کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏24، ص: 129

1- أن فيها تفصيل أحوال القرون الغابرة، التي أشير إليها إجمالا في السورة السابقة في قوله: أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ‏ (31).

2- أن فيها تفصيل أحوال المؤمنين، و أحوال أعدائهم الكافرين يوم القيامة، مما أشير إليه إجمالا في السورة قبلها.

3- المشاكلة بين أولها و آخر سابقتها، ذاك أنه ذكر فيما قبلها قدرته تعالى على المعاد و إحياء الموتى، و علل ذلك بأنه منشئهم، و أنه إذا تعلقت إرادته بشي‏ء كان. و ذكر هنا ما هو كالدليل على ذلك. و هو وحدانيته تعالى، إذ لا يتم ما تعلقت به الإرادة إيجادا و إعداما إلا إذا كان المريد واحدا، كما يشير إلى ذلك قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا .

و عبارة أبي حيان هنا: مناسبة أول هذه السورة لآخر يس‏ «1» : أنه تعالى لما ذكر المعاد و قدرته على إحياء الموتى، و أنه هو منشئهم، و إذا تعلقت إرادته بشي‏ء كان .. ذكر تعالى هنا وحدانيته. إذ لا يتم ما تعلقت به الإرادة وجودا و عدما إلا بكون المريد واحدا. و تقدم الكلام على ذلك في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا .

الناسخ و المنسوخ فيها: ذكر أبو عبد اللّه محمد بن حزم في كتابه «الناسخ و المنسوخ» سورة الصافات كلها محكم إلا أربع آيات:

الأولى و الثانية: قوله تعالى: وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏ (179)، نسختا بآية السيف.

الثالثة و الرابعة: قوله تعالى: وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏ (179)، نسختا أيضا بآية السيف.

و اللّه سبحانه و تعالى أعلم‏

(1) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏24، ص: 130

[سورة الصافات (37): الآيات 1 الى 49]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4)

رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6) وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى‏ وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (8) دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (9)

إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَ يَسْخَرُونَ (12) وَ إِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) وَ إِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)

وَ قالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَ أَنْتُمْ داخِرُونَ (18) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)

وَ قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24)

ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)

وَ ما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)

إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَ يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38) وَ ما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)

إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (44)

يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيها غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47) وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

المناسبة

قوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ... الآيات، افتتح سبحانه هذه‏

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏24، ص: 131

السورة بإثبات وجود الخالق و وحدانيته و علمه و قدرته بذكر خلق السموات و الأرض و ما بينهما، و خلق المشارق و المغارب، و هنا أثبت الحشر، و النشر، و قيام الساعة، ببيان أن من خلق هذه العوالم، التي هي أصعب في الخلق منكم، فهو قادر على إعادة الحياة فيكم بالأولى، كما جاء في السورة السابقة: أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ‏ ، و جاء في قوله: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ‏ .

قوله تعالى: وَ قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) ... الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن اللّه سبحانه لما ذكر «1» فيما سلف إنكارهم للبعث في الدنيا، و شديد إصرارهم على عدم حدوثه .. أردف هذا، ببيان أنهم يوم القيامة يرجعون على أنفسهم بالملامة، إذا عاينوا أهوال هذا اليوم، و يعترفون بأنهم كانوا في ضلال مبين، و يندمون على ما فرّطوا في جنب اللّه سبحانه و تعالى.

قوله تعالى: وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) ... الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن اللّه سبحانه لما بين فيما سلف، أن الكافرين يندمون يوم القيامة، على ما فرط منهم، من العناد و التكذيب للبعث، حيث لا يجدي الندم .. أردف هذا بذكر أنهم يتلاومون فيما بينهم حينئذ، و يتخاصم الأتباع و الرؤساء، فيلقي الأولون تبعة ضلالهم على الآخرين، فيجيبونهم بأن التبعة عليكم أنفسكم دوننا، إذ كنتم قوما ضالين بطبيعة حالكم، و ما ألزمناكم بشي‏ء مما كنتم تعبدون، أو تعتقدون، بل تمنينا لكم من الخير ما تمنينا لأنفسنا، فاتبعتمونا دون قسر و لا جبر منا لكم.

ثم أعقبه بذكر ما أوقعهم في هذا الذل و الهوان، فبين أنهم قد كانوا في الدنيا إذا سمعوا كلمة التوحيد، أعرضوا عنها استكبارا، و قالوا: أنترك دين آبائنا اتباعا لقول شاعر مجنون. ثم رد عليهم مقالهم بأنه ليس بالمجنون، و لا هو بالشاعر، بل جاء بما هو الحق، الذي لا محيص عن تصديقه، و هو التوحيد الذي جاء به المرسلون كافة.

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏24، ص: 132

قوله تعالى: إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38) ... الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن اللّه سبحانه و تعالى لما ذكر فيما سلف حوار الأتباع و الرؤساء من أهل الضلال، و إلقاء كل منهما تبعة ما وقعوا فيه من الهلاك على الآخرين .. بيّن هنا أن لا فائدة من مثل هذا الخصام و الجدل. فإن العذاب واقع بكم لا محالة، جزاء ما قدمتم من عمل. ثم أردفه ما يلقاه عباده المخلصون من النعيم المقيم، و اللذات التي قصها علينا في تلك الآية، مما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر.

التفسير و أوجه القراءة

و الواو في قوله:

وَ الصَّافَّاتِ‏ للقسم. و الصافات‏ «1» : جمع صافة بمعنى جماعة صافة، فالصافات بمعنى الجماعات الصافات. و لو قيل: و الصافين و ما بعدها بالتذكير لم يحتمل الجماعات. و الصف: أن يجعل الشي‏ء على خط مستقيم، كالناس لأداء الصلاة أو الحرب أو الأشجار في الغرس.

و قوله: صَفًّا مصدر مؤكد لما قبله؛ أي: صفا بديعا. أقسم اللّه سبحانه، بالملائكة الذين يصفون للعبادة في السماء، و يتراصون في الصف؛ أي: بطوائف الملائكة الفاعلات للصفوف على أن المراد: إيقاع نفس الفعل من غير قصد إلى المفعول، و اللاتي يقفن صفا صفا، في مقام العبودية و الطاعة، أو الصافات أنفسها؛ أي: الناظمات لها في سلك الصفوف، بقيامها في مواقف الطاعة و منازل الخدمة. و في الآية «2» بيان شرف الملائكة حيث أقسم بهم، و فضل الصفوف.

و قد صح أن الشيطان يقف في فرجة الصف، فلا بد من التلاصق و الانضمام و الاجتماع ظاهرا و باطنا.

و الفاء في‏

فَالزَّاجِراتِ‏ و ما بعده للعطف، و الترتيب الرتبي، أو الوجودي كما سيأتي. و قوله: زَجْراً مصدر مؤكد لما قبله. و الزجر: الصرف عن الشي‏ء بتخويف؛ أي: فأقسمت بالملائكة الذين يزجرون السحاب زجرا، و يؤلفونه‏

(1) روح البيان.

(2) روح البيان.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏24، ص: 133

و يسوقونه إلى البلد الذي لا مطر فيه، أو الذين يزجرون العباد عن المعاصي، أو الشيطان عن الوسوسة و الإغواء، و عن استراق السمع زجرا بليغا. و قوله:

فَالتَّالِياتِ‏ معطوف أيضا على ما قبله. و قوله: ذِكْراً مفعول (التاليات)؛ أي:

فأقسمت بالملائكة الذين يتلون ذكرا عظيم الشأن، من آيات اللّه و كتبه المنزلة على الأنبياء عليهم السلام، و غيرهما من التسبيح و التقديس و التحميد و التمجيد، أو المراد بالمذكورات: نفوس العلماء، العمال، الصافات أنفسها في صفوف الجماعات، و أقدامها في الصلاة الزاجرات بالمواعظ، و النصائح التاليات، آيات الدارسات شرائعه و أحكامه، أو طوائف الغزاة، الصافات أنفسهم في مواطن الحرب، كأنهم بنيان مرصوص، أو طوائف قوادهم، الصافات لهم فيها الزاجرات الخيل للجهاد سوقا، و العدو في المعارك طردا، التاليات آيات اللّه و ذكره و تسبيحه في تضاعيف ذلك، لا يشغلهم عن الذكر مقابلة العدو. و ذلك لكمال شهودهم و حضورهم مع اللّه. و في الحديث: «ثلاثة أصوات يباهي اللّه بهن الملائكة: الأذان، و التكبير في سبيل اللّه، و رفع الصوت بالتلبية».

و هذه الصفات إن أجريت على الكل فعطفها بالفاء، للدلالة على ترتيبها في الفضل، إما بكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة، فيكون من باب الترقي، أو على العكس، فيكون من باب التدلي. و إن أجريت كل واحدة منهن على طوائف معينة، فهو للدلالة على ترتيب الموصوفات في مراتب الفضل، بمعنى:

أن طوائف الصافات ذوات فضل، و الزاجرات أفضل، و التاليات أبهر فضلا أو على العكس. و في تفسير الشيخ و غيره: و جاء بالفاء، للدلالة على أن القسم بمجموع المذكورات. و في «الصاوي» «1» : الفاء للترتيب في الوجود الخارجي؛ لأن مبدأ الصلاة الاصطفاف، ثم يعقبه زجر النفس، ثم يعقبه التلاوة، و هكذا.

و يحتمل أنها للترتيب في المزايا، ثم هو إما باعتبار الترقي، فالصافات ذوات فضل، فالزاجرات أفضل، فالتاليات أكثر فضلا أو باعتبار التدلي، فالصافات أعلى ثم الزاجرات ثم التاليات، و كل صحيح، انتهى.

(1) الصاوي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏24، ص: 134

و المعنى: أي أقسمت لكم يا بني آدم، أو يا أهل مكة (بالصافات)؛ أي‏ «1» : بالملائكة الناظمات لأنفسها في سلك الصفوف، بقيامها في مقاماتها المعلومة أو الصافات أقدامها في السماء، لأداء العبادات أو الباسطات أجنحتها في الهواء، واقفة حتى يأمرها اللّه تعالى بما يريد. صَفًّا بديعا. فَالزَّاجِراتِ‏ ؛ أي: فأقسمت لكم بالملائكة التي تزجر السحاب؛ أي: يأتون بها من موضع إلى موضع، أو الزاجرات لبني آدم عن المعاصي، بالإلهامات، أو الزاجرات للشياطين عن التعرض لبني آدم بالشر و الإيذاء، و عن استراق السمع. زَجْراً بليغا. فَالتَّالِياتِ‏ ؛ أي: فأقسمت لكم بالملائكة، التي تتلو الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام، و غيرها من التسبيح، و التقديس، و التحميد، و التمجيد.

إِنَّ إِلهَكُمْ‏ يا أهل مكة- فإن الآية «2» نزلت فيهم إذ كانوا يقولون: أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً - أو يا بني آدم؛ أي: أقسمت لكم بهذه المذكورات، على أن إلهكم و معبودكم الذي يستحق منكم العبادة لَواحِدٌ لا شريك له، فلا تتخذوا آلهة من الأصنام و الدنيا و الهوى و الشيطان. إذ لو لم يكن واحدا لاختل هذا الاصطفاف، و الزجر، و التلاوة. و في «الصاوي»: وَ الصَّافَّاتِ‏ الواو «3» : حرف جر و قسم، وَ الصَّافَّاتِ‏ مقسم به مجرور بواو القسم، و ما بعده عطف عليه، و قوله: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4) جواب القسم، و هو المقسم عليه. و المعنى: و حق الصافات و حق الزاجرات و حق التاليات. و إنما خص ما ذكر لعظم قدرها عنده تعالى. و لا يعكر عليه ما ورد من النهي عن الحلف بغير اللّه تعالى، لأن النهي للمخلوق حذرا من تعظيم غير اللّه، و أما هو سبحانه و تعالى، فيقسم ببعض مخلوقاته للتعظيم كقوله: و الشمس و الليل و الضحى و النجم، و غير ذلك.

فإن قلت: ما الحكمة في ذكر القسم هنا، لأنه إن كان المقصود المؤمنين، فلا حاجة إليه؛ لأنهم مصدقون و لو من غير قسم. و إن كان المقصود الكفار، فلا

(1) المراح.

(2) روح البيان.

(3) الصاوي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏24، ص: 135

حاجة إليه أيضا، لأنهم غير مصدقين على كل حال؟

قلت: إن الحكمة في القسم، تأكيد الأدلة التي تقدم تفصيلها في سورة يس، ليزداد الذين آمنوا إيمانا و يزداد الكافرون بعدا و طردا. أو الحكمة فيه تعظيم المقسم به، و إظهار شرفه، و تأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم.

و قد أنزل القرآن على لغتهم، و على أسلوبهم في محاوراتهم. و قيل: تقدير الكلام فيها و في أمثالها: و رب الصافات، و رب الشمس، و رب الضحى، و رب التين و الزيتون، و رب الذاريات، و رب النجم إلى غير ذلك.

و قرأ ابن مسعود «1» ، و مسروق، و الأعمش، و أبو عمرو، و حمزة بإدغام التاء من الصافات و الزاجرات و التاليات في صاد صَفًّا و زاي‏ زَجْراً و ذال ذكرا و كذلك فعلا في‏ وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً (1)، و في‏ فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً بخلاف عن خلاد في الأخيرين. و هذه القراءة قد أنكرها أحمد بن حنبل لما سمعها. و قرأ الباقون بإظهار جميع ذلك.

قال أبو مسلم الأصفهاني: لا يجوز حمل هذه الألفاظ على الملائكة؛ لأنها مشعرة بالتأنيث، و الملائكة مبرؤون عن هذه الصفة. و أجيب عنه بوجهين:

الأول: أن الصفات المذكورة جمع الجمع، فإنه يقال جماعة صافة، ثم يجمع على صافات.

الثاني: أنهم مبرؤون عن التأنيث المعنوي، و أما التأنيث اللفظي فلا و كيف و هم يسمون بالملائكة، مع أن علامة التأنيث حاصلة، انتهى.

قال الغزالي، رحمه اللّه سبحانه: الواحد في أسمائه تعالى هو الذي لا يتجزأ و لا يثنى، و هو سبحانه الواحد المطلق أزلا و أبدا، و خاصية هذا الاسم، إخراج الكون من القلب، فمن قرأه ألف مرة خرج الخلائق من قلبه، فكفي خوف الخلق. و هو أصل كل بلاء في الدنيا و الآخرة. و سمع النبي صلى اللّه عليه و سلم رجلا يقول في‏

صفحه بعد