کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 410
الْجِبالَ : مفعولا به، بُيُوتاً : حالا مقدرة منه، و لكن بتأويلها بمشتق؛ أي:
مسكونة. فَاذْكُرُوا : (الفاء): فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ما قلت لكم، و أردتم بيان ما هو الأصلح اللازم لكم ..
فأقول لكم: (اذكروا آلاء اللّه): فعل و فاعل و مفعول و مضاف إليه، و الجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، و جملة إذا المقدرة في محل النصب مقول قالَ . وَ لا : (الواو): عاطفة. لا : ناهية جازمة. تَعْثَوْا : فعل و فاعل مجزوم ب لا الناهية. فِي الْأَرْضِ : متعلق به. مُفْسِدِينَ : حال من واو تَعْثَوْا مؤكدة لعاملها؛ لأن العثو بمعنى الفساد.
التصريف و مفردات اللغة
لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ في «المصباح»: قوم الرجل: أقرباؤه الذين يجتمعون معه في جد واحد، و قد يقيم الرجل بين الأجانب، فيسميهم قومه مجازا للمجاورة. و في «التنزيل»: قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ قيل: كان مقيما بينهم، و لم يكن منهم، و قيل: كانوا قومه. اه.
عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ و اليوم هنا: يوم القيامة. قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ و في «المصباح» أيضا: الملأ- مهموزا-: أشراف القوم سموا بذلك لملأتهم بما يلتمس عندهم من المعروف وجودة الرأي، أو لأنهم يملؤون العيون أبهة و الصدور هيبة، و الجمع أملاء مثل سبب و أسباب اه. و في «أبي السعود»:
الملأ: الذين يملؤون صدور المحافل بأجسادهم، و القلوب بجلالتهم و هيبتهم، و العيون بجمالهم و أبهتهم اه.
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ و في «المصباح»: ضل الرجل الطريق و ضل عنه يضل- من باب ضرب- ضلالا و ضلالة إذا زل عنه، فلم يهتد إليه، فهو ضال هذه لغة نجد، و هي الفصحى، و بها جاء القرآن في قوله: إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي و في لغة لأهل العالية من باب تعب، و الأصل في الضلال الغيبة، و منه قيل للحيوان الضائع: ضالة- بالهاء- للمذكر و المؤنث، و الجمع الضوال مثل: دابة و دواب اه.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 411
وَ أَنْصَحُ لَكُمْ يقال «1» : نصحته و نصحت له كما يقال شكرته و شكرت له، و النصح: إرادة الخير لغيره كما يريده لنفسه. و قيل: النصح: تحري قول أو فعل فيه صلاح للغير. و قيل: حقيقة النصح تعريف وجه المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكر.
و المعنى:
أنه قال: أبلغكم جميع تكاليف اللّه و شرائعه، و أرشدكم إلى الوجه الأصلح و الأصوب لكم، و أدعوكم إلى ما دعاني إليه، و أحب لكم ما أحب لنفسي. قال بعضهم: و الفرق بين إبلاغ الرسالة و بين النصيحة هو أن تبليغ الرسالة أن يعرفهم جميع أوامر اللّه و نواهيه، و جميع أنواع التكاليف التي أوجبها عليهم، و أما النصيحة فهي أن يرغبهم في قبول تلك الأوامر و النواهي و العبادات، و يحذرهم عذابه إن عصوه.
ذِكْرٌ و الذكر: الموعظة. عَلى رَجُلٍ ؛ أي: على لسانه مِنْكُمْ ؛ أي:
من جنسكم فِي الْفُلْكِ و في «المختار»: الفلك السفينة واحد و جمع تذكر و تؤنث قال تعالى: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فأفرد و ذكر، و قال: وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ فأنث، و يحتمل الإفراد و الجمع، و قال: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ فجمع و كأنه يذهب «2» بها إذا كانت واحدة إلى المركب فتذكر، و إلى السفينة فتؤنث. اه.
عَمِينَ عن فهم الحق «3» جمع عم صفة مشبهة لكن تصرف فيه بحذف لامه كقاض إذا جمع، فأصله عميين بيائين: الأولى مكسورة، و الثانية ساكنة حذفت الأولى تخفيفا على حد قول ابن مالك:
و احذف من المقصور في جمع على
حدّ المثنّى ما به تكمّلا
و في «السمين» و يقال: عم إذا كان أعمى البصير غير عارف بأموره،
(1) الفتوحات.
(2) أي فكأنه يلاحظ فيها معنى المركب فتذكر، أو معنى السفينة فتؤنث اه مؤلفه.
(3) الفتوحات.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 412
و أعمى؛ أي: في البصرة و هذا قول الليث. كما قال زهير:
و أعلم علم اليوم و الأمس قبله
و لكنّني عن علم ما في غد عمي
و قيل: عم و أعمى بمعنى كخضر و أخضر. و قال بعضهم: عم فيه دلالة على ثبوت الصفة و استقرارها كفرح و ضيق، و لو أريد الحدوث .. لقيل عام كما يقال: فارح و ضائق. و قد قرىء: قوما عامين حكاها الزمخشري. اه.
أَخاهُمْ هُوداً الأخ هنا: هو الأخ في النسب، و تقول العرب في أخوة الجنس: يا أخا العرب. فِي سَفاهَةٍ و السفاهة: خفة العقل و الحمق.
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ و الآلاء «1» : جمع إلي- بكسر الهمزة و سكون اللام- كحمل و أحمال، أو جمع ألي- بضم الهمزة و سكون اللام- كقفل و أقفال، أو جمع إلى- بكسر الهمزة و فتح اللام- كضلع و أضلاع و عنب و أعناب، أو جمع ألى- بفتحهما- كقفا و أقفاء اه «سمين». و الإلى على جميع أوجهها النعمة، و أما إلى الذي هو من حروف الجر .. فلا يجمع؛ لأنها حرف، و الحرف لا يجمع.
لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ هو «2» مصدر محذوف الزوائد، و أصل هذا المصدر:
الإيجاد من قولك: أوجدته إيجادا إذا أفردته، فحذفت الهمزة و الألف، و هما الزائدان.
قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ و الرجس «3» : العذاب من الأرجاس الذي هو الاضطراب، و الغضب: إرادة الانتقام.
أَ تُجادِلُونَنِي المجادلة: المماراة و المخاصمة، و السلطان الحجة و الدليل، و الدابر الآخر، و يراد به الاستئصال؛ أي: أهلكناهم جميعا.
وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً و أخوة صالح لهم أخوة في النسب كأخوة هود لقومه، كما تقدم في مبحث التفسير، و البينة: المعجزة الظاهرة الدلالة.
وَ اذْكُرُوا ؛ أي: تذكروا.
(1) الفتوحات.
(2) العكبري.
(3) أبو السعود.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 413
وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ؛ أي: أنزلكم فيها، و جعلها مباءة لكم، و المباءة في الأصل أعطان الإبل، و الأرض: المراد بها: أرض الحجر بين الحجاز و الشام إلى وادي القرى.
وَ تَنْحِتُونَ و النّحت: نجر الشيء الصلب اه «أبو السعود». و في «القاموس»: نحته ينحته- كيضربه و ينصره و يعلمه- براه، و نحت السفر البعير أنضاه، و فلانا صرعه، و النحاتة البراية، و المنحت ما ينحت به اه. و العيث و العثي: الفساد.
البلاغة
و قد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة و الفصاحة و البيان و البديع:
فمنها: التكرار في قوله: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ
، و في قوله: أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، و في قوله: قالَ الْمَلَأُ ، و في قوله:
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي ، و في قوله: وَ اذْكُرُوا ، و في قوله: فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ ، و في قوله: سَفاهَةٍ .
و منها: المبالغة «1» بجعل الضلال ظرفا له حيث قالوا:
إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ و زادوا في المبالغة حيث صدروا الجملة ب (إن) و زادوا في خبرها اللام.
و منها: التعميم في قوله: لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ لأنها أعم من الضلال
، و ذلك لأن ضلالة دالة على واحدة غير معينة، و نفي فرد غير معين نفي عام. و فيه أيضا المبالغة في الرد عليهم؛ لأنه نفى أن تلتبس به ضلالة واحدة فضلا عن أن يحيط به الضلال، و لو قال: لست ضالا لم يؤد هذا المؤدى.
و منها: الإضافة في قوله: يا قَوْمِ
استمالة لقلوبهم إلى الحق.
و منها: الاستعطاف «2» و التحضيض على تحصيل التقوى في قوله: أَ فَلا تَتَّقُونَ
(1) الفتوحات.
(2) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 414
و منها: الإضافة لتشريف المضاف إليه في قوله: ناقَةُ اللَّهِ
و فِي أَرْضِ اللَّهِ كالإضافة في بيت اللّه و روح اللّه.
و منها: الرجوع في قوله: لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ
، و في قوله: لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ : و هو العود إلى الكلام السابق بالنقض و الإبطال.
و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
، و في قوله: فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها .
و منها: المجاز العقلي في قوله: أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ
لأن إسناد المجيء إلى الذكر مجاز.
و منها: المجاز بالحذف في قوله: رَجُلٍ مِنْكُمْ ؛ أي:
على لسان رجل منكم.
و منها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في مواضع كقوله: أَ وَ عَجِبْتُمْ
مثلا.
و منها: الكناية في قوله: وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا
لأنه كناية لطيفة عن استئصالهم جميعا بالهلاك.
و منها: التنكير في قوله: وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ
إفادة للتقليل و التنكير؛ أي:
لا تمسوها بأدنى سوء.
و منها: الإتيان بحرف الترجي في قوله: وَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ للتنبيه
«1» على عزة المطلب، و أن التقوى غير موجبة للرحمة، بل هي منوطة بفضل اللّه تعالى، و أن المتقي ينبغي له أن لا يعتمد على تقواه، و لا يأمن عذاب اللّه تعالى، كما مر.
و منها: الطباق في قوله:
تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً بين لفظي الجبال و السهول.
و منها: الاستعارة في قوله: وَ الَّذِينَ مَعَهُ
لأن المعية «2» مجاز عن
(1) الفتوحات.
(2) شهاب.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 415
المتابعة، و في قوله: وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ لأن «1» المس و الأخذ هنا استعارة.
و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع
. و اللّه سبحانه تعالى أعلم
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 416
قال اللّه سبحانه جلّ و علا:
[سورة الأعراف (7): الآيات 75 الى 87]
. التفسير و أوجه القراءة
قوله تعالى: قالَ الْمَلَأُ و الأشراف الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ؛ أي: تكبروا عن الإيمان باللّه تعالى و بصالح مِنْ قَوْمِهِ ؛ أي: من قوم صالح. قرأ «1» ابن عامر: و قال الملأ- بواو عطف-. و قرأ الجمهور: قالَ بغير واو-.
لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا منهم؛ أي: للمساكين الذين استضعفهم المستكبرون