کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 134

ضمير الأولاد، فقيل: تفننا، و قيل: قدم هنا خطاب الآباء تعجيلا لبشارة الآباء الفقراء بأنهم في ضمان اللّه، و قدم هناك ضمير الأولاد لتطمئن الآباء بضمان رزق الأولاد، فهذه الآية تفيد النهي للآباء عن قتل الأولاد، و إن كانوا متلبسين بالفقر، و الأخرى النهي عن قتلهم و إن كانوا موسرين، و لكن يخافون وقوع الفقر، انتهت.

الرابع: ما ذكره بقوله‏ وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ‏

؛ أي: و لا تقربوا كبائر الذنوب، و هي كل ما عظم قبحه منها سواء كان من الأفعال كالزنا، أو من الأقوال كقذف المحصنات الغافلات، و قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ‏ بدل من‏ الْفَواحِشَ‏ بدل تفصيل من مجمل، أو بدل اشتمال؛ أي: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش للناس كالزنا و القذف، و ما بطن منها و استتر عن الناس كالسرقة.

و قيل‏ «1» : الظاهر ما تعلق بأعمال الجوارح، و الباطن ما تعلق بأعمال القلوب، كالكبر و الحسد و التفكير في تدبير المكايد الضارة، و أنواع الشرور و المآثم.

و قيل: المراد بالفواحش هنا الزنا، و قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ‏ علانيته و سره؛ أي‏ «2» : ما يفعل منها علانية في الحوانيت كما هو دأب أراذلهم، و ما يفعل سرا باتخاذ الأخدان كما هو عادة أشرافهم، و إنما جمع الفواحش بمعنى الزنا للنهي عن أنواعها، و لذلك ذكر ما أبدل منها. و قد روي عن ابن عباس في تفسير الآية أنه قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بأسا بالزنا في السر، و يستقبحونه في العلانية، فحرم اللّه الزنا في السر و العلانية؛ أي: في هذه الآية و ما أشبهها. و أخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: ما ظهر منها: ظلم الناس، و ما بطن منها: الزنا و السرقة؛ أي: لأن الناس يأتونهما في الخفاء. و روى عبد اللّه بن مسعود أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا أحد أغير من اللّه، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن» رواه البخاري و مسلم. و في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ‏ دقيقة، و هي أن الإنسان إذا احترز عن المعاصي في الظاهر، و لم يحترز منها في الباطن .. دل ذلك على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية اللّه تعالى‏

(1) المراغي.

(2) المراح.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 135

و طاعته فيما أمر به أو نهى عنه، و لكن لأجل الخوف من رؤية الناس و مذمتهم، و من كان كذلك استحق العقاب، و من ترك المعصية ظاهرا و باطنا لأجل خوف اللّه تعالى و تعظيما لأمره استوجب رضوان اللّه تعالى.

و الخامس منها: ما ذكره بقوله: وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِ‏

؛ أي: و لا تقتلوا النفس التي حرم اللّه قتلها بالإسلام، أو بالعهد بين المسلمين و غيرهم كأهل الكتاب المقيمين بيننا بعهد و أمان، و قد جاء في الحديث «لهم ما لنا و عليهم ما علينا» و روى الترمذي قوله صلى اللّه عليه و سلم: «من قتل معاهدا له ذمة اللّه و ذمة رسوله .. فقد أخفر بذمة اللّه، فلا يرح رائحة الجنة، و إن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا» و قوله: إِلَّا بِالْحَقِ‏ ؛ أي: إلا قتلا متلبسا بالحق؛ فإنه مباح، إيماء إلى أن قتل النفس قد يكون حقا لجرم يصدر منها. عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يحل دم امرى‏ء مسلم يشهد أن لا إله إلا اللّه و أني رسول اللّه إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، و النفس بالنفس، و التارك لدينه المفارق للجماعة» متفق عليه.

و إنما «1» أفرد قتل النفس بالذكر مع دخوله في جملة الفواحش تعظيما لأمر القتل و أنه من أعظم الفواحش و الكبائر، و قيل: إنما أفرده بالذكر؛ لأنه تعالى أراد أن يستثني منه، و لا يمكن الاستثناء من جملة الفواحش إلا بإفراده بالذكر ذلِكُمْ‏ التكاليف الخمسة من الأوامر و النواهي‏ وَصَّاكُمْ بِهِ‏ ؛ أي: أمركم به ربكم أمرا مؤكدا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ ؛ أي: لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف في الدين و الدنيا. و الوصية «2» في الأصل أن يعهد إلى إنسان بعمل خير، أو ترك شر، و يقرن ذلك بوعظ يرجى تأثيره؛ أي: أنه سبحانه و تعالى وصاكم بذلك ليعدكم، لأن تعقلوا الخير و المنفعة في فعل ما أمر به، و ترك ما نهى عنه إذ هو مما تدركه العقول بأدنى تأمل.

و في هذا تعريض بأن ما هم عليه من الشرك و تحريم السوائب و غيرها مما

(1) الخازن.

(2) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 136

لا تعقل له فائدة و لا تظهر فيه لذوي العقول الراجحة مصلحة.

و السادس: ما ذكره بقوله: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏

؛ أي: و لا تقربوا مال اليتيم إذا وليتم أمره، أو تعاملتم به و لو بواسطة وليه، أو وصيه إلا بالفعلة التي هي أحسن من غيرها في حفظ ماله و تثميره، و رجحان مصلحته، و الإنفاق منه على تربيته، و تعليمه ما به يصلح معاشه و معاده. قال مجاهد: هي التجارة فيه. و قال الضحاك: هو أن يسعى له فيه، و لا يأخذ من ربحه شيئا، هذا إذا كان القيم بالمال غنيا غير محتاج، فلو كان الوصي فقيرا ..

فله أن يأكل بالمعروف، و النهي عن القرب من الشي‏ء أبلغ من النهي عنه، فإن الأول يتضمن النهي عن الأسباب و الوسائل المؤدية إليه، و عن الشبهات التي هي مظنة التأويل، فيبتعد عنه المتقي و يستسيغها الطامع فيه إذ يراها بالتأويل من الوجوه الحلال لا تضر به، أو يرجح نفعها على ضررها كأن يأكل من ماله حين يعمل عملا له فيه ربح، و لولاه ما ربح.

حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ‏ ؛ أي: احفظوا مال اليتيم إلى أن يبلغ أشده؛ أي: إلى بلوغه رشيدا، فإذا بلغ أشده فادفعوا إليه ماله، فأما «1» الأشد: فهو استحكام قوة الشباب و السن حتى يتناهى في الشباب إلى حد الرجال. و المراد بالأشد في هذه الآية: هو ابتداء بلوغ الحلم مع إيناس الرشد، و هو أن يكون في تصرفاته سالكا مسلك العقلاء لا مسلك أهل السفه و التبذير، و هذا هو المختار في تفسير هذه الآية.

و المعنى:

احفظوا مال اليتيم، و لا تسمحوا له بتبذير شي‏ء من ماله و إضاعته أو الإسراف فيه حتى يبلغ، فإذا بلغ رشيدا فسلموه إليه.

و الخلاصة:

أن المراد النهي عن كل تعد على مال اليتيم، و هضم لحقوقه من الأوصياء و غيرهم حتى يبلغ سن القوة بدنا و عقلا؛ إذ قد دلت التجارب على أن الحديث العهد بالاحتلام يكون ضعيف الرأي قليل الخبرة بشؤون المعاش يخدع كثيرا في المعاملات.

(1) الخازن.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 137

و قد كان الناس في الجاهلية لا يحترمون إلا القوة و لا يعرفون الحق إلا للأقوياء، و من ثم بالغ الشارع في الوصية بالضعيفين المرأة و اليتيم.

و قد شرط الشارع الحكيم لإيتاء اليتامى أموالهم بلوغ سن الحلم‏ «1» ، و ظهور الرشد في المعاملات المالية بالاختبار، كما سلف في سورة النساء من قوله:

وَ ابْتَلُوا الْيَتامى‏ الآية.

و القوة التي يحفظ بها المرء ماله في هذا العصر هي إتزان الفكر و الرشد العقلي و الأخلاقي بكثرة المران و التجارب في المعاملات، لكثرة الفسق و الحيل، و وجود أعوان السوء الذين يوسوسون إلى الوارثين، و يزينون لهم الإسراف في اللذات و الشهوات على جميع ضروبها حتى لا يتركوهم إلا و هم فقراء، و قلما يستيقظون من غفلتهم إلا إذا بلغوا سن الكهولة التي يكمل فيها العقل، و يفقهون تكاليف الحياة، و يهتمون فيها بأمر النسل.

و السابع: ما ذكره بقوله: وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ‏

؛ أي: أتموا الكيل بالكميال‏ وَ الوزن ب الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ؛ أي: بالعدل و الحق من غير نقصان من المعطي، و من غير طلب الزيادة من صاحب الحق.

و المعنى:

و أتموا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم، و أوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون، أو لغيركم فيما تبيعون فليكن كل ذلك وافيا تاما بالعدل، و لا تكونوا من أولئك المطففين الذين وصفم اللّه تعالى بقوله:

الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) .

و الخلاصة:

أن الإيفاء بالكيل و الميزان يكون من الجانبين حين البيع و حين الشراء، فيرضى المرء لغيره ما يرضاه لنفسه، و قوله: بِالْقِسْطِ يدل على تحري العدل في الكيل و الميزان حال البيع و الشراء بقدر المستطاع‏ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ؛ أي: أن اللّه تعالى لا يكلف نفسا إلا ما يسعها فعله بأن تأتيه بلا عسر و لا حرج، فهو لا يكلف من يبيع أو يشتري الأقوات و نحوها أن يزنها أو يكيلها

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 138

بحيث لا تزيد حبة و لا مثقالا، بل يكلفه أن يضبط الوزن و الكيل له أو عليه سواء، بحيث يعتقد أنه لم يظلم بزيادة و لا نقص يعتد بهما عرفا. و القاعدة الشرعية: أن التكليف إنما يكون بما في وسع المكلف بلا حرج و لا مشقة عليه، و لو اتبع المسلمون هذه الوصية و عملوا بها .. لاستقامت أمور معاملاتهم و عظمت الثقة و الأمانة بينهم، و لكن وا أسفا فسدت أمورهم، و قلت ثقتهم بأنفسهم، و وثقوا بغيرهم لاتباعهم هذه الوصية و أمثالها، و قد قص علينا الكتاب الكريم قصص من طففوا الكيل و الميزان، فأخذهم ربهم أخذ عزيز مقتدر بما كان من ظلمهم كقوم شعيب. و قد حكى اللّه عنهم ما قال لهم نبيهم شعيب عليه السلام:

و يا قوم أوفوا المكيال و الميزان بالقسط وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ‏ و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم لأصحاب الكيل و الميزان: «إنكم وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم».

و الثامن: ما ذكره بقوله: وَ إِذا قُلْتُمْ‏

في الحكم أو الشهادة أو غيرهما فَاعْدِلُوا ؛ أي: فاصدقوا وَ لَوْ كانَ‏ المقول له أو عليه‏ ذا قُرْبى‏ ؛ أي: صاحب قرابة منكم.

و المعنى‏

«1» : و عليكم أن تعدلوا في القول إذ قلتم قولا في شهادة أو حكم على أحد، و لو كان المقول له أو عليه ذا قرابة منكم؛ إذا بالعدل تصلح شؤون الأمم و الأفراد، فهو ركن ركين في العمران، و أساس في الأمور الاجتماعية، فلا يحل لمؤمن أن يحابي فيه أحدا لقرابة و لا غيرها، فالعدل كما يكون في الأفعال كالوزن و الكيل .. يكون في الأقوال، و نحو الآية قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ و قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ .

و التاسع: ما ذكره بقوله‏ وَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

؛ أي: و أتموا عهد اللّه، و هو شامل بما عهد اللّه تعالى إلى عباده و وصاهم به، و أوجبه عليهم، و بما أوجبه‏

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 139

الإنسان على نفسه كنذر و نحوه، و بما عاهده الناس بعضهم بعضا. فمن آمن برسول من رسل اللّه تعالى .. فقد عاهد اللّه حين الإيمان به أن يمتثل أمره و نهيه، و ما شرعه للناس و وصاهم به فهو مما عهده إليهم، و ما التزمه الإنسان من عمل البر بنذر أو يمين فهو عهد عاهد عليه ربه كما قال تعالى ناعيا على المنافقين سوء فعلهم: وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ‏ الآية. و كذلك من عاهد السلطان و بايعه على الطاعة في المعروف، أو عاهد غيره على القيام بعمل مشروع وجب عليه الوفاء إذا لم يكن من قبيل المعصية. روى البخاري و مسلم عن عبد اللّه بن عمر أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، و من كان فيه خصلة منها كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، و إذا وعد أخلف، و إذا عاهد غدر، و إذا خاصم فجر».

ذلِكُمْ‏ التكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية وَصَّاكُمْ بِهِ‏ ؛ أي:

أمركم ربكم به أمرا مؤكدا لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏ ؛ أي: لعلكم تتعظون و تتذكرون فتأخذون ما أمركم به.

و التذكر «1» يطلق حينا على تكلف ذكر الشي‏ء في القلب أو التدرج فيه بفعله المرة إثر الأخرى، و حينا على الاتعاظ و التدبر كما قال تعالى: وَ ما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ‏ و قال: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى‏ (10) .

و الخلاصة

«2» : أن ذلك الذي تلوته عليكم من الأوامر و النواهي وصاكم اللّه به رجاء أن يذكره بعضكم لبعض في التعليم و التواصي الذي أمر اللّه به في مثل قوله: وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ لما فيه من مصالح و منافع كتدارك النسيان و الغفلة من كثرة الشواغل الدنيوية، أو رجاء أن يتعظ به من سمعه أو قرأه.

و لما كانت‏ «3» التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى أمورا ظاهرة يجب تعقلها و تفهمها .. ختمت بقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ و لما كانت التكاليف‏

(1) المراغي.

(2) المراغي.

(3) المراح.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 140

الأربعة المذكورة في الآية الأخيرة أمورا غامضة لا بد فيها من الاجتهاد في الفكر حتى يقف على موضع الاعتدال .. ختمت بقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏ . و جملة ما ذكر في هاتين الآيتين من المحرمات تسعة أشياء: خمسة بصيغ النهي، و أربعة بصيغ الأمر، و تؤول الأوامر بالنهي؛ لأجل التناسب، و هذه الأحكام لا تختلف باختلاف الأمم و الأعصار.

و قرأ حفص و حمزة و الكسائي‏ «1» : تذكّرون حيث وقع بتخفيف الذال حذف التاء؛ إذ أصله: تتذكرون، و في المحذوف خلاف، أهي تاء المضارعة أو تاء تفعل؟ و قرأ باقي السبعة: تذّكرون- بتشديد الذال- أدغم تاء تفعّل في الذال.

و العاشر: ما ذكره بقوله: وَ أَنَّ هذا

الذي‏ «2» وصيتكم به و أمرتكم به في هاتين الآيتين هو. صِراطِي‏ ؛ أي: طريقي و ديني الذي ارتضيته لعبادي حالة كونه‏ مُسْتَقِيماً ؛ أي: قويما مستويا لا اعوجاج فيه‏ فَاتَّبِعُوهُ‏ ؛ أي: فاسلكوه و اعملوا بمقتضاه من تحريم و تحليل، و أمر و نهي و إباحة وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ‏ ؛ أي: و لا تسلكوا الطرق المختلفة، و الأهواء المضلة، و البدع الرديئة. و قيل:

السبل المختلفة مثل اليهودية و النصرانية و سائر الملل و الأديان المخالفة لدين الإسلام‏ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ‏ ؛ أي: فتميل بكم هذه الطرق المختلفة المضلة عَنْ سَبِيلِهِ‏ ؛ أي: عن دينه و طريقه الذي ارتضاه لعباده.

و قرأ الجمهور: فَتَفَرَّقَ‏ بتاء خفيفة، و قرأ البزي فتّفرّق: بتشديدها.

فمن خفف حذف إحدى التائين، و من شدد أدغم و قيل: معنى الآية؛ أي: و إن‏ «3» هذا القرآن الذي أدعوكم إليه، و أدعوكم به إلى ما يحييكم هو صراطي و منهاجي الذي أسلكه إلى مرضاة اللّه، و نيل سعادة الدنيا و الآخرة حال كونه مستقيما لا يضل سالكه، و لا يهتدي تاركه؛ فاتبعوه وحده؛ و لا تتبعوا السبل الأخرى التي تخالفه- و هي كثيرة- فتتفرق بكم عن سبيله بحيث يذهب كل منهم في سبيل‏

(1) البحر المحيط.

(2) الخازن.

صفحه بعد