کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 204
ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ و قوله: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فأتى باللام في الجملة الأولى لمناسبة ما قبلها، و في الثانية تبعا للام في الأولى، اه «كرخي».
و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع «1» .
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
(1) إلى هنا تم تفسير سورة الأنعام بمنه و كرمه و توفيقه في تاريخ: 19/ 1/ 1410 ه.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 205
سورة الأعراف
و هي مكية كلها إلا خمس آيات، أو ثماني آيات؛ فهي مدنية. و روي «1» عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنها مكية إلا خمس آيات أولها: وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ إلى قوله: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ و به قال قتادة. و قال مقاتل:
ثمان آيات في سورة الأعراف مدنية أولها: وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ إلى قول:
وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ .
و عدد آياتها مئتان و ست آيات أو خمس، و عدد كلماتها ثلاثة آلاف و ثلاث مئة و خمس و عشرون كلمة، و عدد حروفها أربعة عشر ألف حرف و عشرة أحرف؛ و هي أطول السور المكية، و سميت هذه السورة بالأعراف؛ لذكر لفظ الأعراف فيها من باب تسمية الشيء بجزئه.
و قد روي «2» : أنها نزلت قبل سورة الأنعام، و أنها نزلت مثلها دفعة واحدة، لكن سورة الأنعام أجمع لما اشتركت فيه السورتان؛ و هو أصول العقائد و كليات الدين التي قدمنا القول فيها.
المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام
؛ لأن هذه «3» كالشرح و البيان لما أوجز في سورة الأنعام، و لا سيما عموم بعثة النبي صلى اللّه عليه و سلم، و قصص الرسل قبله، و أحوال أقوامهم، و قد اشتملت سورة الأنعام على بيان الخلق كما قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ و على بيان القرون كما قال: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ و على ذكر المرسلين و تعداد الكثير منهم، و جاءت هذه مفصلة لذلك، فبسطت فيها قصة آدم، و فصلت قصص المرسلين و أممهم، و كيفية هلاكهم أكمل تفصيل.
(1) الخازن.
(2) المراغي.
(3) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 206
الناسخ و المنسوخ:
و قال أبو عبد اللّه محمد بن حزم في كتابه «الناسخ و المنسوخ»: سورة الأعراف كلها محكمة إلا آيتين:
أولاهما: قوله تعالى: وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ الآية (180).
نسخت بآية السيف.
ثانيتهما: قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) الآية (199). و هذه الآية من عجيب المنسوخ؛ لأن أولها منسوخ، و آخرها منسوخ، و أوسطها محكم قوله: خُذِ الْعَفْوَ يعني: الفضل من أموالهم «1» و الأمر بالمعروف محكم، و تفسيره معروف، و قوله: وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ : منسوخ بآية السيف انتهى.
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 207
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة الأعراف (7): الآيات 1 الى 18]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
. المناسبة
مناسبة أول هذه السورة لآخر السورة السابقة: أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر «1» في السورة السابقة وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ و استطرد منه لما بعده إلى قوله في آخر السورة: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ و ذكر ابتلاءهم فيما آتاهم، و ذلك لا يكون إلا بالتكاليف الشرعية .. ذكر ما يكون به التكاليف و هو الكتاب الإلهي بقوله: المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ و ذكر الأمر باتباعه بقوله:
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ كما أمر به في قوله: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ و هذا وجه المناسبة بين آخر الأولى و أول الثانية. و أما وجه المناسبة بين جملة
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 208
السورتين؛ فقد تقدم بيانه آنفا.
قوله تعالى: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر أن هذا الكتاب أنزل إلى الرسول .. أمر الأمة باتباعه، و ما أنزل إليكم يشمل القرآن و السنة لقوله: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) و نهاهم عن ابتغاء أولياء من دون اللّه كالأصنام و الرهبان، و الكهان و الأحبار، و النار و الكواكب و غير ذلك.
قوله تعالى: وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4) ...
الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما بين «1» فيما سلف أنه أنزل الكتاب إلى الرسول صلى اللّه عليه و سلم؛ لينذر به الناس و يكون موعظة و ذكرى لأهل الايمان، و أنه طلب إليه أن يأمر الناس باتباع ما أنزل إليهم من ربهم، و أن لا يتبعوا من دونه أحدا يتولونه في أمر التشريع .. أردف هذا التخويف من عاقبة المخالفة لذلك، و لما يتبعه من أصول الدين و فروعه، و التذكير بما حلّ بالأمم قبلهم بسبب إعراضهم عن الدين، و إصرارهم على أباطيل أوليائهم.
قوله تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما أمر «2» الرسل في الآية السالفة بالتبليغ، و أمر الأمم بالقبول و المتابعة، و ذكرهم بعذاب الأمم التي عاندت الرسل في الدنيا ..
قفى على ذلك بذكر العذاب الآجل يوم القيامة، و أنه في ذلك اليوم يسأل كل إنسان عن عمله.
قوله تعالى: وَ لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما بين «3» فيما سلف أن واضع الدين هو اللّه سبحانه و تعالى، فيجب اتباعه دون ما يأمر به غيره من الأولياء و الشفعاء، وقفى على ذلك بذكر عذاب الدنيا بقوله: وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها و ذكر عذاب الآخرة بقوله: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ و بقوله:
(1) المراغي.
(2) المراغي.
(3) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 209
وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ .. أردف ذلك بذكر نعمه على عباده بتمكينهم في الأرض، و خلق أنواع المعايش فيها مع بيان أن كثرة النعم توجب عليهم الطاعة له.
قوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ ... الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر «1» عباده في الآية السابقة بنعمه عليهم بالتمكين لهم في الأرض، و خلق أنواع المعايش لهم فيها ..
قفى على ذلك ببيان أنه خلق النوع الإنساني مستعدا للكمال، و أنه قد تعرض له وسوسة من الشيطان تحول بينه و بين هذا الكمال الذي يبتغيه.
قال أبو حيان: قوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه و تعالى لما قدم «2» ما يدل على تقسيم المكلفين إلى طائع و عاص، فالطائع ممتثل ما أمر اللّه به مجتنب ما نهى عنه، و العاصي بضده .. أخذ ينبه على أن هذا التقسيم كان في البدء الأول من أمر اللّه للملائكة بالسجود، فامتثل من امتثل، و امتنع من امتنع، و أنه تعالى أمر آدم و نهى، فحكى عنه ما يأتي خبره، فنبه أولا على موضع الاعتبار، و إبراز الشيء من العدم الصّرف إلى الوجود و التصوير في هذه الصورة الغريبة الشكل المتمكنة من بدائع الصانع.
التفسير و أوجه القراءة
المص (1) هذه حروف تكتب بصورة كلمة ذوات الأربعة الأحرف، لكنّا نقرؤها بأسماء هذه الأحرف، فنقول: ألف لام ميم صاد، و حكمة افتتاح هذه السورة و أمثالها بأسماء الحروف التي ليس لها معنى مفهوم غير مسماها الذي تدل عليه .. تنبيه السامع إلى ما سيلقى إليه بعد هذا الصوت من الكلام حتى لا يفوته منه شيء، فكأنه أداة استفتاح بمنزلة (ألا) و (ها) التنبيه.
و بالاستقراء نرى أن السور التي بدئت بها و بذكر الكتاب هي التي نزلت
(1) المراغي.
(2) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 210
بمكة لدعوة المشركين إلى الإسلام و إثبات النبوة و الوحي، و ما نزل منها بالمدينة كالزهراوين البقرة و آل عمران؛ فالدعوة فيها موجهة إلى أهل الكتاب، و هكذا الحال في بعض السور كمريم و العنكبوت و الروم و ص و ن، فإن ما فيها يتعلق بإثبات النبوة و الكتاب كالفتنة في الدين بإيذاء الضعفاء؛ لإرجاعهم عن دينهم بالقوة القاهرة، و الإنباء بقصص فارس و الروم، و نصر اللّه للمؤمنين على المشركين، و كان هذا من أظهر المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم، و يرى بعض العلماء أنها أسماء للسور و الأسماء المرتجلة لا تعلل، كما يرى آخرون أن الحكمة في ذكرها بيان إعجاز القرآن بالإشارة إلى أنه مركب من هذه الأحرف المفردة التي يتألف منها الكلام العربي، و مع ذلك لا يستطيعون أن يأتوا بمثله ليؤديهم النظر إلى أنه ليس من كلام البشر، بل من كلام خالق القوى و القدر.
و روي «1» عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال معناه: أنا اللّه أفصّل، و عنه: أنا اللّه أعلم و أفصّل، و عنه: أن المص (1) قسم أقسم اللّه به، و هو اسم من أسماء اللّه تعالى. و قال قتادة: المص (1) اسم من أسماء القرآن.
و قال الحسن: هو اسم للسورة. و قال السدي: هو بعض اسمه تعالى المصور.
و قال أبو العالية: الألف مفتاح اسمه اللّه، و اللام مفتاح اسمه لطيف، و الميم مفتاح اسمه مجيد، و الصاد مفتاح اسمه صادق و صبور. و قيل: هي حروف مقطعة استأثر اللّه سبحانه و تعالى بعلمها، و هي سره في كتابه العزيز؛ و هذا القول هو الأصح الأسلم. و قيل: هي حروف اسمه الأعظم. و قيل هي حروف تحتوي معاني دل اللّه بها خلقه على مراده، و قد بسط الكلام على معاني الحروف المقطعة أوائل السور في أول سورة البقرة. قال أبو حيان «2» : و هذه الأقوال في الحروف المقطعة، لو لا أن المفسرين شحنوا بها كتبهم خلفا عن سلف .. ضربنا عن ذكرها صفحا، فإن ذكرها يدل على ما لا ينبغي ذكره من تأويلات الباطنية، و أصحاب الألغاز و الرموز.
(1) الخازن.