کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير روح البيان

الجزء العاشر

تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم سورة الملك مكية تفسير سورة ن تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الم نشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة الإيلاف تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرين تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

تفسير روح البيان


صفحه قبل

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 20

ادعى الى الاجابة و إياك نعبد لما أورثه العجب اردف إياك نستعين ازالة له و إفناء للنخوة* ففى الجمع بينهما افتخار و افتقار فالافتخار بكونه عبدا عابدا و الافتقار الى معونته و توفيقه و عصمته* و فيه ايضا تحقيق لمذهب اهل السنة و الجماعة إذ فيه اثبات الفعل من العبد و التوفيق من اللّه كالخلق ففيه رد الجبرية النافين للفعل من العبد بقوله إياك نعبد و رد المعتزلة النافين للتوفيق و الخلق من اللّه بقوله إياك نستعين ثم تحقيقهما من العبد ان لا يخدم غير اللّه و لا يسأل إلا من اللّه- حكى- عن سفيان الثوري رحمه اللّه انه أم قوما في صلاة المغرب فلما قال‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ خر مغشيا عليه فلما أفاق قيل له في ذلك فقال خفت ان يقال فلم تذهب الى أبواب الأطباء و السلاطين* و في تخصيص الاستعانة بالتقديم اقتداء بالخليل عليه السلام في قيد النمرود حيث قال له جبريل عليه السلام هل لك من حاجة فقال اما إليك فلا فقال سله قال حسبى من سؤالى علمه بحالي بل ردت عليه فان الخليل قيد رجلاه و يداه لا غير فاما انا فقيدت الرجلين فلا أسير و اليدين فلا احركهما و عينى فلا انظر بهما و اذنى فلا اسمع بهما و لسانى فلا أتكلم به و انا مشرف على نار جهنم فكما لم يرض الخليل بغيرك معينا لا أريد الا عونك فاياك نستعين و كانه تعالى يقول فنحن ايضا نزيد حيث قلنا ثمة يا نار كونى بردا و سلاما على ابراهيم و اما أنت فقد نجيناك من النار و اوصلناك الى الجنة و زدنا سماع الكلام القديم و أمرنا نار جهنم تقول لك جزيا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى: قال المولى جلال الدين قدس سره‏

ز آتش مؤمن از ين رو اى صفى‏

ميشود دوزخ ضعيف و منطفى‏

كويدش بگذر سبك اى محتشم‏

ور نه ز آتشهاى تو مرد آتشم‏

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ بيان المعونة المطلوبة كانه قيل كيف أعينك فقالوا اهدنا الصراط المستقيم و ايضا ان التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية* قال في التيسير إِيَّاكَ نَعْبُدُ اظهار التوحيد وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ طلب العون عليه و قوله‏ اهْدِنَا لسؤال الثبات على دينه و هو تحقيق عبادته و استعانته و ذلك لان الثبات على الهداية أهم الحاجات إذ هو الذي سأله الأنبياء و الأولياء كما قال يوسف عليه السلام توفنى مسلما و سحرة فرعون توفنا مسلمين و الصحابة و توفنا مع الأبرار و ذلك لانه لا ينبغى ان يعتمد على ظاهر الحال فقد يتغير في المآل كما لابليس و برصيصا و بلعم بن باعورا: قال المولى جلال الدين قدس سره‏

صد هزار إبليس و بلعم در جهان‏

همچنين بودست پيدا و نهان‏

اين دو را مشهور كردانيد اله‏

تا كه باشند اين دو بر باقى كواه‏

اين دو دزد آويخت بردار بلند

ور نه اندر قهر بس دزدان بدند

و في تفسير القاضي إذا قاله العارف الواصل الى اللّه عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا و تميط غواشى أبداننا لنستضى‏ء بنور قدسك فنراك بنورك* قال المولى الفنارى و مبناه ان السير في اللّه غير متناه كما قال قطب المحققين و لا نهاية للمعلومات و المقدورات فما دام معلوم او مقدور فالشوق للعبد لا يسكن و لا يزول و اصل الهداية ان يعدى باللام او الى فعومل معاملة اختار في قوله تعالى‏ وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ‏ و الصراط المستقيم استعارة عن ملة

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 21

الإسلام و الدين الحق تشبيها لوسيلة المقصود بوسيلة المقصد او لمحل التوجه الروحاني بمحل التوجه الجسماني و انما سمى الدين صراطا لان اللّه سبحانه و ان كان متعاليا عن الامكنة لكن العبد الطالب لا بدله من قطع المسافات و مس الآفات و تحمل المجافاة ليكرم لوصول و الموافاة* ثم في قوله‏ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ مع انه مهتد وجوه* الاول ان لا بد بعد معرفة اللّه تعالى و الاهتداء بها من معرفة الخط المتوسط بين الافراط و التفريط في الأعمال الشهوية و الغضبية و انفاق المال و المطلوب ان يهديه الى الوسط* و الثاني انه و ان عرف اللّه بدليل فهناك ادلة اخرى فمعنى اهدنا عرفنا ما في كل شى‏ء من كيفية دلالته على ذاتك و صفاتك و افعالك* و الثالث ان معناه بموجب قوله تعالى‏ وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً طلب الاعراض عما سوى اللّه و ان كان نفسه و الإقبال بالكلية عليه حتى لو امر بذبح ولده كابراهيم عليه السلام او بان ينقاد للذبح كاسمعيل عليه السلام او بان يرمى نفسه في البحر كيونس عليه السلام او بان يتلمذ مع بلوغه أعلى درجات الغايات كموسى عليه السلام او ان يصير في الأمر بالمعروف على القتل و الشق بنصفين كيحيى و زكريا عليهما السلام فعل و هذا مقام هائل الا ان في قوله‏ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ دون ان يقول صراط الذين ضربوا و قتلوا تيسير اما و ترغيبا الى مقام الأنبياء و الأولياء من حيث إنعامهم ثم الاستقامة الاعتدالية ثم الثبات عليها امر صعب و لذا قال النبي صلى اللّه عليه و سلم (شيبتنى هود و أخواتها) حيث ورد فيها فاستقم كما أمرت فان الإنسان من حيث نشأته و قواه الظاهرة و الباطنة مشتمل على صفات و اخلاق طبيعية و روحانية و لكل منها طرفا افراط و تفريط و الواجب معرفة الوسط من كل ذلك و البقاء عليه و بذلك وردت الأوامر و نطقت الآيات كقوله تعالى‏ وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً الآية حرضه على الوسط بين البخل و الإسراف و كقوله صلى اللّه عليه و سلم لمن سأله مستشيرا فى الترهب و صيام الدهر و قيام الليل كله بعد زجره إياه (ان لنفسك عليك حقا و لزوجك عليك حقا و لزورك عليك حقا فصم و أفطر و قم و نم) و هكذا في الأحوال كلها نحو قوله تعالى‏ وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ و لما رأى صلى اللّه عليه و سلم عمر رضى اللّه عنه يقرأ رافعا صوته سأله فقال او قظ الوسنان و اطرد الشيطان فقال عليه السلام (اخفض من صوتك قليلا) و اتى أبا بكر رضى اللّه عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد أسمعت من ناجيت فقال عليه السلام (ارفع من صوتك قليلا) و هكذا الأمر في باقى الأخلاق فان الشجاعة صفة متوسطة بين الهور و الجبن و البلاغة بين الإيجاز المجحف و الاطناب المفرط و شريعتنا قد تكفلت ببيان ميزان الاعتدال في كل ترغيب و ترهيب و حال و حكم و صفة و خلق حتى عينت للمذمومة مصارف إذا استعملت فيها كانت محمودة كالمنع للّه و البغض للّه* و المستقيم على اقسام منها مستقيم بقوله و فعله و قلبه و مستقيم بقلبه و فعله دون قوله اى لم يعلم أحدا و لهذين الفوز و الاول أعلى و مستقيم بفعله و قوله دون قلبه و هذا يرجى له النفع بغيره و منها مستقيم بقوله و قلبه دون فعله و مستقيم بقوله دون فعله و قلبه و مستقيم بقلبه دون قوله و فعله و مستقيم بفعله دون قوله و قلبه و هؤلاء الاربعة عليهم لا لهم و ان كان بعضهم فوق بعض و ليس المراد بالاستقامة بالقول ترك الغيبة و النميمة و شبههما فان الفعل يشمل ذلك‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 22

انما المراد بها ارشاد الغير الى الصراط المستقيم و قد يكون عريا مما يرشد اليه مثال اجتماعها رجل تفقه فى امر صلاته و حققها ثم علمها غيره فهذا مستقيم في قوله ثم حضر وقتها فاداها على ما علمها محافظا على أركانها الظاهرة فهذا مستقيم في فعله ثم علم ان مراد اللّه منه من تلك الصلاة حضور قلبه معه فاحضره فهذا مستقيم بقلبه و قس على ذلك بقية الاقسام* و في التأويلات النجمية ان اقسام الهداية ثلاثة* الاولى هداية العامة اى عامة الحيوانات الى جلب منافعها و سلب مضارها و اليه أشار بقوله تعالى‏ أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ و قوله‏ وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ و الثانية هداية الخاصة اى للمؤمنين الى الجنة و اليه الاشارة بقوله تعالى‏ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ الآية* و الثالثة هداية الأخص و هي هداية الحقيقة الى اللّه باللّه و اليه الاشارة بقوله تعالى‏ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‏ و قوله‏ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏ رَبِّي سَيَهْدِينِ‏ و قوله‏ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ‏ و قوله‏ وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ اى كنت ضالا فى تيه وجودك فطلبتك بجودي و وجدتك بفضلي و لطفى و هديتك بجذبات عنايتى و نور هدايتى الى و جعلتك نورا فاهدى بك الى من أشاء من عبادى فمن اتبعك و طلب رضاك فنخرجهم من ظلمات الوجود البشرى الى نور الوجود الروحاني و نهديهم الى صراط مستقيم كما قال تعالى‏ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ‏ و الصراط المستقيم هو الدين القويم و هو ما يدل عليه القرآن العظيم و هو خلق سيد المرسلين صلى اللّه عليه و سلم فيما قال تعالى‏ وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏ ثم هو اما الى الجنة و ذلك لاصحاب اليمين كما قال تعالى‏ وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى‏ دارِ السَّلامِ‏ الآية و اما الى اللّه تعالى و هذا للسابقين المتقربين كما قال تعالى‏ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ‏ و كل ما يكون لاصحاب اليمين يحصل للسابقين و هم سابقون على اصحاب اليمين بما لهم من شهود الجمال و كشف الجلال و هذا خاصة لسيد المرسلين و متابعيه كما قال تعالى‏ قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي‏ : قال الشيخ سعدى قدس سره‏

اگر جز بحق مى‏رود جاده‏ات‏

در آتش فشانند سجاده‏ات‏

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ بدل من الاول بدل الكل و الانعام إيصال النعمة و هي في الأصل الحالة التي يستلذها الإنسان فاطلقت على ما يستلذه من نعمة الدين الحق* قال ابو العباس ابن عطاء هؤلاء المنعم عليهم هم طبقات فالعارفون أنعم اللّه عليهم بالمعرفة و الأولياء أنعم اللّه عليهم بالصدق و الرضى و اليقين و الصفوة و الأبرار أنعم اللّه عليهم بالحلم و الرأفة و المريدون أنعم اللّه عليهم بحلاوة الطاعة و المؤمنون أنعم اللّه عليهم بالاستقامة* و قيل هم الأنبياء و الصديقون و الشهداء و الصالحون كما قال تعالى‏ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ‏ و أضيف الصراط هنا الى العباد و في قوله‏ وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً الى ذاته تعالى كما أضيف الدين و الهدى تارة الى اللّه تعالى نحو أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ‏ و إِنَّ الْهُدى‏ هُدَى اللَّهِ‏ و تارة الى العباد نحو الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ و فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ‏ و سره من وجوه* الاول بيان ان ذلك كله له شرعا و لنا نفعا كما قال تعالى‏ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ‏ * و الثاني انه له ارتضاء و اختيارا و لنا سلوكا و ائتمارا* و الثالث انه اضافه الى نفسه قطعا لعجب العبد و الى العبد تسلية لقلبه* و الرابع انه اضافه‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 23

الى العبد تشريفا له و تقريبا و الى نفسه قطعا لطمع إبليس عنه كما قيل لما نزل قوله تعالى‏ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ قال الشيطان ان لم اقدر على سلب عزة اللّه و رسوله أسلب عزة المؤمنين فقال اللّه تعالى‏ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً فقطع طمعه كذا في التيسير* و تكرار الصراط اشارة الى ان الصراط الحقيقي صراطان من العبد الى الرب و من الرب الى العبد فالذى من العبد الى الرب طريق مخوف كم قطع فيه القوافل و انقطع به الرواحل و نادى منادى العزة لاهل العزة الطلب رد و السبيل سد و قاطع الطريق يقطع على هذا الفريق‏ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ‏ الآية و الذي من الرب الى العبد طريق آمن و بالأمان كائن قد سلم فيه القوافل و بالنعم محفوف المنازل يسير فيه سيارته و يقاد بالدلائل قادته‏ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ‏ الآية اى أنعم اللّه على أسرارهم بانوار العناية و على أرواحهم باسرار الهداية و على قلوبهم بآثار الولاية و على نفوسهم فى قمع الهوى و قهر الطبع و حفظ الشرع بالتوفيق و الرعاية و في مكايد الشيطان بالمراقبة و الكلاية* و النعم اما ظاهرة كارسال الرسل و إنزال الكتب و توفيق قبول دعوة الرسل و اتباع السنة و اجتناب البدعة و انقياد النفس للاوامر و النواهي و الثبات على قدم الصدق و لزوم العبودية* و اما باطنة و هي ما أنعم على أرواحهم في بداية الفطرة باصابة رشاش نوره كما قال عليه السلام (ان اللّه خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى و من اخطأه فقد ضل) فكان فتح باب صراط اللّه الى العبد من رشاش ذلك النور و أول الغيث رش ثم ينسكب فالمؤمنون ينظرون بذلك النور المرشوش الى مشاهدة المغيث و ينتظرون الغيث و يستعينون‏ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ بجذبات الطافك و فتحت عليهم أبواب فضلك ليهتدوا بك إليك فأصابوا بما أصابهم بك منك كذا في التأويلات النجمية* قال الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره في الفكوك في تأويل الحديث المذكور لا شك ان الوجود المحض يتعقل فى مقابلته العدم المضاد له فان للعدم تعينا فى التعقل لا محالة و له الظلمة كما ان الوجود له النورانية و لهذا يوصف الممكن بالظلمة فانه يتنور بالوجود فيظهر فظلمته من أحد وجهيه الذي يلى العدم و كل نقص يلحق الممكن و يوصف به انما ذلك من احكام النسبة العدمية و اليه الاشارة بقول النبي صلى اللّه تعالى عليه و سلم (ان اللّه خلق الخلق في ظلمه ثم رش عليه من نوره فظهر) و خلق هاهنا بمعنى التقدير فان التقدير سابق على الإيجاد ورش النور كناية عن افاضة الوجود على الممكنات فاعلم ذلك انتهى كلام الشيخ‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ بدل من الذين على معنى ان المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب و الضلال* و كلمة غير على ثلاثة أوجه الاول بمعنى المغايرة و فارسيته «جز» قال اللّه تعالى‏ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ‏ و الثاني بمعنى لا و فارسيته «نا» قال تعالى‏ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ و الثالث بمعنى الا و فارسيته «مكر» قال تعالى‏ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ و صرفها هاهنا على هذه الوجوه محتمل غير ان معنى الاستثناء مخصوص بقراءة النصب* و الغضب ثوران النفس عند ارادة الانتقام يعنى انه حالة نفسانية تحصل عند غليان النفس و دم القلب لشهوة الانتقام و هنا نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الاخذ الأليم او البطش الشديد او هتك الأستار

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 24

و التعذيب بالنار لان القاعدة التفسيرية ان الافعال التي لها أوائل بدايات و اواخر غايات إذا لم يمكن إسنادها الى اللّه باعتبار البدايات يراد بها حين الاسناد غاياتها كالغضب و الحياء و التكبر و الاستهزاء و الغم و الفرح و الضحك و البشاشة و غيرها و الضلال العدول عن الطريق السوي عمدا او خطأ* و المراد بالمغضوب عليهم العصاة و بالضالين الجاهلون باللّه لان المنعم عليهم هم الجامعون بين العلم و العمل فكان المقابل لهم من اختل احدى قوتيه العاقلة و العاملة و المخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى في القاتل عمدا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ‏ و المخل بالعلم جاهل ضال كقوله تعالى‏ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ‏ او المغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى فى حقهم‏ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ‏ و الضالون النصارى لقوله تعالى في حقهم‏ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً و ليس المراد تخصيص نسبة الغضب باليهود و نسبة الضلال بالنصارى لان الغضب قد نسب ايضا الى النصارى و كذا الضلال قد نسب الى اليهود في القرآن بل المراد انهما إذا تقابلا فالتعبير بالغضب الذي هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود أليق لغاية تمردهم فى كفرهم من اعتدائهم و قتلهم الأنبياء. و قولهم‏ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ و غير ذلك* فان قلت من المعلوم ان المنعم عليهم غير الفريقين فما الفائدة فى ذكرهما بعدهم* قلت فائدته وصف ايمانهم بكمال الخوف من حال الطائفتين بعد وصفه بكمال الرجاء في قوله‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ قال عليه السلام (لو وزن خوف المؤمن و رجاؤه لاعتدلا)* و اعلم ان حكم الغضب الإلهي تكميل مرتبة قبضة الشمال فانه و ان كان كلتا يديه المقدستين يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فالارض جميعا قبضته و السموات مطويات بيمينه فلليد الواحدة المضاف إليها عموم السعداء الرحمة و الحنان و للاخرى القهر و الغضب و لوازمهما فسر حكم الغضب هو التكميل المشار اليه في الجمع بين حكم اليدين و الوقاية و لصاحب الاكلة إذا ظهرت في عضو واحد و قدر أن يكون الطبيب والده او صديقه او شقيقه فانه مع فرط محبته يبادر لقطع العضو المعتل لما لم يكن فيه قابلية الصلاح و السر الثالث التطهير كالذهب الممزوج بالرصاص و النحاس إذا قصد تمييزه لا بد و ان يجعل في النار الشديدة و الضلال هو الحيرة فمنها ما هي مذمومة و منها ما هي محمودة و لها ثلاث مراتب حيرة اهل البدايات و حيرة المتوسطين من اهل الكشف و الحجاب و حيرة أكابر المحققين و أول مزيل للحيرة الاولى تعين المطلب المرجح كرضى اللّه و التقرب اليه و الشهود الذاتي ثم معرفة الطريق الموصل كملازمة شريعة الكمل ثم السبب المحصل كالمرشد ثم ما يمكن الاستعانة به في تحصيل الغرض من الذكر و الفكر و غيرهما ثم معرفة العوائق و كيفية إزالتها كالنفس و الشيطان فاذا تعينت هذه الأمور الخمسة حينئذ تزول هذه الحيرة و حيرة الأكابر محمودة لا تظنن ان هذه الحيرة سببها قصور في الإدراك و نقص مانع من كمال الجلاء هنا و الاستجلاء لما هناك بل هذه حيرة يظهر حكمها بعد كمال التحقق بالمعرفة و الشهود و معاينة سر كل وجود و الاطلاع التام على احدية الوجود* و في تفسير النجم‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ هم الذين اخطأهم ذلك النور فضلوا فى تيه هوى النفس و تاهوا في ظلمات الطبع و التقليد فغضب اللّه عليهم مثل اليهود و لعنهم‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 25

بالطرد و التبعيد حتى لم يهتدوا الى الشرع القويم و وقعوا عن الصراط المستقيم اى عن المرتبة الانسانية التي خلق فيها الإنسان في احسن تقويم و مسخوا قردة و خنازير صورة او معنى او لما وقعوا عن الصراط المستقيم في سد البشرية نسوا ألطاف الربوبية و ضلوا عن صراط التوحيد فاخذهم الشيطان بشرك الشرك كالنصارى فاتخذوا الهوى الها و الدنيا الها و قالوا ثالِثُ ثَلاثَةٍ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ‏ هذا بحسب أول الحال و فيه وجه آخر معتبر فيه عارض المآل و هو ان يراد غير المغضوب عليهم بالغيبة بعد الحضور و المحنة بعد السرور و الظلمة غب النور نعوذ باللّه من الحور بعد الكور اى من الرجوع الى النقصان بعد الزيادة و لا الضالين بغلبة الفسق و الفجور و انقلاب السرور بالشرور و وجه ثالث يعبر في السلوك الى ملك الملوك و هو غير المغضوب عليهم بالاحتباس في المنازل و الانقطاع عن القوافل و لا الضالين بالصدود عن المقصود* آمِّينَ‏ * اسم فعل بمعنى استجب معناه يا اللّه استجب دعاءنا او افعل يا رب بنى على الفتح كأين و كيف لالتقاء الساكنين و ليست من القرآن اتفاقا لانها لم تكتب في الامام و لم ينقل أحد من الصحابة و التابعين و من بعدهم رضى اللّه تعالى عنهم انها قرآن لكن يسن ان يقول القارئ بعد الفاتحة آمين مفصولة عنها لقوله عليه السلام (علمنى جبريل آمين عند فراغى من قراءة الفاتحة و قال انه كالختم على الكتاب) و زاده على رضى اللّه عنه توضيحا فقال [آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عبده‏] فسره ان الخاتم كما يمنع عن المختوم الاطلاع عليه و التصرف فيه يمنع آمين عن دعاء العبد الخيبة* و قال وهب يخلق بكل حرف منه ملك يقول اللهم اغفر لمن قال آمين و في الحديث (الداعي و المؤمن شريكان) يعنى به قوله تعالى‏ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال عليه السلام (إذا قال الامام و لا الضالين فقولوا آمين فان الملائكة تقولها فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) و سره ما مر فى كلام وهب اما لموافقة فقيل في الزمان و قيل في الإخلاص و التوجه الاحدى* و اختلف في هؤلاء الملائكة قيل هم الحفظة و قيل غيرهم و يعضده ما روى انه عليه السلام قال (فان من وافق قوله قول اهل السماء) و يمكن ان يجمع بين القولين بان يقولها الحفظة و اهل السماء ايضا* قال المولى الفنارى في تفسير الفاتحة ان الفاتحة نسخة الكمال لمن اخرج للاستكمال من ظلمة العدم و الاستهلاك في نور القدم الى أنوار الروحانية ثم بواسطة النفخ الى عالم الجسمانية ليكمل مرتبة الانسانية التي لجمعيتها مظنة الانانية فاحتاج الى طلب الهداية الى منهاج العناية التي منها جاء ليرجع من الوجود الى العدم بل من الحدوث الى القدم فيفقد الموجود فقد انا لا يجده ليجد المفقود وجدانا لا يفقده و لما حصل لهم رتبة الكمال بقبول هذا السؤال كما قال و لعبدى ما سأل فاضافه الى نفسه بلام التمليك ثم ختم أكرم الأكرمين نسخة حالهم بخاتم آمين اشارة الى ان عباده المخلصين ليس لاحد من العالمين ان يتصرف فيهم بان يفك خاتم رب العالمين و لهذا ايس إبليس فقال‏ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏ * و عدد آيات سورة الفاتحة سبع في قول الجمهور على ان احداها ما آخرها أنعمت عليهم لا التسمية او بالعكس و عدد كلماتها* ففى التيسير انها خمس و عشرون و حروفها مائة و ثلاثة و عشرون* و في عين المعاني كلماتها سبع و عشرون و حروفها مائة و اثنان و أربعون و سبب‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 26

صفحه بعد