کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 378

المدح و التشريف، و إن كان كل من النباتين يخرج بإذن اللّه تعالى.

و منها: الكناية في قوله: بِإِذْنِ رَبِّهِ‏

؛ أي: بمشيئته؛ لأنه كناية عن كثرة النبات و حسنه و غزارة نفعه، لأنه أوقعه في مقابلة قوله: وَ الَّذِي خَبُثَ‏ .

و منها: الطباق بين قوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ‏ و قوله: وَ الَّذِي خَبُثَ‏

. و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى‏

؛ لأنه شبه قيام الموتى من قبورهم بإخراج النبات من الأرض، فذكرت الأداة، و لم يذكر وجه الشبه، و هو مطلق الإخراج من العدم.

و منها: إيجاز القصر في قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ

و هو جمع الألفاظ القليلة للمعاني الكثيرة، فالآية مع قلة ألفاظها جمعت معاني كثيرة استوعبت جميع الأشياء و الشؤون على وجه الاستقصاء حتى قال ابن عمر: من بقي له شي‏ء ..

فليطلبه، و هذا الأسلوب البليغ يسمى إيجاز قصر.

و منها: الاكتفاء في قوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ

و هو حذف أحد المتقابلين لعلمه من الآخر؛ لأن فيه محذوفا تقديره: و يغشي النهار الليل، و ذكره في آية أخرى، فقال: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ‏ .

و منها: التكرار في قوله: وَ نادى‏ وَ نادى‏

، و في قوله: تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ‏ .

و منها: جناس الاشتقاق في قوله: مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا

. و منها: الجناس المماثل في قوله: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا

. و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع‏

. و منها: الإنكاري في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ‏

. و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رُسُلُ رَبِّنا

.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 379

و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع‏

. و منها: القصر في قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ

. و اللّه سبحانه و تعالى أعلم‏

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 380

قال اللّه سبحانه جلّ و علا:

[سورة الأعراف (7): الآيات 59 الى 74]

لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَ لكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ أَنْصَحُ لَكُمْ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى‏ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَ لِتَتَّقُوا وَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)

فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64) وَ إِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَ إِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَ لكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ أَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68)

أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى‏ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قالُوا أَ جِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَ نَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ أَ تُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ ما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَ إِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73)

وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)

. المناسبة

قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ ... الآيات، مناسبة «1» هذه الآية

(1) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 381

لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى، لما ذكر في هذه السورة مبدأ الخلق الإنساني، و هو آدم عليه السلام، و قص من أخباره ما قص، و استطرد من ذلك إلى المعاد و مصير أهل السعادة إلى الجنة، و أهل الشقاوة إلى النار، و أمره تعالى بترك الذين اتخذوا دينهم لعبا و لهوا، و كان من بعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أولا غير مستجيبين له و لا مصدقين لما جاء به عن اللّه سبحانه و تعالى .. قص تعالى عليه أحوال الرسل الذين كانوا قبله، و أحوال من بعثوا إليه على سبيل التسلية له صلى اللّه عليه و سلم، و التأسي بهم، فبدأ بنوح عليه السلام إذ هو آدم الأصغر، و أول رسول بعث إلى من في الأرض، و أمته أدوم تكذيبا له و أقل استجابة.

و عبارة المراغي هنا: أنه سبحانه و تعالى لما ذكر «1» مبدأ الإنسان و معاده، و أن مرده إلى اللّه في يوم تجازى فيه كل نفس بما كسبت .. أردف ذلك بذكر قصص الأنبياء مع أممهم، و إعراضهم عن دعوتهم؛ ليبين للرسول أن الإعراض عن قبول دعوة الأنبياء ليس ببدء في قومك، بل سبق به أقوام كثيرون، و في ذلك تسلية له صلى اللّه عليه و سلم إلى ما فيه من التنبيه إلى أن اللّه تعالى لا يهمل أمر المبطلين، بل يمهلهم، و تكون العاقبة للمتقين، و من العظة و الاعتبار بما حل بمن قبلهم من النكال و الوبال كما قال: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ‏ .

و في «الخازن»: و اعلم أن‏ «2» اللّه تبارك و تعالى لما ذكر في الآيات المتقدمة دلائل آثار قدرته، و غرائب خلقه و صنعته الدالة على توحيده و ربوبيته، و أقام الدلالة القاطعة على صحة البعث بعد الموت .. أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، و ما جرى لهم مع أممهم، و في ذلك تسلية للنبي صلى اللّه عليه و سلم؛ لأنه لم يكن الإعراض عن قبول الحق من قومه فقط، بل قد أعرض عنه سائر الأمم الخالية، و القرون الماضية، و فيه تنبيه على أن عاقبة أولئك الذين كذبوا الرسل كانت إلى الخسار و الهلاك في الدنيا، و في الآخرة إلى العذاب العظيم، فمن كذب بمحمد صلى اللّه عليه و سلم من قومه .. كانت عاقبته مثل أولئك الذين خلوا من قبله من‏

(1) المراغي.

(2) الخازن.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 382

الأمم، و في ذكر هذه القصص دليل على صحة نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم؛ لأنه كان أميا لا يقرأ و لا يكتب، و لم يلق أحدا من علماء زمانه، فلما أتى بمثل هذه القصص و الأخبار عن القرون الماضية و الأمم الخالية مما لم ينكره عليه أحد .. علم بذلك أنه إنما أتى به من عند اللّه عز و جل، و أنه أوحي إليه ذلك، فكان ذلك دليلا واضحا، و برهانا قاطعا على صحة نبوته صلى اللّه عليه و سلم. انتهى.

التفسير و أوجه القراءة

و اللام في قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا و بعثنا نُوحاً إِلى‏ مشركي‏ قَوْمِهِ‏ واقعة في جواب قسم محذوف تقديره: و عزتي و جلالي لقد أرسلنا نوح بن لمك- بفتح الميم و سكونها- بن متوشلخ ابن أخنوخ، و هو اسم إدريس عليهما السلام، و اسم نوح عبد الغفار، و لقب بنوح؛ لكثرة نياحته؛ و إما لدعوته على قومه بالهلاك، أو لمراجعته ربه في شأن ولده كنعان، أو لأنه مر بكلب مجذوم، فقال له: اخسأ يا قبيح، فأوحى اللّه إليه أعبتني أم عبت الكلب؟ فكثر نوحه على نفسه لذلك. و تركت‏ «1» الواو هنا و ذكرت في سورة هود و المؤمنون؛ لعدم تقدم ما يعطف عليه هنا بخلاف ما يأتي، و إنما أتى بالقسم هنا للرد على المنكرين، و هو مما يجب التأكيد فيه، و قدم قصة نوح؛ لأن قومه أول من كفر، و لأنه أول رسول أرسله اللّه إلى قومه المشركين كما هو رأي كثير من المحققين كما ثبت في حديث الشفاعة و غيره.

و الحاصل:

أن اللّه سبحانه و تعالى أقسم للمخاطبين بهذه الآية من أهل مكة و من جاورهم من العرب بأنه سبحانه أرسل نوحا عليه السلام إلى قومه منذرا لهم بأسه، و مخوفهم سخطه على عبادتهم غيره، و قد كانوا ينكرون الرسالة و الوحي إذ ليس عندهم من علوم الرسل و الأمم شي‏ء إلا ما يتلقونه من اليهود و النصارى في بلاد العرب و الشام‏ فَقالَ‏ نوح‏ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ‏ ؛ أي: وحدوه بالعبادة.

و قوله: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ‏ في حكم العلة لقوله: اعْبُدُوا اللَّهَ‏ ؛ أي: اعبدوا

(1) الصاوي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 383

اللّه؛ لأنه ليس لكم إله غيره تتوجهون إليه في عبادتكم بدعاء تطلبون به ما تقدرون عليه، فربكم هو الخالق لكل شي‏ء، و بيده ملكوت كل شي‏ء، و هو الإله الحق الذي يجب أن تتوجه إليه القلوب بالدعاء و غيره.

ثم ذكر السبب في الأمر بعبادته وحده، و ترك أدنى شوائب الشرك مثبتا للبعث و الجزاء، فقال: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏ ؛ أي: إني أخاف عليكم عذاب يوم شديد هوله، و هو يوم البعث و الجزاء إذا لم تمتثلوا ما أمرتكم به من عبادة اللّه وحده، و ترك ما سواه، قال أبو السعود: هذه الجملة تعليل للعبادة ببيان الصارف عن تركها إثر تعليلها ببيان الداعي إليها، انتهى. قال أبو حيان: و في هذه الجملة إظهار الشفقة و الحنو عليهم. و قرأ «1» ابن وثاب و الأعمش و أبو جعفر و الكسائي: غيره- بالجر- على أنه بدل من لفظ إله، أو نعت له. و قرأ باقي السبعة بالرفع على أنه صفة لإله، أو بدل منه باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء؛ لأن‏ مِنْ‏ زائدة، و لَكُمْ‏ خبره. و قرأ عيسى بن عمر: غيره بالنصب على الاستثناء، و الجر و الرفع أفصح.

قالَ الْمَلَأُ ؛ أي: الأشراف و الرؤساء و الكبراء مِنْ قَوْمِهِ‏ الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء إِنَّا لَنَراكَ‏ يا نوح‏ فِي ضَلالٍ‏ و خطأ عن الحق‏ مُبِينٍ‏ ؛ أي: بين واضح ظاهر بتركك ملة آبائك حيث نهيتنا عن عبادة آلهتنا ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر، و هم شفعاؤنا عند اللّه، و وسيلتنا إليه فببركتهم يتقبل منا صالح أعمالنا، و يعطينا سؤلنا لما كانوا من الصلاح و التقوى، و نحن لا نستطيع أن نوجه دعواتنا دون وساطتهم؛ لما نجترحه من السيئات التي تبعدنا عن حظيرة ذلك القدس الأعظم.

و خلاصة مقالتهم:

أنت في غمرة من الضلال أحاطت بك، فجعلتك لا تجد إلى الصواب سبيلا، و لم يقل‏ «2» هنا: الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ‏ كما قال في قوم هود فيما سيأتي؛ لأن الملأ من قوم هود كان فيهم من آمن و من كفر، بخلاف‏

(1) البحر المحيط.

(2) الفتوحات.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 384

الملأ من قوم نوح، فكلهم أجمعوا على هذا الجواب، فلم يكن أحد منهم مؤمنا، فإن قيل: سيأتي في سورة هود تقييد قوم نوح بالذين كفروا، فالجواب:

أن ما سيأتي في دعائهم إلى الإيمان في أثناء زمن رسالته، فكان فيهم من آمن و من كفر، و أما ما هنا فهو في أول دعائه لهم.

قالَ‏ نوح عليه السلام مجيبا لهم: يا قَوْمِ‏ ي، ناداهم بإضافتهم إليه استمالة لقلوبهم نحو الحق‏ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ ؛ أي: ليس بي نوع من أنواع الضلالة البتة وَ لكِنِّي رَسُولٌ‏ إليكم‏ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

و المعنى‏

«1» : قال نوح عليه السلام في الجواب لهم: يا قوم لم آمركم بما أمرتكم به من توحيد اللّه، و إخلاص الطاعة له دون الآلهة و الأنداد خروجا مني عن محجة الحق، و ضلالا عن سبيل الرشاد، و لكني رسول من رب العالمين إليكم أهديكم باتباعي إلى ما يوصلكم إلى السعادة في دنياكم و آخرتكم، و أنقذكم من الهلاك الأبدي بالشرك باللّه و المعاصي المدنسة للأنفس، و المفسدة للأرواح، و من رحمة ربكم بكم أن لا يدعكم في عمايتكم و شرككم الذي ابتدعتموه بجهلكم حتى يبين لكم الحق من الباطل على يد رسول من لدنه يسلك بكم السبيل السويّ الموصل إلى النجاة. و إنما «2» قال: لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ و لم يقل: ليس بي ضلال؛ لأن نفيها أعم من نفي الضلال؛ لأن ضلالة دالة على واحدة غير معينة، و نفي فرد غير معين نفي عام بخلاف ضلال؛ فإنه مصدر يعم الواحد و التثنية و الجمع، و نفيه لا يقتضي على سبيل القطع النفي العام، فكان قوله: لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ أبلغ في نفي الضلال عن نفسه من قوله: ليس بي ضلال.

و لكن جاءت هنا أحسن مجي‏ء لأنها بين نقيضين؛ لأن الإنسان لا يخلو من أحد شيئين: ضلال و هدى، و الرسالة لا تجامع الضلال. و في قوله: مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ تنبيه على أنه ربهم؛ لأنهم من جملة العالم؛ أي: من ربكم المالك‏

(1) المراغي.

صفحه بعد