کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج16، ص: 181
حاصب، و منه قول الفرذدق:
مستقبلين جبال الشّام تضربنا
بحاصب كنديف القطن منثور
تارَةً أُخْرى بمعنى مرّة، و كرّة فهو مصدر، و يجمع على تيرة، و تارات، و ألفها يحتمل أن تكون عن واو أو عن ياء ا ه سمين قاصِفاً و القاصف: الرّيح تقصف الشّجر و تكسره يقال: قصفه يقصفه من باب ضرب يضرب و قيل: القاصف الريح التي لها قصيف، و هو الصوت الشديد، كأنها تتقصف؛ أي: تتكسّر، و قيل: التي لا تمرّ بشيء إلّا قصفته. تَبِيعاً التّبيع- كأمير-: المطالب قال الشماخ: يصف عقابا:
تلوذ ثعالب الشّرقين منها
كما لاذ الغريم من التّبيع
أي: تهرب منها ثعالب الشرقين- بمعنى المشرقين- كما هرب، و التجأ الغريم؛ أي: المدين من التبيع؛ أي: الدّائن المطالب.
البلاغة
و قد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة، و أنواعا من الفصاحة و البيان و البديع:
فمنها: الإضافة للتشريف في قوله: وَ قُلْ لِعِبادِي ؛ لأن المراد بهم المؤمنون.
و منها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: إِنَّ الشَّيْطانَ ؛ لأنّ مقتضى السّياق أن يقال: إنه.
و منها: الاعتراض بقوله: إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ... إلى آخر الآية بين قوله: الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، و قوله: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ لأن قوله: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ بيان ل الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
و منها: الطباق بين يَرْحَمْكُمْ و يُعَذِّبْكُمْ .
و منها: التخصيص في قوله: وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً بعد التعميم في قوله:
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج16، ص: 182
وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ ردا على اليهود، حيث زعموا أنه لا نبي بعد موسى، و لا كتاب بعد التوراة.
و منها: الإيجاز بالحذف في قوله: وَ لا تَحْوِيلًا ؛ أي: و لا تحويل الضرّ عنكم إلى غيركم، لدلالة ما قبله عليه.
و منها: المقابلة اللّطيفة بين الجملتين وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ، و يخافون عذابه.
و منها: الإظهار في قوله: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ للتهويل، و كان مقتضى المقام أن يقال: إنه لتقدم المرجع.
و منها: الإسناد المجازي في قوله: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ... الخ؛ لأنّ المنع هنا مجاز عن الترك؛ لأنه محال في حقه تعالى؛ لأنه سبحانه لا يمنعه مانع عن إرادته، فكأنه قال: و ما كان سبب ترك الإرسال بالآيات إلّا تكذيب الأولين.
و منها: المجاز العقليّ في قوله: وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً لأنه لما كانت الناقة سببا في إبصار الحق، و الهدى نسب إليها الإبصار، ففيه مجاز عقليّ علاقته السببية.
و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ حيث شبه الرؤية البصريّة بالرؤيا الحملية، لما فيها من الخوارق التي هي بالمنام أليق في مجاري العادات، فاستعار لها لفظ الرؤيا الّتي هي حقيقة في الحلمية على طريقة الاستعارة التّصريحية الأصلية.
و منها: الجناس المغاير بين لفظي الرُّؤْيَا و أَرَيْناكَ .
و منها: الإسناد المجازيّ في قوله: الْمَلْعُونَةَ لأنّ المعنى: الملعون طاعمها.
و منها: المجاز المرسل في استعمال الرؤية بمعنى الإخبار في قوله:
أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ لأنها سببه، فالعلاقة فيها السببية.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج16، ص: 183
و منها: الاستعارة التمثيلية في قوله: وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ حيث مثل حال الشيطان في تسلطه على من يغويه بالفارس الذي يصيح بجنده للهجوم على الأعداء لاستئصالهم.
و منها: الالتفات عن الخطاب إلى الغيبة في قوله: وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ، و كان مقتضى الظاهر أن يقال: و ما تعدهم إلا غرورا، و لكنه عدل عن ذلك تهوينا لأمره، و استصغارا لأمر الغرور الذي يعدهم به.
و منها: المجاز العقلي في نسبة الغرور، إلى الوعد على حد قوله: نهاره صائم، و ليله قائم.
و منها: التذييل في قوله: إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ؛ لأنه كالتعليل لما سبق من تسيير السفن، و تسخيرها في البحر.
و منها: الاستفهام الإنكاري في قوله: أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ، و في قوله: أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ .
و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع.
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج16، ص: 184
قال اللّه سبحانه جلّ و علا:
[سورة الإسراء (17): الآيات 70 الى 91]
المناسبة
قوله: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها «1» : أنّ اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر ما امتنّ به عليهم من إزجاء الفلك في البحر، و من
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج16، ص: 185
تنجيتهم من الغرق ... تمم ذكر المنّة بذكر تكرمتهم، و رزقهم، و تفضيلهم. أو يقال: لما هددهم بما هدد به من الخسف، و الغرق، و أنهم كافرو نعمته .. ذكر ما أنعم به عليهم، ليتذكّروا فيشكروا نعمه و يقلعوا عما كانوا فيه من الكفر، و يطيعوه تعالى، و في ذكر النّعم و تعدادها هز لشكرها؛ أي: حثّ على شكرها.
قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ اللّه سبحانه و تعالى «1» ، لما ذكر أحوال بني آدم في الدنيا، و ذكر أنه أكرمهم على كثير من خلقه، و فضّلهم عليهم تفضيلا .. فصّل في هذه الآيات تفاوت أحوالهم في الآخرة مع شرح أحوال السعداء، ثم أردفه ما يجري مجرى تحذير السعداء من الاغترار بوساوس أرباب الضّلال، و الانخداع بكلامهم المشتمل على المكر، و التلبيس ثمّ قفى على ذلك ببيان أنّ سنّته قد جرت بأن الأمم التي تلجىء رسلها إلى الخروج من أرضها، لا بدّ أن يصيبها الوبال و النكال.
قوله تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها:
أنه تعالى لمّا عدد نعمه على بني آدم، ثمّ ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة، و من عمى أهل الشقاوة .. أتبع ذلك بما يهم به الأشقياء في الدنيا من المكر و الخداع، و التلبيس على سيّد أهل السعادة المقطوع له بالعصمة، ذكره في «البحر».
قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها «2» : أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر كيدهم للرسول صلى اللّه عليه و سلم و ما كانوا يرومون به .. أمره اللّه سبحانه و تعالى أن يقبل على شأنه من عبادة ربه، و أن لا يشغل قلبه بهم، و كان قد تقدّم القول في الإلهيات، و المعاد، و النبوات، فأردف ذلك بالأمر بأشرف العبادات و الطاعات بعد الإيمان، و هي الصلاة.
(1) المراغي.
(2) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج16، ص: 186
و عبارة المراغي هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ اللّه سبحانه و تعالى لمّا ذكر «1» كيد الكفّار و استفزازهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليخرجوه من أرضه، و سلّاه بما سلّاه به .. أمره بالإقبال على ربّه بعبادته، لينصره عليهم، و لا يبالي بسعيهم، و لا يلتفت إليهم، فإنه سبحانه يدفع مكرهم، و شرّهم، و يجعل يده فوق أيديهم، و دينه عاليا على أديانهم، ثمّ وعده بما يغبطه عليه الخلق أجمعون من المقام المحمود، ثمّ بيّن أن ما أنزل عليه من كتاب ربه فيه الشفاء للقلوب من الأدواء النفسية، و الأمراض الاعتقادية، كما أنه يزيد الكافرين خسارة و ضلالا، لأنه كلّما نزلت عليه آية ازدادوا بها كفرا و عتوا.
قوله تعالى: وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ ... الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر تنويع ما أنزل من القرآن شفاء و رحمة للمؤمن، و بزيادة خسار للظالم .. عرّض بما أنعم به، و ما حواه من لطائف الشرائع على الإنسان، و مع ذلك أعرض عنه، و بعّد بجانبه عنه اشمئزازا له، و تكبرا عن قرب سماعه، و تبديلا مكان شكر الإنعام كفره.
قوله تعالى: وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ... الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ اللّه سبحانه و تعالى لما «2» امتنّ على نبيه بما أنزل عليه من الكتاب، و ذكر أنه شفاء للناس، و أنه ثبته عليه حين كادوا يفتنونه عنه، ثمّ أردفه بمسألة الروح اعتراضا، لأنّ اليهود و المشركين اشتغلوا بها عن تدبر الكتاب و الانتفاع به، و سألوا تعنتا عن شيء لم يأذن اللّه بالعلم به لعباده .. امتنّ عليه ببقاء ذلك الكتاب، و حذّره من فتنة الضالين، و إرجاف المرجفين، و هو المعصوم من الفتنة، فإنّه لو شاء لأذهب ما بقلبه منه، و لكن رحمة بالناس تركه في الصدور، و في هذا تحذير عظيم للهداة و العلماء، و هم غير معصومين من الفتنة بأن يباعد بينهم و بين هدي الدين بمظاهرتهم للرؤساء، و العامة، و تركهم العمل به اتباعا لأهوائهم، و استبقاء لودهم، و حفظا لزعامتهم على الناس.
(1) المراغي.
(2) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج16، ص: 187
ثم ذكر أنّ القرآن وحي يوحى فلا يستطيع الجن و الإنس أن يأتوا بمثله، و لو كان بعضهم لبعض معينا، و قد اشتمل على الحكم و الأحكام، و الآداب التي يحتاج إليها البشر في معاشهم، و معادهم، و كثير من الناس جحدوا فضله عتوا و كبرا.
قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ ... الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر «1» إنعامه على نبيه صلى اللّه عليه و سلم بالنبوة، و بإنزال وحيه عليه .. ذكر ما منحه تعالى من الدليل على نبوته الباقي بقاء الدهر، و هو القرآن الذي عجز العالم عن الإتيان بمثله، و أنّه من أكبر النعم عليه، و الفضل الذي أبقى له ذكرا إلى آخر الدهر، و رفع له قدرا به في الدنيا و الآخرة.
قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ...
الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ اللّه سبحانه و تعالى، لما «2» أقام الدليل على إعجاز القرآن، و لزمتهم الحجة، و غلبوا على أمرهم .. أخذوا يراوغون، و يقترحون الآيات، و يتعثرون في أذيال الحيرة، فطلبوا آية من آيات ست، فإن جاءهم بآية منها، آمنوا به و صدّقوا برسالته.
أسباب النزول
قوله تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... الآيات، سبب نزولها «3» : ما أخرجه ابن مردويه، و ابن أبي حاتم، من طريق إسحاق عن محمد ابن أبي محمد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرج أميّة بن خلف، و أبو جهل بن هشام، و رجال من قريش، فأتوا رسول الله صلى اللّه عليه و سلم فقالوا: يا محمد، تعالى تمسّح بآلهتنا، و ندخل معك في دينك، و كان يحب إسلام قومه، فرقّ لهم، فأنزل اللّه عز و جل قوله: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ إلى قوله: نَصِيراً .
(1) البحر المحيط.
(2) المراغي.