کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير روح البيان

الجزء العاشر

تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم سورة الملك مكية تفسير سورة ن تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الم نشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة الإيلاف تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرين تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

تفسير روح البيان


صفحه قبل

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 15

قال اهل الحقيقة الحضرات الكلية المختصة بالرحمن ثلاث حضرة الظهور و حضرة البطون و حضرة الجمع و كل موجود فله هذه المراتب و لا يخلو عن حكمها و على هذه المراتب تنقسم احكام الرحمة فى السعداء و الأشقياء و المتنعمين بنفوسهم دون أبدانهم كالارواح المجردة و بالعكس و الجامعين بين الامرين و كذا من اهل الجنة منهم سعداء من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم لكونهم لم يقدموا في الجنة الأعمال ما يستوجبون به النعيم الصوري و ان كان فنزر يسير بالنسبة الى من سواهم و عكس ذلك كالزهاد و العباد الذين لا علم لهم فان أرواحهم قليلة الحظ من النعيم الروحاني لعدم المناسبة بينهم و بين الحضرات العلمية الإلهية و لهذا لم تتعلق هممهم زمان العمل بما وراء العمل بل ظنوه الغاية فوقفوا عنده و اقتصروا عليه رغبة فيما وعدوا به و رهبة مما حذروا منه و اما الجامعون بين النعيمين تماما فهم الفائزون بالحظ الكامل في العلم و العمل كالرسل عليهم الصلاة و السلام و من كملت وراثته منهم اعنى الكمل من الأولياء: قال المولى جلال الدين قدس سره‏

هر كبوتر مى‏پرد در مذهبى‏

وين كبوتر جانب بى‏جانبى‏

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ اليوم في العرف عبارة عما بين طلوع الشمس و غروبها من الزمان و في الشرع عما بين طلوع الفجر الثاني و غروب الشمس و المراد هاهنا مطلق الوقت لعدم الشمس ثم اى مالك الأمر كله في يوم الجزاء فاضافة اليوم الى الدين لادنى ملابسة كاضافة سائر الظروف الى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الأحزاب و يوم الفتح و تخصيصه اما لتعظيمه و تهويله او لبيان تفرده بإجراء الأمر فيه و انقطاع العلائق بين الملاك و الاملاك حينئذ بالكلية ففى ذلك اليوم لا يكون مالك و لا فاض و لا مجاز غيره و اصل الملك و الملك الربط و الشد و القوة فللّه في الحقيقة القوة الكاملة و الولاية النافذة و الحكم الجاري و التصرف الماضي و هو للعباد مجاز إذ لملكهم بداية و نهاية و على البعض لا الكل و على الجسم لا العرض و على النفس لا النفس و على الظاهر لا الباطن و على الحي لا الميت بخلاف المعبود الحق إذ ليس لملكه زوال و لا لملكه انتقال و قراءة مالك بالألف اكثر ثوابا من ملك لزيادة حرف فيه- يحكى- عن ابى عبد اللّه محمد بن شجاع الثلجى رحمه اللّه تعالى انه قال كان من عادتى قراءة مالك فسمعت من بعض الأدباء ان ملك ابلغ فتركت عادتى و قرأت ملك فرأيت في المنام قائلا يقول لم نقصت من حسناتك عشرا اما سمعت قول النبي صلى اللّه عليه و سلم (من قرأ القرآن كتب له بكل حرف عشر حسنات و محيت عنه عشر سيآت و رفعت له عشر درجات) فانتبهت فلم اترك عادتى حتى رأيت ثانيا في المنام انه قيل لى لم لا تترك هذه العادة اما سمعت قول النبي صلى اللّه عليه و سلم (اقرأوا القرآن فخما مفخما) اى عظيما معظما فاتيت قطربا و كان اماما في اللغة فسألته ما بين المالك و الملك فقال بينهما فرق كثير اما المالك فهو الذي ملك شيأ من الدنيا و اما الملك فهو الذي يملك الملوك* قال في تفسير الإرشاد قرأ أهل الحرمين المحترمين ملك من الملك الذي هو عبارة عن السلطان القاهر و الاستيلاء الباهر و الغلبة التامة و القدرة على التصرف الكلى في امور العامة بالأمر و النهى و هو الأنسب بمقام الاضافة الى يوم الدين انتهى و لكل وجوه ترجيح ذكرت في التفاسير فلتطالع ثمة* و الوجه في سرد الصفات الخمس كانه يقول خلقتك فانا اله ثم ربيتك بالنعم فانا رب ثم عصيت فسترت عليك فانا رحمن ثم تبت فغفرت فانا رحيم‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 16

ثم لا بد من الجزاء فانا مالك يوم الدين* و في التأويلات النجمية الاشارة فى‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ ان الدين فى الحقيقة الإسلام يدل عليه قوله تعالى‏ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ‏ و الإسلام على نوعين اسلام بالظاهر و اسلام بالباطن فاسلام الظاهر بإقرار اللسان و عمل الأركان فهذا الإسلام جسدانى و الجسداني ظلمانى و يعبر عن الليل بالظلمة و اما اسلام الباطن فبانشراح القلب و الصدر بنور اللّه تعالى فهذا الإسلام الروحاني نورانى و يعبر عن اليوم بالنور فالاسلام الجسداني يقتضى اسلام الجسد لاوامر اللّه و نواهيه و الإسلام الروحاني يقتضى استسلام القلوب و الروح لاحكام الأزلي و قضائه و قدره فمن كان موقوفا عند الإسلام الجسداني و لم يبلغ مرتبة الإسلام الروحاني و هو بعد في سير ليلة الدين متردد و متحير فيرى ملوكا و ملاكا كثيرة كما كان حال الخليل عليه السلام فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى و من تنفس صبح سعادته و طلعت شمس الإسلام الروحاني من وراء جبل نفسه من مشرق القلب فهو على نور من ربه واضح في كشف يوم الدين فيكون ورد وقته أصبحنا و أصبح الملك للّه فيشاهد بعين اليقين بل يكاشف حق اليقين ان الملك للّه و لا مالك الا مالك يوم الدين فاذا تجلى له النهار و كشف بالمالك جهارا يخاطبه و جاها و يناجيه شفاها إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ و من لطائف مالك يوم الدين ان مخالفة الملك تأول الى خراب العالم و فناء الخلق فكيف مخالفة ملك الملوك كما قال اللّه تعالى في سورة مريم‏ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ‏ و الطاعة سبب المصالح كما قال تعالى‏ نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى‏ فعلى الرعية مطاوعة الملوك و على الملوك مطاوعة ملك الملوك لينتظم مصالح العالم* و من لطائفه ايضا ان مالك يوم الدين يبين ان كمال ملكه بعد له حيث قال‏ وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فالملك المجازى ان كان عادلا كان حقا فدرت الضروع و نمت الزروع و ان كان جائرا كان باطلا فارتفع الخير- يحكى- ان انوشروان انقطع فى الصيد عن القوم فانتهى الى بستان فقال لصبى فيه أعطني رمانة فاعطاه فاستخرج من حبها ماء كثيرا سكن به عطشه فاعجبه و أضمر أخذ البستان من مالكه فسأله اخرى فكانت عفصة قليلة الماء فسأل الصبى عنه فقال لعل الملك عزم على الظلم فتاب قلبه و سأله اخرى فوجدها أطيب من الاولى فقال الصبى لعل الملك تاب فتنبه انوشروان و تاب بالكلية عن الظلم فبقى اسمه مخلدا بالعدل حتى روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه تفاخر فقال (ولدت في زمن الملك العادل) قال الفنارى في تفسير الفاتحة بل لعله تفاخر بزمنه النورانى حتى ولد فيه مثله و ذكر انوشروان دليلا على نورانية زمانه حيث لا يتصور في الكافر المسلط احسن حالا من العدل انتهى* قال الامام السخاوي في المقاصد الحسنة حديث (ولدت في زمن الملك العادل) لا اصل له و لا صحة و ان صح فاطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذي كان يدعى به لا الوصفية بالعدل و الشهادة له بذلك او وصفه بذلك على اعتقاد المعتقدين فيه انه كان عادلا كما قال اللّه تعالى‏ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ‏ اى ما كان عندهم آلهة و لا يجوز ان يسمى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من يحكم بغير حكم اللّه عادلا انتهى كلام المقاصد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (يجاء بالوالي يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل إلا زال عن مكانه فان كان مطيعا للّه في عمله مضى فيه و ان كان عاصيا للّه انخرق به الجسر فيهوى في جهنم مقدار خمسين عاما) كذا في تذكرة الموتى للامام القرطبي‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 17

قال السعدي قدس سره‏

مها زورمندى مكن بر جهان‏

كه بر يك نمط مى نماند جهان‏

نماند ستمكار بد روزكار

بماند برو لعنت پايدار

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ بنى اللّه سبحانه أول الكلام على ما هو مبادى حال العارف من الذكر و الفكر و التأمل في أسمائه و النظر في آلائه و الاستدلال بصنائعه على عظيم شانه و تأثير سلطانه ثم قفى بما هو منتهى امره و هو ان يخوض لجة الوصول و يصير من اهل المشاهدة فيراه عيانا و يناجيه شفاها اللهم اجعلنا من الواصلين الى العين دون السامعين للاثر* و فيه اشارة ايضا الى ان العابد ينبغى ان يكون نظره الى المعبود اولا و بالذات و منه الى العبادة لا من حيث انها عبادة صدرت منه بل من حيث انها نسبة شريفة و وصلة بينه و بين الحق فان العارف انما يحق وصوله إذا استغرق في ملاحظة جناب القدس و غاب عما عداه حتى انه لا يلاحظ نفسه و لا حالا من أحوالها الا من حيث انها ملاحظة له و منتسب اليه و لذلك فضل ما حكى عن حبيبه حين قال‏ (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) على ما حكاه عن كليمه حيث قال‏ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ‏ و تقديم المفعول لقصد الاختصاص اى نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك و العبادة غاية الخضوع و التذلل* و عن عكرمة جميع ما ذكر في القرآن من العبادة التوحيد و من التسبيح الصلاة و من القنوت الطاعة* و عن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان جبريل عليه السلام قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم قل يا محمد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) اى إياك نؤمل و نرجو لا غيرك و الضمير المستكن فى‏ (نَعْبُدُ) و كذا فى‏ نَسْتَعِينُ‏ للقارئ و من معه من الحفظة و حاضرى صلاة الجماعة اوله و لسائر الموحدين أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم و خلط حاجته بحاجتهم لعلها تقبل ببركتها و تجاب و لهذا شرعت الجماعة* قال الشيخ الأكبر و المسك الأذفر قدسنا اللّه بسره الأطهر في كتاب العظمة إذا كنى العبد عن نفسه بنون نفعل فليست بنون التعظيم و إذا كنى عن الحق تعالى بضمير الافراد فان ذلك لغلبة سلطان التوحيد في قلب هذا العبد و تحققه به حتى سرى في كليته فظهر ذلك في نطقه لفظا كما كان عقدا و علما و مشاهدة و عينا و هذه النون نون الجمع فان العبد و ان كان فردانى اللطيفة وحداني الحقيقة فانه غير وحداني و لا فردانى من حيث لطيفته و مركبها و هيكلها و قالبها و ما من جزء في الإنسان الا و الحق تعالى قد طالب الحقيقة الربانية التي فيه ان تلقى على هذه الاجزاء ما يليق بها من العبادات و هي في الجملة و ان كانت المدبرة فلها تكليف يخصها و يناسب ذاتها فلهذه الجمعية يقول العبد للّه تعالى نصلى و نسجد و إليك نسعى و نحفد و إياك نعبد و أمثال هذا الخطاب و لقد سألنى سائل من علماء الرسوم عن هذه المسألة و كان قد حار فيها فاجبته باجوبة منها هذا فشفى غليله و الحمد للّه انتهى كلام الشيخ قدس سره* و انما خصص العبادة به تعالى لان العبادة نهاية التعظيم فلا تليق الا بالمنعم في الغاية و هو المنعم بخلق المنتفع و بإعطاء الحياة الممكنة من الانتفاع كما قال تعالى‏ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ‏ الآية خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً و لان احوال العبد ماض و حاضر و مستقبل ففى الماضي نقله من العدم و الموت و العجز و الجهل الى الوجود و الحياة و القدرة و العلم بقدرته الازلية و في الحاضر انفتحت عليه أبواب الحاجات و لزمته اسباب الضروريات فهو رب الرحمن الرحيم و في المستقبل مالك يوم الدين يجازيه بأعماله‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 18

فمصالحه في الأحوال الثلاثة لا تستتب الا باللّه فلا مستحق للعبادة الا اللّه تعالى* ثم قوله‏ نَعْبُدُ يحتمل ان يكون من العبادة و من العبودة و العبادة هي العابدية و العبودة هي العبدية* فمن العبادة الصلاة بلا غفلة و الصوم بلا غيبة و الصدقة بلا منة و الحج بلا اراءة و الغز و بلا سمعة و العتق بلا اذية و الذكر بلا ملالة و سائر الطاعات بلا آفة* و من العبودة الرضى بلا خصومة و الصبر بلا شكاية و اليقين بلا شبهة و الشهود بلا غيبة و الإقبال بلا رجعة و الإيصال بلا قطيعة* و اقسام العبادة على ما ذكره حجة الإسلام في كتابه المسمى بالأربعين عشرة كما ان الاعتقادات التي قبلها عشرة* فالمعتقدات الذات الازلية الابدية المنعوتة بصفات الجلال و الإكرام الذي هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن اى الاول بوجوده و الآخر بصفاته و أفعاله و الظاهر بشهادته و مكوناته و الباطن بغيبه و معلوماته* ثم التقديس عما لا يليق بكماله او يشين بجماله من النقائص و الرذائل* ثم القدرة الشاملة للممكنات* ثم العلم المحيط بجميع المعلومات حتى بدبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء و ما هو أخفى منه كهواجس الضمائر و حركات الخواطر و خفيات السرائر* ثم الارادة بجميع الكائنات فلا يجرى في الملك و الملكوت قليل او كثير الا بقضائه و مشيئته مريد في الأزل لوجود الأشياء في أوقاتها المعينة فوجدت كما أرادها* ثم السمع و البصر لا يحجب سمعه بعد و لا رؤيته ظلام فيسمع من غير اصمخة و آذان و يبصر من غير حدقة و أجفان* ثم الكلام الأزلي القائم بذاته لا بصوت ككلام الخلق و ان القرآن مقروء و مكتوب و محفوظ و مع ذلك قديم قائم بذات اللّه تعالى و ان موسى سمع كلام اللّه بغير صوت و لا حرف كما يرى الأبرار ذات اللّه من غير شكل و لا لون* ثم الافعال الموصوفة بالعدل المحض فلا موجود الا و هو حادث بفعله و فائض من عدله إذ لا يضاف لغيره ملكا ليكون تصرفه فيه ظلما فلا يتصور منه ظلم و لا يجب عليه فعل فكل نعمة من فضله و كل نقمة من عدله* ثم اليوم الآخر* و العاشر النبوة المشتملة على إرسال الملائكة و إنزال الكتب* و اما العبادات العشرة فالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و قراءة القرآن و ذكر اللّه في كل حال و طلب الحلال و القيام بحقوق المسلمين و حقوق الصحبة و التاسع الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و العاشر اتباع السنة و هو مفتاح السعادة و امارة محبة اللّه كما قال تعالى‏ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‏ : قال المولى الجامى قدس سره‏

يا نبى اللّه السلام عليك‏

انما الفوز و الفلاح لديك‏

كر نرفتم طريق سنت تو

هستم از عاصيان امت تو

مانده‏ام زير بار عصيان پست‏

افتم از پاى اگر نگيرى دست‏

و جاء في بيان مراتب العباد المتوجهين الى اللّه ان الإنسان إذا فعل برا ان قصد به امرا ما غير الحق كان من الأحرار لا من العبيد و ان لم يقصد امرا بعينه بل يفعله لكونه خيرا فقط او لكونه مأمورا به لا مطلقا بل من حيث الحضور منه مع الآمر فهو الرجل فان ارتقى بحيث لا يقصد بعمله غير الحق كان تاما في الرجولية فان كان بحيث لا يفعل شيأ الا بالحق كما ورد في قرب النوافل صار تاما في المعرفة و الرجولية و ان انضم الى ما سبق حضوره مع الحق في فعله بحيث يشهده بعين الحق لا بنفسه من حيث اضافة الشهود الى اللّه و الفعل و الاضافة اليه لا الى نفسه فهو العبد المخلص المخلص عمله‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 19

فان ظهرت عليه غلبة احكام هذا المقام و الذي قبله و هو مقام فبى يسمع غير متقيد بشئ منها و لا بمجموعها مع سريان حكم شهوده الاحدى في كل مرتبة و نسبة دون الثبات على امر بعينه بل ثابتا في سعته و قبوله كل وصف و حكم عن علم صحيح منه بما اتصف به و ما انسلخ عنه في كل وقت و حال دون غفلة و حجاب فهو الكامل في العبودية و الخلافة و الإحاطة و الإطلاق كذا فى تفسير الفاتحة للصدر القنوى قدس سره* قال في التأويلات النجمية في قوله‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ رجع الى الخطاب من الغيبة لانه ليس بين المملوك و مالكه الا حجاب ملك نفس المملوك فاذا عبر من حجاب ملك النفس وصل الى مشاهدة مالك النفس كما قال ابو يزيد في بعض مكاشفاته الهى كيف السبيل إليك قال له ربه دع نفسك و تعال فللنفس اربع صفات امارة و لوامة و ملهمة و مطمئنة فامر العبد المملوك بان يذكر مالكه بأربع صفات بالصفة الإلهية و الربوبية و الرحمانية و الرحيمية فيعبر بعد مدح الالهية و شكر الربوبية و ثناء الرحمانية و تمجيد الرحيمية بقوة جذبات هذه الصفات الأربع من حجاب ممالك الصفات الأربع للنفس فيتخلص من ظلمات ليلة رين نفسه بطلوع صبح صادق مالك يوم الدين فيبقى العبد عبدا مملوكا لا يقدر على شى‏ء فيرحمه مالكه و يذكره بلسان كرمه على قضية وعده‏ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ‏ و يناديه و يخاطب نفسه‏ يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ثم يجذبه من غيبة نفسه الى شهود مالكية ربه بجذبة ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ‏ فيشاهد جمال مالكه و يناديه نداء عبد خاضع خاشع ذليل عاجز كما قرأ بعضهم مالك يوم الدين نصبا على نداء إياك نعبد* و اعلم ان النفس دنيوية تعبد هواها الدنيوي لقوله تعالى‏ أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ‏ و القلب اخروى يعبد الجنة لقوله تعالى‏ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏ و الروح قربى يعبد القربة و العندية لقوله تعالى‏ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ و السر حضرتى يعبد الحق تبارك لقوله تعالى على لسان نبيه عليه السلام (الإخلاص سر بينى و بين عبدى لا يسعه فيه ملك مقرب و لا نبى مرسل) فلما أنعم اللّه على عبده بنعمة الصلاة قسمها بينه و بين عبده كما قال تعالى على لسان نبيه عليه السلام (قسمت الصلاة بينى و بين عبدى نصفين فنصفها لى و نصفها لعبدى و لعبدى ما سأل) فتقرب العبد بنصفه الى حضرة كماله بالحمد و الثناء و الشكر على صفات جماله و جلاله و تقرب الرب على مقتضى كرمه و انعامه كما قال (من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا) بنصفه الى خلاص عبده من رق عبودية الأغيار بإخراجه من ظلمات بعضها فوق بعض من هوى الناس و مراد القلب و تعلق الروح بغير الحق الى نور وحدانيته و شهود فردانيته فاشرقت ارض النفس و سموات القلب و عرش الروح و كرسى السر بنور ربها فآمنوا كلهم أجمعون باللّه الذي خلقهم و هو مالكهم و ملكهم و كفروا بطواغيتهم التي يعبدونها و استمسكوا بالعروة الوثقى و جعلوا كلهم واحدا و قالوا إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ كرر إياك للتنصيص على اختصاصه تعالى بالاستعانة ايضا و الاستعانة طلب العون و يعدى بالباء و بنفسه اى نطلب العون على عبادتك او على ما لا طاقة لنا به او على محاربة الشيطان المانع من عبادتك او في أمورنا بما يصلحنا في دنيانا و ديننا و الجامع للاقاويل نسألك ان تعيننا على أداء الحق و اقامة الفروض و تحمل المكاره و طلب المصالح و تقديم العبادة على الاستعانة ليوافق رؤوس الآي و ليعلم منه ان تقديم الوسيلة على طلب الحاجة

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 20

ادعى الى الاجابة و إياك نعبد لما أورثه العجب اردف إياك نستعين ازالة له و إفناء للنخوة* ففى الجمع بينهما افتخار و افتقار فالافتخار بكونه عبدا عابدا و الافتقار الى معونته و توفيقه و عصمته* و فيه ايضا تحقيق لمذهب اهل السنة و الجماعة إذ فيه اثبات الفعل من العبد و التوفيق من اللّه كالخلق ففيه رد الجبرية النافين للفعل من العبد بقوله إياك نعبد و رد المعتزلة النافين للتوفيق و الخلق من اللّه بقوله إياك نستعين ثم تحقيقهما من العبد ان لا يخدم غير اللّه و لا يسأل إلا من اللّه- حكى- عن سفيان الثوري رحمه اللّه انه أم قوما في صلاة المغرب فلما قال‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ خر مغشيا عليه فلما أفاق قيل له في ذلك فقال خفت ان يقال فلم تذهب الى أبواب الأطباء و السلاطين* و في تخصيص الاستعانة بالتقديم اقتداء بالخليل عليه السلام في قيد النمرود حيث قال له جبريل عليه السلام هل لك من حاجة فقال اما إليك فلا فقال سله قال حسبى من سؤالى علمه بحالي بل ردت عليه فان الخليل قيد رجلاه و يداه لا غير فاما انا فقيدت الرجلين فلا أسير و اليدين فلا احركهما و عينى فلا انظر بهما و اذنى فلا اسمع بهما و لسانى فلا أتكلم به و انا مشرف على نار جهنم فكما لم يرض الخليل بغيرك معينا لا أريد الا عونك فاياك نستعين و كانه تعالى يقول فنحن ايضا نزيد حيث قلنا ثمة يا نار كونى بردا و سلاما على ابراهيم و اما أنت فقد نجيناك من النار و اوصلناك الى الجنة و زدنا سماع الكلام القديم و أمرنا نار جهنم تقول لك جزيا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى: قال المولى جلال الدين قدس سره‏

ز آتش مؤمن از ين رو اى صفى‏

ميشود دوزخ ضعيف و منطفى‏

كويدش بگذر سبك اى محتشم‏

ور نه ز آتشهاى تو مرد آتشم‏

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ بيان المعونة المطلوبة كانه قيل كيف أعينك فقالوا اهدنا الصراط المستقيم و ايضا ان التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية* قال في التيسير إِيَّاكَ نَعْبُدُ اظهار التوحيد وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ طلب العون عليه و قوله‏ اهْدِنَا لسؤال الثبات على دينه و هو تحقيق عبادته و استعانته و ذلك لان الثبات على الهداية أهم الحاجات إذ هو الذي سأله الأنبياء و الأولياء كما قال يوسف عليه السلام توفنى مسلما و سحرة فرعون توفنا مسلمين و الصحابة و توفنا مع الأبرار و ذلك لانه لا ينبغى ان يعتمد على ظاهر الحال فقد يتغير في المآل كما لابليس و برصيصا و بلعم بن باعورا: قال المولى جلال الدين قدس سره‏

صد هزار إبليس و بلعم در جهان‏

همچنين بودست پيدا و نهان‏

اين دو را مشهور كردانيد اله‏

تا كه باشند اين دو بر باقى كواه‏

اين دو دزد آويخت بردار بلند

ور نه اندر قهر بس دزدان بدند

و في تفسير القاضي إذا قاله العارف الواصل الى اللّه عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا و تميط غواشى أبداننا لنستضى‏ء بنور قدسك فنراك بنورك* قال المولى الفنارى و مبناه ان السير في اللّه غير متناه كما قال قطب المحققين و لا نهاية للمعلومات و المقدورات فما دام معلوم او مقدور فالشوق للعبد لا يسكن و لا يزول و اصل الهداية ان يعدى باللام او الى فعومل معاملة اختار في قوله تعالى‏ وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ‏ و الصراط المستقيم استعارة عن ملة

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 21

صفحه بعد