کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 16

الأول و زوجه الكريم- آدم و حواء- فزين لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما اللّه عن الأكل منها كما قال: وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏ و هكذا يوسوس شياطين الإنس و الجن لمن يجترحون السيئات و يرتكبون المعاصي، فيزينون لهم ما فيها من عظيم اللذة و التمتع بالحرية، و يمنونهم بعفو اللّه و رحمته، و شفاعة أنبيائه و أوليائه حتى ليترنم أحدهم بقوله:

تكثّر ما استطعت من الخطايا

فإنك واجد ربا غفورا

وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ‏ ؛ أي: و لو شاء ربك أن لا يفعلوا هذا الغرور .. ما فعلوا، و لكنه لم يشأ أن يغير خلقهم أو يجبرهم على خلاف ما تزينه لهم أهواؤهم، بل شاء أن يكون الإنس و الجن على استعداد لقبول الحق و الباطل و الخير و الشر، و أن يكونوا مختارين سلوك أي الطريقين كما قال: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) .

فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ‏ من الكذب و يخترعون من الإفك صرفا للناس عن سبيل الحق، و سعيا في إضلالهم و صدهم عن طريق الرشاد، و امض لشأنك كما أمرت، فعليك البلاغ و علينا الحساب و الجزاء، و سترى سنتنا فيهم و في أمثالهم، و قد أراه عاقبة أمرهم، فأهلك المستهزئين بالقرآن، و نصره على أعدائه المشركين: وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ‏ انتهت.

و اللام في قوله: وَ لِتَصْغى‏ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لام كي معطوفة على مقدر معلوم من السياق على كونها علة ليوحي؛ أي: يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المموه من القول؛ ليغروا به المؤمنين من أتباع الأنبياء، فيفتنوهم عن دينهم‏ وَ لِتَصْغى‏ إِلَيْهِ‏ ؛ أي: و لكي تميل إلى هذا المزخرف‏ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ؛ أي: قلوب الذين لا يصدقون بالبعث بعد الموت؛ لأنه الموافق لأهوائهم؛ إذ هم يميلون إلى حب الشهوات التي من جملتها مزخرفات الأقاويل و مموهات الأباطيل، أما الذين ينظرون إلى عواقب الأمور، فيعلمون بطلانها، فلا تغرهم تلك الزخارف، و لا تعجبهم تلك الأباطيل.

وَ لِيَرْضَوْهُ‏ ؛ أي: و ليرضى الذين لا يؤمنون بالآخرة ذلك المزخرف لأنفسهم و يحبوه لهم بعد الإصغاء إليه بلا بحث و لا تمحيص فيه. وَ لِيَقْتَرِفُوا ؛ أي:

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 17

و ليكتسبوا بسبب ارتضائهم له و غرورهم‏ ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ‏ ؛ أي: ما هم مكتسبون له من الآثام، فيعاقبوا عليها.

و قرأ النخعي و الجراح بن عبد اللّه‏ «1» : و لتصغي- بكسر الغين- من أصغى الرباعي. و قرأ الحسن بسكون اللام في الأفعال الثلاثة، و قيل عنه بالسكون في: لِيَرْضَوْهُ وَ لِيَقْتَرِفُوا و بالكسر في: وَ لِتَصْغى‏ . و قال أبو عمرو الداني: قراءة الحسن إنما هي: و لتصغي- بكسر الغين- انتهى. و خرّج سكون اللام في الثلاثة على أنه شذوذ في لام كي، و هي لام كي في الثلاثة، و هي معطوفة على‏ غُرُوراً ، و سكون لام كي في نحو هذا شاذ في السماع قوي في القياس. قاله أبو الفتح. و قال غيره: هي لام الأمر في الثلاثة، و يبعد ذلك في و لتصغي- بإثبات الياء- و إن كان قد جاء ذلك في قليل من الكلام كما في قراءة قنبل: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ على أنه يحتمل التأويل. و قيل هي في‏ وَ لِتَصْغى‏ لام كي سكنت شذوذا، و في: لِيَرْضَوْهُ وَ لِيَقْتَرِفُوا لام الأمر مضمنا التهديد و الوعيد كقوله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ‏ .

و الاستفهام في قوله: أَ فَغَيْرَ اللَّهِ‏ للإنكار، و الفاء عاطفة على فعل مقدر، و الكلام على إرادة القول، و التقدر: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أ أضل و أميل إلى زخارف الشياطين ف أَبْتَغِي‏ و أطلب‏ حَكَماً ؛ أي: حاكما (غير الله) يحكم بيني و بينكم‏ وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ‏ ؛ أي: و الحال أنه سبحانه و تعالى هو الذي أنزل إليكم القرآن، و أنتم أمة أمية لا تدرون ما تأتون و ما تذرون حالة كون ذلك الكتاب‏ مُفَصَّلًا ؛ أي: مبينا فيه الحق و الباطل، فلم يبق في أمور الدين شي‏ء من الإبهام، فأي حاجة بعد ذلك إلى الحكم؛ أي: لا أبتغي حكما غير اللّه نزلت حين قال مشركوا قريش للرسول صلى اللّه عليه و سلم: اجعل بيننا و بينك حكما من أحبار اليهود، و إن شئت من أساقفة النصارى، ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك، و الحكم‏ «2» و الحاكم معناهما عند أهل اللغة واحد، لكن بعض‏

(1) البحر المحيط.

(2) المراح.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 18

أهل التأويل قال: الحكم أكمل من الحاكم؛ لأن الحكم لا يحكم إلا بالحق، و الحاكم قد يجور، و لأن الحكم من تكرر منه الحكم، و الحاكم يصدق بمرة.

و المعنى: ليس‏ «1» لي أن أتعدى حكم اللّه تعالى، و لا أن أتجاوزه؛ لأنه لا حكم أعدل من حكمه، و لا قائل أصدق منه، و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا فيه كل ما يصح به الحكم، و إنزاله مشتملا على الحكم التفصيلي للعقائد و الشرائع و غيرهما على لسان رجل منكم أمي مثلكم .. هو أكبر دليل و أظهر آية على أنه من عند اللّه لا من عنده، كما جاء في قوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ‏ ؛ أي: جاوزت الأربعين، و لم يصدر عني مثله في علومه، و لا في إخباره الغيب، و لا في فصاحته و بلاغته.

و الخلاصة:

أنكم تتحكمون في طلب المعجزات؛ لأن الدليل على نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم قد حصل بوجهين:

1- أنه أنزل إليكم الكتاب المفصل المشتمل على علوم كثيرة بأسلوب عجز الخلق عن معارضته، فيكون هذا دليلا على أن اللّه تعالى قد حكم بنبوته.

2- ما سيذكره بعد من أن التوراة و الإنجيل تشتملان على الآيات الدالة على أنه صلى اللّه عليه و سلم حق، و أن القرآن كتاب حق من عند اللّه تعالى، ثم ذكر ما يؤكد ما سبق، فقال: وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ‏ ؛ أي: و أهل الكتاب الذين أعطيناهم التوراة و الإنجيل و الزبور يَعْلَمُونَ أَنَّهُ‏ ؛ أي: أن هذا القرآن‏ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ‏ حالة كونه متلبسا بِالْحَقِ‏ و الصدق الذي لا شك فيه و لا شبهة، و المراد بهم علماء أهل الكتاب، فهو عام بمعنى الخصوص.

قرأ ابن عباس و ابن عامر و حفص‏ «2» : مُنَزَّلٌ‏ - بتشديد الزاي- و الباقون بسكون النون. فَلا تَكُونَنَ‏ يا محمد، أو أيها المخاطب‏ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏ ؛ أي:

من الشاكين في أن علماء أهل الكتاب يعلمون أن هذا القرآن حق، و أنه منزل من‏

(1) المراغي.

(2) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 19

عند اللّه- سبحانه و تعالى، و لا يريبك جحود أكثرهم و كفرهم؛ أي: إن أنكر هؤلاء المشركون أن يكون القرآن حقا، و كذبوا به .. فالذين أعطيناهم الكتب المنزلة من قبله كعلماء اليهود و النصارى .. يعلمون أنه منزل من ربك بالحق، ذاك أنهم يعلمون أنه من جنس الوحي الذي نزل على أنبيائهم، و أن أوسع البشر علما لا يستطيع أن يأتي بمثله مع أن كتبهم تشتمل على بشارات بذلك النبي لم تكن لتخفى على علمائهم في عصر التنزيل، كما قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ . و قد اعترف بذلك من أنار اللّه بصيرتهم من أهل الكتاب، فآمنوا و أنكر بعضهم الحق و كتمه بغيا و حسدا، فباء بالخسران المبين.

و الخطاب في قوله‏ «1» : فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏ إما للنبي صلى اللّه عليه و سلم، و المراد به غيره على سبيل التعريض كقوله: وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ و إما له صلى اللّه عليه و سلم، و المراد النهي له عن الشك في أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق، فهو من باب التهييج و الإلهاب؛ لأنه صلى اللّه عليه و سلم لم يشك قط، أو الخطاب لكل من يتأتى منه الامتراء على مثال قوله تعالى: وَ لَوْ تَرى‏ إِذِ الْمُجْرِمُونَ‏ .

وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ‏ لما «2» قدم من أول السورة إلى هنا دلائل التوحيد و النبوة و البعث، و الطعن على مخالفي ذلك، و كان من هنا إلى آخر السورة أحكام و قصص .. ناسب ذكر هذه الآيات هنا؛ أي: تمت أقضيته و نفذت أقداره. قاله ابن عباس رضي اللّه عنهما.

و المعنى:

إن اللّه قد أتم وعده و وعيده، فظهر الحق و انطمس الباطل. و قال قتادة: كلماته القرآن؛ أي: تم وعده لأوليائه بنصرهم، و وعيده لأعدائه بخذلانهم. و قال الزمخشري: في كل ما أخبره به، و أمر و نهى، و وعد و أوعد.

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و نافع‏ «3» : كلمات بالجمع هنا، و في يونس في الموضعين، و في المؤمن. و قرأ عاصم و حمزة و الكسائي و يعقوب:

(1) المراغي.

(2) البحر المحيط.

(3) زاد المسير.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 20

كَلِمَةُ بالإفراد في جميع ذلك. و قد ذكرت العرب الكلمة و أرادت بها الكثرة، يقولون: قال قس في كلمته؛ أي: في خطبته، و زهير في كلمته؛ أي: في قصيدته. فمن قرأ بالإفراد .. قال: الكلمة قد يراد بها الكلمات الكثيرة، و من قرأ بالجمع .. قال: لأن اللّه تعالى قال في سياق الآية: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ‏ ، فوجب الجمع في اللفظ الأول إتباعا للثاني، و ترسم بالتاء المجرورة على كل من قراءة الجمع و قراءة الإفراد، و كذا كل موضع اختلف فيه القراء جمعا و إفرادا، فإنه يكتب بالتاء المجرورة على كل من القراءتين باتفاق المصاحف إلا موضعين من ذلك، فقد اختلف فيهما المصاحف:

أحدهما: في يونس في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ‏ .

و ثانيهما: في غافر في قوله تعالى: وَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فاختلفت فيهما المصاحف، فبعضها بالتاء المجرورة، و بعضها بالتاء المربوطة.

و قوله: صِدْقاً وَ عَدْلًا تمييز ل كَلِمَةُ ؛ أي: تمت كلمات ربك و أقضيته من جهة الصدق فيما وعد و أوعد، و من جهة العدل فيما أمر و نهى، أو المعنى:

تمت كلمات ربك و قرآنه من جهة الصدق فيما أخبر عن القرون الماضية و الأمم الخالية، و عما هو كائن إلى قيام الساعة، و من جهة العدل في أحكامه من الأمر و النهي و الحلال و الحرام، و سائر الأحكام. و يصح كون‏ صِدْقاً وَ عَدْلًا حالا من (الكلمة)؛ أي: حالة كونها صادقة فيما أخبرت، و عادلة فيما أمرت و نهت، و يصح كونهما حالا من‏ رَبِّكَ‏ ؛ أي: حالة كونه صادقا فيما وعد و أوعد، و عادلا فيما أمر و نهى. لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ‏ ؛ أي: لا مغير لأقضيته، و لا راد لأحكامه و أقداره، و لا خلف لمواعيده، أو لا مبدل لكلمات القرآن، فلا يلحقها تغيير لا في المعنى و لا في اللفظ؛ أي: لا أحد يبدل شيئا من القرآن بما هو أصدق منه و أعدل، و لا بما هو مثله، و لا يقدر المفترون على الزيادة فيه و النقصان منه لا في اللفظ و لا في المعنى، و في هذا ضمان من اللّه تعالى لحفظ القرآن كقوله: وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ‏ . و في «الخازن» لما وصفها بالتمام، و هو في‏

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 21

كلامه تعالى يقتضي عدم قبول النقص و التغيير، قال: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ‏ انتهى.

و في حرف أبي: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ‏ .

و معنى الآية: و تمت‏ «1» كلمة ربك فيما وعدك به من نصرك، و أوعد به المستهزئين بالقرآن من الخذلان و الهلاك، كما تمت في الرسل و أعدائهم من قبلك كما قال تعالى: وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) و تمامها صدقا هو حصولها على الوجه الذي أخبر به، و تمامها عدلا باعتبار أنها جزاء للكافرين المعاندين للحق بما يستحقون، و للمؤمنين بما يستحقون أيضا، و قد يزادون على ذلك فضلا من اللّه و رحمة، و المراد بالخبر لازمه، و هو تأكيد ما تضمنته الآيات من تسلية النبي صلى اللّه عليه و سلم على كفر هؤلاء المعاندين و إيذائهم له و لأصحابه، و إيئاس للطامعين من المسلمين في إيمانهم حين إيتائهم الآيات المقترحة.

و خلاصة المعنى:

كما أنّ سنتي قد مضت بأن يكون للرسل أعداء من شياطين الإنس و الجن .. تمت كلمتي بنصر المسلمين و خذلان الأعداء المفسدين‏ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ‏ ؛ أي: إن كلمة اللّه في نصرك و خذلان أعدائك قد تمت و أصبحت واقعة نافذة حتما لا مرد لها؛ لأن كلمات اللّه لا مبدل لها، و لا يستطيع أحد من خلقه أن يزيلها بكلمات أخرى تخالفها، و تمنع صدقها على من وردت فيهم، كأن يجعل الوعد وعيدا، أو الوعيد وعدا، أو يصرفهما عن الموعود بالثواب أو المتوعّد بالعقاب إلى غيرهما، أو يحول دون وقوعهما.

و الخلاصة: أنه لا مغير لما أخبر عنه من خبر أنه كائن، فيبطل مجيؤه، و كونه على ما أخبر جلّ شأنه‏ وَ هُوَ سبحانه و تعالى‏ السَّمِيعُ‏ لتلك الأقوال الخادعة عنه‏ الْعَلِيمُ‏ بما في قلوبهم من المقاصد و المكايد، و النيات، و بما يقترفون من الذنوب و السيئات، فيجازيهم عليها، أو المعنى: السميع لتضرع أوليائه و لقول أعدائه، العليم بما في قلوب الفريقين.

وَ إِنْ تُطِعْ‏ ؛ أي: و إن توافق يا محمد أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ‏ ؛ أي:

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 22

الكفار من الناس فيما يعتقدونه من إحقاق الباطل، و إبطال الحق. قيل: و المراد بأكثر أهل الأرض رؤساء مكة، و المراد بالأرض خصوص مكة. يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ ؛ أي: يصرفوك عن الطريق الموصول إلى اللّه؛ أي: و إن تطع أحدا من الكفار بمخالفة ما شرعه اللّه و أودعه في كلماته المنزلة عليك يضلوك عن الدين الحق، و عن نهج الصواب، فلا تتبع أنت و من اتبعك حكما غير الذي أنزل إليك من الكتاب مفصلا، فهو الهداية التامة الكاملة، فادع إليه الناس كافة، ثم أكد ما سبق بقوله: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ‏ ؛ أي: ما يتبع كفار أهل الأرض في إثبات مذهبهم، و تأسيس عقائدهم كتحليل الميتة و تحريم السائبة إِلَّا الظَّنَ‏ ؛ أي: إلا ظن أن آباءهم كانوا على الحق، فهم على آثارهم مقتدون‏ وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏ ؛ أي: و ما هم إلا يكذبون، و هذا تأكيد لما قبله، فإن رؤساء أهل مكة منهم أبو الأحوص مالك بن عوف الجشمي، و بديل بن ورقاء الخزاعي، و جليس بن ورقاء الخزاعي قالوا للمؤمنين: إن ما ذبح اللّه خير مما تذبحون أنتم بسكاكينكم؛ أي: أن هؤلاء لا يتبعون في عقائدهم و أعمالهم إلا الظن الظن الذي ترجحه لهم أهواؤهم و ما هم إلا يخرصون في ترجيح بعض منها على بعض كما يخرص أرباب النخيل و الكروم ثمرات نخيلهم و أعنابهم، و يقدرون ما تجود به من التمر و الزبيب تخمينا و حدسا دون تحقيق لذلك، و لا برهان لهم على ما يقولون، فهم يكذبون على اللّه فيما ينسبون إليه من اتخاذ الولد، و جعل عبادة الأوثان ذريعة إليه، و تحليل الميتة و تحريم البحائر و نحو ذلك، و تاريخ تلك العصور يؤيد الحكم القطعي الذي في الآية من ضلال أكثر أهل الأرض، و اتباعهم للخرص و الظن، فأهل الكتاب من اليهود و النصارى قد تركوا هداية أنبيائهم، و ضلوا ضلالا بعيدا، و كذلك الأمم الوثنية التي كانت أبعد عهدا عن هداية الرسل و الأنبياء.

و هذا من علم الغيب الذي أوتيه هذا النبي الأمي، و هو لم يكن يعلم من أحوال الأمم إلا النزر اليسير من شؤون الأمم المجاورة لبلاد العرب،

صفحه بعد