کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 49

حرصا على رياستهم و فسقهم و فسادهم .. لم يكونوا يشعرون بأن عاقبة مكرهم تحيق بهم لجهلهم بسنن اللّه في خلقه، و هم خليقون بهذا الجهل. و أما في الآخرة فالأمر واضح و النصوص متظاهرة على ذلك. و هذه الجملة متضمنة لوعيد الماكرين من مجرمي أهل مكة، و فيها وعد و تسلية للنبي صلى اللّه عليه و سلم و المؤمنين.

وَ إِذا جاءَتْهُمْ‏ ؛ أي: و إذا جاءت مشركي العرب كالوليد بن المغيرة و عبد ياليل و أبي مسعود الثقفي‏ آيَةٌ من القرآن تأمرهم باتباع محمد صلى اللّه عليه و سلم و تخبرهم بصنيعهم‏ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ‏ ؛ أي: قالوا: لن نصدقك‏ حَتَّى نُؤْتى‏ مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ‏ سبحانه و تعالى؛ أي: حتى يوحى إلينا و يأتينا جبريل، فيخبرنا أنك رسول اللّه، و أنك صادق. قال تعالى ردا عليهم: اللَّهِ‏ سبحانه و تعالى:

أَعْلَمُ‏ ؛ أي: عالم‏ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ‏ ؛ أي: الموضع الذي يجعل فيه رسالته؛ أي: أعلم من يليق برسالته؛ أي: بإرسال جبريل إليه لأمر من الأمور، و هذا إعلام بأنهم لا يستحقون ذلك التشريف، و هذا «1» المعنى قول الحسن، و منقول عن ابن عباس.

[معنى آخر للآية:]

و قيل معنى الآية: و إذا جاءتهم آية على صدق النبي صلى اللّه عليه و سلم .. قالوا: لن نؤمن برسالته أصلا حتى نؤتى نحن من الوحي و النبوة مثل إيتاء رسل اللّه. قال تعالى:

إنه تعالى يعلم من يستحق الرسالة، فيشرفه بها و يعلم من لا يستحقها، و أنتم لستم أهلا لها، و لأن النبوة لا تحصل لمن يطلبها، خصوصا لمن عنده حسد و مكر و غدر.

[معنى آخر للآية أيضا:]

و قيل المعنى‏ «2» : و إذا جاءت أولئك المشركين آية بينة من القرآن تتضمن صدق الرسول صلى اللّه عليه و سلم فيما جاء به عن ربه من التوحيد و الهدى .. قالوا: لن نؤمن إلا إذا أتى على يديه من الآيات الكونية التي يؤيده اللّه بها مثل ما أوتي رسل اللّه كفلق البحر لموسى، و إبراء الأكمه و الأبرص و إحياء الموتى لعيسى. و قال ابن‏

(1) المراح.

(2) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 50

كثير: أي: حتى تأتينا الملائكة من اللّه بالرسالة كما تأتي إلى الرسل، بمعنى قوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى‏ رَبَّنا ... الآية.

و خلاصة ذلك:

أنهم لا يؤمنون بالرسالة إلا إذا صاروا رسلا يوحى إليهم، و قد رد عليهم جهالتهم و بين لهم خطأهم بقوله: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ‏ ؛ أي: هو أعلم حيث يضع رسالته و من يصلح لها من خلقه، و هذا كقوله حكاية عنهم: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ... الآية، يريدون لو لا نزل هذا القرآن على رجل عظيم مبجل في أعينهم من القريتين مكة و الطائف، ذلك أنهم جازاهم اللّه تعالى بما يستحقون، كانوا يزدرون الرسول صلى اللّه عليه و سلم بغيا و حسدا و عنادا و استكبارا كما قال تعالى: وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) و هم مع ذلك كانوا يعترفون بشرفه و نسبه، و طهارة بيته و مرباه و منشئه، و كانوا يسمونه بالأمين، فكان ينبغي أن يكون في ذلك مقنع لهم بأنه أولى من أولئك الأكابر الحاسدين له بالرسالة و بكل ما فيه الكرامة، و لكن الحسد و البغي و التقليد كل أولئك كان الباعث لهم على تلك الأقوال، و عمل هاتيك الأفعال في عداوته و معاندته.

و الخلاصة: أن الرسالة فضل من اللّه يمنحه من يشاء من خلقه لا يناله أحد بكسب، و لا يصل إليه بسبب و لا نسب، و لا يعطيه إلا من كان أهلا له لسلامة الفطرة و طهارة القلب و حب الخير و الحق، و قد اختار أن يجعل الرسالة في محمد صفيه و حبيبه، فدعوا طلب ما ليس من شأنكم. و قرأ حفص و ابن كثير:

رِسالَتَهُ‏ بالإفراد، و الباقون على الجمع.

فائدة:

و يستجاب‏ «1» الدعاء بين هاتين الجلالتين و هذا دعاء عظيم يدعى به بينهما و وجد بخط بعض الفضلاء؛ و هو «اللهم من الذي دعاك فلم تجبه، و من الذي استجارك فلم تجره، و من الذي سألك فلم تعطه، و من الذي استعان بك فلم‏

(1) المراح.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 51

تعنه، و من الذي توكل عليك فلم تكفه، يا غوثاه يا غوثاه يا غوثاه بك أستغيث أغثني يا مغيث و اهدني هداية من عندك، و اقض حوائجنا، و اشف مرضانا، و اقض ديوننا، و اغفر لنا و لآبائنا و لأمهاتنا بحق القرآن العظيم و الرسول الكريم برحمتك يا أرحم الراحمين».

ثم أوعدهم و بين سوء عاقبتهم لحرمانهم من الاستعداد للإيمان فقال:

سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ؛ أي: سيصيب الذين أشركوا بقولهم: لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه و مكروا بك‏ صَغارٌ ؛ أي: ذل و هوان و حقارة في الدنيا عِنْدَ اللَّهِ‏ ؛ أي: ثابت لهم في حكم اللّه تعالى بالقتل و الأسر وَ عَذابٌ شَدِيدٌ بالنار في الآخرة بِما كانُوا يَمْكُرُونَ‏ ؛ أي: بسبب مكرهم بقولهم ذلك، و حسدهم للنبي صلى اللّه عليه و سلم، و تكذيبهم له و طلبهم ما لا يستحقون.

و قال اسماعيل الضرير «1» : في الكلام تقديم و تأخير؛ أي: صغار و عذاب شديد عند اللّه في الآخرة انتهى. أي: سيصيب‏ «2» المجرمين الماكرين الذين قد قضت سنة اللّه أن يكونوا زعماء في كل شعب دب فيه الفساد عذاب شديد مكان ما تمنوه و علقوا به آمالهم من عز النبوة و شرف الرسالة. و معنى كونه من عند اللّه:

أنه مما اقتضاه حكمه و عدله و سبق به تقديره، فإن ما هو ثابت عند اللّه في حكمه التكويني الذي دبر به نظام الخلق و حكمه الشرعي التكليفي الذي أقام به العدل و الحق .. يقال: إنه من عند اللّه، و يكون هذا جزاء لهم على استكبارهم عن الحق في دار الدنيا كما قال تعالى: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26) .

و عذاب الأمم في الدنيا بذنوبها مطرد، و عذاب الأفراد لا يطرد، و إن كانوا من المجرمين الماكرين، و قد عذب اللّه في الدنيا أكابر مجرمي أهل مكة الذين‏

(1) البحر المحيط.

(2) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 52

تصدوا لإيذاء النبي صلى اللّه عليه و سلم و الكيد له، فقتل منهم من قتل في بدر، و لحق الصغار و الهوان بالباقين.

ثم أردف ذلك بالموازنة بينهم و بين المستعدين للإيمان، فقال: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ‏ ؛ أي: فمن يرد اللّه سبحانه و تعالى هدايته للحق و يرشده لدينه‏ يَشْرَحْ صَدْرَهُ‏ ؛ أي: يوسع قلبه‏ لِلْإِسْلامِ‏ حتى يقبله بصدر منشرح منبسط له.

و معنى الآية

«1» : فمن يرد اللّه تعالى أن يهديه للإيمان باللّه و برسوله و بما جاء به من عنده .. يوفقه له و يشرح صدره لقبوله و يهونه عليه، و يسهله له بفضله و كرمه و لطفه به و إحسانه إليه، فعند ذلك يستنير الإسلام في قلبه، فيضي‏ء به و يتسع له صدره.

و الخلاصة

«2» : فمن كان أهلا بإرادة اللّه و تقديره لقبوله دعوة الإسلام الذي هو دين الفطرة و الهادي إلى طريق الحق و الرشاد .. وجد لذلك في نفسه انشراحا و اتساعا بما يشعر به قلبه من السرور، فلا يجد مانعا من النظر الصحيح فيما ألقي إليه فيتأمله و تظهر له عجائبه، و تتضح له دلالته، فتتوجه إليه إرادته، و يذعن له قلبه بما يرى من ساطع النور الذي يستضي‏ء به لبه، و باهر البرهان الذي يتملك نفسه.

و لما نزلت هذه الآية «3» .. سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن شرح الصدر، فقال:

«هو نور يقذفه اللّه تعالى في قلب المؤمن، فينشرح له و ينفسح»، فقالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: «نعم، الإنابة إلى الدار الخلود، و التجافي عن دار الغرور، و الاستعداد للموت قبل نزول الموت». و أسند الطبري عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين نزلت عليه هذه الآية:

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ‏ قال: «إذا دخل النور القلب ..

انفسح و انشرح». قالوا: فهل لذلك من آية يعرف بها؟ قال: «الإنابة إلى دار

(1) الخازن.

(2) المراغي.

(3) الخازن.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 53

الخلود، و التجافي عن دار الغرور، و الاستعداد للموت قبل لقاء الموت».

وَ مَنْ يُرِدْ اللّه سبحانه و تعالى‏ أَنْ يُضِلَّهُ‏ ؛ أي: إضلاله و شقاوته‏ يَجْعَلْ صَدْرَهُ‏ و قلبه‏ ضَيِّقاً عن قبول الإسلام غير متسع له‏ حَرَجاً ؛ أي: شديد الضيق لا يتسع لشي‏ء من الهدي، و لا يخلص إليه شي‏ء من الإيمان فهو بمعنى الضيق مع المبالغة كرره تأكيدا، و حسن ذلك اختلاف اللفظ كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ؛ أي: كأنما يتكلف صدره الصعود في السماء، و يحاول الطلوع إليها، و يزاول أمرا غير ممكن. قال ابن جرير: و هذا «1» مثل ضربه اللّه لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء و عجزه عنه؛ لأنه ليس في وسعه، أي: أن‏ «2» من فسدت فطرته بالشرك و تدنست نفسه بالآثام و الذنوب .. يجد في صدره ضيقا أيما ضيق إذا طلب إليه التأمل فيما يدعى له من دلائل التوحيد، و النظر في الآفاق و الأنفس لما استحوذ على قلبه من باطل التقاليد و الاستكبار عن مخالفة ما ألفه و سار عليه الناس، و تضعف إرادته عن ترك ما هو عليه، فتكون إجابته الداعي إلى الدين الجديد ثقيلة عليه، و يشعر بالعجز عن احتمالها، و يكون مثله مثل من صعد في الطبقات العليا في جو السماء إذ يشعر بضيق شديد في التنفس، و كلما صعد في الجو أكثر شعر بضيق أشد، حتى إذا ما ارتفع إلى أعلى من ذلك شعر بتخلخل الهواء، و لم يستطع سبيلا إلى البقاء، فإن هو قد بقي فيها مات اختناقا.

و خلاصة ذلك‏ : أن اللّه ضرب مثلا لضيق النفس المعنوي يجده من دعي إلى الحق، و قد ألف الباطل و ركن إليه بضيق التنفس الذي يجده من صعد بطائرة إلى الطبقات العليا من الجو حتى لقد يشعر بأنه أشرف على الهلاك، و هو لا محالة هالك إن لم يتدارك نفسه، و ينزل من هذا الجو إلى طبقات أسفل.

سبحانك ربي، نطق كتابك الكريم بقضية لم يتفهم سرّها البشر، و لم يفقه‏

(1) الطبري.

(2) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 54

معرفة كنهها إلا بعد أن مضى على نزولها نحو أربعة عشر قرنا، و تقّدم فنّ الطيران، الآن علم الطيارين بالتجربة صدق ما جاء في كتابك، و دل على صحة ما ثبت في علم الطبيعة من اختلاف الضغط الجوي في مختلف طبقات الهواء، و قد علم الآن أن الطبقات العليا أقل كثافة في الهواء من الطبقات التي هي أسفل منها، و أنه كلما صعد الإنسان إلى طبقة أعلى شعر بالحاجة إلى الهواء و بضيق في التنفس نتيجة لقلة الهواء الذي يحتاج إليه حتى لقد يحتاجون أحيانا إلى استعمال جهاز التنفس؛ ليساعدهم على السير في تلك الطبقات.

و هذه الآيات و أمثالها لم يستطع العلماء أن يفسروها تفسيرا جليا؛ لأنهم لم يهتدوا لسرها، و جاء الكشف الحديث و تقدم العلوم، فأمكن شرح مغزاها و بيان المراد منها بحسب ما أثبته العلم، و من هذا صح قولهم: الدين و العلم صنوان لا عدوان، و هكذا كلما تقدم العلم أرشد إلى إيضاح قضايا خفي أمرها على المتقدمين من العلماء و المفسرين.

و خلاصة معنى الآية

«1» : فمن يرد اللّه أن يهديه قوّى في قلبه ما يدعوه إلى الإيمان؛ بأن اعتقد أن نفعه زائد و خيره راجح و ربحه ظاهر، فمال طبعه إليه و قويت رغبته في حصوله و حصل في القلب استعداد شديد لتحصيله، و من يرد أن يضله ألقى في قلبه ما يصرفه عن الإيمان و يدعوه إلى الكفر بأن اعتقد أن شر الإيمان زائد و ضرره راجح، فعظمت النفرة عنه، فإن الكافر إذا دعي إلى الإسلام شق عليه جدا، كأنه كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه، و لا يقدر على ذلك، أو المعنى: كان قلب الكافر يصعد إلى السماء تكبرا عن قبول الإسلام.

و قرأ ابن كثير «2» : ضَيِّقاً - بالتخفيف- مثل هين و لين، و قرأ الباقون بالتشديد، و هما لغتان، و قرأ نافع و أبو بكر عن عاصم: حرجا- بكسر الراء-

(1) المراح.

(2) الشوكاني و ابن الجوزي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 55

و معناه الضيق، فيكون تأكيدا لما قبله، و قرأ الباقون: حرجا- بفتح الراء- جمع حرجة، و هي شدة الضيق. و قرأ ابن كثير: كأنما يصعد- بالتخفيف من الصعود- و قرأ النخعي: يصّاعد- بتشديد الصاد مع الألف- و أصله يتصاعد، و قرأ الباقون: يَصَّعَّدُ - بالتشديد بدون ألف- و أصله يتصعد. و قرأ ابن مسعود و طلحة: تصعد- بتاء من غير ألف- و قرأ أبي بن كعب: يتصاعد بتاء و ألف.

كَذلِكَ‏ ؛ أي: كما جعل اللّه سبحانه و تعالى صدر من أراد إضلاله ضيقا حرجا بالإسلام‏ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ‏ ؛ أي: اللعنة في الدنيا و العذاب في الآخرة عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ‏ بآيات اللّه و يعرضون عن الإيمان بها، أو يسلط اللّه الشيطان عليهم، فيظهر أثر ذلك في تصرفاتهم و أعمالهم، فيكون غالبا قبيحا سيئا في ذاته، أو فيما بعث عليه من قصد و نية؛ لأن الإيمان الذي اجتنبوه هو الذي يصد عنه و يطهر الأنفس منه.

وَ هذا الإسلام الذي يشرح له صدر من أراد هدايته هو صِراطُ رَبِّكَ‏ الذي بعثك به، و بين لك أصوله و عقائده بالبراهين الواضحة و البينات الظاهرة حالة كونه‏ مُسْتَقِيماً في نظر العقول الراجحة و الفطر السليمة بعيدا من الإفراط و التفريط، فلا اعوجاج فيه و لا التواء، بل هو السبيل السوي و ما عداه من الملل و النحل فهو معوج ملتو بما فيه من زيغ و فساد، و خروج عن الجادة التي يؤيدها العقل، و تستند إلى النقل، كما قال عليّ- كرم اللّه وجهه- في نعت القرآن: هو الصراط المستقيم، و حبل اللّه المتين، و هو الذكر الحكيم. قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ‏ ؛ أي: قد فسرنا آيات القرآن و أوضحناها، و بيناها بالوعد و الوعيد، و الثواب و العقاب، و الحلال و الحرام، و الأمر و النهي و غير ذلك‏ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ‏ ؛ أي:

صفحه بعد