کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 423
«القاموس»: و الضغث بالكسر: قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس، و اضطغثه:
احتطبه. و في «المفردات»: الضغث: قبضة ريحان أو حشيش. و به شبّه الأحلام المختلطة التي لا يتبين حقائقها، انتهى. و أضغاث أحلام: رؤيا لا يصح تأويلها لاختلاطها.
وَ لا تَحْنَثْ يقال: حنث في يمينه إذا لم يف بها. و قال بعضهم: الحنث:
الإثم. و يطلق على فعل ما حلف على تركه، و ترك ما حلف على فعله، من حيث إن كل واحد منهما سبب له.
أُولِي الْأَيْدِي ؛ أي: ذوي الأيدي. جمع يد بمعنى: الجارحة في الأصل.
أريد بها: القوة مجازا بمعونة المقام. و ذلك لكونها سبب التقوي على أكثر الأعمال، و بها يحصل البطش، و القهر، و لم تجمع القوة لكونها مصدرا يتناول الكثير. وَ الْأَبْصارِ جمع بصر، حمل على بصر القلب، و يسمى البصيرة، و هي القوة التي يتمكن بها الإنسان، من إدراك المعقولات. قال في «المفردات»:
البصر يقال للجارحة الناظرة، و للقوة التي فيها، و يقال لقوة القلب المدركة:
بصيرة، و بصر، و لا يكاد يقال للجارحة: بصيرة، و جمع البصر أبصار، و جمع البصيرة بصائر.
لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ بفتح الفاء و النون، جمع مصطفى، أصله: مصطفيين بالياءين، و بكسر الأولى. الْأَخْيارِ جمع خير كشر، و أشرار، على أنه اسم تفضيل، أو خيّر بالتشديد، أو خير بالتخفيف، كأموات، جمع ميت أو ميت.
بِفاكِهَةٍ و الفاكهة: هي كل ما يؤكل للتلذذ، لا للغذاء. أَتْرابٌ أسنانهن واحدة، بنات ثلاث و ثلاثين سنة، جمع ترب بالكسر، و هي اللدة؛ أي: من ولد معك، و الهاء في اللدة، عوض عن الواو الذاهبة من أوله؛ لأنه من الولادة نظير عدة من الوعد. ما لَهُ مِنْ نَفادٍ قال في «المفردات»: النفاد: الفناء.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 424
البلاغة
و قد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة، و أنواعا من الفصاحة و البيان و البديع:
فمنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وضع الموصول موضع ضميرهم، للإشعار بعلية الصلة، لاستحقاق الويل.
و منها: المقابلة بين المؤمنين و المفسدين، و بين المتقين و الفجار في قوله:
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28). و هذه من ألطف أنواع البديع.
و منها: التأكيد في قوله: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ للدلالة على أن اعترافه، و ندمه عن صميم القلب، لا لتحقيق مضمون الخبر.
و منها: إضمار ضمير الشمس في قوله: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ من غير سبق ذكرها، لدلالة العشي عليها، إذ لا شيء يتوارى حينئذ غيرها.
و منها: الكناية في قوله: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ . كني عن العقر و الذبح بالمسح، و هي كناية بليغة.
و منها: الاستعارة التمثيلية في قوله: مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ . قال في «بحر العلوم»: و الأقرب أن المراد: تمثيل كفهم و منعهم عن الشرور، بالتقرين في الصفد، يعني: أن قولهم لا يمكن تقييدهم بالأصفاد، و الأغلال، حقيقة مسلم، و لكن ليس الكلام محمولا على حقيقته؛ لأنهم لما كانوا مسخرين مذللين لطاعته عليه السلام- بتسخير اللّه إياهم له- كان قادرا على كفهم عن الإضرار بالخلق، فشبّه كفهم عن ذلك بالتقرين في الأصفاد، فأطلق على الكف المذكور لفظ التقرين استعارة أصلية، ثم اشتق من التقرين- يعني: المعنى المجازي- لفظ مقرنين بمعنى: ممنوعين عن الشرور. و الإضرار استعارة تبعية، انتهى.
و منها: الطباق بين فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ ؛ لأنهما بمعنى: أعط من شئت، و امنع من شئت.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 425
و منها: مراعاة الأدب في قوله: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ . أسند الضرر إلى الشيطان أدبا، و الخير و الشر بيد اللّه تعالى.
و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ . استعار الأيدي للقوة في العبادة، و الأبصار للبصيرة في الدين. و فيه أيضا فن التعرض، بأن من لم يكن من عمال اللّه، و لا من المستبصرين في دين اللّه، خليق بالتوبيخ و أسوأ المذام.
و منها: جناس الاشتقاق في قوله: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ .
و منها: الاقتصار على الفاكهة في قوله: يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ إيذانا بأن مطاعمهم هناك ليست للتغذي، و إقامة الجسم، و لكن لمحض اللذة و التفكه.
و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع.
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 426
قال اللّه سبحانه جلّ و علا:
[سورة ص (38): الآيات 88 الى 55]
المناسبة
قوله تعالى: هذا وَ إِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ... الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن اللّه «1» سبحانه لما وصف ثواب المتقين أولا .. أردفه بوصف عقاب الطاغين، ليكون ذلك متمما له، فيأتي الوعيد عقب الوعد، و الترهيب إثر الترغيب، فيكون المرء بين رجاء في الثواب، و خوف من العقاب، فيزداد في الطاعة، و ينأى عن المعصية، و تلك وسيلة التهذيب، و التأديب التي ترقى بها
(1) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 427
النفوس إلى سبيل الكمال، في دنياها و آخرتها.
قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ ... الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها:
أن اللّه سبحانه لما ذكر في أول السورة، أن محمدا صلى اللّه عليه و سلم دعا إلى التوحيد، و أثبت أنه نبي، و دعا إلى الحشر و النشر، فقابلوه بالسفاهة، و قالوا: إنه ساحر كذاب، ثم صبّره على ذلك، و قص عليه من قصص الأنبياء، قبله ما يكون سلوة له في الصبر على الأذى، ثم أردف ذلك بذكر ثواب أهل الجنة، و عذاب أهل النار ..
عاد هنا إلى تقرير هذه المطالب، التي ذكرها أول السورة، و هي تقرير التوحيد، و النبوة، و البعث.
قوله تعالى: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً ... الآيات، قد سلف «1» ذكر هذه القصة في سور البقرة، و الأعراف، و الحجر، و الإسراء، و الكهف، كما ذكرت هنا، و العبرة منها النهي عن الحسد، و الكبر؛ لأن إبليس إنما وقع فيما وقع فيه بسببهما، و الكفار إنما نازعوا محمدا صلى اللّه عليه و سلم بسببهما، و كرر ذكرها ليكون زاجرا لهم عنهما، و المواعظ، و النصائح باب من أبواب التكرير، للمبالغة في النصح و الإرشاد.
التفسير و أوجه القراءة
هذا قال الزجاج: خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الأمر في حق المؤمنين، هذا الذي ذكرناه. فيوقف على هذا، قال ابن الأنباري: و هذا وقف حسن، ثم يبتدىء، و يجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: هذا المذكور للمؤمنين، و كلاهما من فصل الخطاب، و قال ابن الأثير: هذا في هذا المقام من الفصل، الذي هو خير من الوصل، و هي علاقة وكيدة بين الخروج من الكلام إلى كلام آخر، و قال بعضهم «2» : هذا من قبيل، ما إذا فرغ الكاتب من فصل، و أراد الشروع في فصل آخر، منفصل عما قبله، قال: هذا ؛ أي: احفظ ما كان كيت و كيت، و انتظر إلى ما يجيىء.
(1) المراغي.
(2) روح البيان.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 428
و المعنى؛ أي: هذا الذي تقدم، هو ما يكون جزاء للمؤمنين، كفاء ما قدموا من أعمال صالحة.
وَ إِنَّ لِلطَّاغِينَ ؛ أي: و إن للذين طغوا على اللّه، و كذبوا الرسل؛ أي:
و إن للكافرين الخارجين عن طاعة اللّه تعالى، المكذبين لرسله لَشَرَّ مَآبٍ و أقبح مرجع في الآخرة و شر منقلب ينقلبون إليه، ثم بين ذلك فقال
جَهَنَّمَ بدل من (شر مآب)، أو عطف بيان له أو منصوب بأعني. و قوله: يَصْلَوْنَها حال من المستكن في لِلطَّاغِينَ ؛ أي: حال كونهم يدخلونها، و يجدون حرها يوم القيامة، و لكن اليوم مهدوا لأنفسهم. فَبِئْسَ الْمِهادُ ؛ أي: قبح الفراش لهم جهنم، و المهد، و المهاد: الفراش، مستعار من فراش النائم، إذ لا مهاد في جهنم، و لا استراحة، و إنما مهادها نار، و غواشيها نار، كما قال في آية أخرى لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ ؛ أي: فراش من تحتهم. و مِنْ تجريدية. وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ ؛ أي:
أغطية.
و المعنى: أي هم يدخلون جهنم، و يقاسون شديد حرها، فبئس شرابا هي.
ثم أمرهم أمر تهكم و سخرية، بذوق هذا العذاب. فقال:
هذا فَلْيَذُوقُوهُ ؛ أي: ليذوقوا هذا العذاب، و الذوق: وجود الطعم بالفم، و أصله في القليل، لكنه يصلح للكثير الذي يقال له: الأكل، و كثر استعماله في العذاب تهكما.
و ارتفاع حَمِيمٌ وَ غَسَّاقٌ على أنهما خبران لمبتدأ محذوف؛ أي: ذلك العذاب حميم؛ أي: ماء حار بلغ نهاية الحرارة، وَ غَسَّاقٌ ؛ أي: قيح و صديد يسيل من أهل النار، و قيل: هذا في موضع رفع بالابتداء، و حَمِيمٌ وَ غَسَّاقٌ خبران له، فيكون الكلام على التقديم و التأخير، فتقدير الآية: حميم و غساق فليذوقوه، قاله الفراء و الزجاج، و الحميم: الماء الذي انتهى حره، و الغساق: ما يسيل من جلد أهل النار من القيح و الصديد، كما مر آنفا. و في «القاموس»:
الغساق: الماء البارد المنتن، لو قطرت منه قطرة في المشرق، لنتنت أهل المغرب، و لو قطرت قطرة في المغرب، لنتنت أهل المشرق، و قال الحسن: هو عذاب لا يعلمه إلا اللّه، إن ناسا أخفوا للّه طاعة، فأخفى لهم ثوابا في قوله:
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج24، ص: 429
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ ، و أخفوا معصية، فأخفى لهم عقوبة، و قيل: هو مستنقع في جهنم، يسيل إليه سم كل ذي سم من عقرب و حية، يغمس فيه الآدمي، فيسقط جلده و لحمه عن العظام، و قيل: هو ما يسيل من فروج النساء الزواني، و من نتن لحوم الكفرة و جلودهم، و في «التأويلات النجمية»: هذا الذي مهدوا اليوم فَلْيَذُوقُوهُ يوم القيامة، يعني: قد حصلوا اليوم معنى صورته حَمِيمٌ وَ غَسَّاقٌ يوم القيامة، و لكن مذاقهم، بحيث لا يجدون ألم عذاب، ما حصلوه بسوء أعمالهم، فليذوقوه يوم القيامة، انتهى. فإذا تنعم المؤمنون بالفاكهة، و الشراب .. تعذب الكافرون بالحميم و الغساق، و قال مجاهد، و مقاتل: الغساق:
هو الثلج البارد، الذي قد انتهى برده. و تفسير الغساق بالبارد، أنسب بما تقتضيه لغة العرب، و منه قول الشاعر:
إذا ما تذكّرت الحياة و طيبها
إليّ جرى دمع من اللّيل غاسق
أي: بارد. و أنسب أيضا بمقابلة الحميم.
و الخلاصة: أي لهم في جهنم ماء حار، يشوي الوجوه، و ماء بارد، لا يستطاع شربه لبرودته.
و قرأ ابن أبي إسحاق، و قتادة، و ابن وثاب، و طلحة، و حمزة، و الكسائي، و حفص، و الفضل، و ابن سعدان، و هارون عن أبي عمرو: غَسَّاقٌ بتشديد السين.
و قرأ باقي السبعة: بتخفيف السين، و هما لغتان بمعنى واحد، كما قال الأخفش.
و قيل: معناهما مختلف. فمن خفف، فهو اسم مثل: عذاب، و جواب، و صواب، و من شدد قال: هو اسم فاعل للمبالغة، نحو: ضراب، و قتال.
ثم زاد في التهديد، و بالغ في الوعيد. فقال: