کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 56

كحلفة من أبي رياح‏

يسمعها لاهه الكبار

و لو عدّ هذه المسألة من اللغة جاز، لأنها غير قياس. و الشيطان فعلان أو فيعال، و الرجيم فعيل بمعنى مفعول، و كلاهما للمبالغة. فهذه مسائل.

و أما النحو ف «أعوذ» فعل فاعله ضمير المتكلم المستتر و هو أنا، و المجموع جملة فعلية. و باللّه متعلق به. و كذا من الشيطان الرجيم، نحو سرت من البصرة إلى الكوفة.

و الرجيم صفة للشيطان معرف مثله، و شيطان منصرف لأنه اسم جنس لا علم. فهذه مسائل.

و أما البديع فأن نقول: إنما اختير الرجيم دون اللعين أو المرجوم مثلا ليوافق الفاصلة الأخرى و هو الرحيم إذا ابتدأ القارئ بعد الاستعاذة بالبسملة، و هو الأكثر، مع أن أول القرآن أيضا البسملة و اعتبار الاستعاذة هاهنا أولى ليكون تجنيسا خطيا و ترصيعا.

و أما المعاني فأن نقول: إنما اختير المضارع على الماضي ليدل على الاستمرار و الدوام. أي: شأني أني أعوذ، كقولك: يشرب الخطيب. و إنما لم يقل: أنا أعوذ و أنا عائذ، و إن كانت الجملة الاسمية تدل على الثبات، لأن المراد أني على تجدد هذا القول مني لحظة فلحظة ثابت مستمر، لا أن عوذي مستمر. و يمكن أن يقال: المراد أني أعوذ في حال القراءة لقوله تعالى‏ فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ [النحل: 98] فتعين إيراد لفظ المضارع لأنه مشترك بين الحال و الاستقبال. و إنما لم يقل «باللّه أعوذ» ليفيد الحصر، كما يقال في «بسم اللّه أبتدى‏ء» لأن الاستعاذة هاهنا أهم امتثالا للأمر، و لأنه لا يعوذ إلا بالانقطاع عن الغير و التبري عن سوى الحق جل ذكره، فلا حاجة إلى التخصيص و لأنه موافق لما ورد في القرآن‏ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ‏ [النحل: 98]. و إنما اختير اسم «اللّه» لأنه كالعلم و المقام مقام إحضار له في ذهن السامع بعينه ليكون أدلّ على انقطاعه عما سواه. و إنما ذكر «الشيطان» معرفا باللام الجنسي ليدل على هذه الحقيقة التي هي مادة كل شر، و يشمل كل فرد منها ضرورة وجود الحقيقة في أي فرد يفرض. و لو أريد العهد أيضا جاز كما مر. و لو نكرت بأن قلت: «من شيطان رجيم» لم يفد العموم و إن قلت: «من كل شيطان» لأطلت، و المقام مقام اختصار. و إنما وصف ب «الرجيم» لأن المقام مقام تأكيد و ذم، و لا ذم أبلغ من البعد عن حضرة من هو منشأ كل كمال و مصدر كل خير.

و أما البيان، فإن قوله «أعوذ» معناه ألتصق. و لا ريب أن الالتصاق باللّه محال لأن ذلك من شأن الأجسام. و المراد: ألتصق برحمة اللّه و فضله. فهو إذن مجاز لغوي. و في نفس الالتصاق أيضا بعد تقدير الرحمة تجوّز بعيد على ما لا يخفى. و لو أريد بالشيطان شيطان الإنس أيضا و يثبت كون اللفظ موضوعا لشيطان الجن فقد كان استعارة. و إذا قدّرنا

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 57

الاستعاذة من شر الشيطان، كما مر، كان مجازا بالنقصان أيضا.

و أما ما يتعلق بالاستدلال فإما من جهة التصوّر و إما من جهة التصديق. أما الأول فنحو كيفية اقتناص التصوّرات الواقعة في التركيب من مفهوم العوذ و مفهوم اسم اللّه و مفهوم الشيطان و مفهوم الرجيم و أن كلّا منها كيف يعرّف بالحدّ أو الرسم؛ فإن عرف بالحد فكيف يرتب جنسه و فصله؟ و إن عرّف بالرسم فكيف يركب لوازمه؟ و أما معرفة الجنس و الفصل و اللوازم أنفسها لكل منها فمن الأمور العامة. و أما الثاني فإن قولنا: «أعوذ» لفظه خبر و معناه إما دعاء أي اللهم أعذني، و إما إنشاء نحو بعت و اشتريت. و إذا كان كذلك فلا يتطرق إليه احتمال الصدق و الكذب فلا يحتاج إلى البرهان على أحدهما. و استعمال الخبر في معنى الطلب من مسائل علم المعاني أيضا.

و أما ما يتعلق بأصول الدين فأن تعلم ذات اللّه تعالى و صفاته من أنه قادر مختار عليم إلى غير ذلك من الصفات التي بها يتمكن المستعاذ به من دفع المضار و الشرور عن المستعيذ بحيث لا يمنعه مانع و لا يغلبه منازع، و تصور الشيطان و لوازمه و كيفية وسوسته بنحو مما سبق في المقدمة الثانية.

و أما ما يتعلق بأصول الفقه فأن يعرف أن الاستعاذة الواردة في الكتابة و السنة واجبة أم لا بل مندوبة، و إن كانت واجبة فتتكرر بتكرر القراءة أم لا، و إنها تقتضي الفور أو تحتمل التراخي. و أما ما يتعلق بالفقه فإنها تستحب في الصلاة أم لا، و إن استحبّت فتجوز في المكتوبة أم لا، و إن جازت ففي كل ركعة أم في الأولى وحدها، و يسرّ بها أم يجهر؟

و أما ما يتعلق بعلم الأحوال فكالنكت التي ذيلنا بها المقدمة الثانية و أنها لا تكاد تنحصر. فهكذا يجب أن تستنبط المسائل من كل كلام يراد تفسيره من غير أن يتخطى في شي‏ء من ذلك إلى ما ليس من العلم، كأن تقول في كل قراءة الاستعاذة، و القراآت المشهورة سبع هي كذا و كذا، و رواة كل قراءة من هم و ما منشأ كل قراءة؟ و في اللغة أن واضعها من هو؟ و كيف نشأت اللغات؟ و ما معنى الاشتقاق؟ و ما فائدته؟ و في الصرف أنه معرفة أحوال الكلم التي ليست بإعراب. و من جملة الأحوال صيغة المضارع و ما معناها، و ما حد الفعل و الكلمة؟ إلى غير ذلك من قواعد الصرف بل ما فوق ذلك من مباحث الحرف و الصوت بل مقولة الكيف. و في النحو أن التركيب مشتمل على الاسم و الفعل و الحرف، و الاسم معرب منصرف و غير منصرف، و مبني، و ما سبب الإعراب و البناء و الصرف و منع الصرف، و أنواع الإعراب كم هي؟ و كل منها يختص بأي شي‏ء من الفاعل و المفعول‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 58

و المضاف إليه و لم يختص بكل صنف ما يختص، و أصناف الفعل كم هي؟ و أصناف الحرف كم هي، و لا سيما حروف الجر، و ما معنى كل منها؟ إلى غير ذلك.

و بالجملة فمن كل علم يؤخذ نكت مخصوصة بهذه المادة يلزمنا إيرادها فقط إذ لو تعدّينا إلى ما فوق ذلك من القواعد و القوانين لزم إيراد كل العلوم أو أكثرها في تفسير كلام واحد، و إنه محال شنيع إذ يلزم تداخل العلوم و اضطراب القوانين. و أيضا لو فسر «الشيطان الرجيم» بما يلزمه من أنواع الضلالات و الجهالات و العقائد الفاسدة و المذاهب الباطلة في الملة الإسلامية و غيرها، أو فسر بما هو مباين عنه كأنواع الآفات و أصناف المخافات حتى يلزم تكثير المسائل، لم يخل عن التعسف و الإعنات. و من ارتكب شيئا من ذلك فقد نطق بالخلف و زاغ عن الجادة و انحرف عن سواء السبيل. نعم لو أورد طرف من الاصطلاحات أو المسائل على سبيل التصوير من غير إشارة إلى مآخذها الأصلية و دلائلها الكلية إلا نادرا، جاز ما لم يتجاوز حد الضرورة و مقدار الواجب، كما أشرنا إليها في المقدمات. و قد بقي مما يمكن أن يعد من المقدمات ذكر ابتداء الوحي و كيفية نزول القرآن شيئا بعد شي‏ء، و بيان كيفية إعجاز القرآن. و نحن قد رأينا الأليق بها إيرادها في مواضعها إذا أفضت النوبة إليها.

فلنشرع الآن في المقصود و هو التفسير المسمى بغرائب القرآن و رغائب الفرقان و اللّه المستعان و عليه التكلان.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 59

(سورة فاتحة الكتاب)

(مكية و يقال مدنية و هي سبع آيات إلا أن المكي و الكوفي عدّا التسمية آية دون أنعمت عليهم و مذهب المدني و البصري و الشامي بالعكس و كلماتها خمس و عشرون و حروفها مائة و ثلاثة و عشرون.)

[سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 7]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)

القراآت:

«مالك»: بالألف سهل و يعقوب و عاصم و علي و خلف، و الباقون ملك:

الرحيم ملك مدغما: أبو عمرو، كذلك يدغم كل حرفين التقيا من كلمتين إذا كانا من جنس واحد مثل‏ قالَ لَهُمْ‏ [البقرة: 249] أو مخرج واحد مثل‏ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ [النساء:

102] أو قريبي المخرج مثل‏ خَلْقُكُمْ‏ [لقمان: 28] و لَقَدْ جاءَكُمْ‏ [البقرة: 92] سواء كان الحرف المدغم ساكنا مثل‏ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ‏ [البقرة: 261] و يسمى بالإدغام الصغير، أو متحركا فأسكن للإدغام مثل‏ قِيلَ لَهُمْ‏ [البقرة: 11] و لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ‏ [البقرة: 20] و يسمى بالإدغام الكبير إلا أن يكون مضاعفا نحو أُحِلَّ لَكُمْ‏ [البقرة: 187] و مَسَّ سَقَرَ [القمر: 48] أو منقوصا مثل‏ وَ ما كُنْتَ تَرْجُوا [القصص: 86] و كُنْتُ تُراباً [النبأ: 40] و نعني بالمنقوص الأجوف المحذوف العين أو مفتوحا قبله ساكن مثل‏ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا [النحل: 14] و الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها [النحل: 8] إلا في مواضع أربعة كادَ يَزِيغُ‏ [التوبة: 117] و قالَ رَبِ‏ [المؤمنون: 26] في كل القرآن و الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ [هود: 114] و بَعْدَ تَوْكِيدِها [النحل: 91] أو يكون الإظهار أخف من الإدغام نحو أَ فَأَنْتَ تَهْدِي‏ [يونس: 43] أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ‏ [الزخرف: 40] و عن يعقوب إدغام الجنسين في جميع القرآن إذا التقيا من كلمتين. «الصراط» بإشمام الراء هاهنا و في جميع‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 60

القرآن: حمزة. و عن يعقوب بالسين في كل القرآن، و عن الكسائي بإشمام السين كل القرآن، و الباقون بالصاد. «عليهم»: و إليهم و لديهم بضم الهاءات كل القرآن: حمزة و سهل و يعقوب. ضم كل ميم جمع يزيد و ابن كثير غير ورش، بضم الميم عند ألف القطع فقط نحو أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ‏ [يس: 10].

الوقوف:

العالمين (لا) لاتصال الصفة بالموصوف. الرحيم (لا) لذلك. الدين (ط) للعدول عن الغائب إلى المخاطب. نستعين (ط) لابتداء الدعاء. المستقيم (لا) لاتصال البدل بالمبدل. أنعمت عليهم (لا) لاتصال البدل أو الصفة. الضالين (ه).

التفسير:

روي عن جندب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من قال في كتاب اللّه عز و جل برأيه فأصاب فقد أخطأ» «1»

و عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» «2»

فذكر العلماء أن النهي عن تفسير القرآن بالرأي لا يخلو إما أن يكون المراد به الاقتصار على النقل و المسموع و ترك الاستنباط، أو المراد به أمر آخر، و باطل أن يكون المراد به أن لا يتكلم أحد في تفسير القرآن إلا بما سمعه فإن الصحابة رضي اللّه عنهم قد فسروا القرآن و اختلفوا في تفسيره على وجوه. و ليس كل ما قالوه سمعوه، كيف‏

و قد دعا النبي صلى اللّه عليه و سلم لابن عباس «اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل» «3»

فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك؟! و إنما النهي يحمل على وجهين:

أحدهما: أن يكون له في الشي‏ء رأي و إليه ميل من طبعه و هواه فيتأوّل القرآن على وفق هواه ليحتج على تصحيح غرضه، و لو لم يكن له ذلك الرأي و الهوى لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى. و هذا قد يكون مع العلم بأن المراد من الآية ليس ذلك، و لكن يلبس على خصمه. و قد يكون مع الجهل و ذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه و يترجح ذلك الجانب برأيه و هواه، و لولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه. و قد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن و يستدل عليه بما يعلم أنه ما

(1) رواه الترمذي في كتاب التفسير باب 1. مسلم في كتاب المنافقين حديث 40. الدارمي في المقدمة باب 20. أحمد في مسنده (5/ 115).

(2) رواه الترمذي في كتاب التفسير سورة الفاتحة.

(3) رواه البخاري في كتاب الوضوء باب 10. مسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث 138. أحمد في مسنده (1/ 266، 314).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 61

أريد به كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول: المراد بفرعون في قوله تعالى‏ اذْهَبْ إِلى‏ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى‏ [النازعات: 17] هو النفس.

الوجه الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع و النقل فيما يتعلق بغريب القرآن و ما فيه من الألفاظ المبهمة و الاختصار و الحذف و الإضمار و التقديم و التأخير. فالنقل و السماع لا بد منه في ظاهر التفسير أوّلا ليتقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع للتفهم و الاستنباط. و الغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة كقوله تعالى‏ وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها [الإسراء: 59] معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها. فالناظر إلى ظاهر العربية يظن المراد أن الناقة كانت مبصرة و لم تكن عمياء، و ما يدري بما ظلموا و إنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم. و ما عدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهي إليه ما دام على قوانين العلوم العربية و القواعد الأصلية و الفرعية. و اعلم أن مقتضى الديانة أن لا يؤوّل المسلم شيئا من القرآن و الحديث بالمعاني بحيث تبطل الأعيان التي فسرها النبي صلى اللّه عليه و سلم، و السلف الصالح مثل: الجنة و النار و الصراط و الميزان و الحور و القصور و الأنهار و الأشجار و الثمار و غيرها، و لكنه يجب أن يثبت تلك الأعيان كما جاءت. ثم إن فهم منها حقائق أخرى و رموزا و لطائف بحسب ما كوشف فلا بأس، فإن اللّه تعالى ما خلق شيئا في عالم الصورة إلا و له نظير في عالم المعنى، و ما خلق شيئا في عالم المعنى و هو الآخرة إلا و له حقيقة في عالم الحق و هو غيب الغيب، و ما خلق في العالمين شيئا إلا و له أنموذج في عالم الإنسان و اللّه تعالى أعلم.

و التفسير أصله الكشف و الإظهار و كذلك سائر تقاليبه. من ذلك: سفرت المرأة كشفت عن وجهها، و السفر لأنه يكشف به عن وجوه الحوائج، و منه السرف لأنه يكشف به عن ماله حينئذ. و الرفس لأنه يكشف عن عضوه و انكشاف حال المقيد في رسفانه واضح.

فمن التفسير ما يتعلق باللغة و منه ما يتعلق بالصرف أو النحو أو المعاني أو البيان إلى غير ذلك من العلوم كما أشرنا إلى ذلك في آخر المقدمة العاشرة، و منه أسباب النزول و ذكر القصص و الأخبار و غير ذلك. و نحن على أن نورد بعد القرآن مع الترجمة القراءة ثم الوقوف ثم أسباب النزول ثم التفسير الشامل لجميع ذلك، ثم التأويل إن كان، و لم نذكره في التفسير و نذكر منه ما هو أقرب إلى الإمكان و اللّه المستعان. فلنشتغل بتفسير الفاتحة فنقول:

في البسملة مسائل:

الأولى: الجار و المجرور لا بد له من متعلق و ليس بمذكور فيكون مقدرا و أنه يكون فعلا أو اسما فيه رائحة الفعل. و على التقديرين فإما أن يقدر مقدما أو مؤخرا نحو: أبدأ

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 62

بسم اللّه، أو ابتدائي بسم اللّه، أو بسم اللّه أبتدى‏ء، أو بسم اللّه ابتدائي أو الابتداء، و تقدير الفعل أولى من تقدير الاسم لأن كل فاعل يبدأ في فعله ببسم اللّه يكون مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له، فيكون المراد أن إنشاء ذلك الفعل إنما هو على اسم اللّه فيقدر هاهنا بسم اللّه أقرأ أو أتلو أو أبدأ، لأن الذي يتلو التسمية مقروء و مبدوء به كما أن المسافر إذا حل و ارتحل فقال: بسم اللّه متبركا، كان المعنى بسم اللّه أحل أو ارتحل و كذلك الذابح. و نظيره في حذف متعلق الجار قولهم في الدعاء للمعرس: بالرفاء و البنين، أي بالرفاء أعرست، و تقدير المحذوف متأخر أولي على نحو قوله تعالى‏ بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها [هود: 41] لأن تقديم ذكر اللّه أدخل في التعظيم، و لأن ما هو السابق في الوجود يستحق السبق في الذكر، و لهذا قال المحققون: ما رأينا شيئا إلا و رأينا اللّه تعالى قبله. و لأنهم كانوا يبدأون بأسماء آلهتهم فيقول: باسم اللات باسم العزى، فوجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم اللّه عز و جل بالابتداء و ذلك بتقديمه و تأخير الفعل كما في‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ صرح بتقديم الاسم إرادة الاختصاص. قال في الكشاف: و إنما قدم الفعل في‏ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏ [العلق: 1] لأن تقديم الفعل هناك أوقع لأنها أول سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهم. و قال صاحب المفتاح: الصواب أن يقال: معنى اقرأ أوجد القراءة، ثم يكون باسم ربك متعلقا باقرأ الثاني. و ذكر في معنى تعلق اسم اللّه بالقراءة وجهان: إما تعلق القلم بالكتبة في قولك «كتبت بالقلم» كان فعله لا يجي‏ء معتدا به شرعا إلا بعد تصديره بذكر اللّه‏

قال صلى اللّه عليه و سلم: «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم اللّه فهو أبتر»

و إما تعلق الدهن بالإنبات في قوله تعالى‏ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ‏ [المؤمنون: 20] أي متبركا باسم اللّه أقرأ كما في قوله «بالرفاء و البنين» أي أعرست متلبسا بالرفاء و هذا أعرب و أحسن. أما كونه أدخل في العربية فلأنه لا يعرفه إلا من له دربة بفنون الاستعمالات بخلاف الأول فإنه مبتذل. و أما كونه أحسن فلأن جعل اسم اللّه كالآلة خروج عن الأدب، لأن الآلة من حيث إنها آلة غير مقصود بالذات، و اسم اللّه تعالى عند الموحد أهم شي‏ء و أنه مقول على ألسنة العباد تعليما لهم كيف يتبركون باسمه و كيف يعظمونه، و كذلك الحمد للّه رب العالمين إلى آخره.

صفحه بعد