کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 438

أن المغايرة كافية في إفراد كل من المتلازمين بالذكر على أنه من المحتمل أن يحصل لهم الخزي من جهة المؤمنين إلا أن المؤمنين يحصل لهم آفة لسبب آخر، فلما وعدهم النصر على الإطلاق زال ذلك الاحتمال. الرابعة: وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ‏ هم خزاعة.

و عن ابن عباس: بطون من اليمن و سبأ، قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا فبعثوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يشكون إليه فقال: أبشروا فإن الفرج قريب.

الخامسة: وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ‏ قيل: شفاء الصدر و إذهاب غيظ القلب كلاهما بمعنى فيكون تكرارا. و الجواب أن القلب أخص من الصدر كقوله:

يا دار ميّة بالعلياء فالسند أو شفاء الصدر إشارة إلى الوعد بالفتح، و لا ريب أن الانتظار شاق و إن كان مع الثقة بالموعود فإذهاب غيظ القلب إشارة إلى الفتح و قد حصل اللّه لهم هذه المواعيد كلها و كان ذلك دليلا على صدق النبي صلى اللّه عليه و سلم و إعجازه. ثم قال‏ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ و هو ابتداء كلام للإخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره و قد وقع، فقد أسلم ناس منهم و حسن إسلامهم. و قرى‏ء وَ يَتُوبُ‏ بالنصب بإضمار «أن» و دخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى كقوله‏ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ‏ [المنافقون: 10] أما أن التوبة كيف تقع جزاء للمقاتلة فذلك من قبل الكفرة واضح فإن القتال قد يصير سببا لتوبة بعضهم عن الكفر، و أما من جهة المؤمنين فلعل القتال كان شاقا على بعضهم فإذا أقدم عليه صار ذلك العمل جاريا مجرى التوبة عن تلك الكراهة. و أيضا إن حصول النصر و الظفر إنعام عظيم و العبد إذا شاهد توالي النعم لم يبعد أن يصير ذلك داعيا له إلى أن يتوب عن جميع الذنوب و قد تصير كثرة المال و الجاه سببا لتحصيل اللذات بالطريق الحلال فينتهي عن الحرام. و أيضا الإنسان حريص على ما منع فإذا انفتحت عليه أبواب الخيرات الدنيوية فربما يصير ذلك سببا لانقباضه عن الدنيا و إعراضه عنها و هذا هو أحد الوجوه التي ذكروها في تفسير قوله تعالى حكاية عن سليمان‏ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي‏ [ص: 35] يعني بعد حصول هذا الملك لا ينبغي للنفس الاشتغال بالدنيا وَ اللَّهُ عَلِيمٌ‏ بكل ما يجري في ملكه و ملكوته‏ حَكِيمٌ‏ مصيب في أفعاله و أقواله و أحكامه و تدابيره. عن ابن عباس أن قوله‏ أَ لا تُقاتِلُونَ‏ الآية. ترغيب في فتح مكة لأن النتائج المذكورة مشاكلة لتلك الأحوال. و استبعده الحسن لأن هذه السورة نزلت بعد فتح مكة بسنة. ثم بين أنه ليس الغرض من إيجاب القتال نفس القتال و إنما المقصود أن يؤتى به انقيادا لأمر اللّه و لتكاليفه ليظهر المخلص من المنافق فقال‏ أَمْ حَسِبْتُمْ‏ الآية.

و قد مرّ وجه إعرابه في آل عمران عند قوله‏ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا [آل عمران: 142].

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 439

و قوله‏ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا معطوف على‏ جاهَدُوا داخل في حيز الصلة. و الوليجة لبطانة يعني الحبيب الخالص «فعلية» من ولج كالدخيلة من دخل، أو هو الرجل يكون في القوم و ليس منهم. قال الواحدي: يقال هو وليجتي و هم وليجتي يستوي فيه الواحد و الجمع. و معنى الآية لا تحسبوا أن تتركوا على ما أنتم عليه و لم يظهر بعد معلوم اللّه من تميز المجاهدين المنافقين من المجاهدين الخلص الذين جاهدوا لوجه اللّه و لم يتخذوا حبيبا من الذين يضادون رسول اللّه و المؤمنين. ثم ختم الآية بقوله‏ وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ‏ ليعلموا أنه لم يزل عالما بالأشياء لا يخفى عليه شي‏ء في الأرض و لا في السماء، فيجدّوا في استقامة السيرة و يجتهدوا في نقاء السريرة.

التأويل:

بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ‏ من النفوس المشركة التي اتخذت الهوى و صنم الدنيا معبودا فهادنها الروح و القلب في أوان الطفولية لاستكمال القالب و تربيته‏ فَسِيحُوا في أرض البشرية أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ هي مدة كمال الأوصاف الأربعة: النباتية و الحيوانية و الشيطانية و الإنسانية وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ إلى الصفات الناسوتية يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم الوصول إلى كعبة الجمال و الحج الأصغر الوصول إلى كعبة القلب إن زيارة كعبة الوصال حرام على مشركي الصفات الناسوتية فَإِنْ تُبْتُمْ‏ عن الناسوتية بإفنائها في اللاهوتية فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏ من قيامكم بالناسوت‏ وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ‏ ركنتم إلى غير اللّه‏ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ‏ عن التصرف فيكم. أما لأهل السعادة فبالجذبات الأزلية، و أما لأهل الشقاوة فبأليم عذاب القطيعة إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ‏ أيها القلوب و الأرواح من مشركي النفوس على التوافق في العبودية ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ‏ شيئا من وظائف الشريعة وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من الشيطان و الدنيا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ‏ بالمداراة و الرفق إلى أوان طلوع قمر العناية و نجم الجذبة و الهداية. فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ‏ استكملت مدة التربية تمام الأوصاف الأربعة فَاقْتُلُوا النفوس المشركة بسيف النهي عن الشهوات‏ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏ في الطاعة بأن تكلفوها إياها و في المعصية بأن تزجروها عنها وَ خُذُوهُمْ‏ بآداب الطريقة وَ احْصُرُوهُمْ‏ احبسوهم في حصار الحقيقة وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ راقبوهم في الأحوال كلها فَإِنْ تابُوا رجعوا إلى طلب الحق‏ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ أدّوا حق العبودية وَ آتَوُا الزَّكاةَ تزكت عن الأخلاق الذميمة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏ اتركوا التشديد عليهم بالرياضات ليعملوا بالشريعة بعد الوصول إلى الحقيقة فإن النهاية هي الرجوع إلى البداية وَ إِنْ أَحَدٌ من مشركي صفات النفس‏ اسْتَجارَكَ‏ يا قلب لترك ما هو المخصوص به من الصفات الذميمة فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 440

كَلامَ اللَّهِ‏ حتى يلهم بإلهام‏ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ‏ و هو وارد الجذبة الإلهية، و إن الجذبة إذا تعلقت بصفة من صفات النفس تنجذب النفس بجميع صفاتها ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ‏ اللّه و أسراره فلا يميلون إليه و يعلمون الدنيا و شهواتها فيركنون إليها. كَيْفَ يَكُونُ‏ لمشركي النفوس ثبات على العهد و قد جبلت ميالة إلى السفليات و غايتها بعد إصلاح حالها أن تميل إلى نعيم الجنات‏ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ و هو مقام الوصول المحرم على أهل الدنيا و هو مقام أهل اللّه و خاصته، الذين تنورت نفوسهم بأنوار الجمال و الجلال فيثبتها اللّه على العهد بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ‏ على الصراط المستقيم‏ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ‏ بشرحها في متسع رياض الشريعة و لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً لا يحفظوا حقوق الجنسية فإن الأرواح و القلوب و النفوس مزدوجة في عالمي الأمر و الخلق‏ يُرْضُونَكُمْ‏ بالأعمال الظاهرة وَ تَأْبى‏ قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ‏ فيما يعملون خارجون عن الصدق و الإخلاص‏ اشْتَرَوْا بدلالات توصلهم إلى اللّه‏ ثَمَناً قَلِيلًا من متاع الدنيا و مصالحها فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ‏ قطعوا طريق الحق على الأرواح و القلوب‏ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ‏ رفقاؤكم في طلب الحق فارعوا حقوقهم فإن لنفسك عليك حقا. لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ أن السير إلى اللّه من أعظم المقامات و أهم المهمات‏ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ‏ أنكروا مذهب السلوك‏ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ النفوس‏ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ‏ يعني الواردات الغيبية بانسداد روزنة القلب‏ أَوَّلَ مَرَّةٍ في أوان الطفولية. أَ تَخْشَوْنَهُمْ‏ في فوات حظوظهم‏ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ‏ بفوات حقوقها. وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ‏ يعني وحشة الأرواح و القلوب و كدورتها وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ بالرجوع إلى الحق قبل التمادي في الباطل من غير حاجة إلى رياضة شديدة وَ اللَّهُ عَلِيمٌ‏ باستعدادات النفوس‏ حَكِيمٌ‏ فيما يدبر لكل منها. أَمْ حَسِبْتُمْ‏ أيها النفوس الأمارة أَنْ تُتْرَكُوا بلا رياضة وَلِيجَةً أولياء من الشيطان و الدنيا و الهوى.

[سورة التوبة (9): الآيات 17 الى 28]

ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى‏ أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)

خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى‏ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26)

ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 441

القراآت:

مسجد اللّه ابن كثير و أبو عمرو و سهل و يعقوب. الباقون: على الجمع‏ يُبَشِّرُهُمْ‏ خفيفا: حمزة و عشيراتكم على الجمع: أبو بكر و حماد و جبلة وَ ضاقَتْ‏ و نحو ممالة: حمزة رَحُبَتْ ثُمَ‏ مظهرا: أبو جعفر و نافع و ابن كثير و خلف و يعقوب و عاصم غير الأعشى.

الوقوف:

بِالْكُفْرِ ط أَعْمالُهُمْ‏ ج لعطف المختلفين‏ خالِدُونَ‏ ه‏ الْمُهْتَدِينَ‏ ه‏ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ ط عِنْدَ اللَّهِ‏ ط الظَّالِمِينَ‏ ه لئلا يشتبه بالوصف‏ وَ أَنْفُسِهِمْ‏ لا لأن ما بعده خبر «الذين» عِنْدَ اللَّهِ‏ ط الْفائِزُونَ‏ ه‏ مُقِيمٌ‏ ه لا لأن ما بعده حال‏ أَبَداً ط عَظِيمٌ‏ ه‏ عَلَى الْإِيمانِ‏ ط الظَّالِمُونَ‏ ه‏ بِأَمْرِهِ‏ ط الْفاسِقِينَ‏ ه‏ كَثِيرَةٍ لا لعطف الظرف على الظرف‏ حُنَيْنٍ‏ لا لأن «إذ» ظرف‏ نَصَرَكُمُ‏ . مُدْبِرِينَ‏ ه ج للآية و العطف. كَفَرُوا ط الْكافِرِينَ‏ ه‏ مَنْ يَشاءُ ط رَحِيمٌ‏ ه‏ هذا ج‏ إِنْ شاءَ ط حَكِيمٌ‏ ه.

التفسير:

إنه سبحانه بدأ السورة بذكر البراءة من المشركين و بالغ في إيجاب ذلك بتعداد فضائحهم و قبائحهم، ثم أراد يحكي شبهاتهم التي كانوا يحتجون في أن هذه البراءة غير جائزة مع الجواب عنها.

قال المفسرون: لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 442

المسلمون فعيروه بالكفر و قطيعة الرحم و أغلظ علي رضي اللّه عنه له القول فقال العبّاس:

ما لكم تذكرون مساوينا و لا تذكرون محاسننا؟ فقال علي عليه السلام: أ لكم محاسن؟

فقال: نعم إنا لنعمر المسجد الحرام و نحجب الكعبة و نسقي الحاج و نفك العاني فأنزل اللّه تعالى ردا عليهم‏ ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ‏

ما صح لهم و ما استقام أن يعمروا مسجد اللّه يعني المسجد الحرام. و من قرأ على الجمع فإما أن يراد جميع المساجد فيشمل المسجد الحرام أيضا الذي هو أشرفها و هذا آكد لأن طريقه طريق الكناية كما لو قلت: فلان لا يقرأ كتب اللّه كنت أنفي لقراءته القرآن من تصريحك بذلك، أو يراد المسجد الحرام و جمع لأنه قبلة المساجد كلها و إمامها فعامره كعامر جميع المساجد، أو لأن بقعة منه مسجد. قال الفراء: العرب قد تضع الواحد مكان الجمع كقولهم: فلان كثير الدرهم، و بالعكس كقولهم: فلان يجالس الملوك و لعله لم يجالس إلا ملكا واحدا. و عمارة المسجد إما لزومه و إما كثرة إتيانه للصلاة و الاعتكاف، و لا شك أنه ليس للمشرك ذلك و إما مرمته و تعهده، و ليس للمشرك هذا أيضا لأنه يجري مجرى الإنعام على المسلمين و لا ينبغي أن يكون للكافر منه على أهل الإسلام، و لأن دخوله المسجد يؤدي إلى تلوث المسجد إما لكونه نجسا في الحكم، و إما لأنه قلما يحترز من النجاسات. و ما

روي‏ أنه صلى اللّه عليه و آله أنزل وفد ثقيف في المسجد و هم كفار و شدّ ثمامة بن أثال الحنفي على سارية من سواري المسجد

محمول على تعظيم شأنه صلى اللّه عليه و سلم كأنه أراد أن يكون ذلك بمحضر منه و هو في المسجد. و قوله‏ شاهِدِينَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ حال من الواو في‏ يَعْمُرُوا و المعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين: عمارة معابد اللّه مع الكفر به. و في تفسير هذه الشهادة أقوال أصحها أنهم أقروا على أنفسهم بعبادة الأوثان و تكذيب النبي و القرآن و لهذا قال السدي: هي أن النصراني إذا قيل له ما أنت؟ قال:

نصراني. و اليهودي يقول: يهودي، و عابد الوثن يقول: أنا عابد الوثن. و قيل: هي قولهم في طوافهم «لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه و ما ملك». و عن ابن عباس أنه قال: المراد أنهم يشهدون على محمد بالكفر. و إنما جاز هذا التفسير لقوله تعالى‏ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏ [التوبة: 128] ثم بيّن تعالى ما هو الحق في هذا الباب فقال‏ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ‏ الصادرة عنهم كإكرام الوالدين و بناء الربط و إطعام الجائع لأنه لا يفيد مع الكفر طاعة لأن الكفر يوجب عقاب الأبد و لهذا قال‏ وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ‏ و لإفادة هذا التركيب الحصر احتجت الأشاعرة به على خلاص صاحب الكبيرة. ثم وصف من له استئهال عمارة المسجد فقال‏ إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ لأن‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 443

المرء ما لم يعرف المبدأ و المعاد لا يصح منه التوجه إليه. و إنما طوى ذكر الرسول تنبيها على أنه واسطة و التوجه الحقيقي من اللّه و إلى اللّه و لهذا ورد في الحديث: «المصلي يناجي ربه». و قيل: إن المشركين كانوا يقولون إن محمدا ادّعى رسالة اللّه طلبا للرياسة و الملك فلنفي هذه التهمة ترك ذكره صلى اللّه عليه و سلم. و قيل: دل عليه بقوله‏ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ لأنهما معلومتان من أفعاله صلى اللّه عليه و سلم و لما في الصلاة من التشهد و قبلها الأذان و الإقامة. ثم إن إقامة الصلاة لا ريب أن فيها عمارة المسجد و الحضور فيه، و أما إيتاء الزكاة فإنما كان سببا للعمارة لأنه يحضر المسجد طوائف الفقراء و المساكين لأخذ الزكاة، و لأن إيتاء الزكاة واجب و بناء المسجد و إصلاحه نفل و الإنسان ما لم يفرغ عن الواجب لم يشتغل بالنافلة، فلو لم يكن مؤديا للزكاة فالظاهر أنه لم يشتغل بعمارة المسجد. ثم قال‏ وَ لَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ‏ ليعلم أنه لو أتى المسجد و بناه رياء و سمعة لم يكن عامرا له. فعلى المؤمن أن يختار في جميع الأحوال رضوان اللّه على غيره فإن ذلك لو ضره في العاجل فسينفعه في الآجل و في إدخال كلمة «إنما» في صدر الآية تنبيه على أن من لم يكن موصوفا بالصفات المذكورة لم يكن من أهل عمارة المسجد، و أن المسجد يجب صونه عن غير العبادة.

فقد روي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا ذكرهم الدنيا لا تجالسوهم فليس للّه بهم حاجة»

و عنه صلى اللّه عليه و سلم: «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش»

و قال صلى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى: «إن بيوتي في أرضي المساجد و إن زوّاري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره»

و من عمارة المساجد تعظيمها و الدرس فيها و قمها و تنظيفها و تنويرها بالمصابيح.

فعن أنس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم: من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة و حملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه».

و في قوله‏ فَعَسى‏ أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ‏ حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم فإن الموصوفين بالصفات المذكورة إذا كان اهتداؤهم المستعقب لصلاح حالهم في الدارين دائرا بين عسى و لعل فما ظنك باهتداء المشركين و مغبتهم؟ و فيه أن المؤمن يجب أن لا يغتر باللّه عزّ و جلّ. هذا و قد مر أن بعض الأمة ذهبوا إلى أن «عسى» من اللّه الكريم واجب. و قال بعضهم: إن الرجاء راجع إلى العباد.

ثم إنه قال‏ أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ‏ و معناه هبوا أن عمارة المسجد و سقي الحجيج يوجب لكم نوعا من الفضيلة إلا أن هذه الأعمال في مقابلة الإيمان باللّه و الجهاد شي‏ء

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 444

نزر. قال المفسرون: إنها نزلت في مناظرة جرت بين فريقين إلا أنهم اختلفوا فقيل:

«كافر» و «مؤمن» لقوله‏ كَمَنْ آمَنَ‏ و قصة ما مر أن العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر قال: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام و الهجرة و الجهاد فلقد كنا نعمر المسجد الحرام و نسقي الحاج. و روي أن المشركين قالوا لليهود: نحن سقاة الحجيج و عمار المسجد الحرام أ فنحن أفضل أم محمد و أصحابه؟ فقالت اليهود لهم: أنتم أفضل. و قيل: إن كلا الفريقين مؤمن لقوله‏ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً و هذا يقتضي أن يكون للمفضول أيضا درجة.

و قصته ما

روى عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رجل: لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاج. و قال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام. و قال آخر: الجهاد في سبيل اللّه أفضل مما قلتم: فزجرهم عمر و قال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ذلك يوم الجمعة و لكني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل اللّه الآية.

و يروى عن الحسن و الشعبي أن طلحة قال: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه و لو أشاء بت فيه. و قال العباس: و ذلك بعد إسلامه أنا صاحب السقاية و القائم عليها. و قال عليّ رضي اللّه عنه: ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس و أنا صاحب الجهاد فنزلت.

و عن ابن سيرين: قال عليّ رضي اللّه عنه للعباس بعد إن كان أسلم: ألا تهاجر ألا تلحق بالنبي صلى اللّه عليه و سلم؟ ففقال: أ لست في أفضل من الهجرة، أ لست أسقي حاج بيت اللّه و أعمر المسجد الحرام؟ فنزلت هذه الآية. فقال العباس: ما أراني إلا ترك سقايتنا. فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا».

و السقاية و العمارة مصدران من سقي و عمر، و لا بد من تقدير مضاف أي أ جعلتم أهل سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن، أو أ جعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كخصال من آمن؟ ثم كان لسائل أن يسأل ما بال أحد الفريقين لا يشبه بالآخر فلا جرم قال مستأنفا لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ‏ ثم صرح بالمفضول فقال‏ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ أي المشركين‏ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏ و أي ظلم أشنع من وضع أخس الموجودات و هو الأصنام مقام أشرفها و هو اللّه سبحانه. و إنما لم يهدهم اللّه لعدم قابلية وقع في استعدادهم الفطري. و ذلك لكونهم مظاهر القهر فافهم. ثم صرح بالفريق الفاضل فقال‏ الَّذِينَ آمَنُوا الآية. ثم من قال إن الفريقين المتناظرين كافر و مؤمن أورد عليه أن قوله‏ أَعْظَمُ دَرَجَةً وجب أن يكون للمفضول أيضا درجة و لكنه ليس للكافر درجة.

صفحه بعد