کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير روح البيان

الجزء العاشر

تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم سورة الملك مكية تفسير سورة ن تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الم نشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة الإيلاف تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرين تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

تفسير روح البيان


صفحه قبل

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 5

الهية خيرة و هي المسماة بصالحى الجن و قد تكون كدرة شريرة و هي الشياطين كذا في تفسير الفاتحة للفنارى* و الظاهر ان المراد بالشيطان إبليس و أعوانه و قيل عام في كل متمرد عات مضل عن الجادة المستقيمة من جن و انس كما قال اللّه تعالى‏ شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِ‏ الرجيم اى المرمى من السموات بإلقاء الملائكة حين لعن او المرمى بشهب السماء إذا قصدها و هذه صفة مذمومة للشيطان و له في القرآن اسماء مشئومة و صفات مذمومة فاجمع مساويه هو الرجيم لانه جامع لجميع ما يقع عليه من العقوبات فلذلك خص به الابتداء من بين تلك الأسماء و الصفات* يقال ظهور حقيقة الاستعاذة لا يمكن بمجرد القول بل لا بد من حضور القلب و موافقة القول بالحال و الفعل و ان لا يقول لسانك أعوذ باللّه و فعلك و حالك أعوذ بالشيطان و ذلك بمشاركة النفس مع الشيطان في ارتكاب المعاصي و الطغيان و استعاذة العارف من رؤية غير اللّه تعالى و حجاب الكثرة فان الشيطان يهرب من نور العارف- حكى- ان أبا سعيد الخراز قدس سره رأى إبليس في المنام فاراد ان يضربه بالعصا فقال يا أبا سعيد انا لا أخاف من العصا و انما أخاف من شعاع شمس المعرفة إذا طلعت من سماء قلب العارف* قالوا فى الاستعاذة من الشيطان اظهار الخوف من غير اللّه و هو يخل بالعبودية قلنا اتخاذ العدو عدوا تحقيق للمحبة و الفرار من غير اللّه الى اللّه تتميم للعبودية و الامتثال لامر اللّه تقديم للطاعة و الخوف ممن لا يخاف اللّه اظهار للمسكنة كما قيل أخاف من اللّه اى من عذابه و غضبه و أخاف ممن يخاف اللّه اى من سوء دعائه و أخاف ممن لا يخاف اى من سوء أفعاله: قال المولى جلال الدين قدس سره‏

آدمي را دشمن پنهان بسيست‏

آدمى‏ء با حذر عاقل كسيست‏

و في التفسير الكبير ان أعوذ باللّه رجوع من الخلق الى الخالق و من الحاجة التامة لنفسه الى الغنى التام بالحق في تحصيل كل الخيرات و دفع كل الآفات ففيه سر فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ‏ و فيه دلالة ان لا وسيلة الى القرب من حضرة الرب الا بالعجز و العجز منتهى المقامات* قال الحسن من استعاذ باللّه على وجه الحقيقة و هو ما يكون بحضور القلب جعل اللّه بينه و بين الشيطان ثلاثمائة حجاب كل حجاب كما بين السماء و الأرض و عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال خرج النبي عليه الصلاة و السلام ذات يوم من المسجد فاذا هو بإبليس فقال له النبي (ما الذي جاء بك الى باب مسجدى) قال يا محمد جاء بي اللّه قال (فلم ذا) قال لتسألنى عما شئت فقال ابن عباس رضى اللّه عنهما فكان أول شى‏ء سأله الصلاة فقال له (يا ملعون لم تمنع أمتي عن الصلاة بالجماعة) قال يا محمد إذا خرجت أمتك الى الصلاة تأخذنى الحمى الحارة فلا تندفع حتى يتفرقوا و قال عليه السلام (لم تمنع أمتي عن العلم و الدعاء) قال عند دعائهم يأخذنى الصمم و العمى فلا يندفع حتى يتفرقوا و قال عليه السلام (لم تمنع أمتي عن القرآن) قال عند قرائتهم اذوب كالرصاص قال (لم تمنع أمتي عن الجهاد) قال إذا خرجوا الى الجهاد يوضع على قدمى قيد حتى يرجعوا و إذا خرجوا الى الحج اسلسل و اغلل حتى يرجعوا و إذا هموا بالصدقة توضع على رأسى المناشير فتنشرنى كما ينشر الخشب* و الشيطان مسلط على طبيعة بنى آدم‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 6

بالأكل و الشرب فاذا تركهما الإنسان فقد اجتهد في قطع شهوة البطن و شهوة الفرج فلا يكون إذا مداخلة للشيطان أصلا* و اما النفس فسبب إصلاحها هو الصلوات الخمس لان فرضيتها لاصلاح النفس لان فيها تذللا بثلاث طبقات بعقد اليد. بين يدى الملك الأعظم و بالركوع له و بالسجود فالنفس تصلح بالخضوع و الخشوع و التذلل* قال وهب بن منبه لما خرج نوح من السفينة جاء إبليس عليه اللعنة فقال نوح يا عدو اللّه أي اخلاق بنى آدم أعون لك و لجنودك على ضلالتهم و هلاكهم قال إبليس إذا وجدنا من بنى آدم شحيحا حريصا حسودا جبارا عجولا تلقفناه تلقف الا كرة فان اجتمعت فيه هذه الأخلاق سميناه شيطانا مريدا لان هذه الأخلاق من اخلاق رؤس الشياطين* و في الخبر ان إبليس عليه اللعنة يرفع الدنيا كل يوم في يديه فيقول من يشترى ما يضره و لا ينفعه و يهمه و لا يسره فتقول اصحاب الدنيا نحن فيقول لا تعجلوا فانها معيوبة فيقولون لا بأس بها فيقول ثمنها ليس بدراهم و لا دنانير انما ثمنها نصيبكم من الجنة و انى اشتريتها باربعة أشياء بلعنة اللّه و غضبه و عذابه و قطيعته و بعت الجنة بها فيقولون يجوز لنا ذلك فيقول أريد ان تربحونى على ذلك و هو بان توطنوا قلوبكم على ان لا تدعوها ابدا فيقولون نعم فيأخذونها فيقول الشيطان بئست التجارة: قال الحافظ قدس سره مجو درستى عهد از جهان سست نهاد* كه اين عجوزه عروس هزار دامادست قال الشيخ سعدى قدس اللّه سره بر مرد هوشيار دنيا خسست* كه هر مدتى جاى ديكر كسست منه بر جهان دل كه بيكانه ايست* كه مطرب كه هر روز در خانه‏ايست نه لايق بود عشق با دلبرى* چو هر بامدادش بود شوهرى و سئل النبي عليه السلام عن وسوسة الشيطان فقال عليه السلام (السارق لا يدخل بيتا ليس فيه شى‏ء فذلك من محض الايمان) و قال على بن ابى طالب رضى اللّه عنه الفرق بين صلاتنا و صلاة اهل الكتاب وسوسة الشيطان لانه فرغ من عمل الكفار لانهم وافقوه و المؤمنون يخالفونه و يحاربونه و المحاربة تكون مع المخالفة- حكى- ان رجلا من اهل خراسان خرج نحو العراق و كان يتردد الى عالم من علمائها حتى علمه اربعة آلاف حديث من الحكمة فلما أراد الانصراف الى وطنه استأذن من استاذه فقال له الأستاذ أعلمك كلمة خير لك من أحاديثك قال و ما هي قال هل يكون في خراسان إبليس قال نعم قال و هل يوسوسكم قال نعم قال و ما تصنعون في وسوسته قال نرده قال ان وسوس ثانيا قال نرده قال إذا اذاكم عدو اللّه و شغلكم عن الطاعة فلا تشتغلوا برد وسوسته و لكن كونوا معه كالغريب مع كلب الراعي و استعيذوا باللّه و انه كلب من الكلاب عصمنا اللّه و إياكم من كيده و شره.

سورة فاتحة الكتاب‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ الأصح المقبول عند متأخرى الحنفية ان البسملة آية فذة ليست جزأ من سورة أنزلت للفصل و التبرك بالابتداء كما بدئ بذكرها في كل أمر ذى بال و هي مفتاح القرآن و أول ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ و أول ما نزل على آدم عليه السلام و حكمة تأخرها عن الاستعاذة تقدم التخلية بالمعجمة على التحلية و الاعراض عما سوى اللّه على الإقبال و التوجه اليه‏ بِسْمِ اللَّهِ‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 7

كانت الكفار يبدؤن بأسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات و العزى فوجب ان يقصد الموحد معنى اختصاص اسم اللّه عز و جل بالابتداء و ذلك بتقديمه و تأخير الفعل فلذلك قدر المحذوف متأخرا اى باسم اللّه اقرأ او اتلو أو غير ذلك مما جعلت التسمية مبدأ له* قالوا و أودع جميع العلوم فى الباء اى بي كان ما كان و بي يكون ما يكون فوجود العوالم بي و ليس لغيرى وجود حقيقى الا بالاسم و المجاز و هو معنى قولهم ما نظرت شيأ الا و رأيت اللّه فيه او قبله و معنى قوله عليه السلام (لا تسبوا الدهر فان الدهر هو اللّه) فان قلت ما الحكمة و السر في ان اللّه تعالى جعل افتتاح كتابه بحرف الباء و اختارها على سائر الحروف لا سيما على الالف فانه أسقط الالف من الاسم و اثبت مكانه الباء في بسم فالجواب ان الحكمة في افتتاح اللّه بالباء عشرة معان* أحدها ان في الالف ترفعا و تكبرا و تطاولا و في الباء انكسارا و تواضعا و تساقطا فمن تواضع للّه رفعه اللّه* و ثانيها ان الباء مخصوصة بالإلصاق بخلاف اكثر الحروف خصوصا الالف من حروف القطع* و ثالثها ان الباء مكسورة ابدا فلما كانت فيها كسرة و انكسار في الصورة و المعنى وجدت شرف العندية من اللّه تعالى كما قال اللّه تعالى (انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلى)* و رابعها ان في الباء تساقطا و تكسرا في الظاهر و لكن رفعة درجة و علو همة في الحقيقة و هي من صفات الصديقين و في الالف ضدها اما رفعة درجتها فبانها أعطيت نقطة و ليست للالف هذه الدرجة و اما علو الهمة فانه لما عرضت عليها النقط ما قبلت الا واحدة ليكون حالها كحال محب لا يقبل الا محبوبا واحدا* و خامسها ان في الباء صدقا في طلب قربة الحق لانها لما وجدت درجة حصول النقطة وضعتها تحت قدمها و ما تفاخرت بها و لا يناقضه الجيم و الياء لان نقطهما في وضع الحروف ليست تحتهما بل في وسطهما و انما موضع النقط تحتهما عند اتصالهما بحرف آخر لئلا يشتبها بالخاء و التاء بخلاف الباء فان نقطتها موضوعة تحتها سواء كانت مفردة او متصلة بحرف آخر* و سادسها ان الالف حرف علة بخلاف الباء* و سابعها ان الباء حرف تام متبوع في المعنى و ان كان تابعا صورة من حيث ان موضعه بعد الالف في وضع الحروف و ذلك لان الالف في لفظ الباء يتبعه بخلاف لفظ الالف فان الباء لا يتبعه و المتبوع في المعنى أقوى* و ثامنها ان الباء حرف عامل و متصرف في غيره فظهر لها من هذا الوجه قدر و قدرة فصلحت للابتداء بخلاف الالف فانه ليس بعامل* و تاسعها ان الباء حرف كامل في صفات نفسه بانه للالصاق و الاستعانة و الاضافة مكمل لغيره بان يخفض الاسم التابع له و يجعله مكسورا متصفا بصفات نفسه و له علو و قدرة في تكميل الغير بالتوحيد و الإرشاد كما أشار اليه سيدنا على رضى اللّه عنه بقوله [انا النقطة تحت الباء] فالباء له مرتبة الإرشاد و الدلالة على التوحيد* و عاشرها ان الباء حرف شفوى تنفتح الشفة به ما لا تنفتح بغيره من الحروف الشفوية و لذلك كان أول انفتاح فم الذرة الانسانية في عهد الست بربكم بالباء في جواب بلى فلما كان الباء أول حرف نطق به الإنسان و فتح به فمه و كان مخصوصا بهذه المعاني اقتضت الحكمة الإلهية اختياره من سائر الحروف فاختارها و رفع قدرها و اظهر برهانها و جعلها مفتاح كتابه و مبدأ كلامه و خطابه تعالى و تقدس كذا في التأويلات النجمية* و اسم اللّه ما يصح‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 8

ان يطلق عليه بالنظر الى ذاته او باعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس او الثبوتية كالعليم او باعتبار فعل من أفعاله كالخالق و لكنها توقيفية عند بعض العلماء كما في الشرح المشارق لابن الملك* ثم المختار ان كلمة اللّه هو الاسم الأعظم فان سأل سائل و قال ان من شرط الاسم الأعظم انه ان دعى اللّه به أجاب و إذا سئل به اعطى فنحن ندعو به و نسأل فلم نر الاجابة في اكثر الأوقات* قلنا ان للدعاء آدابا و شرائط لا يستجاب الدعاء الا بها كما ان للصلاة كذلك فاول شرائطه إصلاح الباطن باللقمة الحلال و قدقيل (الدعاء مفتاح السماء و أسنانه لقمة الحلال) و آخر شرائطه الإخلاص و حضور القلب كما قال اللّه تعالى‏ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ فان حركة الإنسان باللسان و صياحه من غير حضور القلب ولولة الواقف على الباب و صوت الحارث على السطح اما إذا كان حاضرا فالقلب الحاضر في الحضرة شفيع له* قال الشيخ مؤيد الدين الجندي قدس سره ان للاسم الأعظم الذي اشتهر ذكره و طاب خبره و وجب طيه و حرم نشره من عالم الحقائق و المعاني حقيقة و معنى و من عالم الصور و الألفاظ صورة و لفظا اما حقيقته فهى احدية جمع جميع الحقائق الجمعية الكمالية كلها و اما معناه فهو الإنسان الكامل فى كل عصر و هو قطب الاقطاب حامل الامانة الإلهية خليفة اللّه و اما صورته فهى صورة كامل ذلك العصر و علمه كان محرما على سائر الأمم لما لم تكن الحقيقة الانسانية ظهرت بعد في أكمل صورته بل كانت في ظهورها بحسب قابلية كامل ذلك العصر فحسب فلما وجد معنى الاسم الأعظم و صورته بوجود الرسول صلى اللّه عليه و سلم أباح اللّه العلم به كرامة له‏ الرَّحْمنِ‏ الرحمة في اللغة رقة القلب و الانعطاف و منه الرحم لانعطافها على ما فيها و المراد بها هاهنا هو التفضل و الإحسان او ارادتهما بطريق اطلاق اسم السبب بالنسبة إلينا على مسببه البعيد او القريب فان اسماء اللّه تؤخذ باعتبار الغايات التي هي افعال دون المبادي التي هي انفعالات فالمعنى العاطف على خلقه بالرزق لهم و دفع الآفات عنهم لا يزيد في رزق المتقى لقبل تقواه و لا ينقص من رزق الفاجر لقبل فجوره بل يرزق الكل بما يشاء الرَّحِيمِ‏ المترحم إذا سئل اعطى و إذا لم يسأل غضب و بنى آدم حين يسأل بغضب* و اعلم ان الرحمة من صفات الذات و هو إرادته إيصال الخير و دفع الشر و الارادة صفة الذات لان اللّه تعالى لو لم يكن موصوفا بهذه الصفة لما خلق الموجودات فلما خلق الخلق علمنا ان رحمته صفة ذاتية لان الخلق إيصال خير الوجود الى المخلوق و دفع شر العدم عنهم فان الوجود خير كله* قال الشيخ القيصري اعلم ان الرحمة صفة من الصفات الإلهية و هي حقيقة واحدة لكنها تنقسم بالذاتية و الصفاتية اى تقتضيها اسماء الذات و اسماء الصفات و كل منهما عامة و خاصة فصارت أربعا و يتفرع منها الى ان يصير المجموع مائة رحمة و إليها أشار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقوله (ان للّه مائة رحمة اعطى واحدة منها لاهل الدنيا كلها و ادخر تسعا و تسعين الى الآخرة يرحم بها عباده) فالرحمة العامة و الخاصة الذاتيتان ما جاء في البسملة من الرحمن الرحيم و الرحمة الرحمانية عامة لشمول الذات جميع الأشياء علما و عينا و الرحيمية خاصة لانها تفصيل تلك الرحمة العامة الموجب لتعيين كل من الأعيان بالاستعداد الخاص بالفيض الأقدس و الصفاتية ما ذكره في الفاتحة من الرحمن‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 9

الرحيم الاولى عامة الحكم لترتبها على ما أفاض الوجود العام العلمي من الرحمة العامة الذاتية و الثانية خاصة و تخصيصها بحسب استعداد الأصلي الذي لكل عين من الأعيان و هما نتيجتان للرحمتين الذاتيتين العامة و الخاصة انتهى كلامه* قالوا للّه تعالى ثلاثة آلاف اسم الف عرفها الملائكة لا غير و الف عرفها الأنبياء لا غير و ثلاثمائة في التوراة و ثلاثمائة في الإنجيل و ثلاثمائة فى الزبور و تسعة و تسعون في القرآن و واحد استأثر اللّه به ثم معنى هذه الثلاثة آلاف في هذه الأسماء الثلاثة فمن علمها و قالها فكأنما ذكر اللّه تعالى بكل أسمائه و في الخبر ان النبي عليه السلام قال (ليلة اسرى بي الى السماء عرض على جميع الجنان فرأيت فيها اربعة أنهارا نهرا من ماء و نهرا من لبن و نهرا من خمر و نهرا من عسل فقلت يا جبريل من اين تجى‏ء هذه الأنهار و الى اين تذهب قال تذهب الى حوض الكوثر و لا أدرى من اين تجئ فادع اللّه تعالى ليعلمك او يريك فدعا ربه فجاء ملك فسلم على النبي عليه السلام ثم قال يا محمد غمض عينيك قال فغمضت عينى ثم قال افتح عينيك ففتحت فاذا انا عند شجرة و رأيت قبة من درة بيضاء و لها باب من ذهب احمر و قفل لو أن جميع ما في الدنيا من الجن و الانس وضعوا على تلك القبة لكانوا مثل طائر جالس على جبل فرأيت هذه الأنهار الاربعة تخرج من تحت هذه القبة فلما أردت ان ارجع قال لى ذلك الملك لم لا تدخل القبة قلت كيف ادخل و على بابها قفل لا مفتاح له عندى قال مفتاحه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فلما دنوت من القفل و قلت بسم اللّه الرّحمن الرّحيم انفتح القفل فدخلت في القبة فرأيت هذه الأنهار تجرى من اربعة اركان القبة و رأيت مكتوبا على اربعة اركان القبة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و رأيت نهر الماء يخرج من ميم بسم اللّه و رأيت نهر اللبن يخرج من هاء اللّه و نهر الخمر يخرج من ميم الرحمن و نهر العسل من ميم الرحيم فعلمت ان اصل هذه الأنهار الاربعة من البسملة فقال اللّه عز و جل يا محمد من ذكرنى بهذه الأسماء من أمتك بقلب خالص من رياء و قال بسم اللّه الرّحمن الرّحيم سقيته من هذه الأنهار) و في الحديث (لا يرد دعاء اوله بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) و في الحديث ايضا (من رفع قرطاسا من الأرض مكتوبا عليه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إجلالا له و لاسمه عن ان يدنس كان عند اللّه من الصديقين و خفف عن والديه و ان كانا مشركين) و ذكر الشيخ احمد البونى في لطائف الإشارات ان شجرة الوجود تفرعت عن بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و ان العالم كله قائم بها جملة و تفصيلا فلذلك من اكثر من ذكرها رزق الهيبة عند العالم العلوي و السفلى* و كتب قيصر ملك الروم الى عمر رضى اللّه عنه ان بي صداعا لا يسكن فابعث الى دواء ان كان عندك فان الأطباء عجزوا عن المعالجة فبعث عمر رضى اللّه عنه قلنسوة فكان إذا وضعها على رأسه سكن صداعه و إذا رفعها عن رأسه عاد صداعه فتعجب منه ففتش في القلنسوة فاذا فيها كاغد مكتوب عليه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم* قال الشيخ الأكبر في الفتوحات إذا قرأت فاتحة الكتاب فصل بسملتها معها في نفس واحد من غير قطع و عن محمد المصطفى صلى اللّه عليه و سلم حالفا عن جبريل عليه السلام حالفا عن ميكائيل عليه السلام حالفا عن اسرافيل عليه السلام قال اللّه تعالى (يا اسرافيل بعزتي و جلالى وجودى و كرمى من قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم متصلة بفاتحة

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 10

الكتاب مرة واحدة فاشهدوا على انى قد غفرت له و قبلت منه الحسنات و تجاوزت له عن السيئات و لا احرق لسانه بالنار و أجيره من عذاب القبر و عذاب النار و عذاب يوم القيامة و الفزع الأكبر و تلقانى قبل الأنبياء و الأولياء أجمعين) وجه التسمية بفاتحة الكتاب اما لافتتاح المصاحف و التعليم و قراءة القرآن و الصلاة بها و اما لان الحمد فاتحة كل كلام و اما لانها أول سورة نزلت و اما لانها أول ما كتب في اللوح المحفوظ و اما لانها فاتحة أبواب المقاصد في الدنيا و أبواب الجنان في العقبى و اما لان انفتاح أبواب خزائن اسرار الكتاب بها لانها مفتاح كنوز لطائف الخطاب بانجلائها ينكشف جميع القرآن لاهل البيان لان من عرف معانيها يفتح بها أقفال المتشابهات و يقتبس بسناها أنوار الآيات* و سميت بام القرآن و أم الشي‏ء أصله لان المقصود من كل القرآن تقرير امور اربعة اقرار بالالوهية و النبوة و اثبات القضاء و القدر للّه تعالى فقوله‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ يدل على الالوهية و قوله‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ يدل على المعاد و قوله‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ على نفى الجبر و القدر و على اثبات ان الكل بقضاء اللّه تعالى* و سميت بالسبع المثاني لانها سبع آيات او لان كل آية منها تقوم مقام سبع من القرآن فمن قرأها اعطى ثواب قراءة الكل او لان من فتح فاه بقراءة آياتها السبع غلقت عنه أبواب النيران السبعة هذه وجوه التسمية بالسبع و اما بالمثاني فلانها تثنى في كل صلاة او في كل ركعة بالنسبة الى الاخرى او المراد تشفع فى كل ركعة سورة حقيقة او حكما أو لأن نزولها مرتين مرة في مكة و مرة في المدينة* و سميت بسورة الصلاة و سورة الشفاء و الشافية و أساس القرآن و الكافية و الوافية و سورة الحمد و سورة السؤال و سورة الشكر و سورة الدعاء لاشتمالها عليها و سورة الكنز لما يروى ان اللّه تعالى قال (فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى) الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ لامه للعهد اى الحمد الكامل و هو حمد اللّه للّه أو حمد الرسل او كمل اهل الولاء او للعموم و الاستغراق اى جميع المحامد و الاثنية للمحمود أصلا و الممدوح عدلا و المعبود حقا عينية كانت تلك المحامد او عرضية من الملك او من البشر او من غيرهما كما قال تعالى‏ وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏ و الحمد عند الصوفية اظهار كمال المحمود و كماله تعالى صفاته و أفعاله و آثاره* قال الشيخ داود القيصري الحمد قولى و فعلى و حالى اما القولى فحمد اللسان و ثناؤه عليه بما اثنى به الحق على نفسه على لسان أنبيائه عليهم السلام و اما الفعلى فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات و الخيرات ابتغاء لوجه اللّه تعالى و توجها الى جنابه الكريم لان الحمد كما يجب على الإنسان باللسان كذلك يجب عليه بحسب كل عضو بل على كل عضو كالشكر و عند كل حال من الأحوال كما قال النبي عليه السلام (الحمد للّه على كل حال) و ذلك لا يمكن الا باستعمال كل عضو فيما خلق لاجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى و انقيادا لامره لا طلبا لحظوظ النفس و مرضاتها و اما الحالي فهو الذي يكون بحسب الروح و القلب كالاتصاف بالكمالات العلمية و العملية و التخلق بالأخلاق الإلهية لان الناس مأمورون بالتخلق بأخلاق اللّه تعالى بلسان الأنبياء عليهم السلام‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 11

لتصير الكمالات ملكة نفوسهم و ذواتهم و في الحقيقة هذا حمد الحق ايضا نفسه في مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له و اما حمده ذاته في مقامه الجمعى الإلهي قولا فهو ما نطق به في كتبه و صحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية و فعلا فهو اظهار كمالاته الجمالية و الجلالية من غيبه الى شهادته و من باطنه الى ظاهره و من علمه الى عينه في مجالى صفاته و محال ولاية أسمائه و خالا فهو تجلياته في ذاته بالفيض الأقدس الاولى و ظهور النور الأزلي فهو الحامد و المحمود جمعا و تفصيلا كما قيل‏

لقد كنت دهرا قبل ان يكشف الغطا

إخالك انى ذاكر لك شاكر

فلما أضاء الليل أصبحت شاهدا

بانك مذكور و ذكر و ذاكر

و كل حامد بالحمد القولى يعرف محموده بإسناد صفات الكمال اليه فهو يستلزم التعريف انتهى كلامه* و الحمد شامل للثناء و الشكر و المدح و لذلك صدر كتابه بان حمد نفسه بالثناء في للّه و الشكر في رب العالمين و المدح في الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم ليس للعبد ان يحمده بهذه الوجوه الثلاثة حقيقة بل تقليدا و مجازا اما الاول فلان الثناء و المدح بوجه يليق بذاته او بصفاته فرع معرفة كنههما و قد قال اللّه تعالى‏ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً* وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ‏ و اما الثاني فكما ان النبي عليه السلام لما خوطب ليلة المعراج بان أثن على قال (لا احصى ثناء عليك) و علم ان لا بد من امتثال الأمر و اظهار العبودية (فقال أنت كما أثنيت على نفسك) فهو ثناء بالتقليد و قد أمرنا ايضا ان نحمده بالتقليد بقوله‏ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ كما قال‏ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏ كذا في التأويلات النجمية: قال السعدي قدس سره‏

عطاييست هر موى ازو بر تنم‏

چه كونه بهر موى شكرى كنم‏

صفحه بعد