کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 335

تبسطهم و تصرفهم في المكاسب و المزارع و المتاجر ذلك التقلب أو الكسب و الربح‏ مَتاعٌ قَلِيلٌ‏ في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة، أو في جنب ما وعد اللّه المؤمنين من الثواب، أو هو قليل في نفسه إذ لا نسبة لمدته إلى ما بين أمدي الأزل و الأبد، و مع قلته سبب للوقوع في نار جهنم أبد الآبدين. و النعمة القليلة إذا كانت سببا للمضرة العظيمة لم تكن في الحقيقة نعمة و لهذا استدرك و قال‏ لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا الآية، و يدخل في التقوى الأوامر و النواهي.

و النزل ما يعدّ للضيف و يعجل، و من هنا تمسك به بعض الأصحاب في الرؤية لأنه لما كانت الجنة بكليتها نزلا فلا بد من شي‏ء آخر يكون أصلا بالنسبة إليها. قلت: و يحتمل أن يكون قوله: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ‏ [النحل: 96] إشارة إليه و هو مقام العندية و القرب الذي لا يوازيه شي‏ء من نعيم الجنة. و قيل: المعنى و ما عند اللّه من الكثير الدائم خير للأبرار مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل، و انتصاب‏ نُزُلًا على الحال من‏ جَنَّاتٌ‏ لتخصيصها بالوصف، و العامل معنى الاستقرار في لهم، أو هو مصدر مؤكد كأنه قيل: رزقا أو عطاء، أو نصب على التفسير كما قلنا في‏ ثَواباً . ثم إنه تعالى لما ذكر حال المؤمنين و كان قد ذكر حال الكفار بين حال مؤمني أهل الكتاب كلهم فقال: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ‏ و هذا قول مجاهد. و قال ابن جريج و ابن زيد: نزلت في عبد اللّه بن سلام و أصحابه. و قيل: في أربعين من أهل نجران و اثنين و ثلاثين من الحبشة و ثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا.

و عن جابر بن عبد اللّه و أنس و ابن عباس و قتادة: نزلت في النجاشي لما مات نعاه جبريل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في اليوم الذي مات فيه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للأصحاب:

اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم. قالوا: و من هو؟. قال: النجاشي. فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى البقيع و كشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي و صلى عليه و كبر أربع تكبيرات و استغفر له، و قال لأصحابه: استغفروا له. فقال المنافقون:

انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط و ليس على دينه، فأنزل اللّه هذه الآية.

و اللام في‏ لَمَنْ يُؤْمِنُ‏ لام الابتداء الذي يدخل على خبر «إن» أو على اسمه عند الفصل كما في الآية. و المراد ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ‏ القرآن‏ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ‏ الكتابان و خاشِعِينَ لِلَّهِ‏ حال من فاعل يؤمن لأن «من» في معنى الجمع فحمل على اللفظ تارة و على المعنى أخرى‏ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا كما يفعله من لم يسلم من أحبارهم و رؤسائهم‏ أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ و لا يخفى فخامة شأن هذا الوعد حسبما أشار إليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ‏ لأنه عالم بجميع المعلومات قادر على كل المقدورات فيعلم و يعطي ما لكل أحد من جزاء الحسنات و السيئات. أو المراد سرعة موعد حسابه‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 336

فتكون فيه بشارة بسرعة حصول الأجر. ثم ختم السورة بآية جامعة لأسباب سعادة الدارين، و ذلك أن أحوال الإنسان قسمان: الأول ما يتعلق به وحده فأمر فيه بالصبر و يندرج فيه الصبر على مشقة النظر و الاستدلال في معرفة التوحيد و العدل و النبوة و المعاد، و الصبر على أداء الواجبات و المندوبات و الاحتراز عن المنهيات، و الصبر على شدائد الدنيا و آفاتها و مخاوفها. الثاني ما يتعلق بالمشاركة مع أهل المنزل أو المدينة فأمر فيه بالمصابرة، و يدخل فيه تحمل الأخلاق الرديئة من الأقارب و الأجانب، و ترك الانتقام منهم، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و الجهاد مع أعداء الدين بالحجة و بالسيف و باللسان أو بالسنان. ثم إنه لا بد للإنسان في تكلف أقسام الصبر و المصابرة من قهر القوى النفسانية البهيمية و السبعية الباعثة على أضداد ذلك، فأمر بالمرابطة من الربط الشدّ. فكل من صبر على أمر فقد ربط قلبه عليه و ألزم نفسه إياه. ثم لا بد في جميع الأعمال و الأقوال من ملاحظة جانب الحق حتى يكون معتدا بها، فلهذا أمر بتقوى اللّه. ثم لما تمت وظائف العبودية ختم الكلام على وظيفة الربوبية و هو رجاء الفلاح منه، فظهر أن هذه الآية مشتملة على كنوز الحكم و المعارف و جامعة لآداب الدين و الدنيا. ثم إنها على اختصارها كالإعادة لما تقدم في هذه السورة من الأصول و هي: تقرير التوحيد و العدل و النبوّة و المعاد. و من الفروع كأحكام الحج و الزكاة و الجهاد. و عن الحسن‏ اصْبِرُوا على دينكم فلا تتركوه بسبب الفقر و الجوع‏ وَ صابِرُوا عدوّكم فلا تفشلوا بسبب ما أصابكم يوم أحد. و قال الفراء: اصبروا مع نبيكم و صابروا عدوكم، فلا ينبغي أن يكونوا أصبر منكم. و قال الأصم: لما كثرت تكاليف اللّه تعالى في هذه السورة أمرهم بالصبر عليها. و لما كثر ترغيب اللّه تعالى في الجهاد فيها أمرهم بالمصابرة مع الأعداء. أما المرابطة ففيها قولان: أحدهما أن يربط هؤلاء خيولهم في الثغور و يربط أولئك أيضا خيولهم بحيث يكون كل واحد من الخصمين مستعدا لقتال الآخر قال تعالى: وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ‏ [الأنفال: 60]

و عن النبي صلى اللّه عليه و سلم: «من رابط يوما و ليلة في سبيل اللّه كان كعدل صيام شهر و قيامه لا يفطر و لا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة» «1»

و ثانيهما أنها انتظار الصلاة بعد الصلاة لما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: لم يكن في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غزو يرابط فيه، و لكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. و في حديث أبي هريرة ذكر انتظار الصلاة بعد الصلاة ثم قال:

فذلك الرباط ثلاث مرات و اللّه أعلم.

(1) رواه النسائي في كتاب الجهاد باب 39. الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب 25. ابن ماجه في كتاب الجهاد باب 7. أحمد في مسنده (5/ 440، 441).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 337

التأويل:

إن في خلق سموات القلوب و أطوارها، و خلق أرض النفوس و قرارها، و اختلاف ليل البشرية و صفاتها، و نهار الروحانية و أنوارها، لآيات لأولي الألباب. الذين عبروا بقدمي الذكر و الفكر عن قشر الوجود الجسماني، و وصلوا إلى لب الوجود الروحاني، فشاهدوا بعيون البصائر و نواظر الضمائر أن لهم و للعالم إلها قادرا حيا عليما سميعا بصيرا متكلما مريدا باقيا. و إنما نالوا هذه المراتب لأنهم يذكرون اللّه في جميع الأحوال بالظاهر و الباطن، و يتفكرون في خلق المصنوعات من البسائط و المركبات، و يقولون ما خلقت هذا باطلا أي خلقته إظهارا للحق على الخلق، و وسيلة للخلق إلى الحق. سبحانك تنزيها للحق عن الشبه بالخلق، فَقِنا باعد عنا عذاب نار قهرك و البعد عنك، ففيها كل الخزي و الندامة و الغواية و الضلالة. ثم أخبر عن شرط العبودية في استجلاب فضل الربوبية بقوله: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا من هاتف الحق في الغيب بالسمع الحقيقي مناديا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أي كما أسمعتنا النداء بالإرادة القديمة لا بسعي منا قبل أن تخلقنا. فاغفر لنا بفضلك و رحمتك.

لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ‏ بالظاهر و الباطن‏ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ على قدر همتكم و رجوليتكم‏ فَالَّذِينَ هاجَرُوا عن الأوطان و الأوطار و الأعمال السيئة و الأخلاق الذميمة وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ‏ من معاملات الطبيعة و ديارها الى عالم الحقيقة بسطوات تجلي صفات الربوبية وَ أُوذُوا فِي‏ طلبي بأنواع البلاء وَ قاتَلُوا مع النفس‏ وَ قُتِلُوا بسيف الصدق‏ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ‏ سيئات وجودهم‏ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ‏ الوصول فيها أشجار التوكل و اليقين و الزهد و الورع و التقوى و الصدق و الإخلاص و الهدى و القناعة و العفة و المروءة و الفتوّة و المجاهدة و الشوق و الذوق و الرغبة و الرهبة و الوفاء و الطلب و المحبة و الحياء و الكرم و الشجاعة و العلم و الحلم و العزة و القدرة و الهمة و غيرها من المقامات و الأخلاق‏ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أنهار العناية ثَواباً من مقام العندية وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ‏ لا يكون عند الجنة و غيرها. وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ‏ من علماء الظاهر علماء متقين يكون إيمانه من نتيجة نور اللّه الذي دخل قلبه، و يؤمن بما أنزل إليكم من الواردات و الإلهامات و الكشوف‏ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ‏ من الخواطر الرحمانية خاشِعِينَ لِلَّهِ‏ كما

قال صلى اللّه عليه و سلم: «إذا تجلى اللّه لشي‏ء خضع له»

لا يَشْتَرُونَ‏ بما أوتوا من العلم و الحكمة عرض الدنيا إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ‏ يوصلهم إلى مقام العندية قبل وفاتهم‏ اصْبِرُوا على جهاد النفس بالرياضات‏ وَ صابِرُوا في مراقبة القلب عند الابتلاءات‏ وَ رابِطُوا الأرواح للوصل باللّه‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ في الالتفات إلى ما سواه‏ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ فتفوزوا بالبقاء باللّه و آخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 338

(سورة النساء

مدنية حروفها 14535 كلماتها 3745 آياتها مائة و ست و سبعون‏

[سورة النساء (4): الآيات 1 الى 10]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) وَ آتُوا الْيَتامى‏ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى‏ أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى‏ أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4)

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَ ابْتَلُوا الْيَتامى‏ حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ حَسِيباً (6) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9)

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10)

القراآت:

تَسائَلُونَ‏ خفيفا بحذف التاء: عاصم و حمزة و علي و خلف و عباس مخير. الباقون بالتشديد أي بإدغام تاء التفاعل في السين. وَ الْأَرْحامَ‏ بالجر حمزة.

الباقون بالنصب. ما طابَ‏ بالإمالة: حمزة. فَواحِدَةً بالرفع: يزيد. الباقون بالنصب.

هنيّا مريّا بالتشديد فيهما: يزيد و حمزة في الوقف على أيهما وقف، و إذا انفرد هَنِيئاً

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 339

همزها كل القرآن: يزيد. قيما ابن عامر و نافع. الباقون‏ قِياماً ضِعافاً بالإمالة:

خلف عن حمزة و ابن سعدان و العجلي و خلف لنفسه و قتيبة على أصله. وَ سَيَصْلَوْنَ‏ بضم الياء: ابن عامر و أبو بكر و حماد و المفضل. الباقون بفتحها.

الوقوف:

وَ نِساءً ج. لأن الجملتين و إن اتفقتا إلا أنه اعترضت المعطوفات‏ وَ الْأَرْحامَ‏ ط رَقِيباً ه‏ بِالطَّيِّبِ‏ ص‏ إِلى‏ أَمْوالِكُمْ‏ ط كَبِيراً ه‏ وَ رُباعَ‏ ج‏ أَيْمانُكُمْ‏ ط أَلَّا تَعُولُوا ط لابتداء حكم آخر نِحْلَةً ط لأن المشروط خارج عن أصل الشرط الموجب. مَرِيئاً ه‏ مَعْرُوفاً ه‏ النِّكاحَ‏ ج بناء على أنه ابتداء شرط بعد بلوغ النكاح، أو مجموع الشرط و الجواب جواب «إذا» و «حتى» تكون داخلة على جملة شرطيه مقدمها حملية، و ثالثها شرطية أخرى. أَمْوالَهُمْ‏ ج‏ أَنْ يَكْبَرُوا ط لابتداء جملتين متضادتين‏ فَلْيَسْتَعْفِفْ‏ ج‏ بِالْمَعْرُوفِ‏ ط للعود إلى أصل الموجب بعد وقوع العارض. عَلَيْهِمْ‏ ط حَسِيباً ه‏ وَ الْأَقْرَبُونَ‏ الأول ص‏ أَوْ كَثُرَ ط بتقدير جعلناه نصيبا مفروضا مَعْرُوفاً ه‏ خافُوا عَلَيْهِمْ‏ ص‏ سَدِيداً ه‏ ناراً ط سَعِيراً ه.

التفسير:

لما كانت هذه السورة مشتملة على تكاليف كثيرة من التعطيف على الأولاد و النساء و الأيتام و إيصال حقوقهم إليهم و حفظ أموالهم عليهم، و من الأمر بالطهارة و الصلاة، و الجهاد و الدية، و من تحريم المحارم و تحليل غيرهن إلى غير ذلك من السياسات و مكارم الأخلاق التي يناط بها صلاح المعاش و المعاد، افتتح السورة ببعث المكلفين على التقوى. و من غرائب القرآن أن فيه سورتين صدرهما يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ إحداهما في النصف الأول و هي الرابعة من سوره، و الأخرى في النصف الثاني و هي أيضا في الرابعة من سوره.

ثم التي في النصف الأول مصدرة بذكر المبدأ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏ و التي في النصف الثاني مصدرة بذكر المعاد اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ‏ [الحج: 1] ثم إنه تعالى علل الأمر بالتقوى بأنه خلقنا من نفس واحدة. أما القيد الأوّل و هو أنه خلقنا فلا شك أنه علة لوجوب الانقياد لتكاليفه و الخشوع لأوامره و نواهيه، لأن المخلوقية هي العبودية و من شأن العبد امتثال أمر مولاه في كل ما يأمره و ينهاه. و أيضا الإيجاد غاية الإحسان فيجب مقابلتها بغاية الإذعان، على أن مقابلة نعمته بالخدمة محال لأن توفيق تلك الخدمة نعمة أخرى منه. و أما القيد الثاني و هو خصوص أنه خلقنا من نفس واحدة، فإنما يوجب علينا الطاعة لأن خلق أشخاص غير محصورة من إنسان واحد مع تغاير أشكالهم و تباين أمزجتهم و اختلاف أخلاقهم دليل ظاهر و برهان باهر على وجود مدبر مختار و حكيم قدير، و لو كان ذلك بالطبيعة أو لعلة موجبة كان كلهم على حد واحد و نسبة واحدة. ثم في‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 340

هذا القيد فوائد أخر منها: أنه يأمر عقبه بالإحسان إلى اليتامى و النسوان، و كونهم متفرعين من أصل واحد و أرومة واحدة أعون على هذا المعنى و لهذا

قال صلى اللّه عليه و سلم‏ «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها» «1» .

و منها أنهم إذا عرفوا ذلك تركوا المفاخرة و أظهروا التواضع و حسن الخلق. و منها أن تصوّر ذلك يذكر أمر المعاد فليس الإعادة بأصعب من الإبداء. و منها أنه إخبار عن الغيب فيكون معجزا للنبي صلى اللّه عليه و سلم لأنه لم يقرأ كتابا. و أجمع المفسرون على أن المراد بالنفس الواحدة هاهنا هو آدم عليه السلام، و التأنيث في الوصف نظرا إلى لفظة النفس. وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها حواء من ضلع من أضلاعها. و قال أبو مسلم: المراد و خلق من جنسها زوجها لقوله‏ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً [النحل: 72] و لأنه تعالى قادر على خلق حواء من التراب فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضلاع آدم؟ و الجواب أن الأمر لو كان كما ذكره أبو مسلم لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة و هو خلاف النص و خلاف ما

روي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم‏ «أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فإن ذهبت تقيمها كسرتها» «2»

احتج جمع من الطبائعيين بالآية على أن الحادث لا يحدث إلا عن مادة سابقة، و إن خلق الشي‏ء عن العدم المحض و النفي الصرف محال. و الجواب أنه لا يلزم من إحداث شي‏ء في صورة واحدة من المادة لحكمة أن يتوقف الإحداث على المادة في جميع الصور. قال في الكشاف: قوله: وَ خَلَقَ مِنْها معطوف على محذوف أي أنشأها و خلق منها، أو معطوف على‏ خَلَقَكُمْ‏ و الخطاب للذين بحضرة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أي خلقكم من نفس آدم لأنهم من جنس المفرع منه، و خلق منها أمكم حواء وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً غيركم من الأمم الفائتة للحصر. أقول: و إنما التزم الإضمار في الأول و التخصيص في الثاني دفعا للتكرار، و لا تكرار بالحقيقة إذ لا يفهم من خلق بني آدم من نفس خلق زوجها منه و لا خلق الرجال و النساء من الأصلين جميعا. نعم لو كان المراد بقوله: وَ خَلَقَ مِنْها إلى آخره بيان الخلق الأول و تفصيله، لكان الأولى عدم دخول الواو إلا أن المراد وصف ذاته تعالى بالأوصاف الثلاثة جميعا من غير ترتيب يستفاد من النسق و إلا كان الأنسب أن يقال: «فبث» بالفاء. فدل العطف بالواو في الجميع على أن المراد هو ما ذكرنا، و أن‏

(1) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب 12، 16. مسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث 93، 94. أبو داود في كتاب النكاح باب 12. الترمذي في كتاب المناقب باب 60. ابن ماجه في كتاب النكاح باب 56. أحمد في مسنده (4/ 5، 326).

(2) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب 1. مسلم في كتاب الرضاع حديث 61، 62. الدارمي في كتاب النكاح باب 35. أحمد في مسنده (5/ 8).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 341

التفصيل و الترتيب موكول إلى قضية العقل فافهم و اللّه تعالى أعلم. و معنى بث فرق و نشر.

و إنما خص وصف الكثرة بالرجال اعتمادا على الفهم، و لأن شهرة الرجال أتم فكانت كثرتهم أظهر. و فيه تنبيه على أن اللائق بحال الرجال الاشتهار و الخروج، و اللائق بحال النسوان الاختفاء و الخمول. و إنما يقل الرجال و النساء معرفتين لئلا يلزم كونهما مبثوثين من نفسهما، ثم إن هذا البث معناه محمول على ظاهره عند من يرى أن جميع الأشخاص البشرية كانوا كالذر مجتمعين في صلب آدم، و أما عند من ينكر ذلك فالمراد أنه بث منهما أولادهما، و من أولادهما جمعا آخرين و هلم جرا، فأضيف الكل إليهما على سبيل المجاز. وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ‏ من قرأ بالنصب فللعطف على اسم اللّه أي و اتقوا حق الأرحام فلا تقطعوها و هو اختيار أكثر الأئمة كمجاهد و قتادة و السدي و الضحاك و ابن زيد و الفراء و الزجاج. و أما للعطف على محل الجار و المجرور كقوله:

فلسنا بالجبال و لا الحديدا و هو اختيار أبى علي الفارسي و علي بن عيسى. و قيل: منصوب بالإغراء أي و الأرحام فاحفظوها و صلوها. و من قرأ بالجر فلأجل العطف على الضمير المجرور في‏ بِهِ‏ و هذا و إن كان مستنكرا عند النحاة بدون إعادة الخافض لأن الضمير المتصل من تتمة ما قبله و لا سيما المجرور فأشبه العطف على بعض الكلمة، إلا أن قراءة حمزة مما ثبت بالتواتر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلا يجوز الطعن فيها لقياسات نحوية واهية كبيت العنكبوت. و قد طعن الزجاج فيها من جهة أخرى و هي أنها تقتضي جواز الحلف بالأرحام و

قد قال النبي صلى اللّه عليه و سلم‏ «لا تحلفوا بآبائكم» «1» .

و الجواب أن المنهي عنه هو الحلف بالآباء و هاهنا حلف أولا باللّه ثم قرن به الرحم فأين أحدهما من الآخر؟ و لئن سلمنا أن الحلف بالرحم أيضا منهي عنه لكن لا نسلم أنه منهي عنه مطلقا، و إنما المنهي عنه ما حلف به على سبيل التعظيم، و أما الحلف بطريق التأكيد فلا بأس بها، و لهذا

جاء في الحديث‏ «أفلح و أبيه إن صدق» «2» .

سلمنا أنها منهي عنها مطلقا لكن المراد هاهنا حكاية ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من قولهم في الاستعطاف و التساؤل و هو سؤال البعض البعض: أسألك باللّه و بالرحم، و أنشدك اللّه‏

(1) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار باب 26. مسلم في كتاب الأيمان حديث 3. الترمذي في كتاب النذور باب 8، 9. النسائي في كتاب الأيمان باب 4، 5، 6. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب 2. الموطأ في كتاب النذور حديث 14. أحمد في مسنده (2/ 7، 8، 20، 76).

(2)

صفحه بعد