کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 339
العيون و تشويه الخلق، و اختار أبو مسلم أنهم يعرفونهم بسيماهم الخاصة التي كانوا عليها في الدنيا، و قيل: بسيما المستكبرين؛ إذ قد جاء في الأثر ما يدل على أن لمن تغلب عليهم رذيلة خاصة علامة تدل عليهم، فيعرفون بها، فقد روى البخاري: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، و على وجه آزر قترة و غبرة، فيعرفه، فيشفع له، فلا تقبل شفاعته، ثم يمسخه اللّه ذئبا منتنا ليزول عن إبراهيم خزيه» فمسخه ذئبا مناسب لحماقته و نتن الشرك. و قوله: قالُوا بدل من نادى ؛ أي قال أصحاب الأعراف لأولئك الرجال و هم في النار: يا وليد بن المغيرة، و يا أبا جهل بن هشام، و يا أمية بن خلف مثلا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ؛ أي: أي شيء دفع عنكم جمعكم في الدنيا من المال و الخدم و الأتباع وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ؛ أي: و ما أغنى عنكم استكباركم عن قبول الحق، و على الناس المحقين، و الاستفهام فيه للتقريع و التوبيخ.
و الخلاصة «1» : أنهم نادوهم قائلين لهم: ما أغنى عنكم جمعكم للأموال و الخدم، و لا استكباركم على المستضعفين و الفقراء من أهل الإيمان؛ إذ لم يمنع عنكم العقاب، و لا أفادكم شيئا من الثواب. و قرىء: تستكثرون- بالثاء المثلثة- من الكثرة؛ أي: و ما أغنى عنكم إكثاركم من الأموال و الجند.
ثم زادوا لهم على هذا التبكيت بقولهم: أَ هؤُلاءِ الضعفاء الذين عذبتموهم في الدنيا كصهيب و بلال و سلمان و خباب و عمار و أشباههم هم الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ ؛ أي: حلفتم في الدنيا يا معشر الكفار لا يَنالُهُمُ اللَّهُ تعالى و لا يصيبهم بِرَحْمَةٍ منه؛ إذ لم يعطوا في الدنيا مثل ما أعطيتم من الأتباع و الأشياع و كثرة الأموال؛ أي: أقسمتم في الدنيا لا يدخلهم اللّه الجنة في الآخرة، و قد دخلوا الجنة الآن على رغم أنوفكم. و قد قيل الآن من جهة اللّه لهؤلاء الذين أقسمتم على عدم دخولهم الجنة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بفضل اللّه تعالى، فهذا من بقية كلام أصحاب الأعراف، فهو خبر ثان عن اسم الاشارة؛ أي: أهؤلاء قد قيل لهم من
(1) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 340
جهة اللّه تعالى: ادخلوا الجنة لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ من العذاب وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ على ما خلفتم في الدنيا، فظهر كذبكم في إقسامكم و حلفكم، و يدل على هذا المعنى قراءتان شاذتان: أدخلوا- بصيغة الماضي المبني للمفعول- من أدخل الرباعي، و دخلوا، و على هاتين القراءتين تقع هذه الجملة خبرا، و التقدير:
دخلوا الجنة مقولا فيهم: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ .
و قيل «1» : إن أصحاب الأعراف لما قالوا لأهل النار ما قالوا .. قال لهم أهل النار: إن دخل هؤلاء الضعفاء، فأنتم لم تدخلوا الجنة، فلما عيروهم بذلك .. قيل لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ، أي: لا خوف عليكم مما يكون في مستقبل أمركم، و لا أنتم تحزنون مما ينغص عليكم حاضركم. و قرأ الحسن و ابن هرمز «2» : أدخلوا أمر من أدخل الرباعي؛ أي: أدخلوا أنفسكم، أو يكون خطابا للملائكة؛ أي: أدخلوا أيها الملائكة هؤلاء الضعفاء الجنة، ثم خاطب بعد للبشر بقوله: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ . و قرأ عكرمة: دخلوا إخبارا بفعل ماض. و قرأ طلحة و ابن وثاب و النخعي: ادخلوا خبرا مبنيا للمفعول كما ذكرنا هاتين القراءتين آنفا.
وَ نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ ؛ أي: بقولهم صبوا علينا من الماء صبا كثيرا أَوْ ألقوا علينا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ سبحانه و تعالى من ثمار الجنة، و أطعمونا منها. و هذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد، و الجوع الشديد لأهل النار.
و المعنى:
أن أهل النار يستغيثون بأهل الجنة و يطلبون منهم أن يفيضوا عليهم من النعم الكثيرة التي يتمتعون بها من شراب و طعام. و عن ابن عباس ينادي الرجل أخاه، فيقول: يا أخي أغثني، فإني قد احترقت، فأفض علي من الماء، فيقال: أجبه، فيقول: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ .
(1) المراح.
(2) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 341
و عن أبي الدرداء «1» : أنّ اللّه تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يزداد عذابهم، فيستغيثون، فيغاثون بالضريع- نبات رطبه يسمى شبرقا، و يابسه يسمى ضريعا- لا تقربه دابة لنتن ريحه- لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ - ثم يستغيثون، فيغاثون بطعام ذي غصة، ثم يذكرون و يستغيثون، فيدفع إليهم الحميم و الصديد بكلاليب الحديد، فيقطع ما في بطونهم، و يستغيثون إلى أهل الجنة، فيقول أهل الجنة: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ ، و يقولون لمالك: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ ، فيجيبهم بعد ألف عام، و يقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها ، فيجيبهم اللّه سبحانه و تعالى بقوله: اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ ، فعند ذلك ييأسون من كل خير، و يأخذون في الزفير و الشهيق. و هذا طلب «2» منهم مع علمهم باليأس من إجابته؛ إذ يعرفون دوام عقابهم، و أنه لا يفتر عنهم أبدا، و لكن اليائس من الشيء قد يطلبه كما قالوا في أمثالهم: الغريق يتعلق.
قالُوا ؛ أي: قال أصحاب الجنة لأهل النار في جواب سؤالهم: إِنَّ اللَّهَ سبحانه و تعالى قد حَرَّمَهُما ؛ أي قد حرم ماء الجنة و رزقها عَلَى الْكافِرِينَ كما حرم عليهم دخولها، فلا سبيل لإفاضة شيء منهما عليهم، و هم في النار، إذ ليس لهم إلا ماؤها الحميم، و طعامها من الضريع و الزقوم.
و قوله:
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً ؛ أي: باطلا وَ لَعِباً ؛ أي: فرحا صفة للكافرين؛ أي: الذين جعلوا اللهو و اللعب دينا و ديدنا لهم، فاللهو صرف الهم إلى ما لا يحسن أن يصرف إليه، و اللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا عن الآخرة؛ أي: شغلهم الطمع في طول العمر، و حسن العيش، و كثرة المال، و قوة الجاه، و نيل الشهوات عن الاستعداد و التزود للآخرة.
و الخلاصة: أن الدنيا شغلتهم بزخارفها العاجلة، و شهواتها الباطلة، فغرتهم
(1) المراغي و المراح.
(2) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 342
و ضرتهم، و هي من شأنها أن تغر و تضر و تمر، ثم ذكر عاقبة أمرهم، فقال:
فَالْيَوْمَ ؛ أي: في هذا اليوم الحاضر يعني: يوم القيامة نَنْساهُمْ ؛ أي: نتركهم في النار كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ؛ أي: كما تركوا هم في الدنيا الاستعداد و التزود للقاء يومهم هذا؛ أي: نتركهم في عذابهم تركا مثل تركهم العمل للقاء يومهم هذا، أو المعنى: نعاملهم معاملة من نسي، فنتركهم في النار؛ لأنهم أعرضوا عن آياتنا، و المراد من هذا النسيان: أن اللّه سبحانه و تعالى لا يجيب دعاءهم، و لا يرحمهم، بل يتركهم في النار كما تركوا العمل و قوله: وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ معطوف على (ما نسوا)؛ أي: كَما نَسُوا و ك ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ؛ أي: ينكرونها؛ أي: و كما كانوا منكرين أن الآيات من عند اللّه إنكارا مستمرا، و رفضوا ما جاءت به رسله ظلما و علوا.
و الخلاصة:
فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل في الدنيا للقاء اللّه يوم القيامة، و كما كانوا بآيات اللّه و حججه التي احتج بها عليهم الأنبياء و الرسل يجحدون، و لا يصدقون بشيء منها. و يجوز «1» أن تكون الكاف للتعليل، أي:
نتركهم في النار لأجل نسيانهم و جحودهم بآياتنا، و التعليل واضح في المعطوف دون التشبيه.
وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ ؛ أي: و عزتي و جلالي لقد جئنا هؤلاء الكفار من مشركي مكة و غيرهم بِكِتابٍ ؛ أي: بقرآن كريم أنزلناه عليك يا محمد و فَصَّلْناهُ ؛ أي: بينا حلاله و حرامه، و مواعظه و قصصه حالة كوننا عَلى عِلْمٍ منا بما فيه من العقائد و الأحكام و غيرها؛ أي: عالمين بكيفية تفصيل أحكامه، أو المعنى: حالة كون ذلك الكتاب مشتملا على علم كثير، و فضل كثير مختلف، و قد نظم بعضهم الأنواع التسعة التي اشتمل عليها القرآن في قوله:
حلال حرام محكم متشابه
بشير نذير قصّة عظة مثل
و قرأ ابن محيصن و الجحدري «2» : فضلناه- بالضاد المنقوطة- و المعنى:
(1) زاده.
(2) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 343
فضلناه على جميع الكتب عالمين بأنه أهل للتفضيل عليها حالة كون ذلك الكتاب هُدىً ؛ أي: هاديا من الضلالة إلى الرشد وَ رَحْمَةً ؛ أي: و ذا رحمة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ به، و يعملون بما فيه من الأحكام، أو فصلناه لأجل الهداية و الرحمة للمؤمنين. و قرىء هدى و رحمة- بالرفع؛ أي: هو هدى و رحمة لهم. و قرأ زيد بن علي: هدى و رحمة بالخفض على البدل من (كتاب)، أو النعت، و على النعت ل (كتاب) خرجه الكسائي و الفراء رحمهما اللّه تعالى.
و حاصل المعنى:
و لقد «1» جئنا هؤلاء القوم بكتاب كامل البيان؛ و هو القرآن فصلنا آياته تفصيلا على علم منا بما يحتاج إليه المكلفون من العلم و العمل تزكية لنفوسهم، و تطهيرا لقلوبهم، و جعلناه سبب سعادتهم في معاشهم و معادهم، و هدى و رحمة لمن يؤمن به إيمانا يبعثه على العمل بما أمر به، و الانتهاء عما نهى عنه. انظر إليه تجده قد أوضح أصول الدين العامة بما لا يطلب معه زيادة لمستزيد، فنعى على المقلدين الأخذ بآراء من تقدمهم من آبائهم و رؤسائهم دون بحث و لا تمحيص في مثل قوله: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ و كرر القول ببطلان التقليد و ضلال المقلدين، و حث على النظر و الاستدلال، و الاعتماد على البرهان في مثل قوله: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و بهذا كان الإسلام دين العقل و الفطرة، و ينبوع الهدى و الحكمة.
و الاستفهام في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ إنكاري؛ أي: ما ينتظر هؤلاء الكفار من أهل مكة و غيرهم إذ أعرضوا عن الإيمان به إِلَّا تَأْوِيلَهُ و تفسيره؛ أي: إلا عاقبة ما وعدوا به في القرآن من حلول العذاب بهم يوم القيامة؛ أي ليس أمامهم شيء ينتظرونه في أمره إلا وقوع تأويله، و هو وقوع ما أخبر به من أمر الغيب الذي يقع في المستقبل في الدنيا، ثم في الآخرة مما وعد به المؤمنين من نصر و ثواب، و أوعد به الكافرين من خذلان و عقاب.
(1) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 344
روي عن الربيع بن حسن أنه قال «1» : لا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتم تأويله يوم القيامة حين يدخل أهل الجنة الجنة، و أهل النار النار، فيتم تأويله يومئذ. يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ؛ أي: يوم يأتي عاقبة ما وعد لهم في القرآن، و هو يوم القيامة، و هو ظرف لقوله: يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ ؛ أي: تركوا القرآن، و أعرضوا عن الايمان به مِنْ قَبْلُ ؛ أي: من قبل أن يأتي تأويله، و المعنى «2» :
إن الذين تركوا الإيمان بالقرآن في الدنيا يقولون يوم القيامة: قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ الذي أرسلهم اللّه تعالى به إلينا، و كذبناهم؛ أي: أنهم أقروا يوم القيامة بأن ما جاءت به الرسل من ثبوت البعث و النشر، و الحشر و القيامة، و الثواب و العقاب كل ذلك كان حقا، و قوله: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ : استفهام معناه التمني فَيَشْفَعُوا لَنا اليوم من العذاب أَوْ نُرَدُّ إلى الدنيا فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ؛ أي: أو يردنا اللّه إلى الدنيا حتى نوحده بدل ما أشركنا به، أو نطيعه بدل ما عصيناه، و المعنى: نتمنى وجود الشفعاء، فشفاعتهم لنا من العذاب، أو ردنا إلى الدنيا، فعملنا عملا غير الذي كنا علمناه أولا، فيقال لهم في جواب الاستفهامين: لا. و قال الشوكاني: و معنى الآية «3» : هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب، أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل صالحا غير ما كنا نعمل من المعاصي.
و الحاصل:
أنهم «4» يتمنون الخلاص بكل وسيلة ممكنة؛ إما بشفاعة الشفعاء، و إما بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا فيها غير ما كانوا يعملون في حياتهم الأولى، فيكونون أهلا لمرضاة ربهم. و إنما تمنوا الشفعاء و تساءلوا عنهم من حيث كان من أسس الشرك أن النجاة عند اللّه إنما تكون بوساطة الشفعاء، و عندما يستبين لهم الحق الذي جاءت به الرسل؛ و هو أن النجاة إنما تكون بالإيمان
(1) المراغي.
(2) المراح.
(3) فتح القدير.
(4) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 345
الصحيح و العمل الصالح .. يتمنون لو يردون إلى الدنيا؛ ليعملوا بما أمرهم به الرسل.
و قرأ الجمهور «1» : أَوْ نُرَدُّ - برفع الدال- فَنَعْمَلَ - بنصب اللام- عطف جملة فعلية على جملة اسمية، و تقدمهما استفهام، فانتصب الجوابان؛ أي:
هل شفعاء لنا فيشفعوا لنا في الخلاص من العذاب، أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل عملا صالحا. و قرأ الحسن فيما نقل الزمخشري بنصب الدال و رفع اللام. و قرأ الحسن فيما نقل ابن عطية و غيره برفعهما: عطف فَنَعْمَلَ على نُرَدُّ . و قرأ ابن أبي إسحاق و أبو حيوة بنصبهما، فنصب أَوْ نُرَدُّ عطفا على فَيَشْفَعُوا لَنا جوابا على جواب، فيكون الشفعاء في أحد أمرين؛ إما في الخلاص من العذاب، و إما في الرد إلى الدنيا لاستئناف العمل الصالح، و تكون الشفاعة قد انسحبت على الرد، أو الخلاص، و فَنَعْمَلَ عطف على: أَوْ نُرَدُّ ، و يحتمل أن يكون أَوْ نُرَدُّ من باب لألزمنك أو تقضيني حقي، على تقدير من قدر ذلك:
حتى تقضيني حقي، أو كي تقضيني حقي، فجعل اللزوم مغيا بقضاء حقه، أو معلولا له لقضاء حقه، و تكون الشفاعة إذ ذاك في الرد فقط.
قال تعالى: قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ؛ أي: خسروا و غبنوا في تجارة أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا بالنفيس الباقي من الآخرة وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ؛ أي: بطل و ذهب و غاب عنهم ما كانوا يزعمون و يكذبون في الدنيا من أن الأصنام تشفع لهم، فلما أفضوا إلى الآخرة ذهب ذلك عنهم و علموا أنهم في دعواهم كانوا كاذبين، و المعنى: أنه بطل كذبهم و افتراؤهم الذي كانوا يقولونه في الدنيا، أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكا للّه، فلم ينفعهم و لا حضر معهم.
و خلاصة ذلك: أنهم قد خسروا أنفسهم بتدنيسها بالشرك و المعاصي و عدم تزكيتهما بلفضائل و الأعمال الصالحة فخسروا حظوظهما فيها و بطل كذبهم الذي