کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير روح البيان

الجزء العاشر

تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم سورة الملك مكية تفسير سورة ن تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الم نشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة الإيلاف تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرين تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

تفسير روح البيان


صفحه قبل

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 23

الى العبد تشريفا له و تقريبا و الى نفسه قطعا لطمع إبليس عنه كما قيل لما نزل قوله تعالى‏ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ قال الشيطان ان لم اقدر على سلب عزة اللّه و رسوله أسلب عزة المؤمنين فقال اللّه تعالى‏ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً فقطع طمعه كذا في التيسير* و تكرار الصراط اشارة الى ان الصراط الحقيقي صراطان من العبد الى الرب و من الرب الى العبد فالذى من العبد الى الرب طريق مخوف كم قطع فيه القوافل و انقطع به الرواحل و نادى منادى العزة لاهل العزة الطلب رد و السبيل سد و قاطع الطريق يقطع على هذا الفريق‏ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ‏ الآية و الذي من الرب الى العبد طريق آمن و بالأمان كائن قد سلم فيه القوافل و بالنعم محفوف المنازل يسير فيه سيارته و يقاد بالدلائل قادته‏ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ‏ الآية اى أنعم اللّه على أسرارهم بانوار العناية و على أرواحهم باسرار الهداية و على قلوبهم بآثار الولاية و على نفوسهم فى قمع الهوى و قهر الطبع و حفظ الشرع بالتوفيق و الرعاية و في مكايد الشيطان بالمراقبة و الكلاية* و النعم اما ظاهرة كارسال الرسل و إنزال الكتب و توفيق قبول دعوة الرسل و اتباع السنة و اجتناب البدعة و انقياد النفس للاوامر و النواهي و الثبات على قدم الصدق و لزوم العبودية* و اما باطنة و هي ما أنعم على أرواحهم في بداية الفطرة باصابة رشاش نوره كما قال عليه السلام (ان اللّه خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى و من اخطأه فقد ضل) فكان فتح باب صراط اللّه الى العبد من رشاش ذلك النور و أول الغيث رش ثم ينسكب فالمؤمنون ينظرون بذلك النور المرشوش الى مشاهدة المغيث و ينتظرون الغيث و يستعينون‏ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ بجذبات الطافك و فتحت عليهم أبواب فضلك ليهتدوا بك إليك فأصابوا بما أصابهم بك منك كذا في التأويلات النجمية* قال الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره في الفكوك في تأويل الحديث المذكور لا شك ان الوجود المحض يتعقل فى مقابلته العدم المضاد له فان للعدم تعينا فى التعقل لا محالة و له الظلمة كما ان الوجود له النورانية و لهذا يوصف الممكن بالظلمة فانه يتنور بالوجود فيظهر فظلمته من أحد وجهيه الذي يلى العدم و كل نقص يلحق الممكن و يوصف به انما ذلك من احكام النسبة العدمية و اليه الاشارة بقول النبي صلى اللّه تعالى عليه و سلم (ان اللّه خلق الخلق في ظلمه ثم رش عليه من نوره فظهر) و خلق هاهنا بمعنى التقدير فان التقدير سابق على الإيجاد ورش النور كناية عن افاضة الوجود على الممكنات فاعلم ذلك انتهى كلام الشيخ‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ بدل من الذين على معنى ان المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب و الضلال* و كلمة غير على ثلاثة أوجه الاول بمعنى المغايرة و فارسيته «جز» قال اللّه تعالى‏ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ‏ و الثاني بمعنى لا و فارسيته «نا» قال تعالى‏ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ و الثالث بمعنى الا و فارسيته «مكر» قال تعالى‏ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ و صرفها هاهنا على هذه الوجوه محتمل غير ان معنى الاستثناء مخصوص بقراءة النصب* و الغضب ثوران النفس عند ارادة الانتقام يعنى انه حالة نفسانية تحصل عند غليان النفس و دم القلب لشهوة الانتقام و هنا نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الاخذ الأليم او البطش الشديد او هتك الأستار

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 24

و التعذيب بالنار لان القاعدة التفسيرية ان الافعال التي لها أوائل بدايات و اواخر غايات إذا لم يمكن إسنادها الى اللّه باعتبار البدايات يراد بها حين الاسناد غاياتها كالغضب و الحياء و التكبر و الاستهزاء و الغم و الفرح و الضحك و البشاشة و غيرها و الضلال العدول عن الطريق السوي عمدا او خطأ* و المراد بالمغضوب عليهم العصاة و بالضالين الجاهلون باللّه لان المنعم عليهم هم الجامعون بين العلم و العمل فكان المقابل لهم من اختل احدى قوتيه العاقلة و العاملة و المخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى في القاتل عمدا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ‏ و المخل بالعلم جاهل ضال كقوله تعالى‏ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ‏ او المغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى فى حقهم‏ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ‏ و الضالون النصارى لقوله تعالى في حقهم‏ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً و ليس المراد تخصيص نسبة الغضب باليهود و نسبة الضلال بالنصارى لان الغضب قد نسب ايضا الى النصارى و كذا الضلال قد نسب الى اليهود في القرآن بل المراد انهما إذا تقابلا فالتعبير بالغضب الذي هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود أليق لغاية تمردهم فى كفرهم من اعتدائهم و قتلهم الأنبياء. و قولهم‏ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ و غير ذلك* فان قلت من المعلوم ان المنعم عليهم غير الفريقين فما الفائدة فى ذكرهما بعدهم* قلت فائدته وصف ايمانهم بكمال الخوف من حال الطائفتين بعد وصفه بكمال الرجاء في قوله‏ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ قال عليه السلام (لو وزن خوف المؤمن و رجاؤه لاعتدلا)* و اعلم ان حكم الغضب الإلهي تكميل مرتبة قبضة الشمال فانه و ان كان كلتا يديه المقدستين يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فالارض جميعا قبضته و السموات مطويات بيمينه فلليد الواحدة المضاف إليها عموم السعداء الرحمة و الحنان و للاخرى القهر و الغضب و لوازمهما فسر حكم الغضب هو التكميل المشار اليه في الجمع بين حكم اليدين و الوقاية و لصاحب الاكلة إذا ظهرت في عضو واحد و قدر أن يكون الطبيب والده او صديقه او شقيقه فانه مع فرط محبته يبادر لقطع العضو المعتل لما لم يكن فيه قابلية الصلاح و السر الثالث التطهير كالذهب الممزوج بالرصاص و النحاس إذا قصد تمييزه لا بد و ان يجعل في النار الشديدة و الضلال هو الحيرة فمنها ما هي مذمومة و منها ما هي محمودة و لها ثلاث مراتب حيرة اهل البدايات و حيرة المتوسطين من اهل الكشف و الحجاب و حيرة أكابر المحققين و أول مزيل للحيرة الاولى تعين المطلب المرجح كرضى اللّه و التقرب اليه و الشهود الذاتي ثم معرفة الطريق الموصل كملازمة شريعة الكمل ثم السبب المحصل كالمرشد ثم ما يمكن الاستعانة به في تحصيل الغرض من الذكر و الفكر و غيرهما ثم معرفة العوائق و كيفية إزالتها كالنفس و الشيطان فاذا تعينت هذه الأمور الخمسة حينئذ تزول هذه الحيرة و حيرة الأكابر محمودة لا تظنن ان هذه الحيرة سببها قصور في الإدراك و نقص مانع من كمال الجلاء هنا و الاستجلاء لما هناك بل هذه حيرة يظهر حكمها بعد كمال التحقق بالمعرفة و الشهود و معاينة سر كل وجود و الاطلاع التام على احدية الوجود* و في تفسير النجم‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ هم الذين اخطأهم ذلك النور فضلوا فى تيه هوى النفس و تاهوا في ظلمات الطبع و التقليد فغضب اللّه عليهم مثل اليهود و لعنهم‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 25

بالطرد و التبعيد حتى لم يهتدوا الى الشرع القويم و وقعوا عن الصراط المستقيم اى عن المرتبة الانسانية التي خلق فيها الإنسان في احسن تقويم و مسخوا قردة و خنازير صورة او معنى او لما وقعوا عن الصراط المستقيم في سد البشرية نسوا ألطاف الربوبية و ضلوا عن صراط التوحيد فاخذهم الشيطان بشرك الشرك كالنصارى فاتخذوا الهوى الها و الدنيا الها و قالوا ثالِثُ ثَلاثَةٍ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ‏ هذا بحسب أول الحال و فيه وجه آخر معتبر فيه عارض المآل و هو ان يراد غير المغضوب عليهم بالغيبة بعد الحضور و المحنة بعد السرور و الظلمة غب النور نعوذ باللّه من الحور بعد الكور اى من الرجوع الى النقصان بعد الزيادة و لا الضالين بغلبة الفسق و الفجور و انقلاب السرور بالشرور و وجه ثالث يعبر في السلوك الى ملك الملوك و هو غير المغضوب عليهم بالاحتباس في المنازل و الانقطاع عن القوافل و لا الضالين بالصدود عن المقصود* آمِّينَ‏ * اسم فعل بمعنى استجب معناه يا اللّه استجب دعاءنا او افعل يا رب بنى على الفتح كأين و كيف لالتقاء الساكنين و ليست من القرآن اتفاقا لانها لم تكتب في الامام و لم ينقل أحد من الصحابة و التابعين و من بعدهم رضى اللّه تعالى عنهم انها قرآن لكن يسن ان يقول القارئ بعد الفاتحة آمين مفصولة عنها لقوله عليه السلام (علمنى جبريل آمين عند فراغى من قراءة الفاتحة و قال انه كالختم على الكتاب) و زاده على رضى اللّه عنه توضيحا فقال [آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عبده‏] فسره ان الخاتم كما يمنع عن المختوم الاطلاع عليه و التصرف فيه يمنع آمين عن دعاء العبد الخيبة* و قال وهب يخلق بكل حرف منه ملك يقول اللهم اغفر لمن قال آمين و في الحديث (الداعي و المؤمن شريكان) يعنى به قوله تعالى‏ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال عليه السلام (إذا قال الامام و لا الضالين فقولوا آمين فان الملائكة تقولها فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) و سره ما مر فى كلام وهب اما لموافقة فقيل في الزمان و قيل في الإخلاص و التوجه الاحدى* و اختلف في هؤلاء الملائكة قيل هم الحفظة و قيل غيرهم و يعضده ما روى انه عليه السلام قال (فان من وافق قوله قول اهل السماء) و يمكن ان يجمع بين القولين بان يقولها الحفظة و اهل السماء ايضا* قال المولى الفنارى في تفسير الفاتحة ان الفاتحة نسخة الكمال لمن اخرج للاستكمال من ظلمة العدم و الاستهلاك في نور القدم الى أنوار الروحانية ثم بواسطة النفخ الى عالم الجسمانية ليكمل مرتبة الانسانية التي لجمعيتها مظنة الانانية فاحتاج الى طلب الهداية الى منهاج العناية التي منها جاء ليرجع من الوجود الى العدم بل من الحدوث الى القدم فيفقد الموجود فقد انا لا يجده ليجد المفقود وجدانا لا يفقده و لما حصل لهم رتبة الكمال بقبول هذا السؤال كما قال و لعبدى ما سأل فاضافه الى نفسه بلام التمليك ثم ختم أكرم الأكرمين نسخة حالهم بخاتم آمين اشارة الى ان عباده المخلصين ليس لاحد من العالمين ان يتصرف فيهم بان يفك خاتم رب العالمين و لهذا ايس إبليس فقال‏ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏ * و عدد آيات سورة الفاتحة سبع في قول الجمهور على ان احداها ما آخرها أنعمت عليهم لا التسمية او بالعكس و عدد كلماتها* ففى التيسير انها خمس و عشرون و حروفها مائة و ثلاثة و عشرون* و في عين المعاني كلماتها سبع و عشرون و حروفها مائة و اثنان و أربعون و سبب‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 26

الاختلاف بعد عدم اعتبار البسملة اعتبار الكلمات المنفصلة كتابة او المستقلة تلفظا و اعتبار الحروف الملفوظة او المكتوبة او غيرهما* و سئل عطاء أي وقت أنزلت فاتحة الكتاب قال أنزلت بمكة يوم الجمعة كرامة أكرم اللّه بها محمدا عليه السلام و كان معها سبعة آلاف ملك حين نزل بها جبريل على محمد عليهما السلام* روى ان عيرا قدمت من الشام لابى جهل بمال عظيم و هي سبع فرق و رسول اللّه و أصحابه ينظرون إليها و اكثر الصحابة بهم جوع و عرى فخطر ببال النبي صلى اللّه عليه و سلم شى‏ء لحاجة أصحابه فنزل قوله تعالى‏ وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏ اى مكان سبع قوافل لابى جهل لا ينظر الى ما أعطيناك مع جلالة هذه العطية فلم تنظر الى ما أعطيته من متاع الدنيا الدنية و لما علم اللّه ان تمنيه لم يكن لنفسه بل لاصحابه قال‏ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏ و امره بما يزيد نفعه على نفع المال فقال‏ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ فان تواضعك أطيب لقلوبهم من ظفرهم بمحبوبهم و من فضائلها ايضا قوله عليه السلام (لو كانت في التوراة لما تهود قوم موسى و لو كانت في الإنجيل لما تنصر قوم عيسى و لو كانت فى الزبور لما مسخ قوم داود عليهم السلام و أيما مسلم قرأها أعطاه اللّه من الاجر كانما قرأ القرآن كله و كأنما تصدق على كل مؤمن و مؤمنة) و من فضائلها ايضا ان الحروف المعجمة فيها اثنان و عشرون و أعوان النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد الوحى اثنان و عشرون و ان ليست فيها سبعة أحرف ثاء الثبور و جيم الجحيم و خاء الخوف و زاى الزقوم و شين الشقاوة و ظاء الظلمة وفاء الفراق فمعتقد هذه السورة و قارئها على التعظم و الحرمة آمن من هذه الأشياء السبعة و عن حذيفة رضى اللّه عنه انه عليه السلام قال (ان القوم ليبعث اللّه عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبى من صبيانهم في المكتب الحمد للّه رب العالمين فيسمعه و يرفع عنهم بسببه العذاب أربعين سنة) و قد مر ما روى من إيداع علوم جميع الكتب في القرآن ثم في الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكل و من قرأها فكأنما قرأ الكل* قال تفسير الكبير و السبب ان المقصود من جميع الكتب علم الأصول و الفروع و المكاشفات و قد علم اشتمالها عليها* قال الفنارى و ذلك لما علم ان أولها الى قوله تعالى‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ اشارة الى العقائد المبدئية المتعلقة بالآلهيات ذاتا و صفة و فعلا لان حصر الحمد يقتضى حصر الكمالات الذاتية و الوصفية و الفعلية ثم بالنبوات و الولايات لانهما اجلاء النعم او اخصاؤها ثم الى العقائد المعادية لكونه مالكا للامر كله يوم المعاد و أوسطها من قوله‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ الى اقسام الاحكام الرابطة بين الحق و العبد من العبادات و ذلك ظاهر من المعاملات و المزاجر لان الاستعانة الشرعية اما لجلب المنافع او لدفع المضار و آخرها الى طلب المؤمنين وجوه الهداية المرتبة على الايمان المشار اليه في القسم الاول و الإسلام المشار اليه في القسم الثاني و هي وجوه الإحسان اعنى المراتب الثلاث من الأخلاق الروحانية المحمودة ثم المراقبات المعهودة في قوله عليه السلام (ان تعبد اللّه كأنك تراه) ثم الكمالات المشهودة عند الاستغراق فى مطالع الجلال الرافع لكاف التشبيه الذي في ذلك الخبر و الدافع لغضب تنزيه الجبر و ضلال نسبة القدر و هذه هي المسماة بعلوم المكاشفات و اللّه اعلم باسرار كلية المبطنات‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 27

سورة البقرة

مدنية و آياتها مائتان و سبع و ثمانون ان قلت أي سورة أطول و آيها اقصر و أي آية أطول و آيها اقصر قلت قال اهل التفسير أطول سورة في القرآن البقرة و أقصرها الكوثر و أطول آية آية الدين و أقصرها آية و الضحى و الفجر و أطول كلمة فيه كلمة فَأَسْقَيْناكُمُوهُ‏ فان قلت ما الحكمة فى ان سورة البقرة أعظم السور ما عدا الفاتحة الجواب لانها فصلت فيها الاحكام و ضربت الأمثال و أقيمت الحجج إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه و لذلك سميت فسطاط القرآن* قال ابن العربي في احكام القرآن سمعت بعض أشياخي يقول فيها الف امر و الف نهى و الف حكم و الف خبر و لعظم فقهها اقام ابن عمر رضى اللّه عنهما ثمانى سنين على تعلمها كذا في اسئلة الحكم* قال الامام في التفسير الكبير اعلم انه مر على لسانى في بعض الأوقات ان هذه السورة الكريمة يمكن ان يستنبط من فوائدها و نفائسها عشرة آلاف مسألة فاستبعد هذا بعض الحساد و قوم من اهل الجهل و الغى و العناد و حملوا ذلك على ما الفوه من أنفسهم من التصلفات الفارغة عن المعاني و الكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد و المبانى فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب قدمت هذه المقدمة لتصير كالتنبيه على ان ما ذكرنا امر ممكن الحصول قريب الوصول انتهى* و انما سورت السور طوالا و اوساطا و قصارا تنبيها على ان الطول ليس من شرط الاعجاز فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات و هي معجزة اعجاز سورة البقرة ثم ظهرت لذلك التسوير حكمة في التعليم و تدريج الأطفال من السور القصار الى ما فوقها تيسيرا من اللّه تعالى على عباده و في ذلك ايضا ترغيب و توسيع في الفضيلة في الصلاة و غيرها كسورة الإخلاص من القصار تعدل ثلث القرآن فمن فهم ذلك فاز بسر التسوير* فان قلت ما الحكمة في تعدد مواطن نزول القرآن و تكرر مشاهده مكيا مدنيا ليليا نهاريا سفريا حضريا صيفيا شتائيا نوميا برزخيا يعنى بين الليل و النهار ارضيا سماويا غاريا ما نزل في الغار يعنى تحت الأرض برزخيا ما نزل بين مكة و المدينة عرشيا معراجيا ما نزل ليلة المعراج آخر سورة البقرة* الجواب الحكمة في ذلك تشريف مواطن الكون كلها بنزول الوحى الإلهي فيها و حضور الحضرة المحمدية عندها كما قيل سر المعراج و الاسراء به و سير المصطفى في مواطن الكون كلها كأن الكون و العرش و الجنان يسأل كل موطن بلسان الحال ان يشرفه اللّه تعالى بقدوم قدم حبيبه و تكتحل أعين الأعيان و الكبار بغبار نعال قدم سيد السادات و مفخر موجودات الولاة ما شم الكون رايحة الوجود و ما بدا من حضرة الكمون لمعة الشهود كما ورد بلسان القدس (لولاك لولاك لما خلقت الافلاك) بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏ الم‏ ان قلت ما الحكمة في ابتداء البقرة بالم و الفاتحة بالحرف الظاهر المحكم الجواب قال السيوطي رحمه اللّه في الإتقان أقول فى مناسبة ابتداء البقرة بالم انه لما ابتدئت الفاتحة بالحرف المحكم الظاهر لكل أحد بحيث لا يعذر في فهمه ابتدئت البقرة بمقابله و هو الحرف المتشابه البعيد التأويل ليعلم مراتبه للعقلاء و الحكماء ليعجزهم بذلك ليعتبروا و يدبروا آياته‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 28

كذا في خواتم الحكم و حل الرموز و كشف الكنوز للعارف باللّه الشيخ المعروف بعلى دده* و اعلم انهم تكلموا في شأن هذه الفواتح الكريمة و ما أريد بها فقيل انها من العلوم المستورة و الاسرار المحجوبة اى من المتشابه الذي استأثر اللّه بعلمه و هي سر القرآن فنحن نؤمن بظاهرها و نكل العلم فيها الى اللّه تعالى و فائدة ذكرها طلب الايمان بها و الالف اللّه و اللام لطيف و الميم مجيد اى انا اللّه اللطيف المجيد كما ان قوله تعالى‏ الر انا اللّه ارى و كهيعص‏ انا اللّه الكريم الهادي الحكيم العليم الصادق و كذا قوله تعالى‏ ق‏ اشارة الى انه القادر القاهر و ن‏ اشارة الى انه النور الناصر فهى حروف مقطعة كل منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى و الاكتفاء ببعض الكلمة معهود في العربية كما قال الشاعر قلت لها قفى فقالت ق اى وقفت و قيل ان هذه الحروف ذكرت في أوائل بعض السور لتدل على ان القرآن مؤلف من الحروف التي هى «ا ب ت ث» فجاء بعضها مقطعا و بعضها مؤلفا ليكون ايقاظا لمن تحدى بالقرآن و تنبيها لهم على انه منتظم من عين ما ينظمون منه كلامهم فلو لا انه خارج عن طوق البشر نازل من عند خلاق القوى و القدر لأتوا بمثله هذا ما جنح اليه اهل التحقيق و لكن فيه نظر لانه يفهم من هذا القول ان لا يكون لتلك الحروف معان و اسرار و النبي عليه السلام اوتى علم الأولين و الآخرين فيحتمل ان يكون الم و سائر الحروف المقطعة من قبيل المواضعات المعميات بالحروف بين المحبين لا يطلع عليها غيرهما و قد واضعها اللّه تعالى مع نبيه عليه السلام في وقت لا يسعه فيه ملك مقرب و لا نبى مرسل ليتكلم بها معه على لسان جبريل عليه السلام باسرار و حقائق لا يطلع عليها جبريل و لا غيره يدل على هذا ما روى فى الاخبار ان جبريل عليه السلام لما نزل بقوله تعالى‏ كهيعص‏ فلما قال «كاف» قال النبي عليه السلام (علمت) فقال «ها» فقال (علمت) فقال «يا» فقال (علمت) فقال «عين» فقال (علمت) فقال «صاد» فقال (علمت) فقال جبريل عليه السلام كيف علمت ما لم اعلم* و قال الشيخ الأكبر قدس سره في أول تفسير الم ذلِكَ الْكِتابُ‏ و اما الحروف المجهولة التي أنزلها اللّه تعالى في أوائل السور فسبب ذلك من أجل لغو العرب عند نزول القرآن فانزلها سبحانه حكمة منه حتى تتوفر دواعيهم لما انزل اللّه إذا سمعوا مثل هذا الذي ما عهدوه و النفوس من طبعها ان تميل الى كل امر غريب غير معتاد فينصتون عن اللغو و يقبلون عليها و يصغون إليها فيحصل المقصود فيما يسمعونه مما يأتى بعد هذه الحروف النازلة من عند اللّه تعالى و تتوفر دواعيهم للنظر في الأمر المناسب بين حروف الهجاء التي جاء بها مقطعة و بين ما يجاورها من الكلم و أبهم الأمر عليهم من عدم اطلاعهم عليها فرد اللّه بذلك شرا كبيرا من عنادهم و عتوهم و لغوهم كان يظهر منهم فذاك رحمة للمؤمنين و حكمة منه سبحانه انتهى كلامه* قال بعض العارفين كل ما قيل في شرحها بطريق النظر و الاعتبار فتخمين النظر من قائله لا حقيقة الا لمن كشف اللّه له عن قصده تعالى بها* يقول الفقير جامع هذه المعارف و اللطائف شكر اللّه مساعيه و بسط اليه من عنده أياديه قال شيخى الأكمل في هامش كتاب اللائحات البرقيات له بعد ما ذكر بعض خواص‏

تفسير روح البيان، ج‏1، ص: 29

صفحه بعد