کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 339

العيون و تشويه الخلق، و اختار أبو مسلم أنهم يعرفونهم بسيماهم الخاصة التي كانوا عليها في الدنيا، و قيل: بسيما المستكبرين؛ إذ قد جاء في الأثر ما يدل على أن لمن تغلب عليهم رذيلة خاصة علامة تدل عليهم، فيعرفون بها، فقد روى البخاري: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، و على وجه آزر قترة و غبرة، فيعرفه، فيشفع له، فلا تقبل شفاعته، ثم يمسخه اللّه ذئبا منتنا ليزول عن إبراهيم خزيه» فمسخه ذئبا مناسب لحماقته و نتن الشرك. و قوله: قالُوا بدل من‏ نادى‏ ؛ أي قال أصحاب الأعراف لأولئك الرجال و هم في النار: يا وليد بن المغيرة، و يا أبا جهل بن هشام، و يا أمية بن خلف مثلا ما أَغْنى‏ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ‏ ؛ أي: أي شي‏ء دفع عنكم جمعكم في الدنيا من المال و الخدم و الأتباع‏ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ‏ ؛ أي: و ما أغنى عنكم استكباركم عن قبول الحق، و على الناس المحقين، و الاستفهام فيه للتقريع و التوبيخ.

و الخلاصة «1» : أنهم نادوهم قائلين لهم: ما أغنى عنكم جمعكم للأموال و الخدم، و لا استكباركم على المستضعفين و الفقراء من أهل الإيمان؛ إذ لم يمنع عنكم العقاب، و لا أفادكم شيئا من الثواب. و قرى‏ء: تستكثرون- بالثاء المثلثة- من الكثرة؛ أي: و ما أغنى عنكم إكثاركم من الأموال و الجند.

ثم زادوا لهم على هذا التبكيت بقولهم: أَ هؤُلاءِ الضعفاء الذين عذبتموهم في الدنيا كصهيب و بلال و سلمان و خباب و عمار و أشباههم هم‏ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ‏ ؛ أي: حلفتم في الدنيا يا معشر الكفار لا يَنالُهُمُ اللَّهُ‏ تعالى و لا يصيبهم‏ بِرَحْمَةٍ منه؛ إذ لم يعطوا في الدنيا مثل ما أعطيتم من الأتباع و الأشياع و كثرة الأموال؛ أي: أقسمتم في الدنيا لا يدخلهم اللّه الجنة في الآخرة، و قد دخلوا الجنة الآن على رغم أنوفكم. و قد قيل الآن من جهة اللّه لهؤلاء الذين أقسمتم على عدم دخولهم الجنة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بفضل اللّه تعالى، فهذا من بقية كلام أصحاب الأعراف، فهو خبر ثان عن اسم الاشارة؛ أي: أهؤلاء قد قيل لهم من‏

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 340

جهة اللّه تعالى: ادخلوا الجنة لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ‏ من العذاب‏ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ‏ على ما خلفتم في الدنيا، فظهر كذبكم في إقسامكم و حلفكم، و يدل على هذا المعنى قراءتان شاذتان: أدخلوا- بصيغة الماضي المبني للمفعول- من أدخل الرباعي، و دخلوا، و على هاتين القراءتين تقع هذه الجملة خبرا، و التقدير:

دخلوا الجنة مقولا فيهم: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ‏ .

و قيل‏ «1» : إن أصحاب الأعراف لما قالوا لأهل النار ما قالوا .. قال لهم أهل النار: إن دخل هؤلاء الضعفاء، فأنتم لم تدخلوا الجنة، فلما عيروهم بذلك .. قيل لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ‏ ، أي: لا خوف عليكم مما يكون في مستقبل أمركم، و لا أنتم تحزنون مما ينغص عليكم حاضركم. و قرأ الحسن و ابن هرمز «2» : أدخلوا أمر من أدخل الرباعي؛ أي: أدخلوا أنفسكم، أو يكون خطابا للملائكة؛ أي: أدخلوا أيها الملائكة هؤلاء الضعفاء الجنة، ثم خاطب بعد للبشر بقوله: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ‏ . و قرأ عكرمة: دخلوا إخبارا بفعل ماض. و قرأ طلحة و ابن وثاب و النخعي: ادخلوا خبرا مبنيا للمفعول كما ذكرنا هاتين القراءتين آنفا.

وَ نادى‏ أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ ؛ أي: بقولهم صبوا علينا من الماء صبا كثيرا أَوْ ألقوا علينا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ‏ سبحانه و تعالى من ثمار الجنة، و أطعمونا منها. و هذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد، و الجوع الشديد لأهل النار.

و المعنى:

أن أهل النار يستغيثون بأهل الجنة و يطلبون منهم أن يفيضوا عليهم من النعم الكثيرة التي يتمتعون بها من شراب و طعام. و عن ابن عباس ينادي الرجل أخاه، فيقول: يا أخي أغثني، فإني قد احترقت، فأفض علي من الماء، فيقال: أجبه، فيقول: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ‏ .

(1) المراح.

(2) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 341

و عن أبي الدرداء «1» : أنّ اللّه تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يزداد عذابهم، فيستغيثون، فيغاثون بالضريع- نبات رطبه يسمى شبرقا، و يابسه يسمى ضريعا- لا تقربه دابة لنتن ريحه- لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ‏ - ثم يستغيثون، فيغاثون بطعام ذي غصة، ثم يذكرون و يستغيثون، فيدفع إليهم الحميم و الصديد بكلاليب الحديد، فيقطع ما في بطونهم، و يستغيثون إلى أهل الجنة، فيقول أهل الجنة: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ‏ ، و يقولون لمالك: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ‏ ، فيجيبهم بعد ألف عام، و يقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها ، فيجيبهم اللّه سبحانه و تعالى بقوله: اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ‏ ، فعند ذلك ييأسون من كل خير، و يأخذون في الزفير و الشهيق. و هذا طلب‏ «2» منهم مع علمهم باليأس من إجابته؛ إذ يعرفون دوام عقابهم، و أنه لا يفتر عنهم أبدا، و لكن اليائس من الشي‏ء قد يطلبه كما قالوا في أمثالهم: الغريق يتعلق.

قالُوا ؛ أي: قال أصحاب الجنة لأهل النار في جواب سؤالهم: إِنَّ اللَّهَ‏ سبحانه و تعالى قد حَرَّمَهُما ؛ أي قد حرم ماء الجنة و رزقها عَلَى الْكافِرِينَ‏ كما حرم عليهم دخولها، فلا سبيل لإفاضة شي‏ء منهما عليهم، و هم في النار، إذ ليس لهم إلا ماؤها الحميم، و طعامها من الضريع و الزقوم.

و قوله:

الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً ؛ أي: باطلا وَ لَعِباً ؛ أي: فرحا صفة للكافرين؛ أي: الذين جعلوا اللهو و اللعب دينا و ديدنا لهم، فاللهو صرف الهم إلى ما لا يحسن أن يصرف إليه، و اللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به‏ وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا عن الآخرة؛ أي: شغلهم الطمع في طول العمر، و حسن العيش، و كثرة المال، و قوة الجاه، و نيل الشهوات عن الاستعداد و التزود للآخرة.

و الخلاصة: أن الدنيا شغلتهم بزخارفها العاجلة، و شهواتها الباطلة، فغرتهم‏

(1) المراغي و المراح.

(2) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 342

و ضرتهم، و هي من شأنها أن تغر و تضر و تمر، ثم ذكر عاقبة أمرهم، فقال:

فَالْيَوْمَ‏ ؛ أي: في هذا اليوم الحاضر يعني: يوم القيامة نَنْساهُمْ‏ ؛ أي: نتركهم في النار كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ؛ أي: كما تركوا هم في الدنيا الاستعداد و التزود للقاء يومهم هذا؛ أي: نتركهم في عذابهم تركا مثل تركهم العمل للقاء يومهم هذا، أو المعنى: نعاملهم معاملة من نسي، فنتركهم في النار؛ لأنهم أعرضوا عن آياتنا، و المراد من هذا النسيان: أن اللّه سبحانه و تعالى لا يجيب دعاءهم، و لا يرحمهم، بل يتركهم في النار كما تركوا العمل و قوله: وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ‏ معطوف على (ما نسوا)؛ أي: كَما نَسُوا و ك ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ‏ ؛ أي: ينكرونها؛ أي: و كما كانوا منكرين أن الآيات من عند اللّه إنكارا مستمرا، و رفضوا ما جاءت به رسله ظلما و علوا.

و الخلاصة:

فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل في الدنيا للقاء اللّه يوم القيامة، و كما كانوا بآيات اللّه و حججه التي احتج بها عليهم الأنبياء و الرسل يجحدون، و لا يصدقون بشي‏ء منها. و يجوز «1» أن تكون الكاف للتعليل، أي:

نتركهم في النار لأجل نسيانهم و جحودهم بآياتنا، و التعليل واضح في المعطوف دون التشبيه.

وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ‏ ؛ أي: و عزتي و جلالي لقد جئنا هؤلاء الكفار من مشركي مكة و غيرهم‏ بِكِتابٍ‏ ؛ أي: بقرآن كريم أنزلناه عليك يا محمد و فَصَّلْناهُ‏ ؛ أي: بينا حلاله و حرامه، و مواعظه و قصصه حالة كوننا عَلى‏ عِلْمٍ‏ منا بما فيه من العقائد و الأحكام و غيرها؛ أي: عالمين بكيفية تفصيل أحكامه، أو المعنى: حالة كون ذلك الكتاب مشتملا على علم كثير، و فضل كثير مختلف، و قد نظم بعضهم الأنواع التسعة التي اشتمل عليها القرآن في قوله:

حلال حرام محكم متشابه‏

بشير نذير قصّة عظة مثل‏

و قرأ ابن محيصن و الجحدري‏ «2» : فضلناه- بالضاد المنقوطة- و المعنى:

(1) زاده.

(2) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 343

فضلناه على جميع الكتب عالمين بأنه أهل للتفضيل عليها حالة كون ذلك الكتاب‏ هُدىً‏ ؛ أي: هاديا من الضلالة إلى الرشد وَ رَحْمَةً ؛ أي: و ذا رحمة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏ به، و يعملون بما فيه من الأحكام، أو فصلناه لأجل الهداية و الرحمة للمؤمنين. و قرى‏ء هدى و رحمة- بالرفع؛ أي: هو هدى و رحمة لهم. و قرأ زيد بن علي: هدى و رحمة بالخفض على البدل من (كتاب)، أو النعت، و على النعت ل (كتاب) خرجه الكسائي و الفراء رحمهما اللّه تعالى.

و حاصل المعنى:

و لقد «1» جئنا هؤلاء القوم بكتاب كامل البيان؛ و هو القرآن فصلنا آياته تفصيلا على علم منا بما يحتاج إليه المكلفون من العلم و العمل تزكية لنفوسهم، و تطهيرا لقلوبهم، و جعلناه سبب سعادتهم في معاشهم و معادهم، و هدى و رحمة لمن يؤمن به إيمانا يبعثه على العمل بما أمر به، و الانتهاء عما نهى عنه. انظر إليه تجده قد أوضح أصول الدين العامة بما لا يطلب معه زيادة لمستزيد، فنعى على المقلدين الأخذ بآراء من تقدمهم من آبائهم و رؤسائهم دون بحث و لا تمحيص في مثل قوله: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ‏ و كرر القول ببطلان التقليد و ضلال المقلدين، و حث على النظر و الاستدلال، و الاعتماد على البرهان في مثل قوله: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ و بهذا كان الإسلام دين العقل و الفطرة، و ينبوع الهدى و الحكمة.

و الاستفهام في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ‏ إنكاري؛ أي: ما ينتظر هؤلاء الكفار من أهل مكة و غيرهم إذ أعرضوا عن الإيمان به‏ إِلَّا تَأْوِيلَهُ‏ و تفسيره؛ أي: إلا عاقبة ما وعدوا به في القرآن من حلول العذاب بهم يوم القيامة؛ أي ليس أمامهم شي‏ء ينتظرونه في أمره إلا وقوع تأويله، و هو وقوع ما أخبر به من أمر الغيب الذي يقع في المستقبل في الدنيا، ثم في الآخرة مما وعد به المؤمنين من نصر و ثواب، و أوعد به الكافرين من خذلان و عقاب.

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 344

روي عن الربيع بن حسن أنه قال‏ «1» : لا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتم تأويله يوم القيامة حين يدخل أهل الجنة الجنة، و أهل النار النار، فيتم تأويله يومئذ. يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ‏ ؛ أي: يوم يأتي عاقبة ما وعد لهم في القرآن، و هو يوم القيامة، و هو ظرف لقوله: يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ‏ ؛ أي: تركوا القرآن، و أعرضوا عن الايمان به‏ مِنْ قَبْلُ‏ ؛ أي: من قبل أن يأتي تأويله، و المعنى‏ «2» :

إن الذين تركوا الإيمان بالقرآن في الدنيا يقولون يوم القيامة: قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ‏ الذي أرسلهم اللّه تعالى به إلينا، و كذبناهم؛ أي: أنهم أقروا يوم القيامة بأن ما جاءت به الرسل من ثبوت البعث و النشر، و الحشر و القيامة، و الثواب و العقاب كل ذلك كان حقا، و قوله: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ : استفهام معناه التمني‏ فَيَشْفَعُوا لَنا اليوم من العذاب‏ أَوْ نُرَدُّ إلى الدنيا فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ‏ ؛ أي: أو يردنا اللّه إلى الدنيا حتى نوحده بدل ما أشركنا به، أو نطيعه بدل ما عصيناه، و المعنى: نتمنى وجود الشفعاء، فشفاعتهم لنا من العذاب، أو ردنا إلى الدنيا، فعملنا عملا غير الذي كنا علمناه أولا، فيقال لهم في جواب الاستفهامين: لا. و قال الشوكاني: و معنى الآية «3» : هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب، أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل صالحا غير ما كنا نعمل من المعاصي.

و الحاصل:

أنهم‏ «4» يتمنون الخلاص بكل وسيلة ممكنة؛ إما بشفاعة الشفعاء، و إما بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا فيها غير ما كانوا يعملون في حياتهم الأولى، فيكونون أهلا لمرضاة ربهم. و إنما تمنوا الشفعاء و تساءلوا عنهم من حيث كان من أسس الشرك أن النجاة عند اللّه إنما تكون بوساطة الشفعاء، و عندما يستبين لهم الحق الذي جاءت به الرسل؛ و هو أن النجاة إنما تكون بالإيمان‏

(1) المراغي.

(2) المراح.

(3) فتح القدير.

(4) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 345

الصحيح و العمل الصالح .. يتمنون لو يردون إلى الدنيا؛ ليعملوا بما أمرهم به الرسل.

و قرأ الجمهور «1» : أَوْ نُرَدُّ - برفع الدال- فَنَعْمَلَ‏ - بنصب اللام- عطف جملة فعلية على جملة اسمية، و تقدمهما استفهام، فانتصب الجوابان؛ أي:

هل شفعاء لنا فيشفعوا لنا في الخلاص من العذاب، أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل عملا صالحا. و قرأ الحسن فيما نقل الزمخشري بنصب الدال و رفع اللام. و قرأ الحسن فيما نقل ابن عطية و غيره برفعهما: عطف‏ فَنَعْمَلَ‏ على‏ نُرَدُّ . و قرأ ابن أبي إسحاق و أبو حيوة بنصبهما، فنصب‏ أَوْ نُرَدُّ عطفا على‏ فَيَشْفَعُوا لَنا جوابا على جواب، فيكون الشفعاء في أحد أمرين؛ إما في الخلاص من العذاب، و إما في الرد إلى الدنيا لاستئناف العمل الصالح، و تكون الشفاعة قد انسحبت على الرد، أو الخلاص، و فَنَعْمَلَ‏ عطف على: أَوْ نُرَدُّ ، و يحتمل أن يكون‏ أَوْ نُرَدُّ من باب لألزمنك أو تقضيني حقي، على تقدير من قدر ذلك:

حتى تقضيني حقي، أو كي تقضيني حقي، فجعل اللزوم مغيا بقضاء حقه، أو معلولا له لقضاء حقه، و تكون الشفاعة إذ ذاك في الرد فقط.

قال تعالى: قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏ ؛ أي: خسروا و غبنوا في تجارة أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا بالنفيس الباقي من الآخرة وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏ ؛ أي: بطل و ذهب و غاب عنهم ما كانوا يزعمون و يكذبون في الدنيا من أن الأصنام تشفع لهم، فلما أفضوا إلى الآخرة ذهب ذلك عنهم و علموا أنهم في دعواهم كانوا كاذبين، و المعنى: أنه بطل كذبهم و افتراؤهم الذي كانوا يقولونه في الدنيا، أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكا للّه، فلم ينفعهم و لا حضر معهم.

و خلاصة ذلك: أنهم قد خسروا أنفسهم بتدنيسها بالشرك و المعاصي و عدم تزكيتهما بلفضائل و الأعمال الصالحة فخسروا حظوظهما فيها و بطل كذبهم الذي‏

صفحه بعد