کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير روح البيان

الجزء العاشر

تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم سورة الملك مكية تفسير سورة ن تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الم نشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة الإيلاف تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرين تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

تفسير روح البيان


صفحه قبل

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 10

الكتاب مرة واحدة فاشهدوا على انى قد غفرت له و قبلت منه الحسنات و تجاوزت له عن السيئات و لا احرق لسانه بالنار و أجيره من عذاب القبر و عذاب النار و عذاب يوم القيامة و الفزع الأكبر و تلقانى قبل الأنبياء و الأولياء أجمعين) وجه التسمية بفاتحة الكتاب اما لافتتاح المصاحف و التعليم و قراءة القرآن و الصلاة بها و اما لان الحمد فاتحة كل كلام و اما لانها أول سورة نزلت و اما لانها أول ما كتب في اللوح المحفوظ و اما لانها فاتحة أبواب المقاصد في الدنيا و أبواب الجنان في العقبى و اما لان انفتاح أبواب خزائن اسرار الكتاب بها لانها مفتاح كنوز لطائف الخطاب بانجلائها ينكشف جميع القرآن لاهل البيان لان من عرف معانيها يفتح بها أقفال المتشابهات و يقتبس بسناها أنوار الآيات* و سميت بام القرآن و أم الشي‏ء أصله لان المقصود من كل القرآن تقرير امور اربعة اقرار بالالوهية و النبوة و اثبات القضاء و القدر للّه تعالى فقوله‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ يدل على الالوهية و قوله‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ يدل على المعاد و قوله‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ على نفى الجبر و القدر و على اثبات ان الكل بقضاء اللّه تعالى* و سميت بالسبع المثاني لانها سبع آيات او لان كل آية منها تقوم مقام سبع من القرآن فمن قرأها اعطى ثواب قراءة الكل او لان من فتح فاه بقراءة آياتها السبع غلقت عنه أبواب النيران السبعة هذه وجوه التسمية بالسبع و اما بالمثاني فلانها تثنى في كل صلاة او في كل ركعة بالنسبة الى الاخرى او المراد تشفع فى كل ركعة سورة حقيقة او حكما أو لأن نزولها مرتين مرة في مكة و مرة في المدينة* و سميت بسورة الصلاة و سورة الشفاء و الشافية و أساس القرآن و الكافية و الوافية و سورة الحمد و سورة السؤال و سورة الشكر و سورة الدعاء لاشتمالها عليها و سورة الكنز لما يروى ان اللّه تعالى قال (فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى) الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ لامه للعهد اى الحمد الكامل و هو حمد اللّه للّه أو حمد الرسل او كمل اهل الولاء او للعموم و الاستغراق اى جميع المحامد و الاثنية للمحمود أصلا و الممدوح عدلا و المعبود حقا عينية كانت تلك المحامد او عرضية من الملك او من البشر او من غيرهما كما قال تعالى‏ وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏ و الحمد عند الصوفية اظهار كمال المحمود و كماله تعالى صفاته و أفعاله و آثاره* قال الشيخ داود القيصري الحمد قولى و فعلى و حالى اما القولى فحمد اللسان و ثناؤه عليه بما اثنى به الحق على نفسه على لسان أنبيائه عليهم السلام و اما الفعلى فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات و الخيرات ابتغاء لوجه اللّه تعالى و توجها الى جنابه الكريم لان الحمد كما يجب على الإنسان باللسان كذلك يجب عليه بحسب كل عضو بل على كل عضو كالشكر و عند كل حال من الأحوال كما قال النبي عليه السلام (الحمد للّه على كل حال) و ذلك لا يمكن الا باستعمال كل عضو فيما خلق لاجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى و انقيادا لامره لا طلبا لحظوظ النفس و مرضاتها و اما الحالي فهو الذي يكون بحسب الروح و القلب كالاتصاف بالكمالات العلمية و العملية و التخلق بالأخلاق الإلهية لان الناس مأمورون بالتخلق بأخلاق اللّه تعالى بلسان الأنبياء عليهم السلام‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 11

لتصير الكمالات ملكة نفوسهم و ذواتهم و في الحقيقة هذا حمد الحق ايضا نفسه في مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له و اما حمده ذاته في مقامه الجمعى الإلهي قولا فهو ما نطق به في كتبه و صحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية و فعلا فهو اظهار كمالاته الجمالية و الجلالية من غيبه الى شهادته و من باطنه الى ظاهره و من علمه الى عينه في مجالى صفاته و محال ولاية أسمائه و خالا فهو تجلياته في ذاته بالفيض الأقدس الاولى و ظهور النور الأزلي فهو الحامد و المحمود جمعا و تفصيلا كما قيل‏

لقد كنت دهرا قبل ان يكشف الغطا

إخالك انى ذاكر لك شاكر

فلما أضاء الليل أصبحت شاهدا

بانك مذكور و ذكر و ذاكر

و كل حامد بالحمد القولى يعرف محموده بإسناد صفات الكمال اليه فهو يستلزم التعريف انتهى كلامه* و الحمد شامل للثناء و الشكر و المدح و لذلك صدر كتابه بان حمد نفسه بالثناء في للّه و الشكر في رب العالمين و المدح في الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم ليس للعبد ان يحمده بهذه الوجوه الثلاثة حقيقة بل تقليدا و مجازا اما الاول فلان الثناء و المدح بوجه يليق بذاته او بصفاته فرع معرفة كنههما و قد قال اللّه تعالى‏ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً* وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ‏ و اما الثاني فكما ان النبي عليه السلام لما خوطب ليلة المعراج بان أثن على قال (لا احصى ثناء عليك) و علم ان لا بد من امتثال الأمر و اظهار العبودية (فقال أنت كما أثنيت على نفسك) فهو ثناء بالتقليد و قد أمرنا ايضا ان نحمده بالتقليد بقوله‏ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ كما قال‏ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏ كذا في التأويلات النجمية: قال السعدي قدس سره‏

عطاييست هر موى ازو بر تنم‏

چه كونه بهر موى شكرى كنم‏

و ذكر الشيخ الامام حجة الإسلام الغزالي رحمه اللّه في منهاج العابدين ان الحمد و الشكر آخر العقبات السبع التي لا بد للسالك من عبورها ليظفر بمبتغاه فاول ما يتحرك العبد لسلوك طريق العبادة يكون بخطرة سماوية و توفيق خاص الهى و هو الذي أشار اليه صاحب الشرع صلى اللّه عليه و سلم بقوله (ان النور إذا دخل قلب العبد انفتح و انشرح) فقيل يا رسول اللّه هل لذلك من علامة يعرف بها فقال (التجافي عن دار الغرور و الانابة الى دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله) فاذا خطر بقلب العبد أول كل شى‏ء ان له منعما بضروب من النعم و قال انه يطالبنى بشكره و خدمته فلعله ان غفلت يزيل نعمته و يذيقنى نقمته و قد بعث الى رسولا بالمعجزات و أخبرني بان لى ربا عالما قادرا على ان يثيب بطاعته و يعاقب بمعصيته و قد امر و نهى فيخاف على نفسه عنده فلم يجد في طريق الخلاص من هذا النزاع سبيلا سوى الاستدلال بالصنعة على الصانع فيحصل له اليقين بوجود ربه الموصوف بما ذكره فهذه عقبة العلم و المعرفة استقبلته فى أول الطريق ليكون في قطعها على بصيرة بالتعلم و السؤال من علماء الآخرة فاذا حصل له اليقين بوجود ربه بعثته المعرفة على التشمر للخدمة و لكنه لا يدرى كيف يعبده فيتعلم ما يلزمه من الفرائض الشرعية ظاهرا و باطنا فلما استكمل العلم و المعرفة بالفرائض انبعث للعبادة فنظر فاذا هو صاحب ذنوب كما هو حال اكثر الناس فيقول كيف اقبل على الطاعة

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 12

و انا مصر متلطخ بالمعاصي فيجب ان أتوب اليه ليخلصنى من أسرها و أتطهر من اقذارها فاصلح للخدمة فيستقبله هاهنا عقبة التوبة فلما حصلت له اقامة التوبة الصادقة بحقوقها و شرائطها نظر للسلوك فاذا حوله عوائق من العبادة محدقة به فتأمل فاذا هي اربع الدنيا و الخلق و الشيطان و النفس فاستقبلته عقبة العوائق فيحتاج الى قطعها باربعة امور التجرد عن الدنيا و التفرد عن الخلق و المحاربة مع الشيطان و النفس و هي أشدها إذ لا يمكنه التجرد عنها و لا ان يقهرها بمرة كالشيطان إذ هي المطية و الآلة و لا مطمع ايضا في موافقتها على الإقبال على العبادة إذ هي مجبولة على ضد الخير كالهوى و اتباعها له‏

نمى تازد اين نفس سركش چنان‏

كه عقلش تواند كرفتن عنان‏

كه با نفس و شيطان بر آيد بزور

مصاف پلنگان نيايد ز مور

فاحتاج الى ان يلجمها بلجام التقوى لتنقاد فيستعملها في المراشد و يمنعها عن المفاسد فلما فرع من قطعها وجد عوارض تعترضه و تشغله عن الإقبال على العبادة فنظر فاذا هي اربعة رزق تطلبه النفس و لا بد و اخطار من كل شى‏ء يخافه او يرجوه او يريده او يكرهه و لا يدرى إصلاحه في ذلك أم فساده و الثالث الشدائد و المصائب تنصب عليه من كل جانب لا سميا و قد انتصب لمخالفة الخلق و محاربة الشيطان و مضارة النفس و الرابع انواع القضاء فاستقبلته هاهنا عقبة العوارض الاربعة فاحتاج الى قطعها باربعة بالتوكل على اللّه في الرزق و التفويض اليه في موضع الخطر و الصبر عند الشدائد و الرضى بالقضاء فاذا قطعها نظر فاذا النفس فاترة كسلى لا تنشط و لا تنبعث لخير كما يحق و ينبغى و انما ميلها الى غفلة و دعة و بطالة بل الى سرف و فضول فاحتاج الى سائق يسوقها الى الطاعة و زاجر يزجرها عند المعصية و هما الرجاء و الخوف فالرجاء في حسن ما وعد من الكرامات و الخوف من صعوبة ما أوعد من العقوبات و الاهانات فهذه عقبة البواعث استقبلته فاحتاج الى قطعها بهذين المذكورين فلما فرغ منها لم ير عائقا و لا شاغلا و وجد باعثا و داعيا فعانق العبادة بلزام الشوق فنظر فاذا تبدو بعد كل ذلك آفتان عظيمتان هما الرياء و العجب فتارة يرائى بطاعته الناس و تارة يستعظم ذلك و يكرم نفسه فاستقبلته هاهنا عقبة القوادح فاحتاج الى قطعها بالإخلاص و ذكر المنة فاذا قطعها بحسن عصمة الجبار و تأييده حصلت العبادة له كما يحق و ينبغى و لكنه نظر فاذا هو غريق في بحور نعم اللّه من امداد التوفيق و العصمة فخاف ان يكون منه اغفال للشكر فيقع في الكفران و ينحط عن تلك المرتبة الرفيعة التي هي مرتبة اغذية الخالصين فاستقبلته هاهنا عقبة الحمد و الشكر فقطعها بتكثيرهما فلما فرغ منها فاذا هو بمقصوده و مبتغاه فيتنعم في طيب هذه الحالة بقية عمره بشخص في الدنيا و قلب في العقبى ينتظر البريد يوما فيوما و يستقذر الدنيا فاستكمل الشوق الى الملأ الأعلى فاذا هو برسول رب العالمين يبشره بالرضوان من عند رب غير غضبان فينقلونه في طيبة النفس و تمام البشر و الانس من هذه الدنيا الفانية الى الحضرة الالهية و مستقر رياض الجنة فيرى لنفسه الفقيرة نعيما و ملكا عظيما: قال الشيخ سعدى قدس سره‏

عروسى بود نوبت ماتمت‏

كرت نيك روزى بود خاتمت‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 13

قال خسرو عند وفاته‏

ز دنيا ميرود خسرو بزير لب همى گويد

دلم بگرفت از غربت تمناى وطن دارم‏

رَبِّ الْعالَمِينَ‏ لما نبه على استحقاقه الذاتي بجميع المحامد بمقابلة الحمد باسم الذات اردفه بأسماء الصفات جمعا بين الاستحقاقين و هو أي رب العالمين كالبرهان على استحقاقه جميع المحامد الذاتي و الصفاتى و الدنيوي و الأخروي* و الرب بمعنى التربية و الإصلاح اما في حق العالمين فير بينهم باغذيتهم و سائر اسباب بقاء وجودهم و في حق الإنسان فيربى الظواهر بالنعمة و هي النفس و يربى البواطن بالرحمة و هي القلوب و يربى نفوس العابدين باحكام الشريعة و يربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة و يربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة و يربى الإنسان تارة باطواره و فيض قوى أنواره في أعضائه فسبحان من اسمع بعظم و بصر بشحم و انطق بلحم و اخرى بترتيب غذائه في النبات بحبوبه و ثماره و في الحيوان بلحومه و شحومه و في الأراضي باشجاره و أنهاره و في الافلاك بكواكبه و أنواره و في الزمان بسكونك و تسكين الحشرات و الحركات المؤذية في الليالى و حفظك و تمكينك من ابتغاء فضله بالنهار فياهذا يربيك كانه ليس له عبد سواك و أنت لا تخدمه او تخدمه كأن لك ربا غيره* و العالمين جمع عالم و العالم جمع لا واحد له من لفظه* قال وهب للّه ثمانية عشر الف عالم الدنيا عالم منها و ما العمران في الخراب الا كفسطاط في صحراء* و قال الضحاك ثلاثمائة و ستون ثلاثمائة منهم حفاة عراة لا يعرفون خالقهم و هم حشو جهنم و ستون عالما يلبسون الثياب مر بهم ذو القرنين و كلمهم* و قال كعب الأحبار لا يحصى لقوله تعالى‏ وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ و عن ابى هريرة رضى اللّه عنه ان اللّه تعالى خلق الخلق اربعة اصناف الملائكة و الشياطين و الجن و الانس ثم جعل هؤلاء عشرة اجزاء تسعة منهم الملائكة و واحد الثلاثة الباقية ثم جعل هذه الثلاثة عشرة اجزاء تسعة منهم الشياطين و جزء واحد الجن و الانس ثم جعلهما عشرة اجزاء فتسعة منهم الجن و واحد الانس ثم جعل الانس مائة و خمسة و عشرين جزأ فجعل مائة جزء في بلاد الهند منهم ساطوح و هم أناس رؤسهم مثل رؤس الكلاب و مالوخ و هم أناس أعينهم على صدورهم و ماسوخ و هم أناس آذانهم كآذان الفيلة و مالوف و هم أناس لا يطاوعهم أرجلهم يسمون دوال ياى و مصير كلهم الى النار و جعل اثنى عشر جزأ منهم في بلاد الروم النسطورية و الملكانية و الاسرائيلية كل من الثلاث اربع طوائف و مصيرهم الى النار جميعا و جعل ستة اجزاء منهم في المشرق يأجوج و مأجوج و ترك و خاقان و ترك حد خلخ و ترك خزر و ترك جرجير و جعل ستة اجزاء في المغرب الزنج و الزط و الحبشة و النوبة و بربر و سائر كفار العرب و مصيرهم الى النار و بقي من الانس من اهل التوحيد جزء واحد فجزأهم ثلاثا و سبعين فرقة اثنتان و سبعون على خطر و هم اهل البدع و الضلالات و فرقة ناجية و هم اهل السنة و الجماعة و حسابهم على اللّه تعالى يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء و في الحديث (ان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين و سبعين فرقة و تفرق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلهم في النار الا فرقة واحدة) قالوا من هي يا رسول اللّه قال (من هم على ما انا عليه و أصحابي) يعنى ما انا عليه و أصحابي من الاعتقاد و الفعل و القول فهو حق و طريق موصل الى الجنة و الفوز و الفلاح و ما عداه باطل و طريق الى النار ان كانوا اباحيين فهم خلود و الا فلا الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ فى التكرار وجوه* أحدها ما سبق‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 14

من ان رحمتى البسملة ذاتيتان و رحمتى الفاتحة صفاتيتان كماليتان* و الثاني ليعلم ان التسمية ليست من الفاتحة و لو كانت منها لما أعادهما لخلو الاعادة عن الفائدة* و الثالث انه ندب العباد الى كثرة الذكر فان من علامة حب اللّه حب ذكر اللّه و في الحديث (من أحب شيأ اكثر ذكره)* و الرابع انه ذكر رب العالمين فبين ان رب العالمين هو الرحمن الذي يرزقهم في الدنيا الرحيم الذي يغفر لهم فى العقبى و لذلك ذكر بعده مالك يوم الدين يعنى ان الربوبية اما بالرحمانية و هي رزق الدنيا و اما بالرحيمية و هي المغفرة في العقبى* و الخامس انه ذكر الحمد و بالحمد تنال الرحمة فان أول من حمد اللّه تعالى من البشر آدم عطس فقال الحمد للّه و أجيب للحال يرحمك ربك و لذلك خلقك فعلم خلقه الحمد و بين انهم ينالون رحمته بالحمد* و السادس ان التكرار للتعليل لان ترتيب الحمد على هذه الأوصاف امارة علية مأخذها فالرحمانية و الرحيمية من جملتها لدلالتهما على انه مختار في الإحسان لا موجب و في ذلك استيفاء اسباب استحقاق الحمد من فيض الذات برب العالمين و فيض الكمالات بالرحمن الرحيم و لا خارج عنهما في الدنيا و فيض الاثوبة لطفا و الاجزية عدلا في الآخرة و من هذا يفهم وجه ترتيب الأوصاف الثلاثة* و الفرق بين الرحمن و الرحيم اما باختصاص الحق بالأول او بعمومه او بجلائل النعم فعلى الاول هو الرحمن بما لا يصدر جنسه من العباد و الرحيم بما يتصور صدوره منهم فذا كما روى عن ذى النون قدس سره وقعت ولولة في قلبى فخرجت الى شط النيل فرأيت عقربا يعد و فتبعته فوصل الى ضفدع على الشط فركب ظهره و عبر به النيل فركبت السفينة و اتبعته فنزل و عدا الى شاب نائم و إذا أفعى بقربه تقصده فتواثبا و تلادغا و ماتا و سلم النائم- و يحكى- ان ولد الغراب إذا خرج من القشر يكون كلحم احمر و يفر الغراب منه فيجتمع عليه البعوض فيلتقمه الى ان ينبت ريشه فعند ذلك تعود الام اليه و لهذا قيل يا رازق النعاب في عشه و اما على ان الرحمن عام فقيل كيف ذلك و قلما يخلو أحد بل حالة له عن نوع بلوى قلنا الحوادث منها ما يظن انه رحمة و يكون نقمة و بالعكس قال اللّه تعالى‏ فَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً الآية فالاول كما قال‏

ان الشباب و الفراغ و الجده‏

مفسدة للمرء أي مفسده‏

و كل منها في الظاهر نعمة و الثاني كحبس الولد في المكتب و حمله على التعلم بالضرب و كقطع اليد المتأكلة فالابله يعتبر بالظواهر و العاقل ينظر الى السرائر فما من بلية و محنة الا و تحتها رحمة و منحة و ترك الخير الكثير للشر القليل شر كبير فالتكاليف لتطهير الأرواح عن العلائق الجسدانية و خلق النار لصرف الأشرار الى اعمال الأبرار و خلق الشيطان لتميز المخلصين من العباد فشأن المحقق ان يبنى على الحقائق كالخضر عليه السلام في قصة موسى عليه السلام معه فكل ما يكره الطبع فتحته اسرار خفية و حكمة بالغة فلو لا الرحمة و سبقها للغضب لم يكن وجود الكون و لما ظهر للاسم المنعم عين و اما على ان الرحمن لجلائل النعم فانما اتبعه بالرحيم لدفع توهم ان يكون طلب العبد الشي‏ء اليسير سوء ادب كما قيل لبعضهم جئتك لحاجة يسيرة قال اطلب لها رجلا يسيرا فكأن اللّه يقول لو اقتصرت على الرحمن لاحتشمت عنى و لكنى رحيم فاطلب منى حتى شراك نعلك و ملح قدرك: قال الشيخ السعدي قدس سره العزيز

محالست اگر سر برين در نهى‏

كه باز آيدت دست حاجت تهى‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 15

قال اهل الحقيقة الحضرات الكلية المختصة بالرحمن ثلاث حضرة الظهور و حضرة البطون و حضرة الجمع و كل موجود فله هذه المراتب و لا يخلو عن حكمها و على هذه المراتب تنقسم احكام الرحمة فى السعداء و الأشقياء و المتنعمين بنفوسهم دون أبدانهم كالارواح المجردة و بالعكس و الجامعين بين الامرين و كذا من اهل الجنة منهم سعداء من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم لكونهم لم يقدموا في الجنة الأعمال ما يستوجبون به النعيم الصوري و ان كان فنزر يسير بالنسبة الى من سواهم و عكس ذلك كالزهاد و العباد الذين لا علم لهم فان أرواحهم قليلة الحظ من النعيم الروحاني لعدم المناسبة بينهم و بين الحضرات العلمية الإلهية و لهذا لم تتعلق هممهم زمان العمل بما وراء العمل بل ظنوه الغاية فوقفوا عنده و اقتصروا عليه رغبة فيما وعدوا به و رهبة مما حذروا منه و اما الجامعون بين النعيمين تماما فهم الفائزون بالحظ الكامل في العلم و العمل كالرسل عليهم الصلاة و السلام و من كملت وراثته منهم اعنى الكمل من الأولياء: قال المولى جلال الدين قدس سره‏

هر كبوتر مى‏پرد در مذهبى‏

وين كبوتر جانب بى‏جانبى‏

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ اليوم في العرف عبارة عما بين طلوع الشمس و غروبها من الزمان و في الشرع عما بين طلوع الفجر الثاني و غروب الشمس و المراد هاهنا مطلق الوقت لعدم الشمس ثم اى مالك الأمر كله في يوم الجزاء فاضافة اليوم الى الدين لادنى ملابسة كاضافة سائر الظروف الى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الأحزاب و يوم الفتح و تخصيصه اما لتعظيمه و تهويله او لبيان تفرده بإجراء الأمر فيه و انقطاع العلائق بين الملاك و الاملاك حينئذ بالكلية ففى ذلك اليوم لا يكون مالك و لا فاض و لا مجاز غيره و اصل الملك و الملك الربط و الشد و القوة فللّه في الحقيقة القوة الكاملة و الولاية النافذة و الحكم الجاري و التصرف الماضي و هو للعباد مجاز إذ لملكهم بداية و نهاية و على البعض لا الكل و على الجسم لا العرض و على النفس لا النفس و على الظاهر لا الباطن و على الحي لا الميت بخلاف المعبود الحق إذ ليس لملكه زوال و لا لملكه انتقال و قراءة مالك بالألف اكثر ثوابا من ملك لزيادة حرف فيه- يحكى- عن ابى عبد اللّه محمد بن شجاع الثلجى رحمه اللّه تعالى انه قال كان من عادتى قراءة مالك فسمعت من بعض الأدباء ان ملك ابلغ فتركت عادتى و قرأت ملك فرأيت في المنام قائلا يقول لم نقصت من حسناتك عشرا اما سمعت قول النبي صلى اللّه عليه و سلم (من قرأ القرآن كتب له بكل حرف عشر حسنات و محيت عنه عشر سيآت و رفعت له عشر درجات) فانتبهت فلم اترك عادتى حتى رأيت ثانيا في المنام انه قيل لى لم لا تترك هذه العادة اما سمعت قول النبي صلى اللّه عليه و سلم (اقرأوا القرآن فخما مفخما) اى عظيما معظما فاتيت قطربا و كان اماما في اللغة فسألته ما بين المالك و الملك فقال بينهما فرق كثير اما المالك فهو الذي ملك شيأ من الدنيا و اما الملك فهو الذي يملك الملوك* قال في تفسير الإرشاد قرأ أهل الحرمين المحترمين ملك من الملك الذي هو عبارة عن السلطان القاهر و الاستيلاء الباهر و الغلبة التامة و القدرة على التصرف الكلى في امور العامة بالأمر و النهى و هو الأنسب بمقام الاضافة الى يوم الدين انتهى و لكل وجوه ترجيح ذكرت في التفاسير فلتطالع ثمة* و الوجه في سرد الصفات الخمس كانه يقول خلقتك فانا اله ثم ربيتك بالنعم فانا رب ثم عصيت فسترت عليك فانا رحمن ثم تبت فغفرت فانا رحيم‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 16

صفحه بعد