کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 560

النفسانية الممكنة للنوع الإنساني من قبيل العلم و العمل، و الأخرى للراحة و الجزاء، و من ذلك أنهم قالوا: حركات الأفلاك مستديرة و المستدير لا ضد له و ما لا ضد له لا يقبل الفساد. و الجواب ما ذكرنا في كتبنا الحكمية من أن كل جسم مركب و كل مركب ينحل لا محالة. و لئن سلمنا أنها أزلية فحركاتها غير أزلية لأن الحركة عبارة عن الانتقال من حال إلى حال، و هذه الماهية تقتضي المسبوقية بالحالة المنتقل عنها و الأزلية تنافي المسبوقية بالغير فكان الجمع بين الأزل و الحركة محالا. و لئن سلم أن الحركة أزلية فلم لا يجوز أن يكون بعض أوضاع الأفلاك مقتضيا لإعادة المعدومات من الأشخاص الإنسانية؟ و من ذلك أنهم قالوا: الإنسان عبارة عن هذا البدن ذي الأجزاء لا كيف كانت بل بشرط وقوعها على تأليف مخصوص، لأن أجزاء البدن كانت موجودة قبل هذا الإنسان و الموجود مغاير للمعدوم. فإذا مات الإنسان و تفرقت أجزاؤه فقد عدمت تلك الصورة و الأعراض و عود المعدوم محال. و أجيب بأن الإنسان ليس عبارة عن هذا الجسد و إنما هو النفس سواء كانت جوهرا مجردا مفارقا أو جسما مخصوصا لطيفا باقيا في جميع أحوال البدن من الصبا إلى الهرم مصونا عن التحلل و التبدل و هو الذي يسميه المتكلمون بالأجزاء الأصلية. و من ذلك أنهم قالوا: إذا قتل الإنسان و اغتذى به إنسان آخر لزم أن تعاد تلك الأجزاء في بدن كل واحد من الشخصين و ذلك محال. و أجيب بعين ما مر و هي أن الأجزاء الأصلية لا تصير جزءا من إنسان آخر. فهذه خلاصة ما وصل إليه العقول من أمر المعاد و اللّه تعالى أعلم بحقائق الأمور.

ثم عدد بعض نعمه على المكلفين فقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً و هو أجوف واوي مهموز اللام قلبت واوه ياء لكسرة ما قبلها، و من قرأ بهمزتين بينهما ألف فمحمول على القلب لأن إذا قدم اللام على العين وقع حرف العلة على الطرف فانقلب همزة كما في «كساء». و هو إما أن يكون جمع ضوء كحوض و حياض، أو مصدر ضاء يضوء مثل قام قياما و صام صياما، و لا بد من تقدير مضاف أي جعل الشمس ذات ضياء و القمر ذا نور إلا أن يحمل على المبالغة فجعلا نفس الضياء و النور كما يقال للرجل الكريم إنه كرم وجود. و الضياء أقوى من النور. و لا خلاف بين العقلاء أن ضوء الشمس كيفية قائمة بها لذاتها، و أما نور القمر فقد ذهب جمهور الحكماء إلى أنه مستفاد من الشمس و بذلك يقع اختلاف أحواله من الهلالية إلى البدرية كما بينا في تفسير قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ [البقرة: 189] وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ‏ قال في الكشاف: أي قدّر مسيره منازل أو قدره ذا منازل. و منزلة القمر المسافة التي يقطعها في يوم و ليلة بحركته الخاصة

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 561

به و جملتها ثمانية و عشرون و أساميها مشهورة: الشرطين الثريا البطين إلخ. و هي كواكب ثابتة معروفة عندهم جعلوها علامات المنازل، فنرى القمر كل ليلة نازلا بقرب أحدها و ذلك أنهم قسموا دور الفلك و هو اثنا عشر برجا على ثمانية و عشرين- عدد أيام دور القمر- فأصاب كل برج منزلان و ثلث فسموا كل منزل بالعلامة التي وقعت وقت التسمية بحذائه. ثم ذكر بعض منافعهما العائدة على المكلفين فقال: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ‏ حساب الأوقات من الأشهر و الأيام و الليالي. و قد ذكرنا السنة الشمسية و السنة القمرية و كيفية دوران إحداهما على الأخرى في تفسير قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ [التوبة: 36] الآية فلا حاجة إلى التكرار. ثم أشار إلى سائر منافعهما و خواصهما بقوله:

ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ‏ المذكور إِلَّا ملتبسا بِالْحَقِ‏ و الصواب دون الباطل و العبث، فالشمس سلطان النهار و القمر خليفتها بالليل، و بحركة الشمس تنفصل السنة إلى فصولها الأربعة، و بالفصول تنتظم مصالح هذا العالم و يتحصل معايش الخلائق، و بحركة القمر يحصل الشهور، و باختلاف حاله في زيادة النور و نقصانه تختلف أحوال الرطوبات إلى غير ذلك من الخواص التي يرشد إليها التأمل و التدبر و لهذا قال: يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ لأنهم هم الذين ينتفعون بهذه الدلائل. و قيل: المراد بالعلم هاهنا العقل الذي يعم الكل. ثم ذكر المنافع الحاصلة من اختلاف الليل و النهار و قد مر تفسيره في سورة «البقرة» في قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الآية: 164]. و معنى قوله:

وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ كقوله: وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ [الآية: 185] و قد مر في آخر «الأعراف». و إنما خص كونها آيات بالمتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى التدبر و النظر. قال القفال: من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لشقاء الناس و أن خالقها و خالقهم ما أهملهم بل جعلها لهم دار عمل، و إذا كان كذلك فلا بد من أمر و نهي ثم من ثواب و عقاب ليتميز المحسن عن المسي‏ء، فهذه الأحوال في الحقيقة دالة على صحة القول بالمبدإ و المعاد.

ثم شرع في شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد و من يؤمن به فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا عن ابن عباس و مقاتل و الكلبي: معناه لا يخافون البعث كقوله تعالى:

وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ‏ [الأنبياء: 49] و استبعد الأكثرون تفسير الرجاء بالخوف و قالوا: إنه بمعنى الطمع أي لا يطمعون في حسن لقائه كما يأمله السعداء، أو لا يتوقعونه أصلا لأنهم لا يؤمنون بالمعاد فهم ذاهلون عن طلب اللذات الحقيقية فارغون عن التوجه نحو السعادات الباقية وَ رَضُوا مع ذلك‏ بِالْحَياةِ الدُّنْيا الحسية الخسيسة وَ اطْمَأَنُّوا

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 562

بِها سكنوا إليها سكون العاشق إلى معشوقه و هذه غاية الانهماك و الاستغراق في اللذات الجسمانية وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏ فلا يعتبرون بالآيات و لا ينظرون في الدلائل الموصلة إلى حقيقة المبدإ و المعاد، فلم يقبلوها بالتقليد و لم ينظروا إليها بعين الاجتهاد أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ فيه معنى الجزاء و لذلك تعلق به قوله: بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ و فيه أن الأعمال السابقة هي المؤثرة في حصول العذاب الجسماني و هو النار المحسوسة، و العذاب الروحاني و هو نار البعد من المألوفات و القطيعة من السعادات الباقيات فيكون مثاله مثال من أخرج عن مجالسة معشوقة فألقي في بئر ظلمانية لا إلف بها و لا مؤنس بل يكون فيها أنواع المؤذيات و أصناف الموحشات نعوذ باللّه من تلك الحالات. هذا حال من لا يؤمن بالمعاد فلا يعمل له، و أما حال الذي يؤمن به فذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا استكملوا من جهة القوة النظرية وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ استكملوا من قبل القوة العملية أو صدقوا بقوله ثم حققوا التصديق بالعمل الصالح الذي جاءت به الأنبياء و الكتب من عند اللّه، أو أشغلوا قلوبهم و أرواحهم بتحصيل المعرفة ثم جوارحهم بالخدمة حتى تكون عيونهم مشغولة بالاعتبار، و آذانهم باستماع كلام اللّه، و ألسنتهم بذكر اللّه و سائر أعضائهم بطاعة اللّه تعالى: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ قال أكثر المفسرين: معناه يهديهم إلى الجنة ثوابا لهم على إيمانهم و أعمالهم الصالحة. و معنى قوله: بِإِيمانِهِمْ‏ أي بإيمانهم هذا المضموم إليه العمل الصالح، و هذا التفسير يوافق قوله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ‏ [الحديد: 12]

و قوله صلى اللّه عليه و سلم: «إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله الصالح في صورة حسنة فيقول له: أنا عملك فيكون له نورا و قائدا إلى الجنة. و الكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة فيقول: أنا عملك فينطلق به إلى النار».

و قيل: معنى الآية إن إيمانهم يهديهم إلى مزايا من الألطاف و لوامع من الأنوار بحيث تزول بواسطتها عنهم الشكوك و الشبهات فتؤدي إلى حصول المثوبات و لذلك جعل‏ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ بيانا له و تفسيرا لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها. فهذه الهداية عبارة عن الفوائد الزوائد الحاصلة في الدنيا بعد الإيمان. قال القفال: فعلى هذا الوجه كان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم و تجري من تحتهم الأنهار إلا أنه حذف الواو و جعل قوله: تَجْرِي‏ خبرا مستأنفا منقطعا عما قبله. و التحقيق في تقرير هذا الوجه أن العلم نور و الجهل ظلمة و الروح كاللوح و العلوم و المعارف كالنقوش و لكن حالهم بالضد من النقوش الجسمانية، فإن تزاحم النقوش الجسمانية يكدر اللوح و توارد النقوش المعنوية و تكاثرها يزيد لوح الروح لمعانا و إشراقا حتى إنه يقوى بها على تحصيل المعارف الباقية

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 563

بسهولة، فليس فهم الرجل المنتهي للعلوم و الحقائق كفهم المبتدئ، فإن الإنسان إذا آمن باللّه فقد أشرق روحه بنور المعرفة، و إذا واظب على الأعمال الصالحة حصلت له ملكة التوجه إلى الآخرة و الإعراض عن الدنيا، و لا تزال تتزايد إشراقات هذه المعارف و الملكات فيرتقي في معارجها لحظة فلحظة، و لما كان لا نهاية لمراتب المعارف و الأنوار العقلية فلا نهاية لمراتب هذه الهداية. و في قوله: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ دليل لمن قال إن العلم بالمقدمتين لا يوجب العلم بالنتيجة و لكنهما يعدّان الذهن لحصول الفيض من الجواد المطلق. و معنى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ أنهم يكونون في البساتين على مواضع مرتفعة كالسرر و الأرائك و الأنهار تجري من بين أيديهم. دَعْواهُمْ فِيها قال بعض المفسرين: أي دعاؤهم و نداؤهم كما يدعو القانت بقوله: اللهم إياك نعبد. و قيل:

الدعاء العبادة كقوله: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [مريم: 48] و إنما تكون هذه عبادتهم لا على سبيل التكليف بل على سبيل الإلهام و العادة ابتهاجا بذكر اللّه. و قيل:

الادعاء بين المتخاصمين و المعنى أن أهل الجنة يدعون في الدنيا و الآخرة تنزيه اللّه من المعايب و الإقرار له بالإلهية. قال القفال: أصله من الدعاء لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما. و قيل: أي طريقتهم و سيرتهم و ذلك لأن المدعي للشي‏ء مواظب عليه فيمكن أن يجعل الدعوى كناية عن الملازمة و إن لم يكن في قولهم سبحانك اللهم دعاء و لا دعوى. و قيل: أي تمنيهم كقوله: وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ‏ [يس: 57] أي ما يتمنونه.

و تقول العرب: ادّع عليّ ما شئت أي تمن فكان تمنيهم في الجنة ليس إلا تسبيح اللّه و تقديسه، و لقد كانوا في الدنيا يدعون في الحروب من يسكنون إليه و يستنصرونه فيقولون:

يا آل فلان فأخبر اللّه تعالى عنهم أن أنسهم في الجنة بذكر اللّه و سكونهم بتحميده‏ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ‏ أي بعضهم يحيي بعضا بالسلام. و قيل: هي تحية اللّه أو الملائكة إياهم إضافة للمصدر إلى المفعول‏ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ هي «أن» المخففة من الثقيلة و أصله أنه الحمد لِلَّهِ‏ على أن الضمير للشأن. قال أهل الظاهر من المفسرين: في سبب تخصيص هذه الأذكار بأهل الجنة أن قوله: سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ علم بين أهل الجنة و خدامهم إذا سمعوا ذلك منهم أتوهم بما يشتهونه. قال ابن جريج: ورد في الأخبار أنه إذا مرّ بهم طير يشتهونه قالوا: سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ فيأتيهم الملك بذلك المشتهى، فإذا نالوا منه شهوتهم قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ و قال القاضي: إنه وعد المتقين بالثواب العظيم فإذا دخل أهل الجنة الجنة و وجدوا تلك المواعيد قالوا سبحانك اللهم أي نسبحك عن الخلف في الوعد. و قيل: ألهم اللّه بني آدم في الجنة بعد انقراض الدنيا ما افتخر به‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 564

الملائكة قبلهم في قولهم: وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ‏ [البقرة: 30] و يمكن أن يقال: إن لكل إنسان معراجا بحسب قوته فإذا وصل العارف الصادق إلى صفات جلال اللّه تعالى قال سبحانك، و إذا ارتقى منها إلى الذات قال اللهم، فإذا عجز عن ذلك المضمار و احترق في أوائل تلك الأنوار رجع من عالم الجلال إلى عالم الإكرام فأفاض الخير على جميع المحتاجين و يدفع المخافات و المكاره عنهم بكل ما أمكنه و ذلك قوله: وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ‏ ثم إذا شاهدوا أثر نعمة اللّه عليهم بالاستفاضة و الإفاضة اختتموا الكلام بقولهم:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ . و على هذا يدور أمرهم في العروج و النزول ما داموا في الدنيا فيكون كذلك حالهم في العقبى‏

لقوله: «كما تعيشون تموتون و كما تموتون تبعثون».

التأويل:

الر فيه إشارتان: إحداهما من الحق المحق إلى حبيبه محمد صلى اللّه عليه و سلم كأنه قال: بآلائي عليك في الأزل و أنت في العدم و بلطفي عليك في الوجود و برحمتي و رأفتي لك من الأزل إلى الأبد. و الثانية من الحق لنبيه عليه السلام إليه يقول بإنسك معي حين خلقت روحي و لم يكن ثالث، و بلبيك الذي أجبتني به حين دعوتك للخروج من العدم فقلت: ياسين أي يا سيد فقلت: لبيك و سعديك و الخير كله بيديك. و برجوعك منك إلى حين قلت لنفسك بجذبة ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ‏ [الفجر: 28] تِلْكَ‏ أي هذه الآيات المنزلة عليك‏ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ‏ الذي وعدتك في الأزل وراثته لك و لأمتك.

و الحكيم الحاكم على الكتب كلها فلا ينسخه كتاب و هو ينسخ الشرائع و الأحكام و الكتب كلها إِلى‏ رَجُلٍ مِنْهُمْ‏ لما رأى فيه رجولية قبول الوحي دون غيره، و يحتمل أن يكون معنى للناس الناسي عهد اللّه‏ قَدَمَ صِدْقٍ‏ محمد صلى اللّه عليه و سلم لأنه أول من خرج من العدم إلى الوجود، أو هو العناية الأزلية

«سبقت رحمتي غضبي» «1»

لَساحِرٌ مُبِينٌ‏ صدقوا في أنهم مسحورون إلا أنه سحرهم سحرة صفات فرعون النفس. إن الذي يربيكم هو الذي خلق السموات سموات أرواحكم و أرض نفوسكم من ستة أنواع هي: الروح و القلب و العقل و النفس الحيواني و النفس النباتي و الصورة المعدنية ثُمَّ اسْتَوى‏ على عرش القلب‏ يُدَبِّرُ أمر السعادة و الشقاوة يقلبه كيف يشاء. إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فرجعوا مقبولين بجذبات العناية التي صورتها خطاب‏ ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ‏ [الفجر: 28] و حقيقتها انجذاب القلب إلى اللّه و نتيجتها عزوف النفس عن الدنيا و استواء الذهب و المدر عندها و رجوع‏

(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب 15. مسلم في كتاب التوبة حديث 14- 16. الترمذي في كتاب الدعوات باب 99. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب 13. أحمد في مسنده (2/ 242، 258).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 565

المردودين بغير الاختيار بالسلاسل و الأغلال. و من نتائجه تعلقات الدنيا و استيلاء صفات النفس‏ بِالْقِسْطِ أي لكل بحسب كماله و نقصانه. جعل شمس الروح ضياء يستنير بها قمر القلب إذا وقع في مواجهتها، و إذا وقع في مقابلة أرض النفس انكسف و لهذا سمي قلبا لتقلب أحواله بين الروح و النفس. و تلك الأحوال هي منازله و مقاماته لتعلموا عدد سنين المقامات و حساب الكشوف و المشاهدات‏ إِنَّ فِي اخْتِلافِ‏ ليل صفات البشرية و نهار صفات الروحانية وَ ما خَلَقَ اللَّهُ‏ في سموات الروحانية و أرض البشرية من الأوصاف و الأخلاق و تبدل الأحوال‏ لَآياتٍ‏ دالة على التوحيد لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ‏ الأخلاق الذميمة وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏ و إن لم يركنوا إلى الدنيا و تمتعاتها كالرهابين و البراهمة و بعض الفلاسفة و اللّه تعالى أعلم.

[سورة يونس (10): الآيات 11 الى 20]

وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى‏ ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)

قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَ ما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)

القراآت:

لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ‏ مبنيا للفاعل أجلهم بالنصب: ابن عامر و يعقوب.

الآخرون مبنيا للمفعول و رفع‏ أَجَلُهُمْ‏ أو بدله بضم اللام و سكون الهاء: روى خلف عن الكسائي و الاختبار عنه و عن غيره الإشمام لي أن بفتح الياء و كذلك‏ إِنِّي أَخافُ‏ : أبو

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏3، ص: 566

جعفر و نافع و ابن كثير و أبو عمرو. نَفْسِي إِنْ‏ بفتح الياء: أبو عمرو و أبو جعفر و نافع.

و لأدراكم بلام الابتداء فعلا ماضيا مثبتا: روى أبو ربيعة عن البزي و حمزة. و قرأ حمزة و علي و أبو عمرو و خلف و ورش من طريق النجاري و الخراز عن جبيرة و هبيرة و ابن مجاهد و النقاش عن ابن ذكوان، و حماد و يحيى من طريق أبي حمدون بالإمالة فعلا ماضيا منفيا بلا. الباقون: مثله و لكن بالتفخيم. تشركون بتاء الخطاب و كذلك في «النحل» و «الروم»: حمزة و علي و خلف. الباقون بالياء.

الوقوف:

أَجَلُهُمْ‏ ط لأن ما بعده مستقبل فنحن نذر يَعْمَهُونَ‏ ه‏ أَوْ قائِماً ط مَسَّهُ‏ ط يَعْمَلُونَ‏ ه‏ ظَلَمُوا لا لأن الواو للحال‏ لِيُؤْمِنُوا ط الْمُجْرِمِينَ‏ ه‏ تَعْمَلُونَ‏ ه‏ بَيِّناتٍ‏ لا لأن ما بعده جواب «إذا» أَوْ بَدِّلْهُ‏ ط. نَفْسِي‏ ج ط لأن «ان» النافية لها صدر الكلام و لكن القائل متحد إِلَيَ‏ ط ج لمثل ما قلنا عَظِيمٍ‏ ه‏ بِهِ‏ ط و الوصل أولى للفاء أو لشدة اتصال المعنى‏ مِنْ قَبْلِهِ‏ ط تَعْقِلُونَ‏ ه‏ بِآياتِهِ‏ ط الْمُجْرِمُونَ‏ ه‏ عِنْدَ اللَّهِ‏ ط فِي الْأَرْضِ‏ ط يُشْرِكُونَ‏ ه‏ فَاخْتَلَفُوا ط يَخْتَلِفُونَ‏ ه‏ مِنْ رَبِّهِ‏ ج ط للابتداء بالأمر مع الفاء فَانْتَظِرُوا ج لاحتمال الابتداء أو التعليل‏ الْمُنْتَظِرِينَ‏ ه.

التفسير:

صفحه بعد