کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏10، ص: 372

واليا و مقبلا إليهم شاردا منهزما منهم‏ إِلَّا مُتَحَرِّفاً ؛ أي: إلا رجلا منعطفا مائلا لمكان رآه أحوج إليه‏ لِقِتالٍ‏ فيه، أو لضرب من ضروبه رآه أنكى بالعدو كأن يوهم خصمه أنه منهزم منه ليغريه على اتباعه، حتى إذا انفرد عن أنصاره، كر عليه فقتله‏ أَوْ مُتَحَيِّزاً ؛ أي: منتقلا منضما إِلى‏ فِئَةٍ ؛ أي: إلى جماعة أخرى من المؤمنين، في جهة غير الجهة التي كان فيها، ليشد أزرهم، و ينصرهم على عدو تكاثر جمعه عليهم، فصاروا أحوج إليهم ممن كان معهم؛ أي: من فعل ذلك التولي‏ فَقَدْ باءَ ؛ أي: رجع عن قتاله حالة كونه ملتبسا بِغَضَبٍ‏ عظيم‏ مِنَ اللَّهِ‏ سبحانه و تعالى‏ وَ مَأْواهُ‏ الذي يأوي إليه في الآخرة أي منزله و مسكنه في الآخرة جَهَنَّمُ‏ دار العقاب‏ وَ بِئْسَ‏ ؛ أي:

قبح‏ الْمَصِيرُ ؛ أي: المرجع هي. و انتصاب‏ مُتَحَرِّفاً أَوْ مُتَحَيِّزاً على الاستثناء، أو على الحال كما سيأتي، و المعنى: و من ينهزم و يفر من الزحف فقد رجع بغضب كائن من اللّه، إلا المتحرف و المتحيز، و هذا مخصوص بما إذا لم يزد الكفار على الضعف، ذاك أن المنهزم أراد أن يأوي إلى مكان يأمن فيه الهلاك، فعوقب بجعل عاقبته دار الهلاك، و العذاب الدائم، و جوزي بضد غرضه.

و في الآية دلالة على أن الفرار من الزحف من كبائر المعاصي، و جاء التصريح بذلك في صحيح الأحاديث، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا «اجتنبوا السبع الموبقات»- المهلكات- قالوا يا رسول اللّه و ما هي؟: قال:

«الشرك باللّه، و السحر، و قتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات».

و قد خصص بعض العلماء هذا بما إذا كان الكفار لا يزيدون على ضعف المؤمنين، قال الشافعي: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، و إن كان المشركون أكثر من ضعفهم، لم أحب لهم أن يولوا، و لا يستوجبون السخط عندي من اللّه لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏10، ص: 373

و روي عن ابن عباس قال: من فر من ثلاثة .. فلم يفر، و من اثنين .. فقد فر.

و (الفاء): في قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ‏ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم‏ «1» ما قصه اللّه عليكم من إمداده لكم بالملائكة، و إيقاع الرعب في قلوبهم .. فأقول لكم: لم تقتلوا أنتم أيها المؤمنون الكفار في الحقيقة، و لكن اللّه سبحانه و تعالى قتلهم بما يسره لكم من الأسباب الموجبة للنصر، من إلقاء الرعب في قلوبهم، و إمداد الملائكة لكم؛ أي: إن افتخرتم بقتلكم، فأنتم لم تقتلوهم، و لكن اللّه قتلهم؛ لأنه هو الذي أنزل الملائكة، و ألقى الرعب في قلوبهم، و شاء النصر و الظفر و قوى قلوبكم، و أذهب عنها الفزع و الجذع، ذكره أبو حيان.

و المعنى: يا أيها «2» الذين آمنوا لا تولوا الكفار ظهوركم أبدا، فأنتم أولى منهم بالثبات و الصبر، ثم بنصر اللّه تعالى، انظروا إلى ما أوتيتم من نصركم عليهم على قلة عددكم، و كثرتهم و استعدادهم، و لم يكن ذلك إلا بتأييد من اللّه تعالى لكم، و ربطه على قلوبكم، و تثبيت أقدامكم، فلم تقتلوهم ذلك القتل الذي أفنى كثيرا منهم بقوتكم و عدتكم، و لكن اللّه قتلهم بأيديكم بما كان من تثبيت قلوبكم، بمخالطة الملائكة، و ملابستها لأرواحكم و بإلقائه الرعب في قلوبهم، و هذا بعينه هو ما جاء في قوله تعالى: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ‏ 14، و المؤمن أحرى بالصبر الذي هو من أجل عوامل النصر من الكافر، إذ هو أقل حرصا على متاع الدنيا، و أعظم رجاء للّه و الدار الآخرة، يؤيد هذا قوله تعالى: وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ‏ .

ثم انتقل من خطاب المؤمنين الذين قتلوا أولئك الصناديد بسيوفهم، إلى خطاب الرسول صلى اللّه عليه و سلّم، و هو قائدهم الأعظم فقال: وَ ما رَمَيْتَ‏ يا محمد أحدا

(1) الشوكاني.

(2) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏10، ص: 374

من المشركين‏ إِذْ رَمَيْتَ‏ ؛ أي: في الوقت الذي رميت فيه القبضة من التراب بإلقائها في الهواء، فأصابت وجوههم، فإن ما فعلته لا يكون له من التأثير مثل ما حدث‏ وَ لكِنَّ اللَّهَ‏ سبحانه و تعالى‏ رَمى‏ وجوههم كلهم بذلك التراب، الذي ألقيته في الهواء على قلته أو بعد تكثيره بمحض قدرته.

فقد روي أن النبي صلى اللّه عليه و سلّم رمى المشركين يومئذ بقبضة من التراب و قال:

«شاهت الوجوه» ثلاثا، فأعقبت رميته هزيمتهم، و معنى‏ «1» شاهت الوجوه، قبحت يقال: شاه وجهه يشوه شوها و شوهة، و يقال: رجل أشوه و امرأة شوهاء إذا كانا قبيحين.

و روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أن النبي صلى اللّه عليه و سلّم لما قال في استغاثته يوم بدر: «يا رب إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدا» قال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها وجوههم، ففعل، فما من أحد من المشركين إلا أصاب عينيه و منخريه و فمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين.

و قال ثعلب‏ «2» : المعنى‏ وَ ما رَمَيْتَ‏ الفزع و الرعب في قلوبهم، إِذْ رَمَيْتَ‏ بالحصباء فانهزموا وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‏ ؛ أي: أعانك و أظفرك، و العرب تقول: رمى اللّه لك، أي أعانك و أظفرك و صنع لك، و قد حكى مثل هذا أبو عبيدة في كتاب «المجاز» و قال محمد بن يزيد المبرد: المعنى‏ وَ ما رَمَيْتَ‏ بقوتك‏ إِذْ رَمَيْتَ‏ و لكنك بقوة اللّه رميت، و قيل: المعنى إن تلك الرمية بالقبضة من التراب التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمي البشر، و لكنها كانت رمية اللّه حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم، لأن صورتها وجدت منه، و نفاها عنه، لأنّ أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل اللّه عز و جل، فكأن اللّه فاعل الرمية على الحقيقة، و كأنها لم توجد من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم أصلا، هكذا في «الكشاف» فإن قلت: كيف نفى عن المؤمنين قتل الكفار مع أنهم قتلوهم يوم بدر، و نفى عن النبي صلى اللّه عليه و سلّم رميهم‏

(1) زاد المسير.

(2) الشوكاني.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏10، ص: 375

مع أنه رماهم يوم بدر بالحصى في وجوهم، قلت: نفى الفعل عنهم و عنه باعتبار الإيجاد إذ الموجد له حقيقة هو اللّه تعالى، و إثباته لهم باعتبار الكسب و الصورة فقوله: إِذْ رَمَيْتَ‏ ؛ أي: أتيت بصورة الرمي، و قرأ «1» حمزة، و الكسائي، و ابن عامر: وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ‏ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‏ بتخفيف نون‏ لكِنَ‏ ، و رفع الجلالة، و الباقون بالتشديد و نصب الجلالة، و جاءت هنا لكن أحسن مجي‏ء لوقوعها بين نفي و إثبات، و لم يقل: فلم تقتلوهم إذ قتلتموهم كما قال: إِذْ رَمَيْتَ‏ مبالغة في الجملة الثانية اه من «السمين».

فصل‏

و الفرق‏ «2» بين قتل المسلمين للكفار، و بين رمي النبي صلى اللّه عليه و سلّم إياهم بالتراب:

أن الأول فعل من أفعالهم المقدورة لهم، بحسب سنن اللّه في الأسباب الدنيوية، و أن الثاني لم يكن سببا عاديا لإصابتهم، و هزيمتهم لا مشاهدا كضرب أصحابه، لأعناق المشركين، و لا غير مشاهد، إذ هو لا يكون سببا لشكاية أعينهم، و شوهة وجوههم لقلته، و بعده عن راميه و كونهم غير مستقبلين له، كلهم، و من ثم كانت الحاجة ماسة إلى بيان نقص الأول، و عدم استقلاله بالسببية، و بيان أنه لو لا تأييد اللّه و نصره لما وصل كسبهم المحض إلى هذا الفشل؛ لأنك قد علمت ما كان من خوفهم، و كراهتهم للقتال، و بمجادلة النبي صلى اللّه عليه و سلّم فهم لو ظلوا على هذه الحال مع قلتهم و ضعفهم، لكان مقتضى الأسباب العادية أن يمحقهم المشركون محقا.

و الفرق بين فعله تعالى في القتل، و فعله في الرمي: أن الأول عبارة عن تسخيره تعالى لهم أسباب القتل، كما هو الحال في جميع كسب البشر و أعمالهم الاختيارية من كونها لا تستقل في حصول غاياتها إلا بفعل اللّه، و تسخيره لهم للأسباب التي لا يصل إليه كسبهم عادة كما بين ذلك سبحانه بقوله: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63) أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏ 64 فالإنسان يحرث الأرض و يلقي فيها البذر، و لكنه لا يملك إنزال المطر، و لا إنبات الحب و تغذيته بمختلف عناصر

(1) الفتوحات.

(2) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏10، ص: 376

التربة، و لا دفع الجوائح عنه.

و أن الثاني من فعله تعالى وحده، بدون كسب عادي للنبي صلى اللّه عليه و سلّم في تأثيره فالرمي منه كان صوريا لتظهر الآية على يده صلى اللّه عليه و سلّم، فما مثله في ذلك إلا مثل أخيه موسى عليه السلام، في إلقائه العصا فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى‏ .

و الواو في قوله: وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ؛ أي: و لينعم على المؤمنين إنعاما جميلا عاطفة «1» لما بعدها على علة مقدرة قبلها؛ أي: و لكن اللّه رمى ليمحق الكافرين، و ليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا بالنصر و الغنيمة، و حسن السمعة إِنَّ اللَّهَ‏ سبحانه و تعالى‏ سَمِيعٌ‏ لدعائهم‏ عَلِيمٌ‏ بأحوالهم، و البلاء هنا بمعنى النعمة، و المعنى: فعل اللّه تعالى ما ذكر لإقامته حجته و تأييد رسوله، و ليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا، إنه تعالى سميع لما كان من استغاثة الرسول و المؤمنين ربهم، و دعائهم إياه وحده و لكل نداء و كلام، عليم بنياتهم الباعثة عليه، و العواقب التي تترتب عليه.

و قوله: ذلِكُمْ‏ مبتدأ خبره محذوف، و المصدر المؤول من قوله: وَ أَنَّ اللَّهَ‏ سبحانه و تعالى‏ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ‏ ؛ أي: مضعف مكرهم لرسوله و للمؤمنين، و محاولتهم القضاء على دعوة التوحيد، و الإصلاح قبل أن يقوى أمرها و تشتد، معطوف عليه، و التقدير «2» ذلكم الإبلاء و الإنعام للمؤمنين بالنصر و الغنيمة حق، و توهين كيد الكافرين بالهزيمة حق.

و قرأ نافع، و ابن كثير، و أبو عمرو، موهن بفتح الواو، و تشديد الهاء، و التنوين ف كَيْدِ منصوب على المفعولية من وهن، و التعدية بالتضعيف بما عينه حرف حلق غير الهمزة قليل، نحو ضعفت، و وهنت، و بابه أن يعدى بالهمزة نحو أذهلته، و أوهنته، و ألحمته، و قرأ باقي السبعة و الحسن، و أبو رجاء، و الأعمش، و ابن محيصن بسكون الواو و تخفيف الهاء من أوهن، كأكرم منونا، و أضافه حفص إلى كيد.

(1) الشوكاني.

(2) الصاوي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏10، ص: 377

و بعد أن ذكر خذلانهم و إضعاف كيدهم: انتقل منه إلى توبيخهم على استنصارهم إياه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم و قد روى محمد بن إسحاق عن الزهري أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أقطع للرحم، و أتى بما لا يعرف، فأحنه‏ «1» الغداة، فكان ذلك منه استفتاحا.

و قال السدي: كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر، أخذوا بأستار الكعبة، فاستنصروا اللّه، و قالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، و أكرم الفئتين، و خير القبيلتين،

فأجابهم اللّه تعالى بقولهم: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ؛ أي: إن تطلبوا الفتح و النصر لأعلى الجندين، و أهداهما فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ‏ و النصر لأعلاهما و أهداهما، و هذا من قبيل التهكم بهم، لأنه قد جاءهم الهلاك و الذلة.

وَ إِنْ تَنْتَهُوا و تنزجروا عن عداوة النبي صلى اللّه عليه و سلّم و قتاله‏ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏ ؛ أي:

فالانتهاء خير لكم، لأنكم قد ذقتم من الحرب ما ذقتم من قتل و أسر بسبب ذلك العدوان.

وَ إِنْ تَعُودُوا إلى حربه و قتاله‏ نَعُدْ إلى مثل ما رأيتم من الفتح له عليكم حتى يجي‏ء الفتح الأعظم، الذي به تدول الدولة للمؤمنين عليكم، و به يذل شرككم، و تذهب ريحكم‏ وَ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ‏ ؛ أي: و لن يدفع عنكم رهطكم‏ شَيْئاً من بأس اللّه، و شديد نقمته، و لو كثرت عددا إذ لا تكون الكثرة وسيلة من وسائل النصر أمام القلة، إلا إذا تساوت معها في أمور كثيرة، كالصبر و الثبات، و الثقة باللّه تعالى، فهو الذي بيده النصر و القوة.

قال الحسن و مجاهد و السدي‏ «2» : و هذا خطاب للكفار على سبيل التهكم بهم، و المعنى: إن تستنصروا أيها الكفار لأعلى الجندين فقد جاءكم النصر لأعلاهما، و قد زعمتم أنكم الأعلى، فالتهكم في المجي‏ء، أو: فقد جاءكم الهزيمة، فالتهكم في نفس الفتح، و إن تنتهوا عن قتال الرسول و عداوته و تكذبيه‏

(1) من حال الرجل إذا هلك و باعه باع، و أحانه اللّه إذا هلك ا. ه مختار.

(2) المراح.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏10، ص: 378

فهو خير لكم في الدين بالخلاص من العقاب و الفوز بالثواب، و في الدنيا بالخلاص من القتل، و الأسر و النهب، و إن تعودوا إلى القتال نعد إلى تسليط المسلمين على قتلكم، و لن تدفع عنكم جماعتكم شيئا من الضرر و لو كثرت.

و قيل: هذا خطاب للمؤمنين، و المعنى: إن تستنصروا أيها المؤمنون، فقد جاءكم النصر، و إن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال، و عن طلب الفداء على الأسرى فهو خير لكم، و إن تعودوا إلى تلك المنازعة نعد إلى ترك نصرتكم، ثم لا تنفعكم كثرتكم.

و قرأ نافع و ابن عامر و حفص عن عاصم‏ «1» : وَ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ‏ بفتح همزة أن على أنه خبر مبتدأ محذوف، و التقدير: و الأمر، و الشأن كون اللّه سبحانه و تعالى مع المؤمنين بمعونته، و توفيقه، فلا تضرهم قلتهم، و لا كثرة عددكم فهو يؤتي النصر من يشاء من عباده، و العاقبة للمتقين، أو على أنه معطوف على علة محذوفة، لمعلول محذوف، تقديره: فعل اللّه بكم ما فعل من الأسر، و القتل، و الهمزيمة، لأن اللّه سبحانه و تعالى ليس معكم، و أن اللّه مع المؤمنين، و قرأ باقي السبعة بكسرها على الاستئناف، و قرأ ابن مسعود: و اللّه مع المؤمنين.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللّه و رسوله‏ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ في الاجابة إلى الجهاد، و ترك المال إذ أمر اللّه بتركه؛ أي: داوموا على طاعته، و على عدم التولي، و على ترك المال يدم لكم العز الذي حصل لكم ببدر وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ‏ ؛ أي: عن الرسول؛ أي: و لا تعرضوا عن طاعته، و عن قبول قوله، و عن معونته في الجهاد، فالضمير في‏ عَنْهُ‏ عائد على الرسول؛ لأنّ طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم هي من طاعة اللّه، و يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى اللّه، و إلى رسوله، و قل:

الضمير راجع إلى الأمر الذي دل عليه‏ أَطِيعُوا و أصل تولوا تتولوا بتائين.

وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ‏ ؛ أي: و الحال أنكم تسمعون كلامه الداعي إلى وجوب طاعته، و موالاته، و نصره في جهاده، و لا شك أن المراد بالسماع هنا: سماع‏

صفحه بعد