کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 261

الفطرة، و ليس فيه ما يخالف ما تدعو إليه الحاجة و حب الزينة من أقوى غرائز البشر الدافعة لهم إلى إظهار سنن اللّه في الخليقة.

و قرأ عثمان و ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و السلمي و علي بن الحسين و ابنه زيد و أبو رجاء وزر بن جيش و عاصم في رواية و أبو عمرو في رواية «1» :

و رياشا فقيل: هما مصدران بمعنى واحد، يقال: راشه اللّه يريشه ريشا و رياشا إذا أنعم عليه.

وَ لِباسُ التَّقْوى‏ بالرفع مبتدأ خبره جملة قوله: ذلِكَ خَيْرٌ ؛ أي: اللباس الناشي‏ء عن تقوى اللّه تعالى و خوفه، و هو العمل الصالح و الإخلاص فيه ذلك خير؛ أي: هذا اللباس الأخير خير من اللباسين الأولين؛ لأن الإنسان يكسى من عمله يوم القيامة، و إنما كان خيرا لأنه يستر من فضائح الآخرة. و في‏ «2» الحديث: «إن اللّه لا ينظر إلى صوركم و أموالكم، و إنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم»، فإذا كان كذلك فينبغي للإنسان أن يشتغل بتحسين ظاهره بالأعمال الصالحة، و باطنه بالإخلاص، فإنه محل نظر للّه تعالى، و لذلك قال بعضهم: إلهي زين ظاهري بامتثال ما أمرتني به و نهيتني عنه، و زين سري بالإسرار، و عن الأغيار فصنه. و قال المراغي: المشهور من كلام التابعين أن لباس التقوى لباس معنوي لا حسي. فقد قال ابن زيد: لباس هو التقوى خير، و عن ابن عباس أنه هو الإيمان و العمل الصالح، فإنهما خير من الريش و اللباس، و روي عن زيد بن علي بن الحسين أنه لباس الحرب كالدرع و المغفر و الآلات التي يتقى بها العدو، و اختاره أبو مسلم الأصفهاني، و يدل عليه قوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ‏ .

و قرأ نافع و ابن عامر و الكسائي بنصب‏ «3» لباس عطفا على‏ لِباساً ؛ أي: و أنزلنا عليكم لباس التقوى، و هو الإيمان كما قاله قتادة و السدي و ابن جريج، أو العمل الصالح كما قاله ابن عباس، أو السمت الحسن كما قاله‏

(1) البحر المحيط.

(2) الصاوي.

(3) المراح.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 262

عثمان بن عفان، أو خشية اللّه تعالى كما قاله ابن الزبير، أو الحياء كما قاله معبد و الحسن.

ذلِكَ‏ ؛ أي: اللباس‏ خَيْرٌ لصاحبه من اللباسين الأولين؛ لأنه يستر من فضائح الآخرة، و قرأ باقي السبعة بالرفع كما مر. ذلِكَ‏ : المنزل من اللباسين‏ مِنْ آياتِ اللَّهِ‏ ؛ أي: من دلائل قدرته؛ أي: ذلك الذي تقدم ذكره من النعم بإنزال الملابس من آيات اللّه الدالة على قدرته، و عظيم فضله، و عميم رحمته لعباده، و قوله: لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ‏ فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، و المعنى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم أنواع الملابس؛ لكي تذكرون و تعرفون عظيم النعمة في ذلك اللباس، و تقومون بما يجب عليكم من الشكر و الابتعاد من فتنة الشيطان، و إبداء العورات، أو لإسراف في استعمال الزينة.

و لما ذكر سبحانه و تعالى نعمة اللباس .. أراد أن ينبههم على أن الشيطان حسود و عدو لهم كما أنه حسود و عدو لأبيهم، فقال: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ‏ ؛ أي: لا يخرجنكم الشيطان عن طاعتي بفتنه و وسوته، فتمنعوا من دخول جنتي‏ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ‏ آدم و حواء مِنَ الْجَنَّةِ ؛ أي: إخراجا مثل إخراجه أبويكم من الجنة بفتنته بأمره لهما بمخالفة أمري، فمنعا من سكنى الجنة.

و هذا في الظاهر نهي للشيطان، و في الحقيقة نهي لبني آدم عن الإصغاء لفتنته و وسوسته و اتباعه، فليس المراد النهي عن تسلطه؛ إذ لا قدرة لمخلوق على منع ذلك؛ لأنه قضاء مبرم، بل المراد النهي عن الميل إليه.

و المعنى‏ «1» : أي لا تغفلوا يا بني آدم عن أنفسكم، فتمكنوا الشيطان من وسوسته لكم، و التحيل في خداعكم، و إيقاعكم في المعاصي كما وسوس لأبويكم آدم و حواء، فزين لهما معصية ربهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهم عنها، و كان ذلك سببا في خروجهما من الجنة التي كانا يتمتعان بنعيمها و دخولهما في طور آخر يكابدان فيه شقاء المعيشة و همومها.

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 263

و قرأ ابن وثاب و إبراهيم: لا يفتننكم- بضم حرف المضارعة- من أفتنه بمعنى حمله على الفتنة. و قرأ زيد بن علي: لا يَفْتِنَنَّكُمُ‏ - بغير نون توكيد- اه «سمين» و قوله: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما حال من الضمير في‏ أَخْرَجَ‏ ، أو من‏ أَبَوَيْكُمْ‏ ؛ لأن الجملة فيها ضمير الشيطان، و ضمير الأبوين؛ أي: حالة كون الشيطان ينزع و يسقط عن أبويكم لباسهما؛ أي: حالة كونه تسبب في سقوط لباسهما عنهما بأمرهما بالأكل من الشجرة لِيُرِيَهُما ؛ أي: ليظهر لهما سَوْآتِهِما ؛ أي: عوراتهما أي: ليري آدم سوأة حواء، و ترى هي سوأة آدم؛ أي: أنه أخرجهما من الجنة، و كان سببا في نزع لباسهما من ثياب الجنة، أو مما اتخذاه لباسا لهما من ورق الجنة؛ لأجل أن يريهما سؤاتهما، و في ذلك إيماء إلى أنهما كانا يعيشان عريانين بعدما أهبطا إلى الأرض؛ لأنه ليس في الأرض ثياب تصنع، و ليس هناك إلا أوراق الأشجار، و علماء العاديات و الآثار يحكمون حكما جازما بأن البشر قبل اهتدائهم إلى الصناعات كانوا يعيشون عراة، ثم اكتسوا بورق الشجر و جلود الحيوان التي يصطادونها، و لا يزال المتوحشون منهم إلى الآن يعيشون كذلك.

و قوله: إِنَّهُ يَراكُمْ‏ تعليل للتحرز من الشيطان اللازم للنهي، كأنه قيل:

فاحذروه لأنه يراكم‏ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ‏ ؛ أي أن إبليس و جنوده و أعوانه من شياطين الجن يرونكم يا بني آدم من مكان لا ترونهم فيه، و الضرر إذا جاء من حيث لا يرى كان خطره أشد، و وجوب العناية باتقائه أعظم، كما يرى ذلك في بعض الأوبئة التي ثبت وجودها في هذا العصر بالمجهر، فإنها تنفذ إلى الأجسام بنقل الذباب، أو البعوض، أو مع الطعام أو الشراب، أو الهواء، فتتوالد و تنمو بسرعة، و قد تسبب للإنسان أمراضا مستعصية العلاج كالحمى الصفراء، و السل و السرطان إلى غير ذلك.

و فعل جنة الشياطين في أرواح البشر كفعل هذه الجنة التي يسميها الأطباء الميكروبات في الأجسام، فكلاهما يؤثر من حيث لا يرى فيتقى، و الثانية تتقى بالأخذ بنصائح الأطباء، و استعمال الوسائل العلاجية الواقية، و الأولى تتقى أيضا

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 264

بتقوية الأرواح بالإيمان باللّه و صفاته، و إخلاص العبادة له، و التخلق بالأخلاق الكريمة، و ترك الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، فتبتعد تلك الأرواح الشيطانية عنها، و لا تستطيع القرب منها.

و الحاصل:

أن الشياطين يرون بني آدم لكثافة أجسامهم و تلونهم، و بنو آدم لا يرونهم للطافتهم و عدم تلونهم، فأجسام الشياطين كالهواء، و أما رؤية الشياطين بعضهم بعضا، فحاصلة لقوة في أبصارهم. قال مجاهد: قال إبليس: جعل لنا أربع: نرى، و لا نرى، و نخرج من تحت الثرى، و يعود شيخنا شابا. و قال مالك بن دينار: إن عدوا يراك و لا تراه لشديد المجاهدة إلا من عصمه اللّه.

و هذا حيث كانوا بصورتهم الأصلية، و أما إذا تصوروا بغيرهم فنراهم؛ لأن اللّه تعالى جعل لهم قدرة على التشكل بالصور الجميلة أو الخسيسة، و تحكم عليهم الصورة كما في الأحاديث الصحيحة، فالآية ليست على عمومها، فالفرق بينهم و بين الملائكة أن الملائكة لا يتشكلون إلا في الصورة الجميلة، و لا تحكم عليهم، بخلاف الجن. و قد ورد أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، و جعلت صدور بني آدم مساكن لهم إلا من عصمه اللّه تعالى. و قرأ اليزيدي:

و قبيله- بالنصب- عطفا على اسم (إن).

ثم زاد في التحذير من الشيطان، و بيّن شديد عداوته للإنسان، فقال: إِنَّا جَعَلْنَا و صيرنا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ و أعوانا و أصحابا لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ‏ : أي: لغير المؤمنين؛ أي: مكناهم من إغوائهم، فتحرزوا أنتم أيها المؤمنون منهم؛ أي: إنا صيرنا الشياطين قرناء للذين لا يؤمنون بمحمد صلى اللّه عليه و سلم و بالقرآن مسلطين عليهم؛ أي:

أن‏ «1» سنتنا جرت بأن يكون الشياطين الذين هم شرار الجن أولياء لشرار الإنس؛ و هم الكفار الذين لا يؤمنون باللّه تعالى و ملائكته إيمان إذعان تزكو به نفوسهم لما بينهما من التناسب و التشاكل.

و اكتساب الكفار لولاية الشياطين جاءت بسبب استعدادهم لقبول وسوستهم‏

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 265

و إغوائهم، و عدم احتراسهم من الخواطر الرديئة، كاكتساب ضعفاء البنية للأمراض باستعدادهم لها، و عدم احتراسهم من أسبابها، كتناول الأطعمة و الأشربة الفاسدة، و الوجود في جو مملوء بالجراثيم القاتلة بعدم تعرضه للشمس و النور و الهواء المتجدد.

وَ إِذا فَعَلُوا ؛ أي: و إذا فعل الذين لا يؤمنون باللّه و رسوله ممن جعلوا الشياطين أولياء لأنفسهم فعلة فاحِشَةً ؛ أي: فعلا قبيحا شرعا و عقلا من الأفعال التي تدينوا بها كتعريهم حين الطواف بالبيت، و سجودهم للأصنام، فلامهم لائم على ذلك و نهاهم عنه. قال أكثر المفسرين: المراد بالفاحشة هنا هي طواف المشركين بالبيت عراة. و قيل: هي الشرك، و الظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعا، و الفاحشة في أصلها هي الذنوب التي بلغت الغاية في فحشها و قبحها. قالُوا ؛ أي: قال الذين لا يؤمنون باللّه في جواب اللائم و الناهي محتجين بأمرين، تقليد الآباء و الافتراء على اللّه‏ وَجَدْنا و رأينا عَلَيْها ؛ أي: على هذه الفاحشة آباءَنا و أجدادنا و أسلافنا؛ أي: قالوا:

وجدنا آباءنا يفعلون مثل ما نفعل، فنحن نقتدي بهم و نستن بسنتهم‏ وَ اللَّهُ‏ سبحانه و تعالى‏ أَمَرَنا بِها ؛ أي: بهذه الفعلة، فنحن نتبع أمره، فإن أجدادنا إنما كانوا يفعلونها بأمر اللّه تعالى بها، و قد رد تعالى عن الأمر الثاني بأمر رسوله أن يدحضه بقوله: قُلْ‏ لهم يا محمد في جوابهم ردا عليهم في المقالة الثانية إِنَّ اللَّهَ‏ سبحانه و تعالى‏ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ؛ أي: إن هذا الفعل من الفحشاء، و اللّه سبحانه بكماله منزه عن أن يأمر بالفحشاء، فإن عادته تعالى جارية على الأمر بمحاسن الأعمال، و الحث على نفائس الخصال، و إنما يأمر بالفحشاء الشيطان، كما جاء في قوله سبحانه: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ .

ثم رد عليهم المقالة الأولى، و وبخهم على تقليد الآباء و الأجداد بقوله:

أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ‏ و الاستفهام فيه للإنكار و التوبيخ، و هذا من جملة المأمور به في الجواب؛ أي: و قل لهم يا محمد: إنكم باتباعكم للآباء و الأجداد في الآراء و الشرائع غير المستندة إلى الوحي تقولون على اللّه ما لا تعلمون أنه‏

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 266

شرعه لعباده يعني: أنكم‏ «1» ما سمعتم كلام اللّه مشافهة، و لا أخذتموه عن الأنبياء الذين هم وسائط بين اللّه و عباده في تبليغ أوامره و نواهيه؛ لأنكم تنكرون نبوة الأنبياء، فكيف تقولون على اللّه ما لا تعلمون.

و الخلاصة

«2» : أنهم في عملهم الفاحشة استندوا إلى أمرين: أمر اللّه تعالى بها، و تقليد الآباء و الأجداد، و قد رد اللّه عليهم في كل منهما، فرد على الأول ببيان أن اللّه لا يأمر بفاحشة، و أن الذي يأمر بها إنما هو الشيطان، ورد على الثاني بأن التشريع لا يعلم إلا بوحي من عنده إلى رسول يؤيده بالآيات البينات، و هو لم ينزل عليهم بفعل الفاحشة، فقولهم هذا إنما هو اتباع للأهواء فيما هو قبيح تنفر منه الطباع السليمة، و تستنقصه العقول الراجحة الحكيمة.

[تنبيه:]

و اعلم‏ : أن في هذه الآية الشريفة لأعظم‏ «3» زاجر و أبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: إنا وجدنا آباؤنا على أمة، و إنا على آثارهم مقتدون، و القائلون: وجدنا عليها آباءنا و اللّه أمرنا بها، و المقلد لو لا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذي أمر اللّه به، و أنه الحق لم يبق عليه، و هذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية، و النصراني على النصرانية، و المبتدع على بدعته، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية أو النصرانية أو البدعية، و أحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر اللّه به، و لم ينظروا لأنفسهم، و لا طلبوا الحق كما يجب، و لا بحثوا عن دين اللّه كما ينبغي، و هذا هو التقليد البحت و القصور الخالص، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية إنا لك النذير المبالغ في التحذير من أن تقول هذه المقالة، و تستمر على الضلالة، فقد اختلط الشر بالخير، و الصحيح بالسقيم، و فاسد الرأي بصحيح الرواية، و لم يبعث اللّه إلى هذه الأمة إلا نبيا واحدا أمرهم باتباعه، و نهى عن مخالفته، فقال: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما

(1) الخازن.

(2) المراغي.

(3) الشوكاني.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 267

نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و لو كان محض رأي أئمة المذاهب و اتباعهم حجة على العباد ..

لكان لهذه الأمة رسل كثيرة متعددون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم اللّه به، و إن من أعجب الغفلة، و أعظم الذهول عن الحق اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب اللّه، و وجود سنة رسوله صلى اللّه عليه و سلم، و وجود من يأخذونهما عنه، و وجود آلة الفهم لديهم، و ملكة العقل عندهم.

و بعد أن أنكر عليهم أن يكونوا على علم بأمر اللّه فيما فعلوا .. بين ما يأمر به من محاسن الأعمال، و مكارم الأخلاق بقوله لرسوله: قُلْ‏ لهم يا محمد:

إنما أَمَرَ ني‏ رَبِّي بِالْقِسْطِ ؛ أي: بالاستقامة، و العدل في الأمور كلها، فأطيعوه، و قوله: وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ معطوف على المحذوف المقدر، أو على معنى‏ بِالْقِسْطِ قال لهم: أمرني ربي بالقسط، فأقسطوا في الأمور كلها، و أقيموا وجوهكم عند كل مسجد؛ أي‏ «1» : وجهوا وجوهكم في الصلاة إلى القبلة في أي مسجد كنتم فيه، أو في كل وقت سجود، أو في كل مكان سجود على أن المراد بالسجود الصلاة، أو المعنى‏ «2» أعطوا توجهكم إلى اللّه تعالى حقه من صحة النية، و حضور القلب، و صرف الشواغل عند كل مسجد تعبدونه فيه سواء كانت العبادة طوافا، أو صلاة، أو ذكرا وَ ادْعُوهُ‏ سبحانه و تعالى؛ أي: و اعبدوه وحده حالة كونكم‏ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ و العبادة، و لا تتوجهوا إلى غيره من عباده المكرمين زعما منكم أنهم يشفعون لكم عند ربكم، و يقربونكم إليه زلفى، و قد جعلتم هذا من الدين افتراء على اللّه، و قولا عليه بغير علم.

و بعد أن أبان أصل الدين و مناط الأمر و النهي فيه .. ذكرنا بالبعث و الجزاء على الأعمال، فقال: كَما بَدَأَكُمْ‏ و أنشأكم ربكم خلقا و تكوينا بقدرته‏ تَعُودُونَ‏ إليه سبحانه و تعالى بالبعث يوم القيامة،

و أنتم فريقان سعداء و أشقياء فَرِيقاً منكم‏ هَدى‏ ه اللّه سبحانه و تعالى في الدنيا ببعثة الرسل، فاهتدى بهديهم، و أقام‏

(1) الشوكاني.

صفحه بعد