کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 328
و منها: الجناس المغاير بين وَ لا تُسْرِفُوا و بين الْمُسْرِفِينَ
. و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ
و بين أولاهم و أخراهم، في قوله: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ و بين مهاد و غواش، في قوله: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ .
و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ
؛ أي: ادخلوا حال كونكم في أمم.
و منها: عطف العام على الخاص في قوله: وَ الْإِثْمَ
؛ لأنه معطوف على الْفَواحِشَ ، فيشمل الفواحش و غيرها.
و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به
في الثلاثة المذكورة بعد الْإِثْمَ .
و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سُلْطاناً
استعاره للحجة؛ لأن لها تسلطا على القلب.
و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ
. و منها: الطباق بين لا يَسْتَأْخِرُونَ .. وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ
. و منها: الاعتراض في قوله: لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
اعترض به بين المبتدأ و الخبر.
و منها: التهكم في قوله: فَذُوقُوا الْعَذابَ
. و منها: الكناية في قوله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ
لأنه كناية عن عدم قبول عملهم و دعائهم.
و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله:
حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فاستفيد منه أن دخول الكافر الجنة مستحيل.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 329
و منها: المجاز المرسل في قوله:
وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ لأن المراد ما في قلوبهم علاقته المحلية.
و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ
إشارة إلى عظم رتبتها و مكانتها على حد قوله: ذلِكَ الْكِتابُ .
و منها: الاستعارة في قوله: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ
قال أبو حيان: هذا استعارة لما يحيط بهم من النار.
و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع
. و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 330
قال اللّه سبحانه جلّ و علا:
[سورة الأعراف (7): الآيات 44 الى 58]
. المناسبة
قوله تعالى: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 331
قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى، لما ذكر «1» وعيد الكفار و ثواب أهل الإيمان ..
أردف ذلك ببيان بعض ما يكون بين الفريقين، فريق أهل الجنة و فريق أهل النار من المناظرة و الحوار بعد استقرار كل منهما في داره.
و فيها دليل على أن الدارين في أرض واحدة يفصل بينهما سور لا يمنع إشراف أهل الجنة، و هم في أعلى عليين على أهل النار؛ و هم في هاوية الجحيم، و أن بعضهم يخاطب بعضا بما يزيد أهل الجنة عرفانا بقيمة النعمة، و يزيد أهل النار حسرة و شقاء على ما كان من التفريط في جنب اللّه تعالى.
و هذا التخاطب لا يقتضي قرب المكان على ما هو معهود في الدنيا، فعالم الآخرة عالم تغلب فيه الروحانية على ظلمة الكثافة الجسدية، فيمكن الإنسان أن يسمع من بعيد المسافات، و يرى من أقاصي الجهات. و إن ما جد الآن من المخترعات و الآلات التي يتخاطب بها الناس من شاسع البلاد، و تفصل بينهما ألوف الأميال، إما بالإشارات الكتابية كالبرق- التلغراف اللاسلكي و السلكي- و إما بالكلام اللساني كالمسرة التليفون اللاسلكي و السلكي، ليقرب هذا أتم التقريب، و يزيدنا فهما له. و قد تم لهم الآن أن يروا صورة المتكلم بالتليفون مطبوعة على الآلة التي بها الكلام، و أن ينقلوا الصور من أقصى البلدان إلى أقصاها بهذه الآلة التلفاز.
قوله تعالى: وَ نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى، لما ذكر «2» مقال أهل الجنة لأهل النار، و مقال أصحاب الأعراف لأهل النار .. أردف ذلك بما قال أهل النار لأهل الجنة، و طلبهم منهم بعض ما عندهم من نعم اللّه عليهم.
قوله تعالى: وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ ... الآية، مناسبة هذه
(1) المراغي.
(2) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 332
الآية لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى، لما ذكر أحوال أهل الجنة، و أهل النار، و أهل الأعراف، و ذكر الحوار الذي كان بين هذه الفرق الثلاثة على وجه يحمل الناظر فيها على الحذر و الاحتراس، و التأمل في العواقب لعله يرعوي عن غيه، و يهتدي إلى سبيل رشده .. عقب ذلك بذكر حال الكتاب الكريم، و عظيم فضله، و جليل منفعته، و أنه حجة اللّه على البشر كافة، و أنه أزاح به علل الكفار، و أبطل معاذيرهم، ثم يذكر حال المكذبين، و ما يكون منهم يوم القيامة من الندم و الحسرة، و تمني العودة إلى الدنيا لإصلاح أعمالهم.
قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ... الآيات، علمت مما سلف من قبل أن الأسس التي عني القرآن الكريم بشأنها هي التوحيد و النبوة و المعاد و القضاء و القدر، و إثبات المعاد موقوف على إثبات الوحدانية للّه تعالى، و العلم الشامل و القدرة التامة. و مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما «1» بسط القول فيما سلف في أمر المعاد، و بين فئات الناس في ذلك اليوم، و ما يدور من حوار بين أصحاب النار و أصحاب الجنة .. قفى على ذلك بذكر الخلق و التكوين، و بيان مقدوراته تعالى و عظيم مصنوعاته؛ لتكون دليلا على الربوبية و الألوهية، و أنه لا معبود سواه.
قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما ذكر الأدلة على توحيد الربوبية .. قفى على ذلك بالأمر بتوحيد الألوهية بإفراده تعالى بالعبادة، و روحها و مخها الدعاء و التضرع له.
قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً ... الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر «2» تفرده بالملك و الملكوت، و تصرفه في العلوي و السفلي و تدبيره الأمر وحده، و طلب إلينا أن ندعوه متضرعين خفية و جهرا، و نهانا عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، و أبان لنا أن رحمته
(1) المراغي.
(2) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 333
قريب من المحسنين .. قفى على ذلك بذكر بعض ضروب من رحمته؛ إذ أرسل إلينا الرياح و ما فيها من منافع للناس فيها ينزل المطر الذي هو مصدر الرزق و سبب حياة كل حي في هذه الأرض، و في ذلك عظيم الدلالة على قدرته تعالى على البعث و النشور.
و قال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما «1» ذكر الدلائل على كمال إلهيته و قدرته و علمه من العالم العلوي .. أتبعها بالدلائل من العالم السفلي؛ و هي محصورة في آثار العالم العلوي، منها الريح و السحاب و المطر، و في المعدن و النبات و الحيوان، و يترتب على نزول المطر أحوال النبات، و ذلك هو المذكور في الآية، و انجر مع ذلك الدلالة على صحة الحشر و النشر، و البعث و القيامة، و انتظمت هاتان الآيتان محصلتين المبدأ و المعاد.
انتهى.
التفسير و أوجه القراءة
وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ حين استقرار أهل الجنة في الجنة، و استقرار أهل النار في النار إذا ما وجهوا إليهم أبصارهم يسألونهم سؤال افتخار على حسن حالهم، و سؤال تهكم و تذكير بجناية أهل النار على أنفسهم بتكذيب الرسل، و سؤال تقرير لهم بصدق ما بلغهم الرسل من وعد ربهم لمن آمن و اتقى بجنات النعيم قائلين لهم: أَنْ قَدْ وَجَدْنا ؛ أي: قد وجدنا و تيقنا ما وَعَدَنا رَبُّنا على ألسنة رسله من النعيم و الكرامة حَقًّا و صدقا لا شبهة فيه، و ها نحن نستمتع بما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر فَهَلْ وَجَدْتُمْ يا أهل النار ما وَعَدَ رَبُّكُمْ ؛ أي: ما أوعدكم ربكم من الخزي و النكال و العذاب على الكفر حَقًّا ؛ أي: صدقا قالُوا ؛ أي: قال أهل النار مجيبين لأهل الجنة: نَعَمْ ؛ أي: وجدنا ما أوعدنا به ربنا حقا كما بلغنا على ألسنة الرسل، و نَعَمْ حرف يجاب به عن الاستفهام في إثبات المستفهم عنه، و نونها
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 334
و عينها مفتوحتان، و يقرأ بكسر العين؛ و هي لغة، و يجوز كسرهما جميعا على الإتباع. ذكره أبو البقاء.
فإن قلت «1» : هل هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار، أو من البعض للبعض؟
قلت: ظاهر قوله: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ يفيد العموم، و الجمع إذا قابل الجمع يوزع الفرد على الفرد، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا. فإن قلت: إذا كانت الجنة في السماء، و النار في الأرض فكيف يمكن أن يبلغ هذا النداء، أو كيف يصح أن يقع؟
قلت: إن اللّه قادر على أن يقوي الأصوات و الأسماع، فيصير البعيد كالقريب. اه «خازن». و يحتمل أنه تعالى يقرب إحدى الدارين من الأخرى؛ إما بإنزال العليا، و إما برفع السفلى.
فإن قلت: كيف يرى أهل الجنة أهل النار و بالعكس مع أن بينهما حجابا و هو سور الجنة؟.
أجيب: باحتمال أن سور الجنة لا يمنع الرؤية لما وراءه لكونه شفافا كالزجاج، و باحتمال أن فيه طاقات تحصل الرؤية منها. و قرأ «2» ابن وثاب و الأعمش و الكسائي في جميع القرآن: نعم- بكسر العين-. قال مكي من قال:
نِعَم بكسر العين فكأنه أراد أن يفرق بين نعم التي هي جواب، و بين نعم التي هي اسم للبقر و الغنم و الإبل.
فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ؛ أي: فنادى مناد بَيْنَهُمْ ؛ أي: بين أهل الجنة و أهل النار؛ أي: نادى مناد أسمع الفريقين كلهم قائلا: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ لأنفسهم الجانين عليها بما أوجب حرمانها من النعيم المقيم، و هذا المؤذن إما مالك خازن النار، و إما ملك غيره يأمره اللّه بذلك.
(1) الفتوحات.