کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 98

و قيل: إنّه ثبت باجتهاد الصحابة. و قال السيوطي- رحمه اللّه تعالى في «التحبير»:

اختلف: هل ترتيب الآي و السور على النظم الذي هو الآن عليه، بتوقيف من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، أو باجتهاد من الصحابة؟ فذهب قوم إلى الثاني، و اختار مكي و غيره:

أنّ ترتيب الآيات و البسملة في الأوائل من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و ترتيب السور منه لا باجتهاد الصحابة. و المختار: أنّ الكلّ من النبي صلّى اللّه عليه و سلّم. اه. و على كلّ من القولين: فأسماء السور في المصاحف لم يثبتها الصحابة في مصاحفهم؛ و إنّما هو شي‏ء ابتدعه الحجاج، كما ابتدع إثبات الأعشار، و الأسباع، كما ذكره الخطيب.

فإثبات أسماء السور ظاهر، كما فعل المفسرون، و إثبات الأعشار بأن جزّأ الحجاج القرآن عشرة أجزاء، و كتب عند أول عشر بهامش المصحف عشر بضمّ العين، و كذلك كتب الأسباع، فآخر السبع الأول: الدالّ من قوله في النساء:

وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ‏ ، و آخر السبع الثاني: التاء من قوله في الأعراف: أولئك‏ حَبِطَتْ‏ ، و آخر الثالث: الألف من أكلها في قوله في الرعد: أُكُلُها دائِمٌ‏ ، و آخر الرابع: الألف من جعلنا في قوله في الحج‏ وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً ، و آخر الخامس: التاء من قوله في الأحزاب: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ ، و آخر السادس: الواو من قوله في الفتح: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ، و آخر السابع:

ما بقي من القرآن، كما ذكره القرطبي.

و ذكر القرطبي أيضا: أنّ الحجاج كان يقرأ كلّ ليلة ربعا، فأوّل ربعه:

خاتمة الأنعام، و الربع الثاني: في الكهف‏ وَ لْيَتَلَطَّفْ‏ ، و الربع الثالث: خاتمة الزمر، و الربع الرابع: ما بقي من القرآن، و قيل غير ذلك.

و قال السيوطي في «التحبير» ما نصّه: و كون أسماء السور توقيفية؛ إنّما هو بالنسبة إلى الاسم الذي تذكر به السورة، و تشتهر به، و إلّا فقد سمّى جماعة من الصحابة و التابعين سورا بأسماء من عندهم، كما سمّى حذيفة التوبة بالفاضحة، و سورة العذاب، و سمّى خالد بن معدان البقرة: فسطاط القرآن، و سمّى سفيان بن عيينة سورة الفاتحة: الوافية، و سمّاها يحيى بن كثير الكافية؛ لأنّها تكفي عمّا عداها.

و من السور ما له اسمان فأكثر، فالفاتحة تسمّى أمّ القرآن، و أمّ الكتاب،

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 99

و سورة الحمد، و سورة الصلاة، و الشفاء، و السبع المثاني، و الرقية، و النور، و الدعاء، و المناجاة، و الشافية، و الكافية، و الكنز، و الأساس. و براءة تسمّى التوبة، و الفاضحة، و سورة العذاب. و يونس تسمّى السابعة؛ لأنّها سابعة السبع الطوال. و الإسراء تسمّى سورة بني إسرائيل، و السجدة تسمّى المضاجع، و فاطر تسمّى سورة الملائكة، و غافر تسمّى المؤمن، و فصّلت تسمّى السجدة، و الجاثية تسمّى الشريعة، و سورة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم تسمّى القتال، و الطلاق تسمّى النساء القصرى.

و قد يوضع اسم لجملة من السور كالزهراوين للبقرة و آل عمران، و السبع الطوال، و هي البقرة و ما بعدها إلى الأعراف، و السابعة يونس، كذا روي عن سعيد بن جبير، و مجاهد، و المفصّل، و الأصحّ: أنّه من الحجرات إلى آخر القرآن؛ لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، و المعوذات للإخلاص، و الفلق و الناس. اه. بحروفه.

فائدة:

فإن قلت: أيّ سورة أطول في القرآن، و أيّها أقصر؟ و أيّ آية أطول و أيّها أقصر؟، و أيّ كلمة أطول و أيها أقصر؟.

قلت: أطول سورة في القرآن: البقرة، و أقصرها: الكوثر، و أطول آية: آية الدّين، و أقصرها آية: وَ الضُّحى‏ و (الفجر) و مُدْهامَّتانِ‏ ، و أطول كلمة: ما بلغ عشرة أحرف، نحو قوله تعالى: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ‏ و قوله: أَ نُلْزِمُكُمُوها ، و أما قوله:

فَأَسْقَيْناكُمُوهُ‏ فهو عشرة أحرف في الرسم، و أحد عشر في اللفظ. و أقصرها: ما كان على حرفين نحو: ما، و لا، و له، و به و ما أشبه ذلك، و من حروف المعاني ما هو على حرف واحد، كهمزة الاستفهام، و واو العطف إلّا أنّه لا ينطق به مفردا.

فإن قلت: «1» ما الحكمة في كون سورة البقرة أعظم السور ما عدا الفاتحة؟.

(1) روح البيان.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 100

قلت: كانت أعظمها؛ لأنّها فصّلت فيها الأحكام، و ضربت الأمثال، و أقيمت الحجج، إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه؛ و لذلك سميت فسطاط القرآن.

قال ابن العربي في «أحكام القرآن»: سمعت بعض مشايخي يقول: في سورة البقرة ألف أمر، و ألف نهي، و ألف خبر، و لعظم فقهها أقام ابن عمر- رضي اللّه عنهما- ثماني سنين على تعلّمها، كذا في «أسئلة الحكم».

فإن قلت: لم سوّرت السور طوالا، و أوساطا، و قصارا؟.

قلت: سوّرت كذلك تنبيها على أنّ الطول ليس من شرط الإعجاز، فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات، و هي معجزة إعجاز سورة البقرة، ثمّ ظهرت لذلك التسوير؛ حكمة في التعليم، و تدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها تيسيرا من اللّه تعالى على عباده، و في ذلك أيضا: ترغيب و توسيع في الفضيلة في الصلاة، و غيرها، كسورة الإخلاص من القصار تعدل ثلث القرآن، فمن فهم ذلك فاز بسر التسوير.

فإن قلت: ما الحكمة في تعدّد مواطن نزول القرآن، و تكرّر مشاهده مكيّا، مدنيا، ليليّا، نهاريّا سفريّا، حضريّا، صيفيّا، شتائيا، نوميّا، برزخيّا: يعني: بين الليل و النهار أرضيّا سماويّا. غاريّا. يعني: ما نزل في الغار تحت الأرض برزخيا. يعني: ما نزل بين مكة و المدينة، عرشيّا معراجيّا. يعني: ما نزل ليلة المعراج. آخر (سورة البقرة)؟.

قلت: الحكمة في ذلك تشريف مواطن الكون كلّها بنزول الوحي الإلهيّ فيها، و حضور الحضرة المحمّديّة عندها، كما قيل: سرّ المعراج و الإسراء به، و سير المصطفى في مواطن الكون كلّها: كأنّ الكون، و العرش، و الجنان، يسأل كلّ موطن بلسان الحال، أن يشرّفه اللّه تعالى بقدوم قدم حبيبه، و تكتحل أعين الأعيان و الكبار بغبار نعال قدم سيّد السادات.

و اللّه أعلم‏

***

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 101

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[سورة البقرة (2): الآيات 1 الى 5]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)

أُولئِكَ عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

أسباب النزول‏

و ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات من قوله: الم‏ إلى قوله:

الْمُفْلِحُونَ‏ أقوالا.

أحدهما: أنّها نزلت في مؤمني أهل الكتاب دون غيرهم، و هو قول ابن عباس و جماعة.

و الثاني: نزلت في جميع المؤمنين، قاله مجاهد. اه. من «البحر».

التفسير و أوجه القراءة

الم‏ : اللّه أعلم بمراده بذلك، فأرجح الأقوال في هذه الأحرف التي ابتدى‏ء بها كثير من السور سواء كانت أحاديّة: ك ق‏ و ص‏ و ن‏ ، أو ثنائية: ك طس‏ و يس‏ ، أو ثلاثية: ك الم‏ و الر* و طسم* ، أو رباعية: ك المص‏ و المر أو خماسيّة: ك كهيعص‏ : أنّه من المتشابه الذي اختصّ اللّه سبحانه و تعالى بعلمه، و على هذا فلا محلّ لها من الإعراب؛ لأنّ الإعراب فرع عن إدراك المعنى، فلا يحكم عليها بإعراب، و لا بناء، و لا تركيب مع عامل.

و الحاصل: أنّ مجموع الأحرف المنزلة في أوائل السور: أربعة عشر حرفا، و هي نصف حروف الهجاء، و قد تفرّقت في تسع و عشرين سورة، المبدوء بالألف‏

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 102

و اللام منها: ثلاثة عشر، و بالحاء و الميم سبعة، و بالطاء أربعة، و بالكاف واحدة، و بالياء واحدة، و بالصاد واحدة، و بالنون واحدة. و بعض هذه الحروف المبدوء بها أحاديّ، و بعضها ثنائي، و بعضها ثلاثي، و بعضها رباعيّ، و بعضها خماسيّ، و لا تزيد عليه.

و عبارة «الروح» هنا: و اعلموا أنّهم تكلّموا في شأن هذه الفواتح الكريمة، و ما أريد بها. فقيل: إنّها من العلوم المستورة، و الأسرار المحجوبة؛ أي: من المتشابه الذي استأثر اللّه بعلمه، و هي سرّ القرآن، فنحن نؤمن بظاهرها، و نكل العلم فيها إلى اللّه تعالى، و فائدة ذكرها: طلب الإيمان بها، و الإشارة إلى أنّ القرآن إنّما نزل للإعجاز. و قيل: كلّ حرف منها مفتاح اسم من أسمائه تعالى، فالألف: مفتاح اسم الجلالة، و اللام: مفتاح اسم اللطيف، و الميم: مفتاح اسم المجيد، كما أنّ قوله تعالى: الر* أنا اللّه أرى، و كهيعص‏ أنا اللّه الكريم الهادي الحكيم العليم الصادق، و كذا قوله تعالى: ق‏ إشارة إلى أنّه القادر، و ن‏ إشارة إلى أنّه النور الناصر، فهي حروف مقطعة كلّ منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى، و الاكتفاء ببعض الكلمة معهود في العربية، كما قال الشاعر:

قلت لها قفي فقالت ق‏

أراد قالت: وقفت و قال زهير:

بالخير خيرات و إن شرّا فا

و لا أريد الشّرّ إلّا أن تا

أراد و إن شرّا فشرّ، و أراد إلّا أن تشا. و قيل: إنّ هذه الحروف ذكرت في أوائل بعض السور؛ لتدل على أنّ القرآن مؤلّف من الحروف التي هي: أ ب ت ث، فجاء بعضها مقطعا، و بعضها مؤلّفا؛ ليكون إيقاظا لمن تحدّى بالقرآن، و تنبيها لهم على أنّه منتظم من عين ما ينظّمون منه كلامهم، فلو لا أنّه خارج عن طوق البشر نازل من عند خلّاق القوى و القدر؛ لأتوا بمثله. هذا ما جنح إليه أهل التحقيق.

و قال الشيخ الأكبر- رحمه اللّه تعالى في «تفسيره»: و أمّا الحروف المجهولة التي أنزلها اللّه تعالى في أوائل السور، فسبب ذلك؛ من أجل لغو العرب عند

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 103

نزول القرآن، فأنزلها سبحانه حكمة منه حتى تتوفّر دواعيهم، لما أنزل اللّه تعالى إذا سمعوا مثل هذا الذي ما عهدوه، و النفوس من طبعها أن تميل إلى كلّ أمر غريب غير معتاد، فينصتون عن اللغو، و يقبلون عليها، و يصغون إليها، فيحصل المقصود فيما يسمعونه مما يأتي بعد هذه الحروف النازلة من عند اللّه تعالى، و تتوفّر دواعيهم للنظر في الأمر المناسب بين حروف الهجاء التي جاء بها مقطعة، و بين ما يجاورها من الكلم، و أبهم الأمر عليهم من عدم اطلاعهم عليها. فردّ اللّه سبحانه بذلك شرّا كبيرا من عنادهم، و عتوّهم، و لغوهم كان يظهر منهم؛ فذاك رحمة للمؤمنين، و حكمة منه سبحانه و تعالى. انتهى.

و قال المراغي: الم‏ هي و أمثالها من الحروف المقطعة، نحو: المص‏ و الر* حروف للتنبيه كألا، و يا، و نحوهما مما وضع؛ لإيقاظ السامع إلى ما يلقى بعدها، فهنا جاءت؛ للفت نظر المخاطب إلى وصف القرآن الكريم، و الإشارة إلى إعجازه، و إقامة الحجة على أهل الكتاب، إلى نحو ذلك مما جاء في أثناء السورة.

و تقرأ مقطعة بذكر أسمائها ساكنة الأواخر، فيقال: ألف لام ميم، كما يقال في أسماء الأعداد: واحد اثنان ثلاثة. انتهى. و على هذا القول: فلا محلّ لها من الإعراب، كالقول الأوّل الراجح. و قيل: إنّها أسماء للسور التي ابتدئت بها.

و قيل: أسماء للقرآن. و قيل: أسماء للّه تعالى. و قيل: كل حرف منها مفتاح اسم من أسمائه تعالى، كما مرّ؛ أي: إنّ كلّ حرف منها اسم مدلوله حرف من حروف المباني، و ذلك الحرف جزء من اسم من أسماء اللّه تعالى، فألف: اسم مدلوله اه من اللّه، و اللام، اسم مدلوله له من لطيف، و الميم: اسم مدلوله مه من مجيد.

و قيل: كلّ حرف منها يشير إلى نعمة من نعم اللّه تعالى. و قيل: إلى ملك.

و قيل: إلى نبيّ. و قيل: الألف تشير إلى آلاء اللّه، و اللام تشير إلى لطف اللّه، و الميم تشير إلى ملك اللّه. و على هذه الأقوال فلها محلّ من الإعراب، فقيل:

الرفع، و قيل: النصب، و قيل: الجرّ. فالرفع على أحد وجهين: إما بكونها مبتدأ خبرها ما بعدها، و إما بكونها خبرا لمحذوف، كما سيأتي بيانه. و النصب على‏

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏1، ص: 104

أحد وجهين أيضا: إمّا بإضمار فعل لائق تقديره: اقرؤا الم‏ ، و إما بإسقاط حرف القسم، كقوله:

إذا ما الخبز تأدمه بلحم‏

فذاك أمانة اللّه الثريد

يريد: و أمانة اللّه، و كذلك هذه الحروف أقسم اللّه تعالى بها. و الجرّ من وجه واحد، و هو أنّها مقسم بها حذف حرف القسم و بقي عمله، كقولهم: اللّه لأفعلنّ. أجاز ذلك الزمخشري، و أبو البقاء، و هذا ضعيف؛ لأنّ ذلك من خصائص الجلالة المعظّمة لا يشركها فيه غيرها.

فتلخّص مما تقدّم: أنّ في‏ الم‏ و نحوها ستة أوجه، و هي: أنّها لا محلّ لها من الإعراب، أو لها محلّ و هو الرفع بالابتداء، أو على الخبر، و النصب بإضمار فعل، أو حذف حرف القسم، و الجرّ بإضمار حرف القسم. و أما قوله:

ذلِكَ الْكِتابُ‏ فيجوز في ذلك أن يكون مبتدأ ثانيا، و الكتاب خبره، و الجملة خبر الم‏ ، و أغني عن الرابط باسم الإشارة، و يجوز أن يكون‏ الم‏ مبتدأ، و ذلِكَ‏ خبره، و الْكِتابُ‏ صفة لذلك، أو بدل منه، أو عطف بيان، و لا رَيْبَ فِيهِ‏ خبر للمبتدأ الثاني، و هو و خبره خبر عن الأول، و يجوز أن يكون‏ الم‏ خبر مبتدأ مضمر تقديره: هذه ألم، فتكون جملة مستقلّة بنفسها، و يكون‏ ذلِكَ‏ مبتدأ و الْكِتابُ‏ خبره، و يجوز أن يكون صفة له، أو بدلا، أو بيانا، و لا رَيْبَ فِيهِ‏ هو الخبر عن ذلك، أو يكون‏ الْكِتابُ‏ خبرا لذلك، و لا رَيْبَ فِيهِ‏ خبر ثان.

تنبيه: ثمّ اعلم أنّ المتشابه كالمحكم من جهة أجر التلاوة؛ لما روي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه: «من قرأ حرفا من كتاب اللّه، فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم‏ حرف، بل ألف حرف، و لام حرف، و ميم حرف، ففي ألم تسع حسنات».

فائدة هذا الربع من هذه السورة ينقسم أربعة أقسام:

صفحه بعد