کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 406
مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اللّه «1» سبحانه و تعالى لما نفى عنهم أن يكونوا ولاة البيت .. ذكر من فعلهم القبيح، ما يؤكد ذلك، و أن من كانت صلاته ما ذكر لا يستأهل أن يكونوا أوياءه.
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها «2» : أن اللّه سبحانه و تعالى لما بيّن أحوال هؤلاء المشركين في الطاعات البدنية بقوله: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِيَةً ..
أردف ذلك بذكر أحوالهم في الطاعات المالية.
قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ...
الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما ذكر «3» اللّه سبحانه و تعالى ما يحل بهم من حشرهم إلى النار، و جعلهم فيها و خسرهم .. تلطف بهم، و أنهم إذا انتهوا عن الكفر، و آمنوا غفرت لهم ذنوبهم السالفة، و ليس ثم ما يترتب على الانتهاء عنه غفران الذنوب سوى الكفر، فلذلك كان المعنى أن ينتهوا عن الكفر.
و عبارة «المراغي» هنا: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى، لما بين حال من يصرّ على الكفر، و الصد عن سبيل اللّه، و قتال رسوله و المؤمنين، و عاقبة أعمالهم في الدنيا و الآخرة .. أردف ذلك ببيان من يرجعون عنه، و يدخلون في الإسلام، لأن الأنفس في حاجة إلى هذا البيان.
أسباب النزول
قوله تعالى: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية، أجمع المفسرون على أن سبب نزول هذه الآية: ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه لما بويع «4» رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم ليلة العقبة، و أمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة، أشفقت قريش أن يعلو أمره، و قالوا: و اللّه لكأنكم به قد كر عليكم بالرجال، فاجتمع جماعة من
(1) البحر المحيط.
(2) المراغي.
(3) البحر المحيط.
(4) زاد المسير.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 407
أشرافهم ليدخلوا دار الندوة فيتشاوروا في أمره، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ كبير، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا شيخ من أهل نجد، سمعت ما اجتمعم له، فأردت أن أحضركم، و لن تعدموا من رأيي نصحا، فقالوا: ادخل، فدخل معهم، فقالوا: انظروا في أمر هذا الرجل، فقال بعضهم: احبسوه في وثاق، و تربصوا به ريب المنون، فقال إبليس: ما هذا برأي يوشك أن يغضب له قومه، فيأخذوه من أيديكم، فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم، فتستريحوا من إيذائه لكم، فقال إبليس لا مصلحة لكم فيه، لأنه قد يجمع طائفة على نفسه، و يقاتلكم بهم، فقال أبو جهل: الرأي أن نجمع من كل قبيلة غلاما، ثم نعطي كل غلام سيفا فيضربوه به ضربة رجل واحد، فيفرق دمه في القبائل، فلا تقدر بنو هاشم على محاربة قريش كلها، فيرضون بأخذ الدية، فقال إبليس: هذا هو الرأي الصواب، فتفرقوا عن ذلك، و أتى جبريل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم، فأمره أن لا يبيت في مضجعه، و أخبره بمكر القوم، فلم يبت في مضجعه تلك الليلة، و أمر عليا فبات في مكانه، و بات المشركون يحرسونه، فلما أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم أذن اللّه له في الخروج إلى المدينة، و جاء المشركون لما أصبحوا، فرأوا عليّا فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره حتى بلغوا الجبل، فمروا بالغار، فرأوا نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخله لم يكن عليه نسج العنكبوت، فأنزل اللّه عليه بعد قدومه المدينة، يذكره نعمته عليه وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية. ذكره ابن هشام في «سيرته» (1/ 480- 483) قال فيه، قال ابن إسحاق: حدثني به من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد، و غيره ممن لا أتهم عن عبد اللّه بن عباس، و رواه أحمد في «مسنده» رقم (3251) مختصرا.
قوله تعالى: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا ... الآية، سبب نزولها: ما أخرجه «1» ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: قتل النبي صلى اللّه عليه و سلّم يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط، و طعيمة بن عدي، و النضر بن الحارث، و كان المقداد
(1) لباب النقول.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 408
أسر النضر، فلما أمر بقتله، قال المقداد: يا رسول اللّه: أسيري، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم: «إنه كان يقول في كتاب اللّه ما يقول، قال: و فيه أنزلت هذه الآية وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا ...» الآية.
قوله تعالى: وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ ... الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث.
و روى البخاري عن أنس قال: قال أبو جهل بن هشام: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت:
وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ ... الآية.
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المشركون يطوفون بالبيت، و يقولون: غفرانك، غفرانك، فأنزل اللّه وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ... الآية.
و لا مانع من أن الآية نزلت في هذا و هذا، و أنهما معا كانا سببا لنزول الآية. و اللّه أعلم.
و أخرج «1» ابن جرير عن ابن أبزى، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم بمكة فأنزل اللّه: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ فخرج إلى المدينة، فأنزل اللّه وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ، و كان أولئك البقية من المسلمين، الذين بقوا فيها يستغفرون، فلما خرجوا أنزل اللّه: وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ... الآية، فأذن في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
قوله تعالى: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ... الآية «2» ، سبب نزولها:
أن قريشا كانوا يطوفون بالبيت، و يصفقون، و يصفرون، و يضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عمر.
و أخرج ابن جرير عن سعيد، قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى اللّه عليه و سلّم في
(1) لباب النقول.
(2) زاد المسير.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 409
الطواف يستهزؤون به، و يصفرون، و يصفقون، فنزلت: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ... الآية.
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية، قال «1» ابن إسحاق: حدثني الزهري، و محمد بن يحيى بن حبان، و عاصم بن عمير بن قتادة، و الحصين بن عبد الرحمن، قالوا: لما أصيب قريش يوم بدر، و رجعوا إلى مكة، مشى عبد اللّه بن أبي ربيعة، و عكرمة بن أبي جهل، و صفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم و آبناؤهم فكلموا أبا سفيان و من كان له من قريش في ذلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد و تركم و قتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فلعلنا أن ندرك منه ثأرا، ففعلوا، ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل اللّه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ إلى قوله: يُحْشَرُونَ .
و أخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن عتيبة، قال: نزلت في أبي سفيان أنفق على المشركين أربعين أوقية من ذهب. الأوقية اثنان و أربعون مثقالا.
و أخرج «2» ابن جرير عن ابن أبزى، و سعيد بن جبير، قالا: نزلت في أبي سفيان، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش- أي من أخلاط القبائل- ليقاتل بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم.
التفسير و أوجه القراءة
أي: وَ اذكر يا محمد لأمتك قصة إِذْ يَمْكُرُ و يحتال في إيقاع الضرر و الهلاك بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا من قومك، و هذا تذكار لما مكرت قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة اللّه تعالى في خلاصه من مكرهم، و استيلائه عليهم؛ أي: و اذكر نعمته تعالى عليك في ذلك الزمن القريب، الذي يمكر بك فيه قومك الذين كفروا بما يدبرون في السر من وسائل إيقاع الهلاك بك، فإن في ذلك القصص على
(1) لباب النقول.
(2) لباب النقول.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 410
المؤمنين و الكافرين في عهدك، و من بعدك، لأكبر الحجج على صدق دعوتك، و وعد ربك بنصرتك؛ أي: و اذكر لهم قصة إذ يمكرون بك، لِيُثْبِتُوكَ في مكان، و يمنعوك من الحركة بالوثاق «1» ، أو الحبس أو الإثخان بالجرح من قولهم: ضربه حتى أثبته لا حراك به، و لا براح، و قال ابن عباس و مجاهد:
ليقيدوك و قيل: المعنى ليحبسوك، و قرأ النخعي ليبيتوك من البيات، و قرىء لِيُثْبِتُوكَ بالتشديد أَوْ ل يَقْتُلُوكَ بسيوفهم أَوْ ل يُخْرِجُوكَ من وطنك مكة، و ذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار و مبايعتهم، فزعوا، فاجتمعوا في دار الندوة، متشاورين في أمره كما سبق في أسباب النزول.
و حديث ذلك المكر الذي ترتبت عليه الهجرة إلى المدينة، و بها ظهر الإسلام، و خذل الشرك، روي من طرق عدة أقربها رواية ابن إسحاق و ابن هشام في سيرتهما كما ذكرناها سابقا، و هذه الآية مدنية كسائر السورة، و هو الصواب.
و الخلاصة: أن كلمتهم قد اتفقت على إيقاع الأذى بك بإحدى ثلاث خصال: إما بالحبس الذي يمنعك من لقاء الناس، و دعوتهم إلى الإسلام، و إما بالقتل، بطريق لا يكون ضررها عظيما عليهم، كما مر، و إما بالإخراج و النفي من الوطن وَ يَمْكُرُونَ بك، و بمن معك من المؤمنين؛ أي: يريدون إهلاككم من حيث لا تحتسبون؛ أي: إن دأبهم معك، و مع من اتبعك من المؤمنين، تدبير الأذى لكم دائما، و اللّه محيط بما دبروا لكم، فقد أخرجك من بينهم إلى دار الهجرة، و وطن السلطان، و القوة و كرر «2» قوله: وَ يَمْكُرُونَ إخبارا باستمرار مكرهم، و كثرته وَ يَمْكُرُ اللَّهُ بهم؛ أي: و يرد اللّه سبحانه و تعالى عليهم مكرهم في نحورهم، و ذلك بأن أخرجهم إلى بدر، و قلل المسلمين حتى حملوا عليهم، فلقوا ما لقوا، و المكر «3» هو التدبير، و هو من اللّه تعالى التدبير بالحق، و المعنى:
(1) البيضاوي.
(2) البحر المحيط.
(3) الخازن.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 411
إنهم احتالوا في إبطال أمر محمد صلى اللّه عليه و سلّم و اللّه سبحانه و تعالى أظهره و قواه و نصره، فضاع فعلهم و تدبيرهم، و ظهر فعل اللّه و تدبيره، و سمي «1» ما وقع منه تعالى من التدبير مكرا مشاكلة بما وقع منهم من المكر وَ اللَّهُ سبحانه و تعالى خَيْرُ الْماكِرِينَ ؛ أي: أفضل المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم، فهو تعالى يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون، فيكون ذلك أشد ضررا عليهم، و أعظم بلاء من مكرهم، لأن مكره تعالى نصر للحق، و إعزاز لأهله، و خذلان للباطل و حزبه، و في الآية: إيماء إلى أن هذه حالهم الدائمة في معاملته صلى اللّه عليه و سلّم و من تبعه من المؤمنين.
و لما قص اللّه سبحانه و تعالى مكرهم في ذات محمد صلى اللّه عليه و سلّم ..
قص علينا مكرهم في دين محمد صلى اللّه عليه و سلّم فقال: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ ؛ أي: و إذا قرأت على هؤلاء الذين كفروا آياتُنا القرآنية الواضحة، لمن شرح اللّه صدره لفهمها قالُوا جهلا منهم، و عنادا للحق، و هم يعلمون أنهم كاذبون قَدْ سَمِعْنا ما قال محمد صلى اللّه عليه و سلّم من الآيات، أو قد سمعنا مثل ما قال محمد من التوراة و الإنجيل، و قد تنازع هذا العامل مع قوله:
لَقُلْنا في قوله: مثل هذا لَوْ نَشاءُ القول لَقُلْنا مِثْلَ هذا الذي تلي علينا محمد صلى اللّه عليه و سلّم إِنْ هذا ؛ أي: ما هذا القرآن الذي تلاه محمد صلى اللّه عليه و سلّم علينا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ؛ أي: إلا أكاذيب الأولين، و أخبار الماضين، من القرون الخالية أي ما سطروه و كتبوه من القصص و الأخبار.
و المعنى: ما هذا القرآن إلا ما كتب الأولون من القصص؛ أي: إنّ أخبار القرآن عن الرسل، و أقوامهم تشبه قصص أولئك الأمم، فهم يستطيعون أن يأتوا بمثلها، فما هي من خبر الغيب الدال على أنه وحي من اللّه، و قد كان النضر بن الحارث أول من قال هذه الكلمة، فقلده فيها غيره، لأنه كان يأتي الحيرة- بكسر الحاء بلدة بقرب الكوفة- يتجر، فيشتري كتب أخبار الأعاجم، و يحدث بها أهل مكة، و لكنهم لم يكونوا يعتقدون أنها أساطير مختلقة، و أن محمدا هو الذي
(1) الشوكاني.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج10، ص: 412
افتراها، إذ لم يكونوا يتهمونه بالكذب، كما قال تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ لأنهم يعلمون أنه أمي لم يتعلم شيئا، بل قالوا ذلك ليصدوا العرب عن القرآن، و قد كان زعماء قريش كالنضر بن الحارث، و أبي جهل، و الوليد بن المغيرة، يتواصون بالإعراض عن سماع القرآن، و يمنعون الناس عنه خوفا من استمالة الناس إليه، لما رأوا من شدة تأثيره و سلطانه على القلوب، حتى قال الوليد بن المغيرة: كلمته المشهورة: إنه يعلو و لا يعلى عليه، و إنه يحطم ما تحته.
وَ اذكر يا محمد قصة إِذْ قالُوا ؛ أي: قصة إذ قال هؤلاء الذين كفروا من قومك دعاء على أنفسهم اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا القرآن و ما يدعو إليه محمد صلى اللّه عليه و سلّم من التوحيد هُوَ الْحَقَ و الصدق حالة كونه منزلا مِنْ عِنْدِكَ ليدين به عبادك كما يدعي محمد صلى اللّه عليه و سلّم فَأَمْطِرْ عَلَيْنا ؛ أي: فأنزل علينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ عقوبة على إنكارنا، قالوا هذه المقالة مبالغة في الجحود و الإنكار أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ؛ أي: وجيع غير الحجارة، قاله النضر بن الحارث استهزاء، و قد أسره المقداد يوم بدر، فقتله النبي صلى اللّه عليه و سلّم، أو قاله أبو جهل و قد ذبحه ابن مسعود يوم بدر، و قرأ الجمهور: هُوَ الْحَقَ بالنصب جعلوا هُوَ فصلا، و قرأ الأعمش، و زيد بن علي بالرفع، و هي جائزة في العربية، و في هذا «1» إيماء إلى أنهم لا يتبعونه، و إن كان هو الحق المنزل من عند اللّه، بل يفضلون الهلاك بحجارة يرجمون بها من السماء، أو بعذاب أليم سوى ذلك كما أن فيه تهكما و إظهارا للحزم و اليقين، بأنه ليس من عند اللّه، و حاشاه، و منه يعلم أيضا أن دعاءهم كفر و عناد، لا لأن ما يدعوهم إليه قبيح و ضار.
روي أن معاوية قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! فقال: أجهل من قومي قومك حين قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ و لم يقولوا: فاهدنا له.