کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 201
المحذوف؛ إذ الأصل: بثلاثة رجال نسابات.
و قال أبو عليّ: اجتمع هنا أمران كل منهما يوجب التأنيث، فلما اجتمعا قوي التأنيث:
أحدهما: أن الأمثال في المعنى حسنات، فجاز التأنيث.
و الآخر: أن المضاف إلى المؤنث قد يؤنث و إن كان مذكرا. اه.
قِيَماً - بكسر «1» القاف و فتح الياء- على قراءة ابن عامر و عاصم و الأخوين كما مر على أنه مصدر نعت به، و كان قياسه قوما بالواو كعوض؛ لأنه من قام يقوم، فأعل لإعلال فعله. و قرىء: قيما- بتشديد الياء- على وزن فيّعل كسيد من ساد يسود، و هو أبلغ من المستقيم باعتبار الزنة، و المستقيم أبلغ منه باعتبار الصيغة.
حَنِيفاً الأصل «2» في الحنيف: المائل عن الضلالة إلى الاستقامة، و العرب تسمي كل من اختتن أو حج حنيفا تنبيها على أنه على دين إبراهيم. اه «خازن». و في «القاموس»: الحنيف كأمير: الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه، و كل من حج، أو كان على دين إبراهيم عليه السلام. و تحنف إذا عمل عمل الحنيفية، أو اختتن، أو اعتزل عبادة الأوثان، و احتنف إليه: مال. اه. و في «المختار»: الحنيف المسلم، و تحنف الرجل إذا عمل عمل الحنيفية، و يقال احتنف؛ أي: اعتزل الأصنام و تعبد اه.
وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ أصل «3» الوزر الحمل الثقيل، و منه قوله تعالى: وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) و هو هنا الذنب كما في قوله: وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ . قال الأخفش: يقال: وزر يوزر كوجل يوجل، و وزر يزر كوعد يعد وزرا، و يجوز فيه إزرا بقلب الواو همزة، يقال: وزره يزره؛ أي: حمله يحمله.
خَلائِفَ الْأَرْضِ الخلائف جمع خليفة كصحيفة و صحائف، فهذا من قبيل قول ابن مالك:
(1) البيضاوي.
(2) الفتوحات.
(3) الشوكاني بزيادة.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 202
و المد زيد ثالثا في الواحد
همزا يرى في مثل كالقلائد
و الخليف: هو من يخلف من كان قبله في مكان أو عمل أو ملك. و في «القرطبي»: و الخلائف جميع خليفة ككرائم جمع كريمة، و كل من جاء بعد من مضى؛ فهو خليفة اه. و في «المصباح»: و الخليفة: أصله خليف بغير هاء؛ لأنه بمعنى الفاعل دخلته الهاء للمبالغة كعلامة و نسابة، و يكون وصفا للرجل خاصة، و يقال: خليفة آخر بالتذكير، و منهم من يقول: خليفة أخرى بالتأنيث، و يجمع باعتبار أصله على خلفاء مثل شرفاء، و باعتبار اللفظ على خلائف اه.
لِيَبْلُوَكُمْ و الابتلاء الاختبار و الامتحان، يقال: بلا يبلو بلاء و بلوى من باب عدا، يقال: بلاه بلوى و بلاء جربه و اختبره، و بلاه اللّه يبلوه بلاء- بالمد- إذا اختبره، و هو يكون بالخير و الشر، اه «مختار».
البلاغة
و قد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة و الفصاحة و البيان و البديع:
فمنها: التكرار
في قوله تعالى: أَنْ تَقُولُوا ، أَوْ تَقُولُوا و في: وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ و في: يَصْدِفُونَ و في: يَأْتِيَ و في: جاءَ .
و منها: الجناس المماثل
في قوله تعالى: لَكُنَّا أَهْدى وَ هُدىً و في قوله: وَ صَدَفَ و يَصْدِفُونَ .
و منها: الجناس المغاير
في قوله: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى .
و منها: الطباق
بين قوله: بِالْحَسَنَةِ و قوله: بِالسَّيِّئَةِ ، و بين: وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي .
و منها: الاستعارة التصريحية التبعية
في قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ استعار التفريق الذي هو حقيقة في الأجسام لاختلافهم في الآراء، ثم اشتق منه فرقوا بمعنى: اختلفوا على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، و في قوله: هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لأن الصراط حقيقة في الطريق الحسي استعارة للدين.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 203
و منها: التعريض
في قوله: وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لأنه عرض بشركهم.
و منها: عطف العام على الخاص
، في قوله: خَلَقَ إذا فسرنا النسك بالعبادة الشاملة للصلاة.
و منها: الاستفهام الإنكاري في عدة مواضع
كقوله: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ و قوله: أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا .
و منها: التهديد و الوعيد
في قوله: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ، و فيه أيضا الجناس المغاير.
و منها: ما هو المعروف باللف عند البيانيين
في قوله: لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ و أصل الكلام فيه يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة قبل إيمانها بعد، و لا نفسا لم تكسب في إيمانها خيرا قبل ما تكسبه من الخير بعد، إلا أنه لفّ الكلامين، فجعلهما كلاما واحدا بلاغة و إعجازا و اختصارا، أفاده صاحب «الانتصاف» حاشية «الكشاف».
و منها: الاستعارة اللطيفة
في قوله: وِزْرَ أُخْرى لأنه ليس هناك في الحقيقة أحمال على الظهور، و إنما هي أثقال الآثام و الذنوب. ذكره الشريف الرضي.
و منها: الحصر
في قوله: إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ .
و منها: الإظهار في مقام الإضمار
في قوله: سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا و حق العبارة يصدفون عنها لتسجيل شناعة و قباحة طغيانهم.
و منها: زيادة التأكيد باللام
، في قوله: وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ترجيحا لجانب الغفران على سرعة العقاب.
و عبارة «الفتوحات» هنا: باللام في الجملة الثانية فقط، و قال في الأعراف باللام المؤكدة في الجملتين؛ لأن ما هنا وقع بعد قوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ...
الخ، و بعد قوله: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ فأتى باللام المؤكدة في الجملة الثانية فقط ترجيحا للغفران على سرعة العقاب، و ما هناك وقع بعد قوله: وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 204
ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ و قوله: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فأتى باللام في الجملة الأولى لمناسبة ما قبلها، و في الثانية تبعا للام في الأولى، اه «كرخي».
و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع «1» .
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
(1) إلى هنا تم تفسير سورة الأنعام بمنه و كرمه و توفيقه في تاريخ: 19/ 1/ 1410 ه.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 205
سورة الأعراف
و هي مكية كلها إلا خمس آيات، أو ثماني آيات؛ فهي مدنية. و روي «1» عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنها مكية إلا خمس آيات أولها: وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ إلى قوله: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ و به قال قتادة. و قال مقاتل:
ثمان آيات في سورة الأعراف مدنية أولها: وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ إلى قول:
وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ .
و عدد آياتها مئتان و ست آيات أو خمس، و عدد كلماتها ثلاثة آلاف و ثلاث مئة و خمس و عشرون كلمة، و عدد حروفها أربعة عشر ألف حرف و عشرة أحرف؛ و هي أطول السور المكية، و سميت هذه السورة بالأعراف؛ لذكر لفظ الأعراف فيها من باب تسمية الشيء بجزئه.
و قد روي «2» : أنها نزلت قبل سورة الأنعام، و أنها نزلت مثلها دفعة واحدة، لكن سورة الأنعام أجمع لما اشتركت فيه السورتان؛ و هو أصول العقائد و كليات الدين التي قدمنا القول فيها.
المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام
؛ لأن هذه «3» كالشرح و البيان لما أوجز في سورة الأنعام، و لا سيما عموم بعثة النبي صلى اللّه عليه و سلم، و قصص الرسل قبله، و أحوال أقوامهم، و قد اشتملت سورة الأنعام على بيان الخلق كما قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ و على بيان القرون كما قال: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ و على ذكر المرسلين و تعداد الكثير منهم، و جاءت هذه مفصلة لذلك، فبسطت فيها قصة آدم، و فصلت قصص المرسلين و أممهم، و كيفية هلاكهم أكمل تفصيل.
(1) الخازن.
(2) المراغي.
(3) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 206
الناسخ و المنسوخ:
و قال أبو عبد اللّه محمد بن حزم في كتابه «الناسخ و المنسوخ»: سورة الأعراف كلها محكمة إلا آيتين:
أولاهما: قوله تعالى: وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ الآية (180).
نسخت بآية السيف.
ثانيتهما: قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) الآية (199). و هذه الآية من عجيب المنسوخ؛ لأن أولها منسوخ، و آخرها منسوخ، و أوسطها محكم قوله: خُذِ الْعَفْوَ يعني: الفضل من أموالهم «1» و الأمر بالمعروف محكم، و تفسيره معروف، و قوله: وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ : منسوخ بآية السيف انتهى.
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 207
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة الأعراف (7): الآيات 1 الى 18]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
. المناسبة
مناسبة أول هذه السورة لآخر السورة السابقة: أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر «1» في السورة السابقة وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ و استطرد منه لما بعده إلى قوله في آخر السورة: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ و ذكر ابتلاءهم فيما آتاهم، و ذلك لا يكون إلا بالتكاليف الشرعية .. ذكر ما يكون به التكاليف و هو الكتاب الإلهي بقوله: المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ و ذكر الأمر باتباعه بقوله:
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ كما أمر به في قوله: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ و هذا وجه المناسبة بين آخر الأولى و أول الثانية. و أما وجه المناسبة بين جملة