کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 375
بعذابك، و عافنا قبل ذلك». و عن ابن «1» عمر أنها ثمان؛ منها أربعة عذاب؛ و هي القاصف و العاصف و الصرصر و العقيم، و منها أربعة رحمة؛ و هي الناشرات و المبشرات و المرسلات و النازعات. اه.
بُشْراً - بسكون الشين- مخفف بشرا بضمتين واحدها بشير بمعنى مبشرة، كغدر جمع غدير، نشرا بسكون الشين مع النون مخفف نشرا بضمتين، جمع نشور بمعنى منشورة غير مطوية، كرسول يجمع على رسل، و الرحمة هنا المطر.
حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ ؛ أي: رفعت يقال: أقل «2» الشيء حمله و رفعه من غير مشقة، و منه إقلال البطن عن الفخذ في الركوع و السجود، و منه القلة؛ لأن البعير يحملها من غير مشقة، و أصله من القلة، فكأن المقل يرى ما يرفعه قليلا، و استقل به أقله. و في «المصباح»: كل شيء حملته، فقد أقللته. و السحاب: الغيم، واحده سحابة، و السحاب «3» اسم جنس جمعي تصح مراعاة لفظه و مراعاة معناه، فالثاني في قوله: ثِقالًا و الأول في قوله: سُقْناهُ ، و الثقال منه: المشبعة ببخار الماء و سُقْناهُ سيرناه، و قال أبو حيان: و السوق حمل الشيء بعنف.
لِبَلَدٍ مَيِّتٍ و في «المصباح»: البلد: يذكر و يؤنث، و الجمع بلدان، و البلدة البلد، و جمعها بلاد مثل كلبة و كلاب. اه. و قال المراغي: و البلد «4» و البلدة الموضع من الأرض عامرا كان أو خلاء، و بلد ميت أرض لا نبات فيها و لا مرعى. و في «القاموس»: و البلد و البلدة: مكة، و كل قطعة من الأرض متحيزة عامرة أو غير عامرة، و التراب و البلد القبر و المقبرة و الدار و الأثر الخ. اه.
مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ واحدها: ثمرة، و الثمرة: واحدة الثمر، و هو الحمل
(1) الفتوحات.
(2) البحر المحيط.
(3) الفتوحات.
(4) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 376
الذي تخرجه الشجرة سواء أكل أو لا، فيقال: ثمر الأراك و ثمر النخل و العنب.
إِلَّا نَكِداً و النكد: كل شيء خرج إلى طالبه بتعسر يقال: رجل نكد- بفتح الكاف و كسرها- و ناقة نكداء خفيفة الدر صعبة الحلب. و في «المصباح»:
نكد نكدا- من باب تعب- فهو نكد تعسر، و نكد العيش نكدا اشتد و عسر. اه.
و في «القاموس»: نكد عيشهم- كفرح- اشتد و عسر، و البئر قل ماؤها، و نكد زيد حاجة عمرو- كنصر- منعه إياها، و نكد فلانا منعه ما سأله، أو لم يعطه إلا أوله اه. و نكد الرجل «1» : سئل إلحافا و أخجل، قال الشاعر:
و أعط ما أعطيته طيّبا
لا خير في المنكود و النّاكد
كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ و التصريف: تبديل الشيء من حال إلى حال، و منه تصريف الرياح.
البلاغة
و قد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة و الفصاحة و البيان و البديع:
فمنها: المقابلة في قوله: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ
لأنه قابل الجمع بالجمع، و القاعدة: أن الجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا.
و منها: المشاكلة في قوله: ما وَعَدَ رَبُّكُمْ
لأنه عبر عن الوعيد بالوعد لمشاكلة ما قبله.
و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: وَ نادى
إشعارا بتحقق وقوعه؛ لأن النداء إنما يكون في الآخرة.
و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ
. و فيه أيضا الإبهام إفادة
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 377
للتهويل و التعظيم.
و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حَرَّمَهُما
؛ لأنه استعار التحريم للمنع لانقطاع التكليف حينئذ، و في قوله: لِبَلَدٍ مَيِّتٍ ؛ لأنه شبه البلد المجدب الذي لا نبات فيه بالجسد الذي لا روح فيه بجامع عدم الانتفاع في كل على طريق الاستعارة التصريحية.
و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله:
فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا و في «زاده»: فشبه «1» معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من نسي عبده من الخير، و لم يلتفت إليه و شبه عدم إخطارهم لقاء اللّه ببالهم، و عدم مبالاتهم به بحال من عرف شيئا و نسيه، و كثر مثل هذه الاستعارات في القرآن؛ لأن تعليم المعاني التي في عالم الغيب لا يمكن أن يعبر عنها إلا بما يماثلها من عالم الشهادة. اه. و في قوله: وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ؛ لأنه شبه شغلهم بالدنيا بالطمع في طول العمر، و حسن العيش بغرور من يخدع في البيع مثلا، بجامع عدم الوصول إلى المقصود في الكل، و في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ؛ لأنه شبه لحوق «2» وعيده لهم، و عدم فرارهم منه بانتظار الشيء و ترقبه، فعبر عنه بالانتظار.
و منها: الالتفات في قوله: سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ
؛ لأنه التفت عن الغيبة في قوله: وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ إلى التكلم في قوله: فَسُقْناهُ .
و منها: التتميم في قوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ ...
الخ؛ لأنه لما قال أولا:
فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ تمم هذا المعنى ببيان كيفية ما يخرج من النبات من الأرض الكريمة و السبخة.
و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله:
بِإِذْنِ رَبِّهِ على سبيل
(1) الفتوحات.
(2) الفتوحات.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 378
المدح و التشريف، و إن كان كل من النباتين يخرج بإذن اللّه تعالى.
و منها: الكناية في قوله: بِإِذْنِ رَبِّهِ
؛ أي: بمشيئته؛ لأنه كناية عن كثرة النبات و حسنه و غزارة نفعه، لأنه أوقعه في مقابلة قوله: وَ الَّذِي خَبُثَ .
و منها: الطباق بين قوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ و قوله: وَ الَّذِي خَبُثَ
. و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى
؛ لأنه شبه قيام الموتى من قبورهم بإخراج النبات من الأرض، فذكرت الأداة، و لم يذكر وجه الشبه، و هو مطلق الإخراج من العدم.
و منها: إيجاز القصر في قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ
و هو جمع الألفاظ القليلة للمعاني الكثيرة، فالآية مع قلة ألفاظها جمعت معاني كثيرة استوعبت جميع الأشياء و الشؤون على وجه الاستقصاء حتى قال ابن عمر: من بقي له شيء ..
فليطلبه، و هذا الأسلوب البليغ يسمى إيجاز قصر.
و منها: الاكتفاء في قوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ
و هو حذف أحد المتقابلين لعلمه من الآخر؛ لأن فيه محذوفا تقديره: و يغشي النهار الليل، و ذكره في آية أخرى، فقال: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ .
و منها: التكرار في قوله: وَ نادى وَ نادى
، و في قوله: تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ .
و منها: جناس الاشتقاق في قوله: مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا
. و منها: الجناس المماثل في قوله: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا
. و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع
. و منها: الإنكاري في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ
. و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رُسُلُ رَبِّنا
.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 379
و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع
. و منها: القصر في قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ
. و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 380
قال اللّه سبحانه جلّ و علا:
[سورة الأعراف (7): الآيات 59 الى 74]
. المناسبة
قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ... الآيات، مناسبة «1» هذه الآية
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 381
لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى، لما ذكر في هذه السورة مبدأ الخلق الإنساني، و هو آدم عليه السلام، و قص من أخباره ما قص، و استطرد من ذلك إلى المعاد و مصير أهل السعادة إلى الجنة، و أهل الشقاوة إلى النار، و أمره تعالى بترك الذين اتخذوا دينهم لعبا و لهوا، و كان من بعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أولا غير مستجيبين له و لا مصدقين لما جاء به عن اللّه سبحانه و تعالى .. قص تعالى عليه أحوال الرسل الذين كانوا قبله، و أحوال من بعثوا إليه على سبيل التسلية له صلى اللّه عليه و سلم، و التأسي بهم، فبدأ بنوح عليه السلام إذ هو آدم الأصغر، و أول رسول بعث إلى من في الأرض، و أمته أدوم تكذيبا له و أقل استجابة.
و عبارة المراغي هنا: أنه سبحانه و تعالى لما ذكر «1» مبدأ الإنسان و معاده، و أن مرده إلى اللّه في يوم تجازى فيه كل نفس بما كسبت .. أردف ذلك بذكر قصص الأنبياء مع أممهم، و إعراضهم عن دعوتهم؛ ليبين للرسول أن الإعراض عن قبول دعوة الأنبياء ليس ببدء في قومك، بل سبق به أقوام كثيرون، و في ذلك تسلية له صلى اللّه عليه و سلم إلى ما فيه من التنبيه إلى أن اللّه تعالى لا يهمل أمر المبطلين، بل يمهلهم، و تكون العاقبة للمتقين، و من العظة و الاعتبار بما حل بمن قبلهم من النكال و الوبال كما قال: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ .
و في «الخازن»: و اعلم أن «2» اللّه تبارك و تعالى لما ذكر في الآيات المتقدمة دلائل آثار قدرته، و غرائب خلقه و صنعته الدالة على توحيده و ربوبيته، و أقام الدلالة القاطعة على صحة البعث بعد الموت .. أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، و ما جرى لهم مع أممهم، و في ذلك تسلية للنبي صلى اللّه عليه و سلم؛ لأنه لم يكن الإعراض عن قبول الحق من قومه فقط، بل قد أعرض عنه سائر الأمم الخالية، و القرون الماضية، و فيه تنبيه على أن عاقبة أولئك الذين كذبوا الرسل كانت إلى الخسار و الهلاك في الدنيا، و في الآخرة إلى العذاب العظيم، فمن كذب بمحمد صلى اللّه عليه و سلم من قومه .. كانت عاقبته مثل أولئك الذين خلوا من قبله من
(1) المراغي.