کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 143

لهم أن يعملوا و هم لا يفقهون، أو المراد زينا لكل أمة من أمم الكفار عملهم أي خليناهم و شأنهم و أمهلناهم حتى حسن عندهم سوء عملهم، أو أمهلنا الشيطان حتى زين لهم أو زينا في زعمهم و قولهم إن اللّه أمرنا بهذا و زينه لنا، و ضعف بعد المعارضة بالعلم و خلق الداعي بأن قوله تعالى‏ كَذلِكَ زَيَّنَّا بعد قوله‏ فَيَسُبُّوا اللَّهَ‏ مشعر بأن إقدامهم على ذلك المنكر إنما كان بتزيين اللّه تعالى. و أيضا الإنسان لا يختار الكفر و الجهل ابتداء مع العلم بكونه كفرا و جهلا و العلم بذلك ضروري، بل إنما يختاره لأنه اعتقد كونه إيمانا و علما و حقا و صدقا، و لو لا سابقة الجهل الأول لما اختار الجهل الثاني و لا تذهب الجهالات إلى غير النهاية، فلا بد أن ينتهي إلى جهل أول يخلقه اللّه تعالى فيه و هو بسبب ذلك الجهل ظن الكفر إيمانا و الجهل علما. قال: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ‏ و الغرض حكاية شبهة أخرى لهم و هي أن هذا القرآن كيفما كان أمره فليس من جنس المعجزات البتة، و لو أنك يا محمد جئتنا بمعجزة باهرة و بينة قاهرة لآمنا بك و أكدوا هذا المعنى بالأيمان و الأقسام. قال الواحدي:

إنما سمى اليمين بالقسم لأن اليمين موضوعة لتوكيد الخبر و كانت الحاجة إلى ذكر الحلف عند انقسام الناس وقت سماع الخبر إلى مصدق و مكذب، فمعنى الأقسام إزالة القسمة و جعل الناس كلهم مصدقين بواسطة الحلف و اليمين.

عن محمد بن كعب قال: كلمت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و آله قريش فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى كانت معه عصا فضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، و أن عيسى كان يحيي الموتى، و أن صالحا كانت له ناقة، فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أي شي‏ء تحبون أن آتيكم به؟ قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبا. قال: فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم و اللّه لئن فعلت لنتبعنك أجمعون. فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال: إن شئت أصبح الصفا ذهبا و لكن لم أرسل بآية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب، و إن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أتركهم حتى يتوب تائبهم و أنزل اللّه الآيات إلى قوله‏ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ‏

قال الكلبي و مقاتل: إذا حلف الرجل باللّه فهو جهد يمينه. و قال الزجاج: معناه بالغوا في الأيمان. و المراد بقوله‏ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ ما روينا من جعل الصفا ذهبا. و قيل: هي الأشياء المذكورة في قوله‏ وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا [الإسراء: 90] الآيات. و قيل: كان النبي صلى اللّه عليه و سلم و آله يخبرهم بأن عذاب الاستئصال كان ينزل بالأمم المتقدمين المكذبين فالمشركون طلبوا مثلها. قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ‏ أي هو مختص بالقدرة على أمثال هذه الآيات لأن المعجزات لا تحصل إلا بتخليق اللّه تعالى، أو المراد بالعندية هو العلم بأن إحداث هذه المعجزات هل يقتضي‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 144

إيمانهم أم لا كقوله‏ وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ‏ [الأنعام: 59] أو المراد أنها و إن كانت معدومة في الحال إلا أنه تعالى متى شاء أحدثها و ليس لكم أن تتحكموا في طلبها كقوله‏ وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ‏ [الحجر: 21] وَ ما يُشْعِرُكُمْ‏ ما استفهام و الجملة خبره، ثم من قرأ أَنَّها بكسر الهمزة على الابتداء- و هي القراءة الجيدة- فالتقدير و ما يشعركم ما يكون منهم ثم ابتدأ فقال‏ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ‏ و أما قراءة الفتح فقال سيبويه: سألت الخليل عن ذلك فقال: لا تحسن لأنها تصير عذرا للكفار، لأن معنى قول القائل: ما يدريك أنه لا يفعل هو أنه يفعل. فمعنى الآية أنها إذا جاءت آمنوا و ذلك يوجب مجي‏ء هذه الآيات و يصير هذا الكلام عذرا لهم في طلبها، لكن القراءة لما كانت متواترة فلا جرم ذكر العلماء فيه وجوها: قال الخليل: «أن» بمعنى «لعل» تقول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيأ أي لعلك. و يقوي هذا الوجه قراءة أبي لعلها إذا جاءت لا يؤمنون و ثانيها «أن» تجعل «لا» صلة كما في قوله‏ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: 12] وَ حَرامٌ عَلى‏ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ‏ [الأنبياء: 95] و ثالثها أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية و يتمنون مجيئها فقال اللّه: و ما يدريكم أيها المؤمنون أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق به على من أنهم لا يؤمنون. و أما من قرأ لا تُؤْمِنُونَ‏ بتاء الخطاب فالمراد و ما يشعركم أيها الكفار. قال القاضي و الجبائي: في الآية دلالة على أنه تعالى يجب أن يفعل كل ما في مقدوره من الألطاف إذ لو كان في المعلوم لطف يؤمنون عنده، ثم إنه لا يفعل ذلك لم يكن لتعليل ترك الإجابة بأنهم لا يؤمنون وجه. و أيضا لو كان الإيمان بخلق اللّه تعالى و لم يكن لفعل الألطاف أثر في حمل المكلف على الطاعات لم يكن لإظهار تلك المعجزات أثر. و أجيب بأن تأثير المعجزات عندهم مبني على وجوب اللطف، فلو أثبت اللطف به لزم الدور، و بأن الآية التي بعد هذه و هي قوله‏ وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ‏ تدل على أن الكفر و الإيمان بقضاء اللّه و قدره. و معنى تقليب الأفئدة و الأبصار هو أنهم إذا جاءتهم الآيات القاهرة التي اقترحوها عرفوا كيفية دلالتها على صدق الرسول إلا أنه تعالى إذا قلب قلوبهم و أبصارهم عن ذلك الوجه الصحيح بقوا على الكفر و لم ينتفعوا بتلك الآيات. و التقليب تحريك الشي‏ء عن وجهه،

و كان صلى اللّه عليه و سلم و آله يقول «يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي على دينك» «1»

و المراد أنه تعالى يقلب القلوب تارة من داعي الخير إلى داعي الشر و بالعكس. و إنما قدم ذكر تقليب الأفئدة على تقليب الأبصار، لأن موضع الدواعي و الصوارف هو القلب فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر عنه، و الحاصل‏

(1) رواه الترمذي في كتاب القدر باب 7. ابن ماجه في كتاب الدعاء باب 2. أحمد في مسنده (4/ 182)، (6/ 91).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 145

أن السمع و البصر آلتان للقلب فلهذا السبب وقع الابتداء بتقليب القلب. قال الجبائي:

المراد و نقلب أفئدتهم و أبصارهم في جهنم على لهب النار و حرها لتعذيبهم. و زيف بأن قوله‏ وَ نَذَرُهُمْ‏ إنما يحصل في الدنيا و هذا يستلزم سوء النظم. و قال الكعبي: المراد و نقلب أفئدتهم و أبصارهم بأنا لا نفعل بهم ما نفعل بالمؤمنين من الفوائد و الألطاف حيث أخرجوا أنفسهم عن هذا الحد بسبب كفرهم. و ضعف بأنه إنما استحق الحرمان من تلك الألطاف و الفوائد بسبب إقدامه على الكفر و هو الذي أوقع نفسه في ذلك الحرمان فكيف يحسن إضافته إلى اللّه تعالى في قوله‏ وَ نُقَلِّبُ‏ و قال القاضي: القلب باق على حالة واحدة إلا أنه تعالى أدخل التقليب و التبديل في الدلائل. و اعترض بأن تقليب القلب نقله من صفة إلى صفة و من حالة إلى حالة. أما قوله‏ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فقال الواحدي: فيه حذف و التقدير و لا يؤمنون بهذه الآيات كما لم يؤمنوا بظهور الآيات أول مرة يعني أول مرة أتتهم الآيات مثل انشقاق القمر و غيره. و الكناية في‏ بِهِ‏ إما عائدة إلى القرآن، أو إلى محمد صلى اللّه عليه و سلم و آله، أو إلى ما طلبوا من الآيات و قيل: الكاف للجزاء أي كما لم يؤمنوا أول مرة فكذلك نقلب أفئدتهم و أبصارهم عقوبة لهم. قال الجبائي: وَ نَذَرُهُمْ‏ أي لا نحول بينهم و بين اختيارهم و لا نمنعهم بمعاجلة الهلاك و غيره لكنا نمهلهم، فإن أقاموا على طغيانهم فذلك من قبلهم و أنه يوجب تأكيد الحجة عليهم. و قالت الأشاعرة: نقلب أفئدتهم من الحق إلى الباطل و نتركهم في ذلك الطغيان و الضلال و العمى.

التأويل:

قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ دلالات السعادات الباقية، فمن أبصرها بنظر البصيرة فاشتغل بتحصيلها و أقبل على اللّه لسلوك سبيلها فذلك تحصيل لنفسه‏ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏ وَ مَنْ عَمِيَ‏ فبالعكس. وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ‏ لا تخاطبوا أهل الضلال على مواجب نوازع النفس و الطبيعة فيحملهم ذلك على ترك الإجلال و إظهار الضلال، بل خاطبوهم بلسان الحجة و التزام الحجة و نفي الشبهة. وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ‏ حسبوا أن البرهان يوجب الإيمان و لم يعلموا أنهم مقهورون تحت حكم السلطان، و ما يغني وضوح الأدلة لمن لم تدركه سوابق الرحمة وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ‏ عن الآخرة إلى الدنيا وَ أَبْصارَهُمْ‏ عن شواهد المولى إلى مشاهدة النفس و الهوى كأنهم لم يؤمنوا يوم الميثاق إذ قلت أ لست بربكم؟ قالوا بلى.

تم الجزء السابع و يليه الجزء الثامن و أوله‏ وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 146

بسم اللّه الرحمن الجزء الثامن من أجزاء القرآن الكريم‏

[سورة الأنعام (6): الآيات 111 الى 121]

وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى‏ وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ (112) وَ لِتَصْغى‏ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ لِيَرْضَوْهُ وَ لِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَ فَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)

وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَ ما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَ إِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)

وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى‏ أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)

القراآت:

قُبُلًا بكسر القاف و فتح الباء: أبو جعفر و نافع و ابن عامر. الباقون:

بضمتين. مُنَزَّلٌ‏ بالتشديد: ابن عامر و حفص و المفضل. كَلِمَةُ رَبِّكَ‏ عاصم و حمزة و علي و خلف و سهل و يعقوب. الباقون كلمات‏ مَنْ يَضِلُ‏ من الإضلال: الأصبهاني عن نصير، فصل على البناء للفاعل و حَرَّمَ‏ على البناء للمفعول: حمزة و خلف و عاصم غير حفص و المفضل، و قرأ أبو جعفر و نافع و سهل و يعقوب و حفص جميعا بالفتح، الباقون: على البناء للمفعول فيهما لَيُضِلُّونَ‏ بضم الياء: عاصم و حمزة و علي و خلف، الباقون: بالفتح.

الوقوف:

يَجْهَلُونَ‏ ه‏ غُرُوراً ط يَفْتَرُونَ‏ ه‏ مُفَصَّلًا ط الْمُمْتَرِينَ‏ ه‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 147

وَ عَدْلًا ط لِكَلِماتِهِ‏ ج لابتداء الضمير المنفصل مع احتمال الواو الحال أي لا تبديل لكلماته و هو يسمع و يعلم، الْعَلِيمُ‏ ه‏ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ ط يَخْرُصُونَ‏ ه‏ عَنْ سَبِيلِهِ‏ ج‏ بِالْمُهْتَدِينَ‏ ه‏ مُؤْمِنِينَ‏ ه‏ إِلَيْهِ‏ ط بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ ط بِالْمُعْتَدِينَ‏ ه‏ وَ باطِنَهُ‏ ط يَقْتَرِفُونَ‏ ه‏ لَفِسْقٌ‏ ط لِيُجادِلُوكُمْ‏ ج‏ لَمُشْرِكُونَ‏ ه.

التفسير:

هذا شروع في تفصيل ما أجمله قوله‏ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ‏ [الأنعام:

109] و كان المستهزءون بالقرآن خمسة: الوليد بن المغيرة المخزومي و العاصي بن وائل السهمي و الأسود بن عبد يغوث الزهري و الأسود بن المطلب و الحرث بن حنظلة، أتوا الرسول صلى اللّه عليه و آله في رهط من أهل مكة فقالوا: أرنا الملائكة يشهدون بأنك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم أحق ما تقول أم باطل، أو ائتنا باللّه و الملائكة قبيلا أي كفيلا على ما تدعيه، فنفى اللّه تعالى عنهم الإيمان و إن أوتوا هذه المقترحات. قال أبو زيد: يقال لقيت فلانا قبلا و قبلا و مقابلة كلها بمعنى واحد و هو المواجهة رواه الواحدي، و قال أبو عبيدة و الفراء و الزجاج: قبلا بكسر القاف معناه معاينة.

روي عن أبي ذر قال: قلت للنبي صلى اللّه عليه و آله: أ كان آدم نبيا؟ قال: نعم، كان نبيا كلمه اللّه تعالى قبلا،

و أما قبلا بضمتين فقيل: إنه جمع قبيل و معناه الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى مثل الروم و الزنج و العرب و لهذا قال الأخفش في تفسيره أي قبيلا قبيلا. أو معناه الكفيل و العريف من قبل به يقبل قبالة، و المعنى لو حشرنا عليهم كل شي‏ء فكفلوا بصحة ما يقول ما آمنوا، و موضع الإعجاز فيه أن الأشياء المحشورة منها ما ينطق و منها ما لا ينطق، و منها حي و منها ميت، فإذا حشرها اللّه تعالى على اختلاف طبائعها مجتمعة في موقف واحد ثم أنطقها و أطبقوا على قبول هذه الكفالة كان ذلك من أعظم المعجزات، أما قوله تعالى: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏ إيمانهم، فقد قالت الأشاعرة: فلما لم يؤمنوا دل على أنه تعالى ما شاء إيمانهم، و قالت المعتزلة: لو لم يرد منهم الإيمان لما وجب عليهم الإيمان كما لو لم يأمرهم به لم يجب، و لو أراد الكفر من الكافر لكان الكافر في كفره مطيعا للّه لأنه لا معنى للطاعة إلا فعل المراد، و لو جاز من اللّه تعالى أن يريد الكفر لجاز أن يأمر به، و لجاز أن يأمرنا بأن نريد الكفر. فالمراد من الآية أنه شاء من الكل الإيمان الاختياري و ما شاء الإيمان القهري. و المعنى: ما كانوا ليؤمنوا إيمانا اختياريا إلا أن يشاء اللّه مشيئة إكراه و اضطرار فحينئذ يؤمنون، و زيف بأن الاختيار لا بد معه من حصول داعية يترجح بها أحد طرفي الممكن، و لا تحصل تلك الداعية إلا بتخليق اللّه تعالى فكأنه لا اختيار. قال الجبائي: قوله: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏ يدل على حدوث المشيئة إذ لو كانت قديمة و هي الشرط لزم من حصولها حصول المشروط. و أجيب بأنها قديمة إلا أن‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 148

تعلقها بأحداث المحدث في الحال إضافة حادثة. ثم ختم الآية بقوله: وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ‏ قالت الأشاعرة: أي لا يعلمون أن الكل بقضاء اللّه و بقدره. و قالت المعتزلة:

إنهم لا يدرون أنهم يبقون كفارا عند ظهور الآية التي طلبوها و المعجزات التي اقترحوها فيقسمون باللّه جهد أيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم، أو و لكن أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرهم فيطمعون في إيمانهم الاختياري بمجي‏ء الآيات المقترحات.

ثم قال: وَ كَذلِكَ‏ قيل: إنه منسوق على قوله: كَذلِكَ زَيَّنَّا [الأنعام: 108] أي و كما زينا لكل أمة عملهم‏ جَعَلْنا و قيل: إن المشار إليه محذوف أي و كما خلينا بينك و بين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء و أعدائهم، لم نمنعهم من العداوة لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات و الصبر و كثرة الثواب و الأجر. قالت الأشاعرة:

لا شك أن تلك العداوة معصية و كفر، و أن جعلها شرفا لآية تدل على أن خالق الخير و الشر و الطاعة و المعصية و الإيمان و الكفر هو اللّه. قال الجبائي: المراد بهذا الجعل أنه حكم و بين فإن الرجل إذا حكم بكفر إنسان قيل إنه كفره، و إذا أخبر عن عدالته قيل عدله. و قال الكعبي: إنه أمر الأنبياء بعداوتهم و أعلمهم بكونهم أعداء لهم فاقتضى ذلك أنهم صاروا أعداء للأنبياء. لأن العداوة تكون من الجانبين. أجاب أبو بكر الأصم بأنه لما أرسل محمدا إلى العالمين و خصه بتلك المعجزات صار ذلك التخصيص سببا للحسد و العداوة أو للبغضاء فهذا هو المراد بجعلهم أعداء له. و زيف بأن الأفعال مستندة إلى الدواعي و هي من اللّه تعالى، و بأن العداوة و المحبة متعلقة بالطبع لا بالإرادة و التكلف فلا يقدر عليها إلا اللّه تعالى. و انتصاب ال شَياطِينَ‏ كما مر في قوله: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ‏ [الأنعام:

100] قال الزجاج و ابن الأنباري: عَدْواً في معنى الجمع، و لقائل أن يقول: لا حاجة إلى هذا التكلف لصحة قولنا: و كذلك جعلنا لكل واحد من الأنبياء عدوّا واحدا. إذ ليس يجب أن يحصل لكل واحد من الأنبياء أكثر من عدو واحد. عن ابن عباس: كل عات متمرد من الجن و الإنس فهو شيطان. و قال مجاهد و قتادة و الحسن: إن من الجن شياطين و من الإنس شياطين، و إن شيطان الجن إذا أعياه المؤمن ذهب إلى متمرد من الإنس و هو شيطان الإنس فأغراه بالمؤمن ليعينه عليه.

روي‏ أن النبي صلى اللّه عليه و آله قال لأبي ذر: هل تعوّذت باللّه من شر شياطين الإنس و الجن؟ قال: قلت: و هل للإنس من شياطين؟ قال:

نعم، هم شر من شياطين الجن.

و قيل: إن الجميع من ولد إبليس إلا أن الذي يوسوس للإنس يسمى شيطان الإنس، و الذي يوسوس للجن يسمى شيطان الجن. و زيف بأن المقصود من الآية الشكاية من سفاهة الكفار الذين هم الأعداء و هم الشياطين. و عن‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 149

صفحه بعد