کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 134
ضمير الأولاد، فقيل: تفننا، و قيل: قدم هنا خطاب الآباء تعجيلا لبشارة الآباء الفقراء بأنهم في ضمان اللّه، و قدم هناك ضمير الأولاد لتطمئن الآباء بضمان رزق الأولاد، فهذه الآية تفيد النهي للآباء عن قتل الأولاد، و إن كانوا متلبسين بالفقر، و الأخرى النهي عن قتلهم و إن كانوا موسرين، و لكن يخافون وقوع الفقر، انتهت.
الرابع: ما ذكره بقوله وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ
؛ أي: و لا تقربوا كبائر الذنوب، و هي كل ما عظم قبحه منها سواء كان من الأفعال كالزنا، أو من الأقوال كقذف المحصنات الغافلات، و قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ بدل من الْفَواحِشَ بدل تفصيل من مجمل، أو بدل اشتمال؛ أي: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش للناس كالزنا و القذف، و ما بطن منها و استتر عن الناس كالسرقة.
و قيل «1» : الظاهر ما تعلق بأعمال الجوارح، و الباطن ما تعلق بأعمال القلوب، كالكبر و الحسد و التفكير في تدبير المكايد الضارة، و أنواع الشرور و المآثم.
و قيل: المراد بالفواحش هنا الزنا، و قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ علانيته و سره؛ أي «2» : ما يفعل منها علانية في الحوانيت كما هو دأب أراذلهم، و ما يفعل سرا باتخاذ الأخدان كما هو عادة أشرافهم، و إنما جمع الفواحش بمعنى الزنا للنهي عن أنواعها، و لذلك ذكر ما أبدل منها. و قد روي عن ابن عباس في تفسير الآية أنه قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بأسا بالزنا في السر، و يستقبحونه في العلانية، فحرم اللّه الزنا في السر و العلانية؛ أي: في هذه الآية و ما أشبهها. و أخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: ما ظهر منها: ظلم الناس، و ما بطن منها: الزنا و السرقة؛ أي: لأن الناس يأتونهما في الخفاء. و روى عبد اللّه بن مسعود أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا أحد أغير من اللّه، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن» رواه البخاري و مسلم. و في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ دقيقة، و هي أن الإنسان إذا احترز عن المعاصي في الظاهر، و لم يحترز منها في الباطن .. دل ذلك على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية اللّه تعالى
(1) المراغي.
(2) المراح.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 135
و طاعته فيما أمر به أو نهى عنه، و لكن لأجل الخوف من رؤية الناس و مذمتهم، و من كان كذلك استحق العقاب، و من ترك المعصية ظاهرا و باطنا لأجل خوف اللّه تعالى و تعظيما لأمره استوجب رضوان اللّه تعالى.
و الخامس منها: ما ذكره بقوله: وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِ
؛ أي: و لا تقتلوا النفس التي حرم اللّه قتلها بالإسلام، أو بالعهد بين المسلمين و غيرهم كأهل الكتاب المقيمين بيننا بعهد و أمان، و قد جاء في الحديث «لهم ما لنا و عليهم ما علينا» و روى الترمذي قوله صلى اللّه عليه و سلم: «من قتل معاهدا له ذمة اللّه و ذمة رسوله .. فقد أخفر بذمة اللّه، فلا يرح رائحة الجنة، و إن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا» و قوله: إِلَّا بِالْحَقِ ؛ أي: إلا قتلا متلبسا بالحق؛ فإنه مباح، إيماء إلى أن قتل النفس قد يكون حقا لجرم يصدر منها. عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا اللّه و أني رسول اللّه إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، و النفس بالنفس، و التارك لدينه المفارق للجماعة» متفق عليه.
و إنما «1» أفرد قتل النفس بالذكر مع دخوله في جملة الفواحش تعظيما لأمر القتل و أنه من أعظم الفواحش و الكبائر، و قيل: إنما أفرده بالذكر؛ لأنه تعالى أراد أن يستثني منه، و لا يمكن الاستثناء من جملة الفواحش إلا بإفراده بالذكر ذلِكُمْ التكاليف الخمسة من الأوامر و النواهي وَصَّاكُمْ بِهِ ؛ أي: أمركم به ربكم أمرا مؤكدا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ؛ أي: لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف في الدين و الدنيا. و الوصية «2» في الأصل أن يعهد إلى إنسان بعمل خير، أو ترك شر، و يقرن ذلك بوعظ يرجى تأثيره؛ أي: أنه سبحانه و تعالى وصاكم بذلك ليعدكم، لأن تعقلوا الخير و المنفعة في فعل ما أمر به، و ترك ما نهى عنه إذ هو مما تدركه العقول بأدنى تأمل.
و في هذا تعريض بأن ما هم عليه من الشرك و تحريم السوائب و غيرها مما
(1) الخازن.
(2) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 136
لا تعقل له فائدة و لا تظهر فيه لذوي العقول الراجحة مصلحة.
و السادس: ما ذكره بقوله: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
؛ أي: و لا تقربوا مال اليتيم إذا وليتم أمره، أو تعاملتم به و لو بواسطة وليه، أو وصيه إلا بالفعلة التي هي أحسن من غيرها في حفظ ماله و تثميره، و رجحان مصلحته، و الإنفاق منه على تربيته، و تعليمه ما به يصلح معاشه و معاده. قال مجاهد: هي التجارة فيه. و قال الضحاك: هو أن يسعى له فيه، و لا يأخذ من ربحه شيئا، هذا إذا كان القيم بالمال غنيا غير محتاج، فلو كان الوصي فقيرا ..
فله أن يأكل بالمعروف، و النهي عن القرب من الشيء أبلغ من النهي عنه، فإن الأول يتضمن النهي عن الأسباب و الوسائل المؤدية إليه، و عن الشبهات التي هي مظنة التأويل، فيبتعد عنه المتقي و يستسيغها الطامع فيه إذ يراها بالتأويل من الوجوه الحلال لا تضر به، أو يرجح نفعها على ضررها كأن يأكل من ماله حين يعمل عملا له فيه ربح، و لولاه ما ربح.
حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ؛ أي: احفظوا مال اليتيم إلى أن يبلغ أشده؛ أي: إلى بلوغه رشيدا، فإذا بلغ أشده فادفعوا إليه ماله، فأما «1» الأشد: فهو استحكام قوة الشباب و السن حتى يتناهى في الشباب إلى حد الرجال. و المراد بالأشد في هذه الآية: هو ابتداء بلوغ الحلم مع إيناس الرشد، و هو أن يكون في تصرفاته سالكا مسلك العقلاء لا مسلك أهل السفه و التبذير، و هذا هو المختار في تفسير هذه الآية.
و المعنى:
احفظوا مال اليتيم، و لا تسمحوا له بتبذير شيء من ماله و إضاعته أو الإسراف فيه حتى يبلغ، فإذا بلغ رشيدا فسلموه إليه.
و الخلاصة:
أن المراد النهي عن كل تعد على مال اليتيم، و هضم لحقوقه من الأوصياء و غيرهم حتى يبلغ سن القوة بدنا و عقلا؛ إذ قد دلت التجارب على أن الحديث العهد بالاحتلام يكون ضعيف الرأي قليل الخبرة بشؤون المعاش يخدع كثيرا في المعاملات.
(1) الخازن.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 137
و قد كان الناس في الجاهلية لا يحترمون إلا القوة و لا يعرفون الحق إلا للأقوياء، و من ثم بالغ الشارع في الوصية بالضعيفين المرأة و اليتيم.
و قد شرط الشارع الحكيم لإيتاء اليتامى أموالهم بلوغ سن الحلم «1» ، و ظهور الرشد في المعاملات المالية بالاختبار، كما سلف في سورة النساء من قوله:
وَ ابْتَلُوا الْيَتامى الآية.
و القوة التي يحفظ بها المرء ماله في هذا العصر هي إتزان الفكر و الرشد العقلي و الأخلاقي بكثرة المران و التجارب في المعاملات، لكثرة الفسق و الحيل، و وجود أعوان السوء الذين يوسوسون إلى الوارثين، و يزينون لهم الإسراف في اللذات و الشهوات على جميع ضروبها حتى لا يتركوهم إلا و هم فقراء، و قلما يستيقظون من غفلتهم إلا إذا بلغوا سن الكهولة التي يكمل فيها العقل، و يفقهون تكاليف الحياة، و يهتمون فيها بأمر النسل.
و السابع: ما ذكره بقوله: وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ
؛ أي: أتموا الكيل بالكميال وَ الوزن ب الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ؛ أي: بالعدل و الحق من غير نقصان من المعطي، و من غير طلب الزيادة من صاحب الحق.
و المعنى:
و أتموا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم، و أوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون، أو لغيركم فيما تبيعون فليكن كل ذلك وافيا تاما بالعدل، و لا تكونوا من أولئك المطففين الذين وصفم اللّه تعالى بقوله:
و الخلاصة:
أن الإيفاء بالكيل و الميزان يكون من الجانبين حين البيع و حين الشراء، فيرضى المرء لغيره ما يرضاه لنفسه، و قوله: بِالْقِسْطِ يدل على تحري العدل في الكيل و الميزان حال البيع و الشراء بقدر المستطاع لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ؛ أي: أن اللّه تعالى لا يكلف نفسا إلا ما يسعها فعله بأن تأتيه بلا عسر و لا حرج، فهو لا يكلف من يبيع أو يشتري الأقوات و نحوها أن يزنها أو يكيلها
(1) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 138
بحيث لا تزيد حبة و لا مثقالا، بل يكلفه أن يضبط الوزن و الكيل له أو عليه سواء، بحيث يعتقد أنه لم يظلم بزيادة و لا نقص يعتد بهما عرفا. و القاعدة الشرعية: أن التكليف إنما يكون بما في وسع المكلف بلا حرج و لا مشقة عليه، و لو اتبع المسلمون هذه الوصية و عملوا بها .. لاستقامت أمور معاملاتهم و عظمت الثقة و الأمانة بينهم، و لكن وا أسفا فسدت أمورهم، و قلت ثقتهم بأنفسهم، و وثقوا بغيرهم لاتباعهم هذه الوصية و أمثالها، و قد قص علينا الكتاب الكريم قصص من طففوا الكيل و الميزان، فأخذهم ربهم أخذ عزيز مقتدر بما كان من ظلمهم كقوم شعيب. و قد حكى اللّه عنهم ما قال لهم نبيهم شعيب عليه السلام:
و يا قوم أوفوا المكيال و الميزان بالقسط وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم لأصحاب الكيل و الميزان: «إنكم وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم».
و الثامن: ما ذكره بقوله: وَ إِذا قُلْتُمْ
في الحكم أو الشهادة أو غيرهما فَاعْدِلُوا ؛ أي: فاصدقوا وَ لَوْ كانَ المقول له أو عليه ذا قُرْبى ؛ أي: صاحب قرابة منكم.
و المعنى
«1» : و عليكم أن تعدلوا في القول إذ قلتم قولا في شهادة أو حكم على أحد، و لو كان المقول له أو عليه ذا قرابة منكم؛ إذا بالعدل تصلح شؤون الأمم و الأفراد، فهو ركن ركين في العمران، و أساس في الأمور الاجتماعية، فلا يحل لمؤمن أن يحابي فيه أحدا لقرابة و لا غيرها، فالعدل كما يكون في الأفعال كالوزن و الكيل .. يكون في الأقوال، و نحو الآية قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ و قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ .
و التاسع: ما ذكره بقوله وَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
؛ أي: و أتموا عهد اللّه، و هو شامل بما عهد اللّه تعالى إلى عباده و وصاهم به، و أوجبه عليهم، و بما أوجبه
(1) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 139
الإنسان على نفسه كنذر و نحوه، و بما عاهده الناس بعضهم بعضا. فمن آمن برسول من رسل اللّه تعالى .. فقد عاهد اللّه حين الإيمان به أن يمتثل أمره و نهيه، و ما شرعه للناس و وصاهم به فهو مما عهده إليهم، و ما التزمه الإنسان من عمل البر بنذر أو يمين فهو عهد عاهد عليه ربه كما قال تعالى ناعيا على المنافقين سوء فعلهم: وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ الآية. و كذلك من عاهد السلطان و بايعه على الطاعة في المعروف، أو عاهد غيره على القيام بعمل مشروع وجب عليه الوفاء إذا لم يكن من قبيل المعصية. روى البخاري و مسلم عن عبد اللّه بن عمر أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، و من كان فيه خصلة منها كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، و إذا وعد أخلف، و إذا عاهد غدر، و إذا خاصم فجر».
ذلِكُمْ التكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية وَصَّاكُمْ بِهِ ؛ أي:
أمركم ربكم به أمرا مؤكدا لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ؛ أي: لعلكم تتعظون و تتذكرون فتأخذون ما أمركم به.
و التذكر «1» يطلق حينا على تكلف ذكر الشيء في القلب أو التدرج فيه بفعله المرة إثر الأخرى، و حينا على الاتعاظ و التدبر كما قال تعالى: وَ ما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ و قال: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) .
و الخلاصة
«2» : أن ذلك الذي تلوته عليكم من الأوامر و النواهي وصاكم اللّه به رجاء أن يذكره بعضكم لبعض في التعليم و التواصي الذي أمر اللّه به في مثل قوله: وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ لما فيه من مصالح و منافع كتدارك النسيان و الغفلة من كثرة الشواغل الدنيوية، أو رجاء أن يتعظ به من سمعه أو قرأه.
و لما كانت «3» التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى أمورا ظاهرة يجب تعقلها و تفهمها .. ختمت بقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ و لما كانت التكاليف
(1) المراغي.
(2) المراغي.
(3) المراح.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 140
الأربعة المذكورة في الآية الأخيرة أمورا غامضة لا بد فيها من الاجتهاد في الفكر حتى يقف على موضع الاعتدال .. ختمت بقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . و جملة ما ذكر في هاتين الآيتين من المحرمات تسعة أشياء: خمسة بصيغ النهي، و أربعة بصيغ الأمر، و تؤول الأوامر بالنهي؛ لأجل التناسب، و هذه الأحكام لا تختلف باختلاف الأمم و الأعصار.
و قرأ حفص و حمزة و الكسائي «1» : تذكّرون حيث وقع بتخفيف الذال حذف التاء؛ إذ أصله: تتذكرون، و في المحذوف خلاف، أهي تاء المضارعة أو تاء تفعل؟ و قرأ باقي السبعة: تذّكرون- بتشديد الذال- أدغم تاء تفعّل في الذال.
و العاشر: ما ذكره بقوله: وَ أَنَّ هذا
الذي «2» وصيتكم به و أمرتكم به في هاتين الآيتين هو. صِراطِي ؛ أي: طريقي و ديني الذي ارتضيته لعبادي حالة كونه مُسْتَقِيماً ؛ أي: قويما مستويا لا اعوجاج فيه فَاتَّبِعُوهُ ؛ أي: فاسلكوه و اعملوا بمقتضاه من تحريم و تحليل، و أمر و نهي و إباحة وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ؛ أي: و لا تسلكوا الطرق المختلفة، و الأهواء المضلة، و البدع الرديئة. و قيل:
السبل المختلفة مثل اليهودية و النصرانية و سائر الملل و الأديان المخالفة لدين الإسلام فَتَفَرَّقَ بِكُمْ ؛ أي: فتميل بكم هذه الطرق المختلفة المضلة عَنْ سَبِيلِهِ ؛ أي: عن دينه و طريقه الذي ارتضاه لعباده.
و قرأ الجمهور: فَتَفَرَّقَ بتاء خفيفة، و قرأ البزي فتّفرّق: بتشديدها.
فمن خفف حذف إحدى التائين، و من شدد أدغم و قيل: معنى الآية؛ أي: و إن «3» هذا القرآن الذي أدعوكم إليه، و أدعوكم به إلى ما يحييكم هو صراطي و منهاجي الذي أسلكه إلى مرضاة اللّه، و نيل سعادة الدنيا و الآخرة حال كونه مستقيما لا يضل سالكه، و لا يهتدي تاركه؛ فاتبعوه وحده؛ و لا تتبعوا السبل الأخرى التي تخالفه- و هي كثيرة- فتتفرق بكم عن سبيله بحيث يذهب كل منهم في سبيل
(1) البحر المحيط.
(2) الخازن.