّ إنعام.
و المعنى: أي أرشدنا إلى صراط الأقوام الذين مننت عليهم بالهداية، و أكرمتهم بالتوفيق. و قال ابن عباس- رضي اللّه عنهما-: هم قوم موسى و عيسى الذين لم يغيّروا و لم يبدّلوا. و قيل: هم أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و أهل بيته.
و قرىء «3» : صراط من أنعمت عليهم. و الإنعام: إيصال النعمة، و هي في الأصل الحالة التي يستلذّها الإنسان، فأطلقت لما يستلذه من النعمة، و هي اللين. و نعم اللّه، و إن كانت لا تحصى كما قال: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها ، تنحصر في جنسين دنيوي و أخروي. و الأول قسمان: موهبيّ و كسبيّ.
(1) عمدة التفاسير.
(2) البيضاوي.
(3) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج1، ص: 79
و الموهبيّ قسمان: روحاني: كنفخ الروح فيه، و إشراقه بالعقل، و ما يتبعه من القوى، كالفهم، و الفكر، و النطق. و جسماني: كتخليق البدن و القوى الحالّة فيه، و الهيئات العارضة له من الصحة و كمال الأعضاء. و الكسبيّ: تزكية النفس عن الرذائل، و تحليتها بالأخلاق السنيّة و الملكات الفاضلة، و تزيين البدن بالهيئات المطبوعة، و الحلي المستحسنة، و حصول الجاه، و المال. و الثاني: أن يغفر ما فرط منه، و يرضى عنه و يبوّئه في أعلى عليّين مع الملائكة المقربين أبد الآبدين.
و المراد هنا: هو القسم الأخير، و ما يكون وصلة إلى نيله من القسم الآخر، فإنّ ما عدا ذلك يشترك فيه المؤمن و الكافر.
و حكى اللّغويّون في عَلَيْهِمْ عشر لغات «1» : ضمّ الهاء و إسكان الميم، و هي قراءة حمزة، و كسرها و إسكان الميم، هي قراءة الجمهور، و كسر الهاء و الميم و ياء بعدها، و هي قراءة الحسين، و زاد ابن مجاهد، أنها قراءة عمر بن قائد، و كذلك بغير ياء، و هي قراءة عمرو بن فائد، و كسر الهاء و ضمّ الميم و واو بعدها، و هي قراءة ابن كثير، و قالون بخلاف عنه، و كسر الهاء و ضمّ الميم بغير واو، و ضمّ الهاء و الميم و واو بعدها، و هي قراءة الأعرج، و الخفاف، عن أبي عمرو، و كذلك بدون واو، و ضمّ الهاء و كسر الميم بياء بعدها، و كذلك بغير ياء، و قرىء بهما. و توضيح هذه القراءات بالخط و الشكل: عليهم، عليهم، عليهمي، عليهم، عليهمو، عليهم، عليهمو، عليهم، عليهمي، عليهم.
و في «القرطبي»: «2» و في عَلَيْهِمْ عشر لغات قرىء بعامّتها: عليهم بضمّ الهاء و إسكان الميم، و عَلَيْهِمْ بكسر الهاء و إسكان الميم، و عليهمي بكسر الهاء و الميم، و إلحاق ياء بعد الكسرة، و عليهمو بكسر الهاء و ضمّ الميم، و زيادة واو بعد الضمّة، و عليهمو بضمّ الهاء و الميم، و زيادة واو بعد الميم، و عليهم بضمّ الهاء و الميم من غير زيادة واو. و هذه الأوجه الستّة مأثورة عن أئمّة القرّاء. الثلاثة الأول منها: سبعيّة، و أوجه أربعة منقولة عن العرب
(1) الفتوحات.
(2) البيضاوي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج1، ص: 80
غير محكيّة عن القرّاء. عليهمي بضمّ الهاء و كسر الميم، و زيادة ياء بعد الميم، حكاها الأخفش البصري عن العرب، و عليهم بضمّ الهاء و كسر الميم من غير زيادة ياء، و عليهم بكسر الهاء و ضمّ الميم من غير إلحاق واو، و عليهم بكسر الهاء و الميم و لا ياء بعد الميم. و كلّها صواب قاله ابن الأنباري. اه.
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بدل من الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بدل كلّ من كلّ. أي: صراط غير اليهود الذين غضبت عليهم و خذلتهم، و انتقمت منهم؛ لقوله تعالى فيهم: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ .
وَ لَا الضَّالِّينَ . أي: و صراط غير النصارى الذين ضلّوا و أخطأوا عن الهدى لقوله تعالى فيهم: وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ و قيل: غير المغضوب عليهم بالبدعة، و لا الضالّين عن السنّة، و اللّه أعلم.
و المعنى: وفّقنا طريق الهدى و الرشاد التي هي طريق الأنبياء و المؤمنين، و جنّبنا عن طريق أهل الغضب و الضلال التي هي طريق الكفار و المنافقين. و ورد في الحديث: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إنّ المغضوب عليهم اليهود، و إنّ الضالّين هم النصارى» رواه ابن حبّان و صحّحه. و إنّما سمّي كلّ من اليهود و النصارى بما ذكر، مع أنّ كلّا منهم مغضوب عليه و ضالّ؛ لاختصاص كلّ منهما بما غلب عليه. اه. خطيب. و يتجه أن يقال: المغضوب عليهم العصاة، و الضالون الجاهلون باللّه؛ لأنّ المنعم عليه من وفّق للجمع بين معرفة الحقّ لذاته، و الخير للعمل به، و كان المقابل له من اختلّ إحدى قوّتيه العاقلة و العاملة، و المخل بالعمل فاسق مغضوب عليه؛ لقوله تعالى في القاتل عمدا: وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، و المخل بالعلم جاهل ضالّ؛ لقوله تعالى: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ .
اه. من «البيضاوي».
و الحاصل: أنّ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بدل «1» من الَّذِينَ أَنْعَمْتَ على
(1) الشوكاني.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج1، ص: 81
معنى: أنّ المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب و الضلال، أو صفة له مبيّنة، أو مقيّدة على معنى: أنّهم جمعوا بين النعمة المطلقة، و هي نعمة الإيمان، و بين السلامة من الغضب و الضلال، و ذلك إنّما يصحّ بأحد تأويلين: أجراء الموصول مجرى النكرة في الإبهام، إذ لم يقصد به معهود كالمحلّى ب (أل) الجنسية في قوله:
و لقد أمرّ على اللئيم يسبّني
فمضيت ثم قلت لا يعنيني
و كقولهم: إنّي لأمرّ على الرجل مثلك فيكرمني. أو جعل غَيْرِ معرّفا بالإضافة؛ لأنه أضيف إلى ما له ضدّ واحد، و هو المنعم عليه، فيتعيّن تعيّن الحركة من غير السكون، و عن ابن كثير: نصبه على الحال من الضمير المجرور في عَلَيْهِمْ ، و العامل أَنْعَمْتَ أو بإضمار أعني أو بالاستثناء، إن فسّر المنعم بما يعمّ القبيلين، و به قرأ عمر، و ابن مسعود، و عليّ، و ابن الزبير و ليست في المتواتر عن ابن كثير.
و الغضب: ثوران النفس لإرادة الانتقام، و معنى الغضب في صفة اللّه: إرادة العقوبة، فهو صفة ذاته، أو نفس العقوبة. و منه الحديث: «إنّ الصدقة تطفىء غضب الربّ»، فهو صفة فعله. قال في «الكشاف»: غضب اللّه إرادته الانتقام من العصاة، و إنزال العقوبة بهم، و أن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده.
و الفرق «1» بين عَلَيْهِمْ الأولى و عَلَيْهِمْ الثانية: أنّ الأولى في محل نصب على المفعولية، و الثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل. و (لا) في قوله: وَ لَا الضَّالِّينَ زائدة لتأكيد النفي المفهوم من غَيْرِ ، فكأنّه قال: لا المغضوب عليهم و لا الضّالّين.
و قرأ عمر و أبيّ «2» : و غير الضالّين، و روي عنهما في الراء في الحرفين النصب و الخفض، و يدلّ على أنّ المغضوب عليهم هم غير الضالين. و التأكيد
(1) البحر المحيط.
(2) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج1، ص: 82
فيها أبعد، و التأكيد في لا، أقرب. و قرأ أيوب السختياني وَ لَا الضَّالِّينَ بإبدال الألف همزة؛ فرارا من التقاء الساكنين. و حكى أبو زيد: دأبّة و شأبّة في دابّة و شابّة في كتاب الهمز، و مع ذلك فلا ينقاس هذا الإبدال؛ لأنّه لم يكثر كثرة توجب القياس، نصّ على أنّه لا ينقاس النحويّون.
قال القرطبي: الضلال في لسان العرب: هو الذهاب عن سنن القصد و طريق الحقّ، و منه ضلّ اللبن في الماء؛ أي: غاب. و منه: أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ ؛ أي: غبنا بالموت و صرنا ترابا. و يقال: ضللت الشيء: جهلت المكان الذي وضعته فيه، و أضللت الشيء: ضيعته، و أضل أعمالهم و ضلّ: غفل و نسي، وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما ، و الضلال: سلوك سبيل غير القصد. ضل عن الطريق: سلك غير جادتها، و الضلال: الحيرة و التردّد. و منه: قيل لحجر أملس يردده الماء في الوادي: ضلضلة.
و في «الخطيب»: و في قوله: وَ لَا الضَّالِّينَ مدّان: مدّ لازم، و مدّ عارض، فاللازم: هو الذي على الألف بعد الضاد و قبل اللام المشدّدة، و العارض: هو الذي على الياء قبل النون. اه. و الأصل في الضالّين: الضاللين، ثمّ أدغمت اللام في اللام، فاجتمع ساكنان مدّت الألف و اللام المدغمة.
و الحاصل من معنى الآيتين، كما قاله المراغي: أنّ اللّه سبحانه و تعالى أمرنا «1» باتباع صراط من تقدّمنا؛ لأنّ دين اللّه واحد في جميع الأزمان، فهو إيمان باللّه و رسله، و اليوم الآخر، و تخلّق بفاضل الأخلاق، و عمل الخير، و ترك الشرّ، و ما عدا ذلك فهو فروع و أحكام تختلف باختلاف الزمان و المكان، يرشد إلى ذلك قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ .
عق2%) الْمَغْضُوبِ قيل: هم الذين بلغهم الدين الحقّ الذي شرعه اللّه تعالى لعباده، فرفضوه و نبذوه وراءهم ظهريّا، و انصرفوا عن النظر في الأدلّة؛ تقليدا لما ورثوه عن الآباء و الأجداد، و هؤلاء عاقبتهم النكال و الوبال في نار جهنم و بئس القرار.
(1) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج1، ص: 83
و الضالّون: هم الذين لم يعرفوا الحقّ، أو لم يعرفوه على الوجه الصحيح، و هؤلاء هم الذين لم تبلغهم رسالة، أو بلغتهم على وجه لم يستبن لهم فيه الحقّ، فهم تائهون في عماية، لا يهتدون معها إلى مطلوب تعترضهم الشّبهات التي تلبّس الحق بالباطل و الصواب بالخطأ، إن لم يضلّوا في شؤون الدنيا، فقد ضلّوا في شؤون الحياة الآخرة، فمن حرم هدى الدين ظهر له أثر الاضطراب في أحواله المعيشيّة، و حلّت به الرزايا، و الذين جاؤوا على فترة من الرسل لا يكلّفون بشريعة، و لا يعذّبون في الآخرة؛ لقوله تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا .
و هذا رأي جمهرة العلماء «1» ، و ترى فئة منهم: أنّ العقل وحده كاف في التكليف، فمتى أوتيه الإنسان وجب عليه النظر في ملكوت السموات و الأرض، و التدبّر، و التفكّر في خالق الكون، و ما يجب له من عبادة و إجلال بقدر ما يهديه عقله، و يصل إليه اجتهاده، و بذلك ينجو من عذاب النار يوم القيامة، فإن لم يفعل ذلك كان من الهالكين.
تنبيه: آخر (الفاتحة) «2» : وَ لَا الضَّالِّينَ ، و أما لفظ آمين: فليس منها و لا من القرآن مطلقا، بل هو سنّة يسنّ لقارىء (الفاتحة) في الصلاة، و غيرها أن يختم به، و هو اسم فعل دعاء بمعنى استجب و تقبّل يا اللّه هذا الدعاء! و هو قوله:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخرها. و هذا الاسم مبنّي؛ لشبهه بالحرف شبها استعماليّا على الفتح؛ فرارا من التقاء الساكنين و للخفّة، كما في أين و كيف.
و فيه لغتان: المد على وزن فاعيل، كياسين، أو قابيل و هابيل، فيكون اسما أعجميا، و القصر على وزن يمين، و من المدّ قول الشاعر:
يا رب لا تسلبنّي حبّها أبدا
و يرحم اللّه عبدا قال آمينا
(1) المراغي.