کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 127
أهم مقاصد هذه السورة
1- بيان أن محمدا صلى اللّه عليه و سلم، رسول من عند اللّه حقا، و أنه نذير للأميين و غيرهم.
2- المنذرون من النبي صلى اللّه عليه و سلم صنفان: صنف ميؤوس من صلاحه، و آخر قد سعى لفلاحه.
3- أعمال الفريقين تحصى عليهم، فتحفظ أخبارهم، و تكتب آثارهم.
4- ضرب المثل لهم بأهل أنطاكية، إذ كذبوا الناصح لهم و قتلوه، فدخلوا النار، و دخل الجنة بما قدم من إيمان و عمل صالح و هداية و إرشاد.
5- الدليل الطبيعي و العقلي على البعث.
6- تبيان قدرة اللّه و وحدانيته و علمه و رحمته الشاملة.
7- جزاء الجاحدين على كفرانهم أنعم اللّه عليهم، و سرعة أخذهم، و ندمهم حين معاينة العذاب.
8- الجنة و نعيمها و ما أعد للمؤمنين فيها.
9- توبيخ الكافرين على اتباعهم همزات الشياطين.
10- قدرته تعالى على مسخهم في الدنيا و طمسهم.
11- الانتفاع بالأنعام في المأكل و المشرب و الملبس.
12- إثبات البعث بما أقامه من أدلة في الآفاق و الأنفس.
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 128
سورة الصافات
سورة الصافات مكية قال القرطبي في قول الجميع، و أخرج ابن الضريس، و ابن النحاس، و ابن مردويه، و البيهقي في «الدلائل» عن ابن عباس قال: نزلت بمكة.
و هي «1» مئة و اثنتان و ثمانون آية، و ثمان مئة و ستون كلمة، و ثلاث آلاف و ثمان مئة و ستة أو تسعة و عشرون حرفا.
تسميتها: و سميت «2» باسم أول كلمة منها، من باب تسمية الشيء باسم بعضه على حكم عادته سبحانه و تعالى في كتابه الكريم.
فضلها: و من فضائلها ما أخرجه «3» النسائي و البيهقي في سننه عن ابن عمر قال: كان رسول اللّه يأمرنا بالتخفيف، و يؤمنا بالصافات. قال ابن كثير: تفرد به النسائي، و أخرج ابن أبي داود في فضائل القرآن، و ابن النجار في تاريخه من طريق نهشل بن سعد الورداني، عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من قرأ يس و الصافات يوم الجمعة، ثم سأل اللّه، أعطاه سؤله»، و أخرج أبو نعيم في «الدلائل»، و السلفي في «الطيوريات» عن ابن عباس: أن النبي صلى اللّه عليه و سلم لما سأله ملوك حضرموت، عند قدومهم عليه، أن يقرأ عليهم شيئا مما أنزل اللّه قرأ: وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا (1) حتى بلغ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ الحديث. و عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من قرأ و الصافات أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد كل جن و شيطان، و تباعدت عنه مردة الجن و الشياطين، و برىء من الشرك، و شهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنا بالمرسلين».
المناسبة: و مناسبتها لما قبلها من وجوه «4» :
(1) الخازن.
(2) الصاوي.
(3) الشوكاني.
(4) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 129
1- أن فيها تفصيل أحوال القرون الغابرة، التي أشير إليها إجمالا في السورة السابقة في قوله: أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31).
2- أن فيها تفصيل أحوال المؤمنين، و أحوال أعدائهم الكافرين يوم القيامة، مما أشير إليه إجمالا في السورة قبلها.
3- المشاكلة بين أولها و آخر سابقتها، ذاك أنه ذكر فيما قبلها قدرته تعالى على المعاد و إحياء الموتى، و علل ذلك بأنه منشئهم، و أنه إذا تعلقت إرادته بشيء كان. و ذكر هنا ما هو كالدليل على ذلك. و هو وحدانيته تعالى، إذ لا يتم ما تعلقت به الإرادة إيجادا و إعداما إلا إذا كان المريد واحدا، كما يشير إلى ذلك قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا .
و عبارة أبي حيان هنا: مناسبة أول هذه السورة لآخر يس «1» : أنه تعالى لما ذكر المعاد و قدرته على إحياء الموتى، و أنه هو منشئهم، و إذا تعلقت إرادته بشيء كان .. ذكر تعالى هنا وحدانيته. إذ لا يتم ما تعلقت به الإرادة وجودا و عدما إلا بكون المريد واحدا. و تقدم الكلام على ذلك في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا .
الناسخ و المنسوخ فيها: ذكر أبو عبد اللّه محمد بن حزم في كتابه «الناسخ و المنسوخ» سورة الصافات كلها محكم إلا أربع آيات:
الأولى و الثانية: قوله تعالى: وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)، نسختا بآية السيف.
الثالثة و الرابعة: قوله تعالى: وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)، نسختا أيضا بآية السيف.
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
(1) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 130
[سورة الصافات (37): الآيات 1 الى 49]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
المناسبة
قوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ... الآيات، افتتح سبحانه هذه
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 131
السورة بإثبات وجود الخالق و وحدانيته و علمه و قدرته بذكر خلق السموات و الأرض و ما بينهما، و خلق المشارق و المغارب، و هنا أثبت الحشر، و النشر، و قيام الساعة، ببيان أن من خلق هذه العوالم، التي هي أصعب في الخلق منكم، فهو قادر على إعادة الحياة فيكم بالأولى، كما جاء في السورة السابقة: أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ، و جاء في قوله: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ .
قوله تعالى: وَ قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) ... الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن اللّه سبحانه لما ذكر «1» فيما سلف إنكارهم للبعث في الدنيا، و شديد إصرارهم على عدم حدوثه .. أردف هذا، ببيان أنهم يوم القيامة يرجعون على أنفسهم بالملامة، إذا عاينوا أهوال هذا اليوم، و يعترفون بأنهم كانوا في ضلال مبين، و يندمون على ما فرّطوا في جنب اللّه سبحانه و تعالى.
قوله تعالى: وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) ... الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن اللّه سبحانه لما بين فيما سلف، أن الكافرين يندمون يوم القيامة، على ما فرط منهم، من العناد و التكذيب للبعث، حيث لا يجدي الندم .. أردف هذا بذكر أنهم يتلاومون فيما بينهم حينئذ، و يتخاصم الأتباع و الرؤساء، فيلقي الأولون تبعة ضلالهم على الآخرين، فيجيبونهم بأن التبعة عليكم أنفسكم دوننا، إذ كنتم قوما ضالين بطبيعة حالكم، و ما ألزمناكم بشيء مما كنتم تعبدون، أو تعتقدون، بل تمنينا لكم من الخير ما تمنينا لأنفسنا، فاتبعتمونا دون قسر و لا جبر منا لكم.
ثم أعقبه بذكر ما أوقعهم في هذا الذل و الهوان، فبين أنهم قد كانوا في الدنيا إذا سمعوا كلمة التوحيد، أعرضوا عنها استكبارا، و قالوا: أنترك دين آبائنا اتباعا لقول شاعر مجنون. ثم رد عليهم مقالهم بأنه ليس بالمجنون، و لا هو بالشاعر، بل جاء بما هو الحق، الذي لا محيص عن تصديقه، و هو التوحيد الذي جاء به المرسلون كافة.
(1) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 132
قوله تعالى: إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38) ... الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر فيما سلف حوار الأتباع و الرؤساء من أهل الضلال، و إلقاء كل منهما تبعة ما وقعوا فيه من الهلاك على الآخرين .. بيّن هنا أن لا فائدة من مثل هذا الخصام و الجدل. فإن العذاب واقع بكم لا محالة، جزاء ما قدمتم من عمل. ثم أردفه ما يلقاه عباده المخلصون من النعيم المقيم، و اللذات التي قصها علينا في تلك الآية، مما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر.
التفسير و أوجه القراءة
و الواو في قوله:
وَ الصَّافَّاتِ للقسم. و الصافات «1» : جمع صافة بمعنى جماعة صافة، فالصافات بمعنى الجماعات الصافات. و لو قيل: و الصافين و ما بعدها بالتذكير لم يحتمل الجماعات. و الصف: أن يجعل الشيء على خط مستقيم، كالناس لأداء الصلاة أو الحرب أو الأشجار في الغرس.
و قوله: صَفًّا مصدر مؤكد لما قبله؛ أي: صفا بديعا. أقسم اللّه سبحانه، بالملائكة الذين يصفون للعبادة في السماء، و يتراصون في الصف؛ أي: بطوائف الملائكة الفاعلات للصفوف على أن المراد: إيقاع نفس الفعل من غير قصد إلى المفعول، و اللاتي يقفن صفا صفا، في مقام العبودية و الطاعة، أو الصافات أنفسها؛ أي: الناظمات لها في سلك الصفوف، بقيامها في مواقف الطاعة و منازل الخدمة. و في الآية «2» بيان شرف الملائكة حيث أقسم بهم، و فضل الصفوف.
و قد صح أن الشيطان يقف في فرجة الصف، فلا بد من التلاصق و الانضمام و الاجتماع ظاهرا و باطنا.
و الفاء في
فَالزَّاجِراتِ و ما بعده للعطف، و الترتيب الرتبي، أو الوجودي كما سيأتي. و قوله: زَجْراً مصدر مؤكد لما قبله. و الزجر: الصرف عن الشيء بتخويف؛ أي: فأقسمت بالملائكة الذين يزجرون السحاب زجرا، و يؤلفونه
(1) روح البيان.
(2) روح البيان.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 133
و يسوقونه إلى البلد الذي لا مطر فيه، أو الذين يزجرون العباد عن المعاصي، أو الشيطان عن الوسوسة و الإغواء، و عن استراق السمع زجرا بليغا. و قوله:
فَالتَّالِياتِ معطوف أيضا على ما قبله. و قوله: ذِكْراً مفعول (التاليات)؛ أي:
فأقسمت بالملائكة الذين يتلون ذكرا عظيم الشأن، من آيات اللّه و كتبه المنزلة على الأنبياء عليهم السلام، و غيرهما من التسبيح و التقديس و التحميد و التمجيد، أو المراد بالمذكورات: نفوس العلماء، العمال، الصافات أنفسها في صفوف الجماعات، و أقدامها في الصلاة الزاجرات بالمواعظ، و النصائح التاليات، آيات الدارسات شرائعه و أحكامه، أو طوائف الغزاة، الصافات أنفسهم في مواطن الحرب، كأنهم بنيان مرصوص، أو طوائف قوادهم، الصافات لهم فيها الزاجرات الخيل للجهاد سوقا، و العدو في المعارك طردا، التاليات آيات اللّه و ذكره و تسبيحه في تضاعيف ذلك، لا يشغلهم عن الذكر مقابلة العدو. و ذلك لكمال شهودهم و حضورهم مع اللّه. و في الحديث: «ثلاثة أصوات يباهي اللّه بهن الملائكة: الأذان، و التكبير في سبيل اللّه، و رفع الصوت بالتلبية».
و هذه الصفات إن أجريت على الكل فعطفها بالفاء، للدلالة على ترتيبها في الفضل، إما بكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة، فيكون من باب الترقي، أو على العكس، فيكون من باب التدلي. و إن أجريت كل واحدة منهن على طوائف معينة، فهو للدلالة على ترتيب الموصوفات في مراتب الفضل، بمعنى:
أن طوائف الصافات ذوات فضل، و الزاجرات أفضل، و التاليات أبهر فضلا أو على العكس. و في تفسير الشيخ و غيره: و جاء بالفاء، للدلالة على أن القسم بمجموع المذكورات. و في «الصاوي» «1» : الفاء للترتيب في الوجود الخارجي؛ لأن مبدأ الصلاة الاصطفاف، ثم يعقبه زجر النفس، ثم يعقبه التلاوة، و هكذا.
و يحتمل أنها للترتيب في المزايا، ثم هو إما باعتبار الترقي، فالصافات ذوات فضل، فالزاجرات أفضل، فالتاليات أكثر فضلا أو باعتبار التدلي، فالصافات أعلى ثم الزاجرات ثم التاليات، و كل صحيح، انتهى.