کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 372
واليا و مقبلا إليهم شاردا منهزما منهم إِلَّا مُتَحَرِّفاً ؛ أي: إلا رجلا منعطفا مائلا لمكان رآه أحوج إليه لِقِتالٍ فيه، أو لضرب من ضروبه رآه أنكى بالعدو كأن يوهم خصمه أنه منهزم منه ليغريه على اتباعه، حتى إذا انفرد عن أنصاره، كر عليه فقتله أَوْ مُتَحَيِّزاً ؛ أي: منتقلا منضما إِلى فِئَةٍ ؛ أي: إلى جماعة أخرى من المؤمنين، في جهة غير الجهة التي كان فيها، ليشد أزرهم، و ينصرهم على عدو تكاثر جمعه عليهم، فصاروا أحوج إليهم ممن كان معهم؛ أي: من فعل ذلك التولي فَقَدْ باءَ ؛ أي: رجع عن قتاله حالة كونه ملتبسا بِغَضَبٍ عظيم مِنَ اللَّهِ سبحانه و تعالى وَ مَأْواهُ الذي يأوي إليه في الآخرة أي منزله و مسكنه في الآخرة جَهَنَّمُ دار العقاب وَ بِئْسَ ؛ أي:
قبح الْمَصِيرُ ؛ أي: المرجع هي. و انتصاب مُتَحَرِّفاً أَوْ مُتَحَيِّزاً على الاستثناء، أو على الحال كما سيأتي، و المعنى: و من ينهزم و يفر من الزحف فقد رجع بغضب كائن من اللّه، إلا المتحرف و المتحيز، و هذا مخصوص بما إذا لم يزد الكفار على الضعف، ذاك أن المنهزم أراد أن يأوي إلى مكان يأمن فيه الهلاك، فعوقب بجعل عاقبته دار الهلاك، و العذاب الدائم، و جوزي بضد غرضه.
و في الآية دلالة على أن الفرار من الزحف من كبائر المعاصي، و جاء التصريح بذلك في صحيح الأحاديث، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا «اجتنبوا السبع الموبقات»- المهلكات- قالوا يا رسول اللّه و ما هي؟: قال:
«الشرك باللّه، و السحر، و قتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
و قد خصص بعض العلماء هذا بما إذا كان الكفار لا يزيدون على ضعف المؤمنين، قال الشافعي: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، و إن كان المشركون أكثر من ضعفهم، لم أحب لهم أن يولوا، و لا يستوجبون السخط عندي من اللّه لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 373
و روي عن ابن عباس قال: من فر من ثلاثة .. فلم يفر، و من اثنين .. فقد فر.
و (الفاء): في قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم «1» ما قصه اللّه عليكم من إمداده لكم بالملائكة، و إيقاع الرعب في قلوبهم .. فأقول لكم: لم تقتلوا أنتم أيها المؤمنون الكفار في الحقيقة، و لكن اللّه سبحانه و تعالى قتلهم بما يسره لكم من الأسباب الموجبة للنصر، من إلقاء الرعب في قلوبهم، و إمداد الملائكة لكم؛ أي: إن افتخرتم بقتلكم، فأنتم لم تقتلوهم، و لكن اللّه قتلهم؛ لأنه هو الذي أنزل الملائكة، و ألقى الرعب في قلوبهم، و شاء النصر و الظفر و قوى قلوبكم، و أذهب عنها الفزع و الجذع، ذكره أبو حيان.
و المعنى: يا أيها «2» الذين آمنوا لا تولوا الكفار ظهوركم أبدا، فأنتم أولى منهم بالثبات و الصبر، ثم بنصر اللّه تعالى، انظروا إلى ما أوتيتم من نصركم عليهم على قلة عددكم، و كثرتهم و استعدادهم، و لم يكن ذلك إلا بتأييد من اللّه تعالى لكم، و ربطه على قلوبكم، و تثبيت أقدامكم، فلم تقتلوهم ذلك القتل الذي أفنى كثيرا منهم بقوتكم و عدتكم، و لكن اللّه قتلهم بأيديكم بما كان من تثبيت قلوبكم، بمخالطة الملائكة، و ملابستها لأرواحكم و بإلقائه الرعب في قلوبهم، و هذا بعينه هو ما جاء في قوله تعالى: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ 14، و المؤمن أحرى بالصبر الذي هو من أجل عوامل النصر من الكافر، إذ هو أقل حرصا على متاع الدنيا، و أعظم رجاء للّه و الدار الآخرة، يؤيد هذا قوله تعالى: وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ .
ثم انتقل من خطاب المؤمنين الذين قتلوا أولئك الصناديد بسيوفهم، إلى خطاب الرسول صلى اللّه عليه و سلّم، و هو قائدهم الأعظم فقال: وَ ما رَمَيْتَ يا محمد أحدا
(1) الشوكاني.
(2) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 374
من المشركين إِذْ رَمَيْتَ ؛ أي: في الوقت الذي رميت فيه القبضة من التراب بإلقائها في الهواء، فأصابت وجوههم، فإن ما فعلته لا يكون له من التأثير مثل ما حدث وَ لكِنَّ اللَّهَ سبحانه و تعالى رَمى وجوههم كلهم بذلك التراب، الذي ألقيته في الهواء على قلته أو بعد تكثيره بمحض قدرته.
فقد روي أن النبي صلى اللّه عليه و سلّم رمى المشركين يومئذ بقبضة من التراب و قال:
«شاهت الوجوه» ثلاثا، فأعقبت رميته هزيمتهم، و معنى «1» شاهت الوجوه، قبحت يقال: شاه وجهه يشوه شوها و شوهة، و يقال: رجل أشوه و امرأة شوهاء إذا كانا قبيحين.
و روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أن النبي صلى اللّه عليه و سلّم لما قال في استغاثته يوم بدر: «يا رب إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدا» قال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها وجوههم، ففعل، فما من أحد من المشركين إلا أصاب عينيه و منخريه و فمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين.
و قال ثعلب «2» : المعنى وَ ما رَمَيْتَ الفزع و الرعب في قلوبهم، إِذْ رَمَيْتَ بالحصباء فانهزموا وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى ؛ أي: أعانك و أظفرك، و العرب تقول: رمى اللّه لك، أي أعانك و أظفرك و صنع لك، و قد حكى مثل هذا أبو عبيدة في كتاب «المجاز» و قال محمد بن يزيد المبرد: المعنى وَ ما رَمَيْتَ بقوتك إِذْ رَمَيْتَ و لكنك بقوة اللّه رميت، و قيل: المعنى إن تلك الرمية بالقبضة من التراب التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمي البشر، و لكنها كانت رمية اللّه حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم، لأن صورتها وجدت منه، و نفاها عنه، لأنّ أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل اللّه عز و جل، فكأن اللّه فاعل الرمية على الحقيقة، و كأنها لم توجد من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم أصلا، هكذا في «الكشاف» فإن قلت: كيف نفى عن المؤمنين قتل الكفار مع أنهم قتلوهم يوم بدر، و نفى عن النبي صلى اللّه عليه و سلّم رميهم
(1) زاد المسير.
(2) الشوكاني.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 375
مع أنه رماهم يوم بدر بالحصى في وجوهم، قلت: نفى الفعل عنهم و عنه باعتبار الإيجاد إذ الموجد له حقيقة هو اللّه تعالى، و إثباته لهم باعتبار الكسب و الصورة فقوله: إِذْ رَمَيْتَ ؛ أي: أتيت بصورة الرمي، و قرأ «1» حمزة، و الكسائي، و ابن عامر: وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى بتخفيف نون لكِنَ ، و رفع الجلالة، و الباقون بالتشديد و نصب الجلالة، و جاءت هنا لكن أحسن مجيء لوقوعها بين نفي و إثبات، و لم يقل: فلم تقتلوهم إذ قتلتموهم كما قال: إِذْ رَمَيْتَ مبالغة في الجملة الثانية اه من «السمين».
فصل
و الفرق «2» بين قتل المسلمين للكفار، و بين رمي النبي صلى اللّه عليه و سلّم إياهم بالتراب:
أن الأول فعل من أفعالهم المقدورة لهم، بحسب سنن اللّه في الأسباب الدنيوية، و أن الثاني لم يكن سببا عاديا لإصابتهم، و هزيمتهم لا مشاهدا كضرب أصحابه، لأعناق المشركين، و لا غير مشاهد، إذ هو لا يكون سببا لشكاية أعينهم، و شوهة وجوههم لقلته، و بعده عن راميه و كونهم غير مستقبلين له، كلهم، و من ثم كانت الحاجة ماسة إلى بيان نقص الأول، و عدم استقلاله بالسببية، و بيان أنه لو لا تأييد اللّه و نصره لما وصل كسبهم المحض إلى هذا الفشل؛ لأنك قد علمت ما كان من خوفهم، و كراهتهم للقتال، و بمجادلة النبي صلى اللّه عليه و سلّم فهم لو ظلوا على هذه الحال مع قلتهم و ضعفهم، لكان مقتضى الأسباب العادية أن يمحقهم المشركون محقا.
و الفرق بين فعله تعالى في القتل، و فعله في الرمي: أن الأول عبارة عن تسخيره تعالى لهم أسباب القتل، كما هو الحال في جميع كسب البشر و أعمالهم الاختيارية من كونها لا تستقل في حصول غاياتها إلا بفعل اللّه، و تسخيره لهم للأسباب التي لا يصل إليه كسبهم عادة كما بين ذلك سبحانه بقوله: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63) أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ 64 فالإنسان يحرث الأرض و يلقي فيها البذر، و لكنه لا يملك إنزال المطر، و لا إنبات الحب و تغذيته بمختلف عناصر
(1) الفتوحات.
(2) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 376
التربة، و لا دفع الجوائح عنه.
و أن الثاني من فعله تعالى وحده، بدون كسب عادي للنبي صلى اللّه عليه و سلّم في تأثيره فالرمي منه كان صوريا لتظهر الآية على يده صلى اللّه عليه و سلّم، فما مثله في ذلك إلا مثل أخيه موسى عليه السلام، في إلقائه العصا فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى .
و الواو في قوله: وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ؛ أي: و لينعم على المؤمنين إنعاما جميلا عاطفة «1» لما بعدها على علة مقدرة قبلها؛ أي: و لكن اللّه رمى ليمحق الكافرين، و ليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا بالنصر و الغنيمة، و حسن السمعة إِنَّ اللَّهَ سبحانه و تعالى سَمِيعٌ لدعائهم عَلِيمٌ بأحوالهم، و البلاء هنا بمعنى النعمة، و المعنى: فعل اللّه تعالى ما ذكر لإقامته حجته و تأييد رسوله، و ليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا، إنه تعالى سميع لما كان من استغاثة الرسول و المؤمنين ربهم، و دعائهم إياه وحده و لكل نداء و كلام، عليم بنياتهم الباعثة عليه، و العواقب التي تترتب عليه.
و قوله: ذلِكُمْ مبتدأ خبره محذوف، و المصدر المؤول من قوله: وَ أَنَّ اللَّهَ سبحانه و تعالى مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ ؛ أي: مضعف مكرهم لرسوله و للمؤمنين، و محاولتهم القضاء على دعوة التوحيد، و الإصلاح قبل أن يقوى أمرها و تشتد، معطوف عليه، و التقدير «2» ذلكم الإبلاء و الإنعام للمؤمنين بالنصر و الغنيمة حق، و توهين كيد الكافرين بالهزيمة حق.
و قرأ نافع، و ابن كثير، و أبو عمرو، موهن بفتح الواو، و تشديد الهاء، و التنوين ف كَيْدِ منصوب على المفعولية من وهن، و التعدية بالتضعيف بما عينه حرف حلق غير الهمزة قليل، نحو ضعفت، و وهنت، و بابه أن يعدى بالهمزة نحو أذهلته، و أوهنته، و ألحمته، و قرأ باقي السبعة و الحسن، و أبو رجاء، و الأعمش، و ابن محيصن بسكون الواو و تخفيف الهاء من أوهن، كأكرم منونا، و أضافه حفص إلى كيد.
(1) الشوكاني.
(2) الصاوي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 377
و بعد أن ذكر خذلانهم و إضعاف كيدهم: انتقل منه إلى توبيخهم على استنصارهم إياه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم و قد روى محمد بن إسحاق عن الزهري أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أقطع للرحم، و أتى بما لا يعرف، فأحنه «1» الغداة، فكان ذلك منه استفتاحا.
و قال السدي: كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر، أخذوا بأستار الكعبة، فاستنصروا اللّه، و قالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، و أكرم الفئتين، و خير القبيلتين،
فأجابهم اللّه تعالى بقولهم: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ؛ أي: إن تطلبوا الفتح و النصر لأعلى الجندين، و أهداهما فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ و النصر لأعلاهما و أهداهما، و هذا من قبيل التهكم بهم، لأنه قد جاءهم الهلاك و الذلة.
وَ إِنْ تَنْتَهُوا و تنزجروا عن عداوة النبي صلى اللّه عليه و سلّم و قتاله فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ؛ أي:
فالانتهاء خير لكم، لأنكم قد ذقتم من الحرب ما ذقتم من قتل و أسر بسبب ذلك العدوان.
وَ إِنْ تَعُودُوا إلى حربه و قتاله نَعُدْ إلى مثل ما رأيتم من الفتح له عليكم حتى يجيء الفتح الأعظم، الذي به تدول الدولة للمؤمنين عليكم، و به يذل شرككم، و تذهب ريحكم وَ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ ؛ أي: و لن يدفع عنكم رهطكم شَيْئاً من بأس اللّه، و شديد نقمته، و لو كثرت عددا إذ لا تكون الكثرة وسيلة من وسائل النصر أمام القلة، إلا إذا تساوت معها في أمور كثيرة، كالصبر و الثبات، و الثقة باللّه تعالى، فهو الذي بيده النصر و القوة.
قال الحسن و مجاهد و السدي «2» : و هذا خطاب للكفار على سبيل التهكم بهم، و المعنى: إن تستنصروا أيها الكفار لأعلى الجندين فقد جاءكم النصر لأعلاهما، و قد زعمتم أنكم الأعلى، فالتهكم في المجيء، أو: فقد جاءكم الهزيمة، فالتهكم في نفس الفتح، و إن تنتهوا عن قتال الرسول و عداوته و تكذبيه
(1) من حال الرجل إذا هلك و باعه باع، و أحانه اللّه إذا هلك ا. ه مختار.
(2) المراح.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 378
فهو خير لكم في الدين بالخلاص من العقاب و الفوز بالثواب، و في الدنيا بالخلاص من القتل، و الأسر و النهب، و إن تعودوا إلى القتال نعد إلى تسليط المسلمين على قتلكم، و لن تدفع عنكم جماعتكم شيئا من الضرر و لو كثرت.
و قيل: هذا خطاب للمؤمنين، و المعنى: إن تستنصروا أيها المؤمنون، فقد جاءكم النصر، و إن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال، و عن طلب الفداء على الأسرى فهو خير لكم، و إن تعودوا إلى تلك المنازعة نعد إلى ترك نصرتكم، ثم لا تنفعكم كثرتكم.
و قرأ نافع و ابن عامر و حفص عن عاصم «1» : وَ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ بفتح همزة أن على أنه خبر مبتدأ محذوف، و التقدير: و الأمر، و الشأن كون اللّه سبحانه و تعالى مع المؤمنين بمعونته، و توفيقه، فلا تضرهم قلتهم، و لا كثرة عددكم فهو يؤتي النصر من يشاء من عباده، و العاقبة للمتقين، أو على أنه معطوف على علة محذوفة، لمعلول محذوف، تقديره: فعل اللّه بكم ما فعل من الأسر، و القتل، و الهمزيمة، لأن اللّه سبحانه و تعالى ليس معكم، و أن اللّه مع المؤمنين، و قرأ باقي السبعة بكسرها على الاستئناف، و قرأ ابن مسعود: و اللّه مع المؤمنين.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللّه و رسوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ في الاجابة إلى الجهاد، و ترك المال إذ أمر اللّه بتركه؛ أي: داوموا على طاعته، و على عدم التولي، و على ترك المال يدم لكم العز الذي حصل لكم ببدر وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ ؛ أي: عن الرسول؛ أي: و لا تعرضوا عن طاعته، و عن قبول قوله، و عن معونته في الجهاد، فالضمير في عَنْهُ عائد على الرسول؛ لأنّ طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم هي من طاعة اللّه، و يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى اللّه، و إلى رسوله، و قل:
الضمير راجع إلى الأمر الذي دل عليه أَطِيعُوا و أصل تولوا تتولوا بتائين.
وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ؛ أي: و الحال أنكم تسمعون كلامه الداعي إلى وجوب طاعته، و موالاته، و نصره في جهاده، و لا شك أن المراد بالسماع هنا: سماع