کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 448

الغنائم فاستقبلونا بالسهام فانكشف المسلمون عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يبق معه إلا العباس بن عبد المطلب و أبو سفيان بن الحرث، و الذي لا إله إلا اللّه ما ولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دبره قط، و لقد رأيته و أبو سفيان أخذ بالركاب و العباس آخذ بلجام الدابة و هو يقول:

أنا النبيّ لا كذب* أنا ابن عبد المطلب و طفق يركض بغلته نحو الكفار لا يبالي و كانت بغلته شهباء ثم قال للعباس: ناد المهاجرين و الأنصار و كان العباس رجلا صيتا فنادى يا أصحاب الشجرة فرجعوا و نزلت الملائكة عليهم ثياب بيض و هم على خيول بلق، و أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيده كفا من الحصباء فرماهم بها و قال: شاهت الوجوه، فما زال جدهم مدبرا وحدهم كليلا و لم يبق منهم أحد إلا و قد امتلأت عيناه من ذلك التراب فانهزموا

و ذلك قوله سبحانه‏ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ‏ رحمته التي سكنوا بها و آمنوا عَلى‏ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏ الذين كانوا انهزموا و على الذين ثبتوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين وقع الهرب.

وَ أَنْزَلَ‏ اللّه‏ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها يعني الملائكة ستة عشر ألفا أو ثمانية آلاف أو خمسة آلاف على اختلاف الروايات. و عن سعيد بن المسيب قال: حدّثني رجل كان من المشركين يوم حنين: قال لما كشفنا المسلمين جعلنا نسوقهم فلما انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء تلقانا رجال بيض الوجوه حسان فقالوا: شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا و ركبوا أكتافنا. و اختلفوا في قتال الملائكة فقيل: قاتلوا. و قيل: ما قاتلوا إلا يوم بدر و إنما نزلوا في هذا اليوم لتكثير السواد و لإلقاء الخواطر الحسنة في قلوب المؤمنين. ثم قال‏ وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي بالقتل و الأسر و أخذ الأموال و سبي الذراري. و احتجت الأشاعرة بإنزال السكينة و هي داعية السكون و الثبات و بقوله‏ وَ عَذَّبَ‏ على أن الدواعي و الأفعال كلها بخلق اللّه تعالى.

ثم ختم الآية بقوله‏ وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ‏ و اعلم أن الحنفية تمسكوا في مسألة الجلد مع التغريب بقوله تعالى‏ الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا [النور: 2] قالوا الفاء للجزاء اسم للكافي و كون الجلد كافيا يمنع أن يكون غيره مشروعا معه. و أجابت الشافعية بأنه قال تعالى في هذه الآية وَ ذلِكَ‏ أي الأخذ و الأسر جَزاءُ الْكافِرِينَ‏ سمي العذاب العاجل جزاء مع أنه غير كاف لأن العذاب الآجل باق. أما قوله‏ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ‏ أي يسلم ناس منهم.

روي‏ أن ناسا منهم جاؤا تائبين فأسلموا و قالوا: يا رسول اللّه أنت خير الناس و أبرهم و قد سبي أهلونا و أولادنا و أخذت أموالنا. قيل سبي يومئذ ستة آلاف نفس و أخذ من الإبل و الغنم ما لا يحصى. فقال: إن عندي ما ترون العساكر الفقراء و إن خير القول أصدقه،

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 449

اختاروا و إما ذراريكم و نساءكم و إما أموالكم. قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا. فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: إن هؤلاء جاؤا مسلمين و إنا خيرناهم بين الذراري و الأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا. فمن كان بيده شي‏ء و طابت نفسه أن يرده فشأنه و من لا فليعطنا و ليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه. قالوا: رضينا و سلمنا فقاال: إني لا أدري لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا. فرفعت إليه صلى اللّه عليه و سلم العرفاء أن قد رضوا.

ثم إنه سبحانه أجاب عن شبهة أخرى لهم و ذلك أن عليا عليه السلام حين قرأ عليهم براءة فنبذ إليهم عهدهم قال أناس: يا أهل مكة ستعلمون ما تلقونه من الشدة لانقطاع السبل و فقد الحمولات فقال تعالى‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ‏ قال في الكشاف: هو مصدر كالقذر و معناه ذو و نجس. و قال الليث: إنه صفة يستوي فيه الواحد و غيره: رجل نجس و قوم نجس و امرأة نجس. قلت: و يجوز أن يجعل المصدر نعتا للمبالغة في الوصف. و اختلف في تفسير كون المشرك نجسا فعن ابن عباس أن أعيانهم نجسة كالكلاب و الخنازير. و عن الحسن من صافح مشركا توضأ و هو قول الهادي من أئمة الزيدية. و أما الفقهاء فقد اتفقوا على طهارة أبدانهم و احتج القاضي على ذلك بما

روي‏ أنه صلى اللّه عليه و سلم شرب من أوانيهم‏

و بأنه لو كان نجس العين لما تبدلت النجاسة بسبب الإسلام، و أوّلوا الآية بأن معناها أنهم لا يغتسلون عن الجنابة و لا يتوضؤون عن الحدث، أو أنهم بمنزلة الشي‏ء النجس في وجوب الاجتناب و الاحتراز عنهم، أو أن كفرهم الذي هو صفة لهم بمنزلة النجاسة الملتصقة بالشي‏ء فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا و هي السنة التاسعة من الهجرة التي وقع النداء فيها بالبراءة من المشركين و اختلفوا في هذا النهي فعن أبي حنيفة و أصحابه أن المراد أن لا يحجوا و لا يعتمروا كما كانوا يفعلونه في الجاهلية، و الدليل عليه قول علي عليه السلام في النداء: ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك. و قال الشافعي: المراد المنع من الدخول فيه و هو ظاهر النص. و قاس مالك سائر المساجد على المسجد الحرام في المنع من الدخول فيه. و قيل: المراد أن يمنعوا من تولي المسجد الحرام و القيام بمصالحه و يعزلوا عن ذلك. و عن عطاء أن المراد بالمسجد الحرام و الحرم و أن على المسلمين أن لا يمكنوهم من دخوله، و نهي المشركين أن يقربوه راجع إلى نهي المسلمين عن تمكينهم منه لقوله‏ وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي فقرا بسبب منع المشركين و موضع التجارات ليس هو عين المسجد بل الحرم كله. و من قال إن المراد منعهم من الحج قال إنهم إذا لم يحضروا الموسم لم يحصل للمسلمين ما كان لهم في قدومهم عليهم من الأرفاق و المكاسب فلهذا خافوا الفقر، ثم وعدهم اللّه إزالة الفقر بقوله‏ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏ أي من تفضله بوجه آخر قال عكرمة: أنزل اللّه عليهم‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 450

المطر فكثر خيرهم. و عن الحسن: جعل اللّه لهم أخذ الجزية بدلا عن ذلك. و قيل:

أغناهم من الفي‏ء. و عن مقاتل: أسلم أهل جدة و صنعاء و جرش و حملوا الطعام إلى مكة فكان ذلك أعود عليهم. و اعلم أن هذا إخبار بالغيب و قد وقع فكان معجزا. و معنى‏ إِنْ شاءَ تعليم و إرشاد و أن لا يغتر المسلمون بذلك فيتركوا التضرع إلى اللّه و اللجأ إليه، و ليعلم أن حصول ذلك لا يكون في كل الأوقات لأغراض و مقاصد لا يعلمها إلا ضابط الأمور و رابط الأسباب، و لهذا ختم الآية بقوله‏ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ‏ أي بأحوالكم‏ حَكِيمٌ‏ لا يعطي و لا يمنع إلا عن حكمة و صواب.

التأويل:

ما كان لمشركي النفوس الأمارة أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ‏ و هي القلوب و هم مصرون على ما جبلوا عليه من التمرد و تعبد الهوى. حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ‏ التي صدرت عنهم رياء و سمعة إِنَّما يَعْمُرُ القلوب‏ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ صدق بأن المقصود و المعبود هو اللّه، و عمل لنيل السعادات الأخروية و أدام المناجاة مع اللّه بصدق الطلب، و زكى نفسه عن الأخلاق الذميمة و لم يخف فوات الخطوط الدنيوية و إنما يخاف فوات الحقوق الإلهية. سِقايَةَ الْحاجِ‏ خدمة هذه الطائفة للأغراض الفاسدة وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ الأعمال الموجبة لعمارة القلوب إذا كانت مشوبة بالرياء و الهوى‏ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ‏ الطالبون و البطالون‏ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ الذين يضعون الأعمال الصالحة في غير موضعها الَّذِينَ آمَنُوا أي القلوب المؤمنة وَ هاجَرُوا أي الأرواح المهاجرة إلى القوالب‏ وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ الجهاد الأكبر بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ‏ ببذل الموجود و الوجود جميعا يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ‏ بعد الخلاص عن حبس الوجود بتجلي صفات لطفه و جنات الشواهد و الكشوف‏ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ‏ أي من وصل إلى مقام العندية فاللّه يعظم أجره‏ لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ‏ الآيتان. فيهما إشارة إلى أن آثر محبة المخلوق على محبة الخالق فقد أبطل الاستعداد الفطري لقبول الفيض الإلهي.

وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ‏ أي حين حنت قلوبكم شوقا إلى لقاء ربها و حسبتم أنكم تبلغونه بكثرة الطاعات، و ضاقت عليكم أرض الوجود ثم أعرضتم عن الطلب إذ احتجبتم بحجب العجب مدبرين إلى عالم الطبيعة الحيوانية ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ‏ هي واردات ترد على الأرواح و القلوب فتسكن إلى ربها على رسول الروح و على القلوب المؤمنة وَ أَنْزَلَ جُنُوداً من المواهب الربانية و عذب النفوس المتمردة باستعمالها في أحكام الشريعة و آداب الطريقة ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ‏ أي علاج النفوس المتمردة ثم يتوب اللّه من بعد ذلك العلاج بجذبة ارْجِعِي‏ ، إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ‏ النفوس العابدة للدنيا و الشيطان و الهوى‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 451

فَلا يَقْرَبُوا القلب‏ بَعْدَ عامِهِمْ هذا و هو حالة البلوغ و جريان قلم التكليف على الإنسان، نهى القلوب حينئذ عن اتباع النفوس و أمرها بقتالها و منعها عن طوافها لئلا تنجس كعبة القلب بنجاسة شرك النفس و أوصافها الذميمة وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً حظوظا يستلذ بها عند اتباع النفس‏ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ‏ بعد انقطاع تصرفات النفس عن القلب بالواردات الربانية و الكشوف الروحانية إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ‏ بمستحقي فضله‏ حَكِيمٌ‏ فيما دبر من قتال النفوس.

[سورة التوبة (9): الآيات 29 الى 37]

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (29) وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى‏ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37)

القراآت:

عُزَيْرٌ ابْنُ‏ بالتنوين مكسورة للساكنين: عاصم و علي و سهل و يعقوب.

الباقون: بغير تنوين. يُضاهِؤُنَ‏ بالهمز. عاصم. الآخرون‏ يُضاهِؤُنَ‏ بحذف‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 452

الهمزة. أَنْ يُطْفِؤُا و لِيُواطِؤُا بحذف الهمزة فيهما. يزيد و حمزة في الوقف و إن شاء لين الهمزة اثْنا عَشَرَ بسكون العين: يزيد و الخزاز إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ بالتشديد: ورش من طريق النجاري و حمزة في الوقف. الباقون: بباء بعدها همزة. يُضَلُ‏ بضم الياء و فتح الضاد: علي و حمزة غير العجلي و حفص و خلف لنفسه. يضل بضم الياء و كسر الضاد: العجلي و أوقية و رويس. الباقون يضل بفتح الياء و كسر الضاد.

الوقوف:

صاغِرُونَ‏ ه‏ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ‏ ط بِأَفْواهِهِمْ‏ ج لاحتمال ما بعده الحال و الاستئناف‏ مِنْ قَبْلُ‏ ط قاتَلَهُمُ اللَّهُ‏ ج‏ يُؤْفَكُونَ‏ ه‏ ابْنَ مَرْيَمَ‏ ج لاحتمال الجملة بعده أن تكون حالا و استئنافا. واحِداً ج لأن ما بعده يصلح ابتداء و وصفا إِلَّا هُوَ ط يُشْرِكُونَ‏ ه‏ الْكافِرُونَ‏ ه‏ كُلِّهِ‏ لا لتعلق «لو» بما قبله‏ الْمُشْرِكُونَ‏ ه‏ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ ط فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ لا لتعلق الفاء أَلِيمٍ‏ ه لا أي في يوم. وَ ظُهُورُهُمْ‏ ط تَكْنِزُونَ‏ ه‏ حُرُمٌ‏ ط يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ط الْمُتَّقِينَ‏ ه‏ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ‏ ط أَعْمالِهِمْ‏ ط الْكافِرِينَ‏ ه.

التفسير:

إنه سبحانه لما ذكر شبهات المشركين و أجاب عنها بأجوبة صحيحة أراد أن يبين أحكام أهل الكتاب و المقصود تميزهم من المشركين في الحكم لأن الواجب في المشركين القتال إلى الإسلام، و الواجب في أهل الكتاب القتال إلى الإسلام أو الجزية.

و اعلم أنه تعالى ذكر صفات أربع و أمر بقتال من اتصف بها ثم بين الموصوفين بها بقوله‏ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ‏ فدل ذلك على أن أهل الكتاب متصفون بتلك الصفات؛ فالصفة الأولى أنهم‏ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏ فأورد عليه أن القوم يقولون نحن نؤمن باللّه، و أجيب بأن إيمانهم باللّه كلا أيمان لأنهم مشبهة و حلولية. و اعترض ثانيا بأن كل من نازع في صفة من صفات اللّه و كان منكرا للّه لزم أن يكون أكثر المتكلمين كذلك فالأشعري من أهل السنة أثبت البقاء صفة، و القاضي أنكره، و عبد اللّه بن سعيد أثبت القدم صفة، و الباقون أنكروه، و القاضي أثبت للّه إدراك الطعوم و إدراك الروائح و الحرارة و البرودة و الأستاذ أبو إسحق أنكره، و القاضي أثبت للصفات سبعة أحوال معللة بغير الصفات و غيره أنكره، و عبد اللّه ابن سعيد زعم أن كلام اللّه في الأزل ما كان أمرا و لا نهيا و لا خبرا ثم صار كذلك عند الإنزال، و الآخرون أنكروه، و قوم من قدماء الأشاعرة أثبتوا للّه خمس كلمات: الأمر و النهي و الاستخبار و الخبر و النداء. و المشهور أن كلام اللّه واحد. و اختلفوا في أن خلاف المعلوم هل هو مقدور للّه؟. و أما اختلافات المعتزلة و سائر الفرق فأكثر من أن تحصى هاهنا. و أجيب بأن المجسم خالف في الذات لأنه يقول إن الإله جسم و البرهان دل على‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 453

أن إله العالم ليس بجسم و لا جسماني. و أما الخلاف في المسائل المذكورة فراجع إلى الصفة فظهر الفرق. نعم إنا نكفر الحلولية و الحروفية القائلين بأن كلام اللّه تعالى حل في كل لسان و في كل جسم كتب فيه القرآن كما نكفر النصارى القائلين بأن أقنوم الكلمة حلت في عيسى.

الصفة الثانية: أنهم لا يؤمنون باليوم الآخر لأن اليهود و النصارى ينكرون المعاد الجسماني. و القرآن دل على أن أهل الجنة يأكلون و يشربون و باللذات يتمتعون، و أما السعادات الروحانية فمتفق عليها. الصفة الثالثة: وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ‏ أي لا يحرّمون ما حرم اللّه في القرآن، و الرسول في سنته كالخمر و الخنزير و نحوهما. و قال أبو روق: أي لا يعملون بما في التوراة و الإنجيل بل حرفوهما و أتوا بأحكام توافق مشتهاهم. الصفة الرابعة: وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ‏ أي لا يعتقدون صحة دين الإسلام الذي هو الحق. يقال: فلان يدين بكذا إذا اتخذ ذلك دينه و معتقده. و قيل: الحق هو اللّه.

ثم ذكر غاية القتال فقال‏ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فعله من جزى يجزي إذا قضى ما عليه.

قال الواحدي: هي ما يعطى المعاهد على عهده. و قال في الكشاف: سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه أي يقضوه، أو لأنهم يجزون بها من منّ عليهم بالإعفاء عن القتل. و معنى‏ عَنْ يَدٍ إن أريد بها يد المعطي أي عن يد مؤاتية غير ممتنعة يقال: أعطى بيده إذا انقاد و أصحب، أو المراد حتى يعطوها عن يد إلى نقدا غير نسيئة و لا مبعوثا على يد أحد، و إن أريد بها يد الآخذ فمعناه حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية أي بسببها كقوله:

ينهون عن أكل و عن شرب أي يتناهون في السمن بسببهما. أو المراد عن إنعام عليهم فإن قبول الجزية منهم بدلا عن أرواحهم نعمة عظيمة عليهم. قيل: إن من اليهود موحدة فما وجه إيجاب الجزية عليهم؟ و الجواب أنه إذا ثبت وجوب الجزية على بعضهم لزم القول في حق الكل لعسر الامتياز و لوجود الصفات الباقية فيهم. أما مقدار الجزية

فعن أنس: قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على كل محتلم دينارا،

و قسم عمر على فقرائهم في المدينة اثني عشر درهما، و على الأوساط أربعة و عشرين، و على أهل الثروة ثمانية و أربعين. فذهب الشافعي إلى أن أقل الجزية دينار و لا يزاد على الدينار إلا بالتراضي. و ذهب أبو حنيفة إلى قسم عمر. و المجوس سبيلهم سبيل أهل الكتاب‏

لقوله صلى اللّه عليه و سلم: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»

و يروى‏ أنه صلى اللّه عليه و سلم أخذ الجزية من مجوس هجر

و ذلك أن لهم شبهة كتاب. و معنى ذلك أن كتبهم و هي الصحف التي أنزلت على إبراهيم صلى اللّه عليه و سلم‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 454

قد رفعت إلى السماء لأحداث أحدثوها. و ليس المقصود من أخذ الجزية تقرير الكفرة على كفرهم بدينار واحد حتى يصير موجبا للطعن، و إنما الغرض حقن دمائهم و إمهالهم مدة لعلهم يتفكرون في كتابهم فيعرفون صدق محمد و ما دعاهم إليه. و أيضا فيه حرمة أنبيائهم و حرمة كتابهم و حرمة آبائهم الذين انقرضوا على الحق من شريعة التوراة و الإنجيل. و أما قوله‏ وَ هُمْ صاغِرُونَ‏ فمعناه أنه لا بد مع أخذ الجزية من إلحاق الذل و الصغار بهم. و السبب فيه أن طبع العاقل ينفر عن تحمل الذل فإذا أمهل الكافر مدة و هو يشاهد عزّ الإسلام و ذل الكفر و يسمع الدلائل فالظاهر أن مجموع ذلك يحمله على الانتقال إلى الإسلام. و فسروا الصغار في الآية بأخذ الجزية على سبيل الإهانة بأن يكون الذمي قائما و المسلم الذي يأخذ الجزية قاعدا و يأمره بأن يخرج يده من جيبه و يحني ظهره و يطأطى‏ء رأسه فيصب ما معه في كفة الميزان و يأخذ المستوفي بلحيته و يضرب في لهزمتيه. و هذه الهيئة مستحبة على الأصح لا واجبة. و قيل: الصغار هو نفس أخذ الجزية. و الجزية تسقط بالإسلام عند أبي حنيفة دون الشافعي. و إنها تؤخذ عند أبي حنيفة في أوّل السنة و عند الشافعي في آخرها. و لا تؤخذ من فقير لا كسب له و لا من امرأة و خنثى و لا صبي و لا مجنون و عبد و لا من سيده بسببه، و تضرب على الزمن و العسيف و الشيخ الفاني و الراهب و الأعمى على الأصح من قولي الشافعي، لأن الجزية بمنزلة الكراء يستوي فيه المعذورون و غيرهم. قال الشافعي في أحد قوليه. العاجز عن الكسب يعقد له الذمة بالجزية فإذا تم الحول أخذنا إن أيسر و إلا فهي في ذمته إلى أن يوسر و هكذا في كل حول. و لا يصح عقد الذمة إلا من الإمام أو نائبه الذي فوضه إليه لأنه من الأمور الكلية.

و كيفية العقد أن يقول: أقررتكم و أذنت لكم في الإقامة في دار الإسلام على أن تبذلوا كذا و تنقادوا لأحكام الإسلام التي يراها الإمام. و لا يقرأ أهل الكتاب بالجزية في أرض الحجاز لما

روي أنه صلى اللّه عليه و سلم عليه و سلم قال: «أخرجوا اليهود من الحجاز»

قال الشافعي: هو مكة و المدينة و مخالفيهما أي قراهما.

و ما روي‏ أنه صلى اللّه عليه و سلم أوصى بأن يخرجوا اليهود و النصارى من جزيرة العرب‏

فمحمول على أنه أراد الحجاز جمعا بين الحديثين.

صفحه بعد