کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 18

بمعنى «فاعل» و التركيب يدل على القرب، فالمحب ولي لأنه يقرب منك بالمحبة و النصرة، و منه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير، و فيه دليل على أن ألطاف اللّه تعالى في حق المؤمنين و فيما يتعلق بالدين أكثر من ألطافه في حق الكافر، و ذلك أنه يخرجهم من الظلمات إلى النور و من الكفر إلى الإيمان و من الضلال إلى الهدى و من الشك إلى اليقين. و الإخراج يشمل الكافر إذا آمن و المؤمن الأصلي، و لا يبعد أن يقال يخرجهم إلى النور من الظلمات، و إن لم يكونوا في الظلمة البتة؛ فإن العبد لو خلا عن توفيق اللّه تعالى لحظة لوقع في ظلمات الجهالات و الضلالات فصار توفيقه تعالى سببا لدفع تلك الظلمات عنه، و بين الدفع و الرفع تشابه، و مثله قوله: وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها [آل عمران:

103] و معلوم أنهم ما كانوا قط في النار.

و يروى‏ أنه صلى اللّه عليه و سلم سمع إنسانا قال:

أشهد أن لا إله إلا اللّه فقال: «على الفطرة» فلما قال: أشهد أن محمدا رسول اللّه قال:

«خرج من النار»

و من المعلوم أنه ما كان فيها. قال الواحدي: كل ما في القرآن من الظلمات و النور فإنه تعالى أراد بهما الكفر و الإيمان إلا قوله في أول الأنعام‏ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ [الأنعام: 1] فإنه عنى به الليل و النهار. قال: و إنما جعل الكفر ظلمة لأنه كالظلمة في المنع من الإدراك، و جعل الإيمان نورا لأنه كالسبب في حصول الإدراك.

قلت: قد مر أن الإيمان و العلم و جميع الكمالات النفسانية و المعارف اليقينية أنوار تزداد النفس بها نورية و إشراقا فلا حاجة إلى هذا التكلف. وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ‏ مصدر، و لهذا وحد في موضع الجمع‏ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ‏ و إنما وحد النور و جمع الظلمة لأن الحق و ما يرجع إليه طريقه واحد و هو أيضا في نفسه واحد، و أما الباطل فلا حصر له و لا لطرقه. كما أن الخط المستقيم الواصل بين النقطتين واحد، و المنحنية غير محدود. و إسناد الإضلال إلى الطاغوت، و هو كل من ينسب إلى الطغيان، كالمجاز فإن الحوادث بأسرها تستند إلى المبدأ الأول بالحقيقة و تنتهي إلى قضائه و قدره كما سبق تحقيقه مرارا. أُولئِكَ‏ الكفار أو هم مع من يطيعهم من الوسائط و الوسائل‏ أَصْحابُ النَّارِ فيكون زجرا للكل و وعيدا لهم أعاذنا اللّه من ذلك.

التأويل:

الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏ : أشير بهما إلى الاسم الأعظم لأن اسمه «الحي» مشتمل على جميع أسمائه و صفاته. فإن من لوازم الحي أن يكون قادرا عالما سميعا بصيرا متكلما مريدا باقيا إلى غير ذلك من نعوت الكمال. و اسمه «القيوم» دالّ على افتقار كل المخلوقات إليه؛ فإذا تجلى اللّه للعبد بهاتين الصفتين، انكشف للعبد عند تجلي صفته «الحي» معاني جميع أسمائه و صفاته؛ و عند تجلي صفته «القيوم» فناء جميع المخلوقات، إذ كان قيامها

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 19

بقيومية الحق لا بأنفسهم، فلما جاء الحق و زهق الباطل فلا يرى في الوجود إلا «الحي القيوم» إذ سلب «الحي» جميع أسماء اللّه و سلب «القيوم» قيام الممكنات، ففني التعدد و بقيت الوحدة. فيذكره عند شهود عظمة الوحدانية بلسان عيان الفردانية لا بلسان بيان الإنسانية، فقد ذكره باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، و إذا سئل به أعطى؛ لأنه حينئذ ينطق باللّه فيكون الحال كما جرى على لسانه. فأما الذاكر عند غيبته عن عظمة الوحدانية فبكل اسم دعاه لا يكون الاسم الأعظم بالنسبة إلى حال غيبته، و عند شهود العظمة فبكل اسم دعاه يكون الاسم الأعظم. كما سئل أبو يزيد عن الاسم الأعظم فقال: الاسم الأعظم ليس له حد محدود و لكن فرغ قلبك لوحدانيته فإذا كنت كذلك فاذكره بأي اسم شئت.

لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ‏ ، لأن النوم أخو الموت و الموت ضد الحياة، و هو الحي الحقيقي فلا يلحقه ضد الحياة. مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏ هذا الاستثناء راجع إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم كأنه قيل: من ذا الذي يشفع عنده يوم القيامة إلا عبده محمد صلى اللّه عليه و سلم فإنه مأذون في الشفاعة موعود بها و عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: 79].

و يَعْلَمُ‏ محمد صلى اللّه عليه و سلم‏ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ‏ من أوليات الأمور قبل خلق الخلائق،

كقوله صلى اللّه عليه و سلم‏ «أول ما خلق اللّه نوري، أول ما خلق اللّه العقل أن اللّه خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي ألف عام»

وَ ما خَلْفَهُمْ‏ من أحوال القيامة و فزع الخلق و غضب الرب و طلب الشفاعة من الأنبياء و قولهم نفسي نفسي و رجوعهم إليه بالاضطرار، وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ‏ و إنما هو شاهد على أحوالهم و سيرهم و معاملاتهم و قصصهم‏ وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ‏ [هود: 120] و يعلم أمور آخرتهم و أحوال أهل الجنة و النار، و هم لا يعلمون شيئا من ذلك‏ إِلَّا بِما شاءَ أن يخبرهم عنه‏ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ : مثال العرش في عالم الإنسان قلبه؛ و مثال الكرسي: سره. و سوف يجي‏ء تمام التحقيق إن شاء اللّه تعالى في قوله‏ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‏ [طه: 9] و إن العرش مع عظمته كحلقة ملقاة بين السماء و الأرض بالنسبة إلى سعة قلب المؤمن. وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما لا يثقل الروح الإنساني حفظ أسرار السموات و الأرض، وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة: 31] و لما أظهر لمخلوقاته من العرش و الكرسي و لقلب المؤمن و سره علوا في المرتبة و عظمة في الخلقة إظهارا لكمال القدرة و الحكمة، تردّى برداء الكبرياء و اتّزر بإزار العظمة و البهاء و هو أولى بالمدح و الثناء فقال: وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ‏ فمن علا في الآخرة و الأولى فبإعلائه، و من عظم فبتعظيمه. ثم أخبر عن عزة الدين لأرباب اليقين بقوله‏ لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ‏ كما

قال صلى اللّه عليه و سلم: «ليس الدين بالتمني»

مع أن التمني نوع من الاختيار فكيف يحصل بالإكراه هو

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 20

الإجبار، فإن الدين هو الاستسلام لأوامر الشرع ظاهرا و التسليم لأحكام الحقّ باطنا من غير حرج و ضيق عطن.

ثم شرع في مزيد شرح لحقيقة الدين بقوله‏ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ‏ يتبرأ منه؛ فطاغوت العوام الأصنام، و طاغوت الخواص هو النفس، و طاغوت خواص الخواص ما سوى اللّه. و إيمان العوام إقرار باللسان و تصديق بالجنان و عمل بالأركان، و إيمان الخواص عزوب النفس عن الدنيا و سلوك طريق العقبى. و شهود القلب مع المولى. و إيمان خواص الخواص ملازمة الظاهر و الباطن في طاعة اللّه، و إنابة القلب إلى الفناء في اللّه، و إخلاء السر للبقاء باللّه، و هذا هو السكر الموجب للشكر. و لهذا قال موسى بعد إفاقته عن سكر سطوات شراب التجلي‏ تُبْتُ إِلَيْكَ‏ [الأحقاف: 15] أي عن هذه الإفاقة، فكان مخصوصا عن عالمي زمانه بالإيمان العياني و شريكا مع القوم بالإيمان البياني كما البياني كما قيل:

لي سكرتان و للندمان واحدة

شي‏ء خصصت به من بينهم وحدي‏

ثم العروة الوثقى التي استمسك بها المؤمن لا يمكن أن تكون من المحدثات المخلوقات لقوله‏ كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ‏ [القصص: 88] و لا تكون أيضا من بطشك و إلا كانت منفصمة، بل تكون من بطشه‏ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج: 12] و لكل مؤمن عروة مناسبة لمقامه في الإيمان؛ فهي للعوام توفيق الطاعة، و للخواص مزيد العناية بالمحبة يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ‏ [المائدة: 54] و لخواص الخواص الجذبة الإلهية التي تفنيه عن ظلمات الغيرية و تبقيه بنور الربوبية و لهذا

قال صلى اللّه عليه و سلم‏ «جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين»

و أعمالهما فانية من عالم الحدوث، و جذبة الحق باقية من عالم القدم لا يجوز عليها الانفصام، فالمجذوب لا يخلص منها أبد الآبدين.

ثم أخبر عن تصرفات جذباته فقال: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يخرج العوام من ظلمات الكفر و الضلالة إلى نور الإيمان و الهداية، و الخواص من ظلمات الصفات النفسانية و الجسمانية إلى نور الروحانية و الربانية، و خواص الخواص من ظلمات الحدوث و الفناء إلى نور الشهود و البقاء. وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ‏ : ذكر الطاغوت بلفظ الوحدان، و الأولياء بلفظ الجمع، ليعلم أن الولاء و المحبة من قبل الكفار أي هم أولياء الطاغوت كقوله‏ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ‏ [البقرة: 165]؛ فإن الطاغوت لو فسر بالأصنام فهي بمعزل عن الولاية و إن فسر بالشيطان أو النفس؛ فهم الأعداء لا الأولياء يخرجونهم من نور الروحانية و صفاء الفطرة إلى ظلمات الصفات البهيمية و السبعية

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 21

و الشيطانية، ظلمات بعضها فوق بعض، دركات بعضها تحت بعض‏ أُولئِكَ‏ أي أرواح الكفار مع النفس و الشيطان و الأصنام أصحاب النار، لأن الأرواح، و إن لم تكن من جنسهم و لكن من تشبه بقوم فهو منهم. و اللّه المستعان.

[سورة البقرة (2): الآيات 258 الى 260]

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى‏ قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى‏ طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى‏ حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (259) وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏ قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى‏ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)

القراآت:

رَبِّيَ الَّذِي‏ مرسلة الياء: حمزة. الباقون بالفتح. أَنَا أُحْيِي‏ بالمد: أبو جعفر و نافع، و كذلك ما أشبهها من المفتوحة و المضمومة، و زاد أبو نشيط بالمد في المكسورة في قوله تعالى‏ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ [الأعراف: 188] و أشباه ذلك‏ مِائَةَ و بابه مثل «فئة» و قد مر. لَبِثَ‏ و بابه بالأظهار: ابن كثير و نافع و خلف و سهل و يعقوب‏ لَمْ يَتَسَنَّهْ‏ في الوصل و الوقف بالهاء: حمزة و علي و خلف و سهل و يعقوب، لأن الهاء للسكت و هاء السكت تزاد للوقف. الباقون: بالهاء الساكنة في الحالين، و الهاء إما أصلية مجزومة بلم، أو هاء سكت. و أجروا الوصل مجرى الوقف. إِلى‏ حِمارِكَ‏ كمثل الحمار بالإمالة:

عليّ غير ليث و أبي حمدون، و حمدويه و النجاري عن ورش، و ابن ذكوان و أبو عمرو و حمزة في رواية ابن سعدان و أبي عمرو بن شنبوذ عن أهل مكة. ننشرها بالراء: أبو عمرو و سهل و يعقوب و ابن كثير و أبو جعفر و نافع. الباقون بالزاي. قالَ أَعْلَمُ‏ موصولا و الابتداء بكسر الهمزة على الأمر: حمزة و علي. الباقون: مقطوعا و الميم مضمومه على الإخبار. فَصُرْهُنَ‏ بكسر الصاد: يزيد و حمزة و خلف و رويس و المفضّل، جُزْءاً بتشديد الزاي: يزيد و وجهه أنه خفف بطرح همزته ثم شدد كما يشدد في الوقف إجراء للوصل‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 22

مجرى الوقف. و قرأ أبو بكر و حماد «جزءا» مثقلا مهموزا. الباقون: ساكنة الزاي مهموزة.

الوقوف:

الْمُلْكَ‏ م لأن إذ ليس بظرف لإيتاء الملك. وَ يُمِيتُ‏ (لا) لأن‏ قالَ‏ عامل، إذ وَ أُمِيتُ‏ ط، كَفَرَ ط، الظَّالِمِينَ‏ لا، للعطف بأو التعجب. عُرُوشِها ج لأن ما بعده من تتمة كلام قبله من غير عطف. مَوْتِها ج لتمام المقول مع العطف بفاء الجواب و الجزاء بَعَثَهُ‏ ط. كَمْ لَبِثْتَ‏ ط. يَوْمٍ‏ ط. لَمْ يَتَسَنَّهْ‏ ج و إن اتفقت الجملتان لوقوع الحال المعترض بينهما، و من وصل حسن له الوقف على‏ حِمارِكَ‏ بإضمار ما يعطف عليه قوله‏ وَ لِنَجْعَلَكَ‏ أي لتستيقن و لنجعلك، و من جعل الواو مقحمة لم يقف.

لَحْماً ط لتمام البيان‏ لَهُ‏ (لا) لأن‏ قالَ‏ جواب لما. قَدِيرٌ ه‏ الْمَوْتى‏ ط تُؤْمِنْ‏ ط. قَلْبِي‏ ط. سَعْياً ط، لاعتراض جواب الأمر حَكِيمٌ‏ .

التفسير:

إنه سبحانه ذكر هاهنا قصصا ثلاثا؛ أولاها في إثبات العلم بالصانع و الباقيتان في إثبات البعث و النشور. فالقصة الأولى مناظرة إبراهيم ملك زمانه، عن مجاهد أنه نمرود بن كنعان و هو أول من تجبر و ادّعى الربوبية و المحاجة المغالبة بالحجة. و الضمير في «ربه» لإبراهيم، و يحتمل أن يكون ل «نمرود»، و الهاء في «أن آتاه» قيل لإبراهيم لأنه أقرب في الذكر، و لأنه لا يجوز أن يؤتى الكافر الملك و التسليط، و لأنه يناسب قوله‏ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء: 54]. و قال جمهور المفسرين:

الضمير لذلك الشخص الذي حاج إبراهيم، و لا يبعد أن يعطي اللّه الكافر بسطة و سعة في الدنيا. و معنى أن آتاه للّه أي لأن أتاه اللّه الملك فأبطره و أورثه الكبر و العتو أو جعل محاجته في ربه شكرا له كقولك «عاداني فلان لأني أحسنت إليه» تريد أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان، و يجوز أن يكون المعنى: حاج وقت أن آتاه. و عن مقاتل أن هذه المحاجة كانت حين ما كسر إبراهيم الأصنام و سجنه نمرود ثم أخرجه من السجن ليحرقه فقال: من ربك الذي تدعو إليه؟ فقال: ربي الذي يحيي و يميت. و هذا دليل في غاية الصحة لأن الخلق عاجزون عن الإحياء و الإماتة فلا بد أن يستند إلى مؤثر قادر مختار خبير بأجزاء الحيوان و أشكاله، بصير بأعضائه و أحواله، و لأمر ما ذكره اللّه تعالى في مواضع من كتابه فقال‏ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ‏ [المؤمنون: 12] و هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ [غافر: 67] أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ‏ [المرسلات: 20] و يروى أن الكافر دعا حينئذ شخصين فاستبقى أحدهما و قتل الآخر و قال: أنا أيضا أحيي و أميت. ثم للناس في هذا المقام طريقان: الأول و عليه أكثر المفسرين أن إبراهيم عليه السلام لما رأى من‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 23

نمرود أنه ألقى تلك الشبهة عدل عن ذلك إلى دليل آخر و مثال آخر أوضح من الأول فقال‏ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ‏ قالوا: و في هذا دليل على جواز الانتقال للمجادل من حجة إلى حجة. و أورد عليه أن الشبهة إذا وقعت في الأسماع وجب على المحق القادر على ذكر الجواب أن يذكر الجواب في الحال إزالة لذلك الجهل و اللبس.

و لما طعن الملك الكافر في الدليل الأول أو في المثال الأول بتلك الشبهة كان الاشتغال بإزالة ذلك واجبا مضيقا فكيف يليق بالمعصوم أن يترك ذلك الواجب مع أن فيه إيهام أن كلامه الأول كان ضعيفا؟ و لئن سلمنا أن الانتقال من دليل إلى دليل حسن لكنه يجب أن يكون المنتقل إليه أوضح. لكن الاستدلال بالإحياء و الإماتة على وجود الصانع أظهر و أقوى من الاستدلال بطلوع الشمس، فإن جنس الحياة لا قدرة للخلق عليه، و أما جنس تحريك الأجسام فللخلق قدرة عليه. و أيضا دلالة الإحياء و الإماتة على الحاجة إلى المؤثر القادر لكونهما من المتبدلات أقوى من دلالة طلوع الشمس لكون حركة الأفلاك على نهج واحد.

و أيضا إن نمرود لما لم يستحي من معارضة الإحياء و الإماتة الصادرين عن اللّه بالقتل و التخلية، فكيف يؤمن منه عند استدلال إبراهيم بطلوع الشمس أن يقول بل طلوع الشمس من المشرق مني، فإن كان لك إله فقل له حتى يطلعها من المغرب. و عند ذلك التزم المحققون من المفسرين ذلك و قالوا: إنه لو أورد هذا السؤال لكان من الواجب أن يطلع الشمس من مغربها، و من المعلوم أن الاشتغال بإظهار فساد سؤاله في الإحياء و الإماتة أسهل بكثير من التزام طلوع الشمس من المغرب، فما الذي حمل إبراهيم على ترك الجواب عن ذلك السؤال الركيك، و التزم الانقطاع، و اعترف بالحاجة إلى الانتقال، و تمسك بدليل لا يمكن تمشيته إلا بالتزام اطلاع الشمس من المغرب؟ و لما كانت هذه الاعتراضات واردة على الطريق الأول عدل بعض المحققين إلى طريق آخر و قالوا: إن إبراهيم عليه السلام لما احتج بالإحياء و الإماتة قال المنكر: أ تدعي الإحياء و الإماتة من اللّه ابتداء أم بواسطة الأسباب الأرضية و السماوية؟ أما الأول فلا سبيل إليه، و أما الثاني فنظيره أو ما يقرب منه حاصل للبشر. فإن الجماع يفضي إلى الولد بتوسط الأسباب، و تناول السم يفضي إلى الموت، فأجاب إبراهيم عليه السلام بناء على معتقدهم، و كانوا أصحاب تنجيم- بأن الإحياء و الإماتة و إن حصلا بواسطة حركات الأفلاك، لكن الحركات و الاتصالات لا بد لها من فاعل و مدبر، و ليس ذلك هو البشر فإنه لا قدرة لهم على الفلكيات، فهي إذن بتحريك رب الأرض و السموات. قلت: و فيه أيضا طريق آخر نذكره في التأويلات إن شاء اللّه تعالى. فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ يقال: بهت الرجل بالكسر إذا دهش و تحير، و بهت بالضم مثله. و قد قرى‏ء بهما و أفصح منهما القراءة المشهورة فبهت على البناء للمفعول لأنه يقال: رجل مبهوت و لا يقال‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 24

باهت و لا بهيت قاله الكسائي. وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ فلهذا لم ينفعه الدليل و إن بلغ في الظهور إلى حيث صار المبطل مبهوتا محجوجا، فيعلم منه أن الكل بقضاء اللّه و قدره و بمشيئته و إرادته.

القصة الثانية قوله سبحانه‏ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى‏ قَرْيَةٍ ذهب الكسائي و الفراء و الفارسي و أكثر النحويين إلى أنه معطوف على المعنى، و التقدير: أ رأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر، و نظيره من القرآن‏ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ‏ [المؤمنون: 84، 85] ثم قال‏ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ‏ [المؤمنون: 186، 187] فهذا عطف على المعنى كأنه قيل: لمن السموات؟ فقيل:

للّه. و مثله قول الشاعر:

فلسنا بالجبال و لا الحديدا و عن الأخفش: أن الكاف زائدة و التقدير: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم، أو إلى الذي مر. و عن المبرد: أنا نضمر الفعل في الثاني و التقدير: ألم تر إلى الذي حاج إلى إبراهيم أو ألم تر إلى مثل الذي مر. و اختلف في المار بالقرية فعن مجاهد و عليه أكثر المفسرين من المعتزلة أن المار كان رجلا كافرا. شاكا في البعث لأن قوله‏ أَنَّى يُحْيِي‏ استبعاد و إنه لا يليق بالمؤمن، و لأنه تعالى قال في حقه‏ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ‏ و فيه دليل على أن ذلك التبين لم يكن حاصلا قبل ذلك. و كذا قوله‏ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و ذهب سائر المفسرين إلى أنه كان مسلما ثم قال قتادة و عكرمة و الضحاك و السدي: هو عزير، و قال عطاء عن ابن عباس هو أرميا. ثم من هؤلاء من قال: إن أرميا هو الخضر عليه السلام و هو رجل من سبط هارون بن عمران و هذا قول محمد بن إسحق. و قال وهب بن منبه: إن أرميا هو النبي الذي بعثه اللّه عند ما خرب بختنصر بيت المقدس و أحرق التوراة. و قيل: هو عزير على ما يجي‏ء.

صفحه بعد