کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 358

ماله، بل لا بد أن يكون مقدار خمسة دراهم لأنه القدر الذي وقع عليه الوعيد في آية الكنز في منع الزكاة و لا بد مع ذلك من عدم التوبة. فقيل لهم: إنكم خالفتم هذا العموم من وجهين: من جهة شرط عدم التوبة، و من جهة شرط عدم كونه صغيرة، فلم لا يجوز لنا أن نزيد فيه شرط عدم العفو؟ و هاهنا نكتة و هي أنه أوعد مانع الزكاة بالكي، و آكل مال اليتيم بامتلاء البطن من النار. و لا شك أن هذا الوعيد أشد، و السبب فيه أن الفقير غير مالك لجزء من النصاب حتى يملكه المالك، و اليتيم مالك لماله فكان مع اليتيم أشنع. و أيضا الفقير يقدر على الاكتساب من وجه آخر أو على السؤال، و اليتيم عاجز عنهما فكان ضعفه أظهر و هذا من كمال عنايته تعالى بالضعفاء فنرجو أن يرحم ذلنا و ضعفنا بعزته و قوته.

التأويل:

ذكر الناسين بدء خلقهم بالأشباح و الأرواح فخلقوا بالأشباح من آدم، و بالأرواح من روح محمد صلى اللّه عليه و سلم.

قال: أول ما خلق اللّه روحي فهو أبو الأرواح.

و خلق من الروح زوجه و هي النفس، خلقها من أدنى شعاع من أشعة أنوار روح محمد صلى اللّه عليه و سلم‏ وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً أرواحا كاملين‏ وَ نِساءً أرواحا ناقصات‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ‏ أي اتقوه أن تساءلوا به غيره‏ وَ الْأَرْحامَ‏ و لا تقطعوا رحم رحمتي بصلة غيري‏ وَ آتُوا الْيَتامى‏ أَمْوالَهُمْ‏ تزكية عن آفة الحرص و الحسد و الدناءة و الخسة و الطمع و تحلية بالقناعة و المروءة و علو الهمة و العافية وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏ تزكية عن آفة الخيانة و الخديعة و تحلية بالأمانة و سلامة الصدر وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى‏ أَمْوالِكُمْ‏ تزكية عن الجور و تحلية بالعدل، فإن اجتماع هذه الرذائل كان حوبا كبيرا حجابا عظيما فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ‏ تزكية عن الفاحشة و تحلية بالعفة ذلِكَ أَدْنى‏ أَلَّا تَعُولُوا تزكية عن الحدة و الغضب، و تحلية بالسكون و الحلم‏ وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ‏ تزكية عن البخل و الغدر و تحلية بالوفاء و الكرم‏ فَكُلُوهُ هَنِيئاً تزكية عن الكبر و الأنفة و تحلية بالتواضع و الشفقة. فهذه كلها إشارات إلى تربية يتامى القلوب و النفوس بإيتاء حقوق تزكيتهم عن هذه الأوصاف و تحليتهم بهذه الأخلاق. ثم نهى عن إيتاء النفوس الأمارة حظوظها فقال: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ و إنما قال: أَمْوالَكُمُ‏ لأن الخطاب مع العقلاء و الصلحاء و قد خلق اللّه الدنيا لأجلهم أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها قدر ما يسد الجوعة وَ اكْسُوهُمْ‏ ما يستر العورة و ما زاد فإسراف في حق النفس. وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً كنحو: أكلت رزق اللّه فأدّي شكر نعمته بامتثال أوامره و نواهيه و إلا أذيبي طعامك بذكر اللّه كما

قال صلى اللّه عليه و سلم‏ «أذيبوا طعامكم بذكر اللّه».

وَ ابْتَلُوا الْيَتامى‏ أي قلوب السائرين بأدنى توسع في المعيشة بعد أن كانوا محجورين عن التصرف‏ حَتَّى إِذا بَلَغُوا مبلغ الرجال البالغين‏ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 359

رُشْداً بأن استمروا بذلك التوسع على السير و زادوا في اجتهادهم وجدهم كما قال الجنيد:

أشبع الزنجي و كدّه‏ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ‏ فالعبد في هذا المقام يكون جائز التصرف في مماليك سيده كالعبد المأذون، و لهذا قال هاهنا أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً أي فإن آنستم يا أولياء الطريقة من المريدين البالغين رشد التصرف في أصحاب الإرادة فادفعوا إليهم عنان التصرف بإجازة الشيخوخية، و لا تجعلوا الشيخوخية مأكلة لكم غيرة و غبطة عليهم أن يكبروا بالشيخوخية. وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا باللّه من قوة الولاية مستظهرا بالعناية فَلْيَسْتَعْفِفْ‏ عن الانتفاع بصحبتهم، وَ مَنْ كانَ فَقِيراً مفتقرا إلى ولاية المريد فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏ فلينتفع بإعانته و ليجزله بالشيخوخية مع الإمداد في الظاهر و الباطن. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ‏ سلمتم إليهم مقام الشيخوخية فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ‏ اللّه و رسوله و أرواح المشايخ و أوصوهم برعاية حقوقها مع اللّه و الخلق. ثم أخبر عن نصيب كل نسيب فقال: لِلرِّجالِ‏ و هم الأقوياء من الطلبة وَ لِلنِّساءِ و هم الضعفاء نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ‏ و هم المشايخ و الإخوان في اللّه و تركتهم بركتهم و أنوارهم‏ نَصِيباً مَفْرُوضاً على قدر استعدادهم‏ وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أي في محافل صحبتهم و مجالس ذكرهم‏ أُولُوا الْقُرْبى‏ المنتمون إليهم المقتبسون من أنوارهم و المقتفون لآثارهم‏ فَارْزُقُوهُمْ‏ من مواهب بركاتهم‏ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً في التشويق و إرشاد الطريق و تقرير هوان الدنيا عند اللّه، و عزة أهل اللّه في الدارين. وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً من متوسطي المريدين أو المبتدئين‏ خافُوا عَلَيْهِمْ‏ آفات المفارقة بسفر أو موت‏ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ‏ أي يوصونهم بالتقوى و أن يقولوا قولا سديدا هو لا إله إلا اللّه. فإن التقوى و مداومة الذكر خطوتان يوصلان العبد إلى اللّه‏ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ‏ يضيعون أطفال الطريقة بعدم التربية و رعاية وظائف النصيحة إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ‏ نار الحسرة و الغرامة يوم لا تنفع الندامة.

[سورة النساء (4): الآيات 11 الى 22]

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى‏ بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) وَ اللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)

وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (20)

وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضى‏ بَعْضُكُمْ إِلى‏ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلاً (22)

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 360

القراآت:

واحِدَةً بالرفع: أبو جعفر و نافع. الباقون: بالنصب. فَلِأُمِّهِ‏ و ما بعده‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 361

بكسر الهمزة لأجل كسرة ما قبلها: حمزة و علي. الباقون بالضم‏ يُوصِي‏ و ما بعد مبنيا للمفعول: ابن كثير و ابن عامر و يحيى و حماد و المفضل وافق الأعشى في الأولى و حفص في الثانية. الباقون: مبنيا للفاعل. ندخله بالنون في الحرفين: نافع و ابن عامر و أبو جعفر.

الباقون بالياء. و كذلك في سورة الفتح و التغابن و الطلاق. وَ الَّذانِ‏ بتشديد النون: ابن كثير، و كذلك قوله: هذانِ‏ [طه: 63] و هاتان و أَرِنَا الَّذَيْنِ‏ [فصلت: 29] و أشباه ذلك. و أما قوله‏ فَذانِكَ‏ فابن كثير و أبو عمرو و يعقوب و عباس مخير. الباقون:

بالتخفيف‏ كَرْهاً بالضم و كذلك في التوبة، حمزة و علي و خلف. الباقون بالفتح‏ مُبَيِّنَةٍ مبينات بفتح الياء: ابن كثير و أبوبكر و حماد. و قرأ أبو جعفر و نافع و أبو عمرو و سهل و يعقوب‏ مُبَيِّنَةٍ بالكسر مبينات بالفتح. الباقون كلها بالكسر.

الوقوف:

الْأُنْثَيَيْنِ‏ ج‏ ما تَرَكَ‏ ج‏ فَلَهَا النِّصْفُ‏ ط لانتهاء حكم الأولاد إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ج‏ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏ ج‏ أَوْ دَيْنٍ‏ ط وَ أَبْناؤُكُمْ‏ ج لتقديرهم أبناؤكم، و لاحتمال كون آباؤكم مبتدأ و خبره. لا تَدْرُونَ‏ نَفْعاً ج‏ مِنَ اللَّهِ‏ ط حَكِيماً ه‏ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ج‏ دَيْنٍ‏ ط مِنْهُمَا السُّدُسُ‏ ج‏ دَيْنٍ‏ ط لأن غير حال عامله‏ يُوصى‏ مُضَارٍّ ج لاحتمال نصب وصية به كما يجي‏ء. مِنَ اللَّهِ‏ ط حَلِيمٌ‏ ه ط لأن‏ تِلْكَ‏ مبتدأ حُدُودُ اللَّهِ‏ ط خالِدِينَ فِيها ط لأن ما بعده اعتراض مقرر للجزاء.

الْعَظِيمُ‏ ه‏ خالِداً فِيها ص لأن ما بعده من تتمة الجزاء. مُهِينٌ‏ ه‏ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ‏ ج لابتداء الشرط مع الفاء. سَبِيلًا ه‏ فَآذُوهُما ج‏ عَنْهُما ط رَحِيماً ه‏ عَلَيْهِمْ‏ ط حَكِيماً ه‏ السَّيِّئاتِ‏ ط لأن حتى إذا تصلح للابتداء و جوابه‏ قالَ إِنِّي تُبْتُ‏ [النساء:

18] و تصلح انتهاء لعمل السيئات‏ وَ هُمْ كُفَّارٌ ط أَلِيماً ه‏ كَرْهاً ط للعدول عن الإخبار إلى النهي. مُبَيِّنَةٍ ج للعارض بين المتفقين‏ بِالْمَعْرُوفِ‏ ج‏ كَثِيراً ه‏ شَيْئاً ط مُبِيناً ه‏ غَلِيظاً ط وَ مَقْتاً ط سَبِيلًا ه.

التفسير:

إنه تعالى لما بين حكم مال الأيتام و ما على الأولياء فيه، بيّن أن اليتيم كيف يملك المال إرثا و لم يكن ذلك إلا بيان جملة أحكام الميراث. أو نقول: أجمل حكم الميراث في قوله: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ‏ و لِلنِّساءِ نَصِيبٌ‏ ثم فصل ذلك بقوله‏ يُوصِيكُمُ اللَّهُ‏ أي يعهد إليكم و يأمركم في أولادكم في شأن ميراثهم. و اعلم أن أهل الجاهلية كانوا يتوارثون بشيئين: النسب و العهد. أما النسب فكانوا يورثون الكبار به و لا يورثون الصغار و الإناث كما مر، و أما العهد فالحلف أو التبني كما سيجي‏ء في تفسير قوله: وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ‏ [النساء: 23] و كان التوريث بالعهد مقرر في أول الإسلام مع زيادة سببين آخرين: أحدهما الهجرة. فكان المهاجر يرث من المهاجر و إن كان أجنبيا عنه‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 362

إذا كان بينهما مزيد مخالطة و مخالصة، و لا يرثه غيره و إن كان من أقاربه. و الثاني المؤاخاة.

كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يؤاخي بين كل اثنين منهم فيكون سببا للتوارث. و الذي تقرر عليه الأمر في الإسلام أن أسباب التوريث ثلاثة: قرابة و نكاح و ولاء. و المراد من الولاء أن المعتق يرث بالعصوبة من المعتق.

روي‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ورث بنت حمزة من مولى لها.

و وراء هذه الأسباب سبب عام و هو الإسلام، فمن مات و لم يخلف من يرثه بالأسباب الثلاثة فماله لبيت المال يرثه المسلمون بالعصوبة كما يحملون عنه الدية.

قال صلى اللّه عليه و سلم: «أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه و أرثه» «1»

و عن أبي حنيفة و أحمد أنه يوضع ماله في بيت المال على سبيل المصلحة لا إرثا، لأنه لا يخلو عن ابن عم و إن بعد فألحق بالمال الضائع الذي لا يرجى ظهور مالكه. و إنما بدأ سبحانه بذكر ميراث الأولاد لأن تعلق الإنسان بولده أشد التعلقات، ثم للأولاد حال انفراد و حال اجتماع مع أبوي الميت. أما حال الانفراد فثلاث ذكور و إناث معا، أو إناث فقط، أو ذكور فقط. أما الحالة الأولى فبيانها قوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏ أي للذكر منهم، فحذف الراجع للعلم به و فيه أحكام ثلاثة: أحدها: خلف ذكرا واحدا و أنثى واحدة فله سهمان و لها واحد. و ثانيها: خلف ذكورا و إناثا لكل ذكر سهمان و لكل أنثى سهم. و ثالثها: خلف مع الأولاد جمعا آخرين كالزوجين، فهم يأخذون سهامهم و الباقي بين الأولاد لكل ذكر مثل نصيب أنثيين. و إنما لم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر إشعارا بفضيلته كما ضوعف حظه لذلك، و لأن الابتداء بما ينبى‏ء عن فضل أحد أدخل في الأدب من الابتداء بما ينبى‏ء عن النقص، و لأنهم كانوا يورّثون الذكور دون الإناث فكأنه قيل لهم: كفى الذكور تضعيف من النصيب، فليقطعوا الطمع عن الزيادة. و أما الحكمة في أنه تعالى جعل نصيب النساء من المال أقل من نصيب الرجال، فلنقصان عقلهن و دينهن كما جاء في الحديث، و لأن احتياجهن إلى المال أقل لأن أزواجهن ينفقون عليهن، أو لكثرة الشهوة فيهن فقد يصير المال سببا لزيادة فجورهن كما قيل:

إن الشباب و الفراغ و الجده‏

مفسدة للمرء أي مفسده .

فكيف حال المرأة؟ و عن جعفر الصادق رضي اللّه عنه أن حواء أخذت حفنة من الحنطة و أكلتها، و أخذت حفنة أخرى و خبأتها، ثم أخذت حفنة أخرى و رفعتها إلى آدم.

فلما جعلت نصيب نفسها ضعف نصيب الرجل قلب اللّه الأمر عليها فجعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل. و أما الحالة الثانية فهن أكثر من اثنتين أو اثنتان أو واحدة. و حكم‏

(1) رواه أبو داود في كتاب الفرائض باب 8. ابن ماجه في كتاب الديات باب 7. أحمد في مسنده (4/ 131).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 363

القسم الأول مبين في قوله: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ‏ و حكم القسم الثالث في قوله: وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ‏ فمن قرأ بالرفع على «كان» التامة فظاهر، و من قرأ بالنصب فالضمير في كانت إما أن يعود إلى النساء و جاز لعدم الإلباس بدليل واحدة، و إما أن يعود إلى غائب حكمي أي إن كانت البنت أو المولودة. و قراءة النصب أوفق لقوله: فَإِنْ كُنَّ نِساءً و قراءة الرفع أيضا حسنة لئلا يحتاج إلى التكلف في عود الضمير. و جوّز صاحب الكشاف أن يكون الضمير في‏ كُنَ‏ و كانَتْ‏ مبهمة و تكون‏ نِساءً و واحِدَةً تفسيرا لهما على أن «كان» تامة. و أما القسم الثاني و هو حكم البنتين فغير مذكور في الآية صريحا فلهذا اختلف العلماء فيه. فعن ابن عباس أن فرضهما النصف كما في الواحدة، لأن الثلثين فرض البنات بشرط كونهن فوق اثنتين، فإذا لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط. و عورض بأن النصف أيضا مشروط بالوحدة. أقول: و لعله نظر إلى أن الاثنتين أقرب إلى الواحد من الأعداد الغير المحصورة التي فوق الإثنتين سوى الثلاثة، و الحمل على الأقرب أولى. و قال الأكثرون من الصحابة و غيرهم: إن فرضهما الثلثان لأن من مات و خلف ابنا و بنتا فللبنت الثلث بالآية، فيلزم أن يكون للبنتين الثلثان. و أيضا نصيب البنت مع الولد الذكر الثلث، فلأن يكون نصيبها مع ولد آخر أنثى هو الثلث أولى لأن الذكر أقوى من الأنثى. و على هذا فكان قوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏ دالا على أنثيين، فذكر بعد ذلك أنهن و إن بلغن ما بلغن من العدد لم يتجاوز الثلثين. و قيل: إن البنتين أمس رحما بالميت من الأختين، لكنه تعالى يقول في آخر السورة فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ‏ فالبنتان أولى و هذا قياس جلي، و مما يؤيده أنه تعالى لم يذكر ميراث الأخوات الكثيرة ليقاس ميراثهن على ميراث البنات الكثيرة كما يقاس ميراث البنتين على الأختين. و قيل:

لفظ فَوْقَ‏ و هو صفة نساء أو خبر بعد خبر للتأكيد، أو ليخرج أقل الجمع و هو اثنان زائد كقوله: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ‏ [الأنفال: 12] و قيل: فيه تقديم و تأخير و المراد: فإن كن نساء اثنتين فما فوقهما.

و عن جابر بن عبد اللّه قال: جاءت امرأة بابنتين لها فقالت: يا رسول اللّه، هاتان بنتا ثابت بن قيس، أو قالت: سعد بن الربيع. قتل معك يوم أحد و قد استفاء عمهما مالهما و ميراثهما. فقال: يقضي اللّه في ذلك و نزلت هذه الآية. فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: ادع لي المرأة و صاحبها. فقال لعمهما: أعطهما الثلثين و أعط أمهما الثمن و ما بقي فلك.

و أما الحالة الثالثة و هو ما إذا كان الأولاد ذكورا فقط فلم يذكر في الآية، لأنه لما علم أن للذكر مثل حظ الأنثيين و قد تبين أن للبنت الواحدة النصف، علم منه أن للابن الواحد الكل، و إذا كان للواحد الكل، فإذا كانوا أكثر من واحد لم يحسن حرمان بعضهم و لا

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏2، ص: 364

ترجيح بعضهم فيكون المال مشتركا بينهم بالسوية. و أيضا

قال صلى اللّه عليه و سلم: «و ما أبقت السهام فلأولى عصبة ذكر»

و لا نزاع في أن الابن عصبة ذكر، فإذا لم يكن معه صاحب فرض فله كل المال لا محالة. و النص: سألت عن ولد الولد فقيل: اسم الولد يقع على ولد الابن أيضا لقوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ‏ [الأعراف: 31] يا بَنِي إِسْرائِيلَ‏ [البقرة: 40، 47، 122 و غيرها من الآيات‏]. و قيل: قيس ولد الولد على الولد لما أنه كولد الصلب في الإرث و التعصيب، و لكنه لا يستحق شيئا مع أولاد الصلب على وجه الشركة، و إنما يستحق إذا لم يوجد ولد الصلب رأسا، أو لا يأخذ كما في مسألة بنت واحدة و بنت ابن فإنهما يأخذان الثلثين. و اعلم أن عموم قوله تعالى‏ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ‏ مخصوص بصور منها: أن العبد و الحر لا يتوارثان. و منها أن القاتل لا يرث. و منها أن لا يتوارث أهل ملتين و المرتد ماله في‏ء لبيت المال سواء اكتسب في الإسلام أو في الردة. و عند أبي حنيفة: ما اكتسب في الإسلام يرثه أقاربه المسلمون. و منها أن الأنبياء لا يورثون خلافا للشيعة.

روي‏ أن فاطمة رضي اللّه عنها لما طلبت الميراث احتجوا بقوله صلى اللّه عليه و سلم: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» «1»

و احتجت بقوله تعالى حكاية عن زكريا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ‏ [مريم: 6] و بقوله: وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل: 16]، و الأصل في التوريث للمال، و وراثة العلم أو الدين مجاز. و بعموم قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ‏ و لأن المحتاج إلى هذه المسألة ما كان إلا عليا و فاطمة و العباس و هؤلاء كانوا من أكابر الزهاد و العلماء في الدين. و أما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة البتة لأنه ما كان يخطر بباله أنه يرث الرسول عليه الصلاة و السلام، فكيف يليق بالرسول صلى اللّه عليه و سلم أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها و لا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة؟ و أيضا يحتمل أن يكون‏

قوله: «ما تركناه صدقة»

صلة

لقوله: «لا نورث»

و المراد أن الشي‏ء الذي تركناه صدقة فذلك الشي‏ء لا يورث و لعل فائدة تخصيص الأنبياء بذلك أنهم إذا عزموا على التصدق بشي‏ء فمجرد العزم يخرج ذلك عن ملكهم فلا يرثه وارثهم عنهم. أجابوا بأن فاطمة رضي اللّه عنها رضيت بقول أبي بكر بعد هذه المناظرة و انعقد الإجماع على ما ذهب إليه أبوبكر. و اعلم أن جميع ما ذكرنا إنما هو في حالة انفراد الأولاد، أما حالة اجتماعهم بالأبوين فذلك قوله: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ و المراد بالأبوين الأب و الأم. فغلب جانب الأب لشرفه، و مثله من التغليب في التثنية «القمران» و «العمران» و «الخافقان».

صفحه بعد