کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 291

تدبيره في أهل القرى لا يجري على نمط واحد فقال‏ ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ و هي كل ما يسوء صاحبه‏ الْحَسَنَةَ و هي ما يستحسنه الطبع و العقل أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من الفقر و الضر و السعة و الصحة حَتَّى عَفَوْا كثروا و نموا في أنفسهم و أموالهم من قولهم عفا النبات و الشحم و الوبر و منه‏

قوله صلى اللّه عليه و سلم: «و أعفوا اللحى» «1»

وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَ السَّرَّاءُ كما هو دأب الأشرين يقولون هذه عادة الدهر في أهله يوم محنة و يوم منحة. و المراد أنهم لم ينتفعوا بتدبير اللّه تعالى فيهم من رجاء بعد شدّة و أمن بعد خوف و راحة بعد عناء فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً آمن ما كانوا عليه ليكون ذلك أعظم من الحسرة وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ بنزول العذاب. و الحكمة في جميع هذه الحكايات اعتبار من سمعها و وعاها و تعريف أن العصيان سبب الحرمان عن الخيرات و سد لجميع أبواب السعادات و لهذا قال‏ وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ أي جنسها أو القرى المذكورة في قوله و ما أرسلنا في قرية آمَنُوا بما يجب به الإيمان في باب المبدأ و المعاد وَ اتَّقَوْا كل ما نهى اللّه عنه‏ لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏ أي لأتيناهم بالخير من كل وجه أو أراد القطر و النبات.

و المراد بفتح البركات عليهم تيسير أسباب النجاح كقولهم: فتحت على القارئ إذا يسرت القراءة عليه بالتلقين‏ وَ لكِنْ كَذَّبُوا الرسل‏ فَأَخَذْناهُمْ‏ بالجدب و المحل و هو ضد البركة و الخير بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ أي بشؤم كسبهم و هو الكفر و المعاصي. ثم خوف المكلفين نزول العذاب عليهم في الوقت الذي يكونون فيه في غاية الغفلة و هو حال النوم بالليل و حال الضحى بالنهار، لأنه الوقت الذي يغلب على المرء فيه التشاغل باللذات و المهمات فقال‏ أَ فَأَمِنَ‏ قال في الكشاف: الهمزة للإنكار و الفاء للعطف على قوله‏ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً و الآية بينهما اعتراض و التقدير: أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا، و أمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى؟ فلهذا عطف الثانية بالواو. و أما قوله‏ أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ‏ فتكرير لقوله‏ أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى‏ فلهذا رجع فعطف بالفاء. قلت: يجوز أن يقدّر المعطوف عليه بعد الهمزة و المعنى: أفعلوا ما فعلوا فأمن و أما من قرأ «أو» ساكنة فمعناه إما أحد الشيئين و يرجع المعنى إلى قولنا فأمنوا إحدى هذه العقوبات، و إما للإضراب كما تقول: أنا أخرج ثم تقول أو أقيم. على أن المراد هو الإضراب عن الخروج و إثبات للإقامة أي لا بل أقيم. و معنى‏ بَياتاً قد تقدم في أوّل السورة. و ضُحًى‏ نصب على الظرف قال الجوهري: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى و هو حين تشرق‏

(1) رواه البخاري في كتاب اللباس باب 65. مسلم في كتاب الطهارة حديث 52. الترمذي في كتاب الأدب باب 18 النسائي في كتاب الطهارة باب 14. أحمد في مسنده (2/ 16، 52).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 292

الشمس مقصورة، و تذكر على أنه مفرد كصرد و تؤنث على أنها جمع ضحوة. ثم بعده الضحاء ممدودا مذكرا و هو عند ارتفاع النهار الأعلى. في قوله‏ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ‏ يحتمل التشاغل بما لا يجدي عليهم من أمور الدنيا فهي لهو و لعب، و يحتمل خوضهم في كفرهم لأن ذلك كاللعب في أنه يضر و لا ينفع. و مكر اللّه كما تقدم في آل عمران عذاب بعد الاستدراج أو سمي جزاء المكر مكرا. عن الربيع بن خثيم أن ابنته قالت له: ما لي أرى الناس ينامون و لا أراك تنام؟ قال: يا بنتاه إن أباك يخاف البيات يعني المذكور في الآية.

اللهم اجعلنا من الخائفين العاقلين لا من الآمنين الغافلين. ثم لما بيّن حال المهلكين مفصلا و محلا ذكر أن الغرض من القصص حصول العبرة للباقين فقال‏ أَ وَ لَمْ يَهْدِ من قرأ بالياء ففاعله‏ أَنْ لَوْ نَشاءُ و المعنى: أو لم يهد الذين يخلفون أولئك المتقدمين فيرثون أرضهم و ديارهم هذا الشأن و هو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم أي بعقابها كما أصبنا من قبلهم. و من قرأ بالنون فقوله‏ أَنْ لَوْ نَشاءُ منصوب و الهداية بمعنى التبيين على القراءتين و لهذا عدّي فعلها باللام، و المفعول على القراءة الأولى محذوف و التقدير: أولم يكشف لهم الحال و الشأن المذكور. و أما قوله‏ وَ نَطْبَعُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏ فإما أن يكون منقطعا عما قبله بمعنى و نحن نطبع كما مر في الوقوف، و إما أن يكون متصلا بما قبله. قال الكشاف: و ذلك هو يرثون أو ما دلّ عليه معنى‏ أَ وَ لَمْ يَهْدِ كأنه قيل: يغفلون عن الهداية و نطبع. ثم قال: و لا يجوز أن يكون معطوفا على‏ أَصَبْناهُمْ‏ و طبعنا لأن القوم كانوا مطبوعا على قلوبهم فيجري مجرى تحصيل الحاصل و لقائل أن يقول: لا يلزم من المذكور و هو كونهم مذنبين أن يكونوا مطبوعين، فاقتراف الذنوب غير الطبع لأن يذنب أوّلا أو يكفر ثم يستمر على ذلك فيصير مطبوعا على قلبه. و أيضا جاز أن يراد لو شئنا لزدنا في طبعهم أو لأدمناه و اللّه سبحانه أعلم بمراده. ثم أخبر عن الأقوام المذكورين تسلية لرسوله صلى اللّه عليه و سلم فقال‏ تِلْكَ الْقُرى‏ و هي مبتدأ و خبر. و قوله يقص حال و العامل معنى اسم الإشارة، أو خبر بعد خبر، أو الْقُرى‏ صفة ل تِلْكَ‏ و نَقُصُ‏ خبر.

و فائدة الإخبار على هذا التقدير ظاهرة. و أما على الأوّلين فترجع الفائدة إلى الحال أو الخبر الثاني كما ترجع إلى الصفة في قولك: هو الرجل الكريم. الحاصل أن تلك القرى المذكورة نقص عليك بعض أنبائها و لها أنباء غيرها لم نقصها عليك، و أيضا خصصنا تلك القرى بقصص بعض أنبائها لأنهم اغتروا بطول الأمهال مع كثرة النعم و كانوا أقرب الأمم إلى العرب فذكرنا أحوالهم تنبيها على الاحتراز عن مثل أعمالهم. ثم عزى رسوله بقوله‏ وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا من قبل اللام لتأكيد النفي‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 293

و أن الإيمان كان منافيا لحالهم. قال ابن عباس و السدي: فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عند إرسال الرسل بسبب تكذيبهم يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم أقروا باللسان كرها و أضمروا التكذيب. و قال الزجاج: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات بما كذبوا به من قبل رؤية تلك المعجزات. و عن مجاهد: فما كانوا ليؤمنوا لو أحييناهم بعد الإهلاك و رددناهم إلى دار التكليف بما كذبوا من قبل كقوله‏ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ‏ [الأنعام: 28] و قيل: فما كانوا ليؤمنوا عند مجي‏ء الرسل بما كذبوا من قبل مجيئهم.

و قيل: ما كانوا ليؤمنوا في الزمان المستقبل بما كذبوا به في الزمان الماضي أي استمروا على التكذيب من لدن مجي‏ء الرسل إلى أن ماتوا مصرين لم ينجع فيهم تكرير المواعظ و تتابع الآيات‏ كَذلِكَ‏ أي مثل ذلك الطبع الشديد يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِ الْكافِرِينَ‏ الذي كتب أن لا يؤمنوا أبدا. و الطبع و الختم و الرين و الكنان و الغشاوة و الصد و المنع واحد كما سلف. و قال الجبائي: هو أن يسم قلوب الكفار بسمات و علامات تعرف الملائكة بها أن صاحبها لا يؤمن.

و قال الكعبي: إنما أضاف الطبع إلى نفسه لأجل أن القوم إنما صاروا إلى ذلك الكفر عند أمره و امتحانه فهو كقوله تعالى‏ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً [نوح: 6] ثم شرح حال المكلفين فقال‏ وَ ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ و الضمير للناس على الإطلاق. قال ابن عباس: يعني بالعهد قوله للذر أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ‏ [الأعراف: 172] أقروا به ثم خالفوا. عن ابن مسعود هو الإيمان كقوله‏ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً [مريم: 87] يعني من قال لا إله إلا اللّه.

و قيل: العهد عبارة عن الأدلة على التوحيد و النبوّة و المراد الوفاء بالعهد وَ إِنْ وَجَدْنا هي المخففة من الثقيلة بدليل اللام الفارقة في قوله‏ لَفاسِقِينَ‏ و قد عملت في ضمير شأن مقدر و التقدير: و إن الشأن و الحديث علمنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة و الآية اعتراض.

و يحتمل أن يعود الضمير على الأمم المذكورين كانوا إذا عاهدوا اللّه في ضرر و مخافة لئن أنجيتنا لنؤمنن نكثوه بعد كشف الضر.

التأويل:

إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ الوفي يتضرع إليه عند البلاء و يتوكل عليه و العدوّ يذهل عن الحق و لا يرجع إليه‏ وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ يعني صفات النفس‏ آمَنُوا بما يرد إلى صفات القلب و الروح من ألطاف الحق‏ وَ اتَّقَوْا مشتبهات النفس‏ لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ‏ أسباب العواطف من سماء الروح و أرض القلب‏ فَأَخَذْناهُمْ‏ عاقبناهم بعذاب البعد بما كسبوا من مخالفات الحق و موافقات الطبع‏ بَياتاً في صور القهر ضُحًى‏ في صورة اللطف بسطوات الجذبات‏ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ‏ يشتغلون بالدنيا. إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ‏ من أهل القهر هم الذين خسروا سعادة الدارين من أهل اللطف هم‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 294

الذين خسروا الدنيا و العقبى و ربحوا المولى‏ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ‏ .

[سورة الأعراف (7): الآيات 103 الى 126]

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى‏ بِآياتِنا إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَ قالَ مُوسى‏ يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلى‏ أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى‏ عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107)

وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112)

وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113) قالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قالُوا يا مُوسى‏ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117)

فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَ انْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَ أُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى‏ وَ هارُونَ (122)

قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَ ما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126)

القراآت:

حَقِيقٌ عَلى‏ بالتشديد: نافع. الباقون: بالتخفيف‏ مَعِيَ‏ بفتح الياء حيث كان: حفص‏ أَرْجِهْ‏ بإسكان هاء الضمير: حمزة و عاصم غير المفضل‏ أَرْجِهْ‏ بكسر الجيم و الهاء من غير إشباع: يزيد و قالون أرجهي بالإشباع: نافع غير قالون و علي و عباس و خلف المفضل أرجئه بالهمزة: أبو عمرو غير عباس و سهل و يعقوب و ابن الأخرم عن ابن ذكوان و هشام غير الحلواني أرجئهو بالإشباع: ابن كثير و الحلواني عن هشام أرجئه بكسر الهاء: ابن مجاهد و النقاش عن ابن ذكوان سحار بالمبالغة:

حمزة و علي و خلف و كذلك في يونس. و قرأ قتيبة و نصير و الدوري و حمزة في رواية ابن سعدان و أبي عمرو بالإمالة. الباقون‏ ساحِرٍ . إِنَّ لَنا بحذف همزة الاستفهام: ابن كثير و أبو جعفر و نافع و حفص. أ إن لنا بإثبات همزة الاستفهام: عاصم غير حفص و حمزة و علي و خلف و ابن عامر و هشام. يدخل بينهما مدة آين لنا المدة و قلب الهمزة ياء:

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 295

أبو عمرو و زيد. أين لنا بالياء و لا مدة: سهل و يعقوب غير زيد تَلْقَفُ‏ بالتخفيف حيث كان: حفص و المفضل‏ تَلْقَفُ‏ بالتشديد و إدغام التاء الأولى في الثانية: البزي و ابن فليح.

الباقون: بتشديد القاف و حذف تاء التفعل. آمَنْتُمْ‏ بهمزة واحدة ممدودة: حفص.

أ أمنتم بزيادة همزة الاستفهام: حمزة و علي و خلف و عاصم سوى حفص. آمَنْتُمْ‏ بالمد و تليين الهمزة: أبو جعفر و نافع و ابن عامر و أبو عمرو و سهل و يعقوب و ابن كثير غير الهاشمي و ابن مجاهد و أبي عون عن قنبل فرعون و آمنتم بالواو الخالصة: الهاشمي عن قنبل و آمنتم بالواو و تحقيق الهمزة الأولى: ابن مجاهد و أبو عون و الهرندي عن قنبل.

الوقوف:

فَظَلَمُوا بِها ج للفصل بين الخبر و الطلب مع العطف بالفاء الْمُفْسِدِينَ‏ ه‏ الْعالَمِينَ‏ ه ج وقف لمن قرأ حَقِيقٌ عَلى‏ بالتشديد أي واجب عليّ، و من قرأه مخففا جاز له الوصل على جعل‏ حَقِيقٌ‏ وصف الرسول و «على» بمعنى الباء إِلَّا الْحَقَ‏ ط بَنِي إِسْرائِيلَ‏ ط الصَّادِقِينَ‏ ه‏ مُبِينٌ‏ ه للفصل بين الجملتين و الوصل أجود للجمع بين الحجتين‏ لِلنَّاظِرِينَ‏ ه‏ عَلِيمٍ‏ ه لا لأن ما بعده وصف لساحر مِنْ أَرْضِكُمْ‏ ج لاحتمال أن ما بعده من تمام قول الملأ لفرعون وحده، و الجمع للتعظيم أوله و لعظمائه حضرته، و أن يكون ابتداء جواب من فرعون أي فماذا تشيرون‏ قاهِرُونَ‏ ه‏ حاشِرِينَ‏ ه لا لأن ما بعده جواب الأمر عَلِيمٍ‏ ه‏ الْغالِبِينَ‏ ه‏ الْمُقَرَّبِينَ‏ ه‏ الْمُلْقِينَ‏ ه‏ أَلْقُوا ج للعطف‏ عَظِيمٍ‏ ه‏ عَصاكَ‏ ط لحق المحذوف لأن التقدير فألقاها فإذا هي‏ ما يَأْفِكُونَ‏ ه‏ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ ه‏ صاغِرِينَ‏ ه ج لمكان حروف العطف‏ ساجِدِينَ‏ ه ج لاحتمال كون‏ قالُوا حالا بإضمار «قد» الْعالَمِينَ‏ ه لا للبدر هارُونَ‏ ه‏ آذَنَ لَكُمْ‏ ج للابتداء مع اتحاد القائل‏ أَهْلَها ج لأن «سوف» للتهديد مع العطف‏ تَعْلَمُونَ‏ ه‏ أَجْمَعِينَ‏ ه‏ مُنْقَلِبُونَ‏ ه للآية مع اتحاد المقول‏ جاءَتْنا ط للعدول عن المحاباة إلى المناجاة مُسْلِمِينَ‏ ه.

التفسير:

القصة السابعة من قصص هذه السورة قصة موسى عليه السلام. و قد ذكر في هذه القصة من البسط و التفصيل ما لم يذكر في غيرها لأن جهل قومه أعظم و أفحش من جهل سائر الأقوام و لهذا كانت معجزاته أقوى من معجزات متقدميه من الأنبياء.

و الضمير في قوله‏ ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ‏ يعود إلى الرسل أو إلى الأمم المذكورين، في قوله‏ بِآياتِنا دلالة على كثرة معجزاته و أن النبي لا بد له من آية و معجزة بها يمتاز عن المتنبي. فَظَلَمُوا بِها أي بتلك الآيات و المراد كفرهم بها لأن وضع الإنكار في موضع‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 296

الإقرار و إيراد الكفر بدل الإيمان وضع للشي‏ء في غير موضعه، أو تظلموا الناس بسببها حين أوعدوهم و صدوهم عنها و أذوا من آمن بها. فَانْظُرْ أيها المعتبر المستبصر بعين بصيرتك‏ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏ كيف فعلنا بهم؟ و هذه قصة إجمالية ثم شرع في تفصيلها و ذلك قوله‏ وَ قالَ مُوسى‏ يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي إله قادر عليم حكيم. و فيه أن العالم موصوف بصفات لأجلها افتقر إلى رب يربيه‏ حَقِيقٌ عَلى‏ أَنْ لا أَقُولَ‏ من قرأ بالتشديد في‏ عَلى‏ و حَقِيقٌ‏ إما بمعنى فاعل أي واجب عليّ ترك القول على اللّه إلا بالحق، أو بمعنى مفعول أي حق عليّ ذلك. تقول العرب إني لمحقوق على أن أفعل خيرا. و أما قراءة العامة حَقِيقٌ عَلى‏ أَنْ لا أَقُولَ‏ مرسلة الياء ففيه وجوه أحدها: أن يكون «علي» بمعنى «الباء» كقولهم جئت على حال حسنة و بحال حسنة، قال الأخفش: و هذا كما قال‏ وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ [الأعراف: 86] أي على كل صراط و يؤكد هذا الوجه قراءة أبيّ حقيق بأن لا أقول أي أنا خليق بذلك. و ثانيها: أن الحق هو الدائم الثابت و الحقيق مبالغة فيه، و كل ما لزمك فقد لزمته فكأن المعنى أنا ثابت مستمر على أن لا أقول إلا الحق. و ثالثها: أن يضمن حقيق معنى حريص. و رابعها: أن يكون من القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس فيؤل المعنى إلى قراءة نافع. و خامسها: أن يكون إغراقا في الوصف و مبالغة بالصدق و المراد أنا حقيق على قول الحق أي واجب عليّ أن أكون أنا قائله و القائم به و لا يرضى إلا بمثلي ناطقا به. و سادسها: أن يكون على هذه هي التي تقرن بالأوصاف اللازمة الأصلية كقوله تعالى‏ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: 30] و يقال: جاءني فلان على هيئته و على عادته و عرفته و تحققته على كذا و كذا من الصفات. فمعنى الآية لم أتحقق إلا على قول الحق. و لما كان ظهور المعجزة على وفق الدعوى دالا على وجود الإله القادر المختار و على تصديق الرسول جميعا قال‏ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ‏ أي بمعجزة قاهرة باهرة منه. ثم فرع عليه تبليغ الحكم و هو قوله‏ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ أي أطلقهم و خل سبيلهم حتى يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم و مولد آبائهم. و ذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي و انقرضت الأسباط غلب فرعون نسلهم و استعبدهم و استخدمهم في الأعمال الشاقة قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏ فيه سؤالان: أحدهما لفظي و هو أن هاهنا شرطين فأين جوابهما؟ و الجواب أن المؤخر في اللفظ مقدم في المعنى نظيره قول القائل: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا. و ثانيهما: أن قوله‏ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ و قوله‏ فَأْتِ بِها كلاهما واحد في المعنى فكيف يفيد تعليق أحدهما بالآخر؟

و جوابه المنع إذ المراد إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأحضرها لتصح دعواك. ثم‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 297

إن فرعون لما طالب موسى عليه السلام بإقامة البينة الدالة على وجود الرب و على صحة نبوته قلب العصا ثعبانا و أظهر اليد البيضاء و ذلك قوله سبحانه‏ فَأَلْقى‏ عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ‏ و معنى كون الثعبان مبينا أن أمره ظاهر لا يشك في أنه ثعبان ليس مما جاءت به السحرة من التمويهات و إنما هو من قبيل المعجزات، أو المراد أنه أبان قول موسى عن قول المدعي الكاذب و الثعبان في اللغة الحية الضخم الذكر.

روي أنه كان أشقر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض و لحيه الأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون ليأخذه فوثب فرعون من سريره و هرب و أخذه البطن يومئذ أربعمائة مرة و كان لم ير منه الحدث قبل ذلك. و هرب الناس و صاحوا و حمل على الناس فانهزموا و مات منهم خمسة و عشرون ألفا، و دخل فرعون البيت و صاحوا يا موسى خذه و أنا أومن بك و أرسل معك بني إسرائيل، فأخذه موسى فعاد عصا. و النزع في اللغة القلع و الإخراج أي أخرجها من جيبه أو من جناحه بدليل قوله في موضع آخر وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ [النمل: 12]

روي‏ أنه أرى فرعون يده و قال: ما هذه؟ فقال: يدك. ثم أدخلها في جيبه و عليه مدرعة صوف ثم نزعها فإذا هي بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعها الشمس،

و كان موسى عليه السلام آدم شديد الأدمة و قوله‏ لِلنَّاظِرِينَ‏ يتعلق ببيضاء فإنها لا تكون بيضاء للناظرين إلا إذا كان بياضها عجيبا خارجا عن العادة اجتمع الناس للنظر إليه كما يجتمعون للعجائب. و اعلم أن القول بجواز انقلاب العادات عن مجاريها مقام صعب مشكل و لهذا اضطربت أقوال العلماء فيه؛ فالأشاعرة جوّزوا ذلك على الإطلاق بناء على القول بالفاعل المختار فجوّزوا في الإنسان و سائر أنواع الحيوان أن يتولد دفعة واحدة من غير سابقة مادة و مدة، و جوّزوا في الجوهر الفرد أن يكون حيا عالما قادرا قاهرا من غير حصول بنية و لا مزاج، و جوّزوا في الأعمى الذي بالأندلس أن يبصر في ظلمة الليل البقة التي تكون بأقصى المشرق و في سليم البصر أن لا يرى الشمس في كبد السماء من غير حائل. و المعتزلة جوّزوا انخراق العادات في بعض الصور دون بعض من غير ضابط و لا قانون اللهم إلا أن يحال على الشرع، و الطبيعيون المتفلسفون أنكروا ذلك على الإطلاق و زعموا أنه لا يجوز حدوث الأشياء و دخولها في الوجود إلا على هذا الوجه المخصوص و الطريق المعين و الإلزام فتح باب الجهالات فإنه إذا جاز أن تنقلب العصا ثعبانا جاز في الشخص الذي شاهدناه كموسى و عيسى و محمد مثلا أنه ليس هو الشخص الأوّل و هذا يوجب القدح في النبوة و الرسالة.

صفحه بعد