کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 181

بينهم إلى هذا الحد مع اشتراك الكل في الضروريات البشرية من الحاجة إلى الأكل و الشرب و الوقاع و غير ذلك. الثانية التمسك بطريقة التقليد و ذلك قولهم: تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا الثالثة إنكارهم دلالة المعجزة على الصدق. و على تقدير التسليم زعموا أنهم ما أتوا بحجة أصلا لاعتقادهم أن معجزاتهم من جنس الأمور المعتادة، فاقترحوا سلطانا مبينا أي برهانا باهرا و حجة قاهرة. ثم إن الأنبياء سلموا أنهم بشر مثلهم و لكنهم و صفوا أنفسهم بمزية من عند اللّه بطريق المنة و العطية، و بهذا استدل من جعل النبوّة محض العطاء من اللّه. أجاب المخالف بأنهم لم يذكروا فضائلهم النفسانية و الجسمانية تواضعا منهم، و لأنه قد علم أنه لا يختصهم بتلك الكرامة إلا و هم أهل لها لخصائص فيهم. و أما الشبهة الثانية فإنما لم يذكروا الجواب عنها لأن صحة النبوّة تهدم قاعدة التقليد، و أما الشبهة الثالثة فجوابها وَ ما كانَ لَنا أي ما صح منا أن نأتي بآية اقترحتموها من تلقاء أنفسنا و إنما ذلك أمر يتعلق بمشيئة اللّه. و الظاهر أن الأنبياء لما أجابوا عن شبهاتهم بما أجابوا فالقوم أخذوا في السفاهة و التخويف و عند ذلك قالت الأنبياء وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ إلى قوله: وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ‏ قال علماء المعاني: الأول لاستحداث التوكل، و الثاني للسعي في إبقائه و إدامته. و قيل: معنى الأول أن الذين يطلبون المعجزات يجب عليهم أن يتوكلوا في حصولها على اللّه لا علينا، فإن شاء أظهرها و إن شاء لم يظهرها. و معنى الثاني إبداء التوكل على اللّه في دفع شر الكفار و سفاهتهم. و في قولهم: وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا إشارة إلى ما سهل اللّه عليهم من طريقة التكميل و الإرشاد و تحمل أعباء الرسالة و الصبر على متاعبها، فإن تأثير نفوسهم في عالم الأرواح كتأثير الشمس في عالم الأجسام بالإضاءة و الإنارة، و قد عرفوا بالنفوس المشرقة و الأنوار الإلهية أو بالوحي الصريح أنه تعالى يعصمهم من كيد الأعداء و مكر الحساد. و في قولهم: وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلى‏ ما آذَيْتُمُونا دليل على أن الصبر مفتاح الفرج و مطلع الخيرات و مثمر السعادات. أما قول الكفار للرسل: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فقد مر البحث عليه في سورة الأعراف في قصة شعيب. و قال صاحب الكشاف: العود هاهنا بمعنى الصيرورة، حلفوا أن يخرجوهم البتة إلا أن يصيروا كافرين مثلهم‏ فَأَوْحى‏ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ‏ أجرى الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه أو أضمر القول.

عن النبي صلى اللّه عليه و سلم: «من آذى جاره ورّثه اللّه داره».

ذلِكَ‏ الذي قضى اللّه به من إهلاك الظالمين و إسكان المؤمنين ديارهم حق‏ لِمَنْ خافَ مَقامِي‏ يريد موقف اللّه الذي يقف به عباده يوم القيامة و هو موقف الحساب، أو

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 182

المقام مصدر أي خاف قيامي عليه بالحفظ و المراقبة كقوله: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ‏ [الرعد: 33] أو قيامي بالعدل و الصواب مثل‏ قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران: 18] أو المقام مقحم أي خافني مثل سلام اللّه على المجلس العالي. وَ خافَ وَعِيدِ قال الواحدي: هو اسم من الإيعاد و هو التهديد. قال المحققون: إن الخوف من اللّه مغاير للخوف من وعيد اللّه كما أن حب اللّه مغاير لحب ثواب اللّه، و هذه فائدة عطف أحد الخوفين على الآخر. قوله: وَ اسْتَفْتَحُوا الضمير إما للرسل و المعنى استنصروا اللّه على أعدائهم أو استحكموا اللّه و سألوه القضاء بينهم من الفتاحة و هي الحكومة، و إما للكفرة بناء على ظنهم أنهم على الحق و الرسل على الباطل. و على الأول يكون في الكلام إضمار التقدير: فنصروا و فازوا بالمقصود. وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ معاند. و أصل العنود الميل من العند الناحية و الجانب كأن كلا من المتعاندين في جانب آخر. قيل: الجبار و هو المتكبر إشارة إلى أن فيه خلق الاستكبار، و العنيد إشارة إلى الأثر الصادر عن ذلك الخلق و هو كونه مجانبا للحق منحرفا عنه و أصل الكلام على الأول: و استفتح الرسل و خاب الكفرة، و على الثاني: استفتحوا و خابوا. فوضع الأعم موضع الأخص. و الظاهر مقام الضمير تنصيصا على الكفرة بأن سبب خيبتهم عن السعادة الحقيقية تجبرهم و عنادهم‏ مِنْ وَرائِهِ‏ أي من بين يديه. يقال: الموت وراء كل أحد. و ذلك أن قدام و خلف كلاهما متوار عن الشخص فصح إطلاق لفظ وراء على كل واحد منهما. و قال أبو عبيدة: هو من الأضداد لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر. و هذا وصف حاله في الدنيا أو في الآخرة حين يبعث و يوقف. قال جار اللّه: قوله: وَ يُسْقى‏ معطوف على محذوف تقديره يلقى في جهنم ما يلقى‏ وَ يُسْقى‏ مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ أي من ماء بيانه أو صفته هذا. و الصديد ما يسيل من جلود أهل النار و اشتقاقه من الصد لأنه يصد الناظر عن رؤيته أو تناوله. و قيل: يخلق اللّه في جهنم ما يشبه الصديد في النتن و الغلظ و القذارة. يَتَجَرَّعُهُ‏ يتكلف جرعه‏ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ‏ أي لم يقارب الإساغة فضلا عن الإساغة قيل: ليس المراد بالإساغة مجرد حصول المشروب في الجوف لأن هذا المعنى حاصل لأهل النار بدليل قوله: يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ‏ [الحج: 20] و إنما المراد جريان المشروب في الحلق في الاستطابة و قبول النفس لا بالكراهية و التأذي. قلت: يحتمل أن يراد بالإساغة مجرد الحصول، و الآية- أعني قوله: و يصهر- لا تدل على الحصول لقوله قبله: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ‏ [الحج: 19]. وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ‏ من جسده حتى من إبهام رجله.

قيل: من أصل كل شعرة. و قيل: المراد أن موجبات الموت أحاطت به من جميع الجهات و مع ذلك فإنه لا يموت فيها و لا يحيا. ثم أخبر- و العياذ باللّه- أن العذاب في كل‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 183

وقت يفرض من الأوقات المستقبلة يكون أشد و أنكى مما قبله فقال: وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ عن الفضيل: هو قطع الأنفاس و حبسها في الأجساد. قال في الكشاف: يحتمل أن يكون أهل مكة استفتحوا أي استمطروا. و الفتح المطر في سني القحط التي سلطت عليهم بدعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يسقوا فذكر سبحانه ذلك، و أنه خيب رجاء كل جبار عنيد و أنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء أحرّ و هو صديد أهل النار. و على هذا التفسير يكون قوله:

وَ اسْتَفْتَحُوا كلاما مستأنفا منقطعا عن حديث الرسل و أممهم.

التأويل:

بسم اللّه أي باسم الذات و هو الاسم الأعظم ابتدأت بخلق عالم الدنيا.

إظهار الصفات الرحمانية التي هي للمبالغة لاشتراك الحيوان و الجماد و المؤمن و الكافر في الرحمة، و بخلق عالم الآخرة إظهار الصفة الرحيمية لاختصاصها بالمؤمنين خاصة. قوله:

الر أي بآلائي و بلطفي إن القرآن أنزلناه إليك لتخرج الناس بدلالة نوره من ظلمات عالم الطبيعة و الكثرة إلى نور عالم الروح و الوحدة. بِإِذْنِ رَبِّهِمْ‏ الذي يربيهم هو لا أنت.

و في قوله: إِلى‏ صِراطِ إشارة إلى أن القرآن هو طريق الوصول إلى من احتجب بحجب العزة و المحمدة و استتر بأستار مظاهر القهر و اللطف. و في الاختتام بقوله: اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ إشارة إلى أن من بقي في أفعاله و هي المكونات لم يصل إلى صفاته، و من بقي في صفاته لم يصل إلى ذاته، و من وصل إلى ذاته بالخروج عن أنانيته إلى هويته انتفع بصفاته و أفعاله. وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ‏ من شدة ألم الانقطاع عن اللّه.

ثم أخبر أن الكافر الحقيقي هو الذي قنع بالإيمان التقليدي فأقبل على الدنيا و أعرض عن المولى فضل و أضل. إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ‏ أي يتكلم معهم بلسان عقولهم. وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا بواسطة جبريل الجذبة مُوسى‏ القلب بآيات عصا الذكر و اليد البيضاء من الصدق و الإخلاص. أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ‏ و هم الروح و السر و الخفي من ظلمات الوجود المجازي إلى نور الوجود الحقيقي‏ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ‏ التي كان اللّه و لم يكن معه شي‏ء و هو بحبهم بلاهم‏ إِنَّ فِي ذلِكَ‏ التذكير لَآياتٍ‏ في نفي الوجود لِكُلِّ صَبَّارٍ* باللّه مع اللّه عن غير اللّه‏ شَكُورٍ لنعمة الوجود الحقيقي ببذل الوجود المجازي و لَئِنْ شَكَرْتُمْ‏ بالطاعة لَأَزِيدَنَّكُمْ‏ في تقربي إليكم، لأزيدنكم في محبتي لكم، و لئن شكرتم في محبتي لكم لأزيدنكم في الخدمة، و لئن شكرتم في الخدمة لأزيدنكم في الوصول، و لئن شكرتم في الوصول لأزيدنكم في التجلي، و لئن شكرتم في التجلي لأزيدنكم في الفناء عنكم، و لئن شكرتم في الفناء لأزيدنكم في البقاء، و لئن شكرتم في البقاء لأزيدنكم في الوحدة، وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ‏ نعمتي في المعاملات كلها إِنَّ عَذابِي‏ قطيعتي‏ لَشَدِيدٌ وَ قالَ‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 184

مُوسى‏ القلب‏ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ‏ أيها الروح و السر و الخفي بالإعراض عن الحق و الإقبال على الدنيا بتبعية النفس و من في أرض البشرية من النفس و الهوى و الطبيعة. يَدْعُوكُمْ‏ من المكونات إلى الملكوت‏ لِيَغْفِرَ لَكُمْ‏ بصفة الغفارية مِنْ ذُنُوبِكُمْ‏ التي أصابتكم من حجب عالم الخلق‏ وَ يُؤَخِّرَكُمْ‏ في التخلق بأخلاقه‏ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ هو وقت الفناء في الذات‏ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ‏ للتوكل مقامات: فتوكل المبتدئ قطع النظر عن الأسباب في طلب المرام ثقة بالمسبب، و توكل المتوسط قطع تعلق الأسباب بالمسبب، و توكل المنتهي قطع تعلق ما سوى اللّه و الاعتصام ببابه. لِمَنْ خافَ مَقامِي‏ و هو مقام الوصول إليّ فإن هذا مقام الأخص، و أما خوف الخواص فعن مقام الجنة، و خوف العوام عن مقام النار وَ خافَ وَعِيدِ القطعية و استنصر القلب و الروح من أمر اللّه على النفس و الهوى. مِنْ وَرائِهِ‏ أي قدام النفس في متابعة الهوى‏ جَهَنَّمُ‏ الصفات الذميمة وَ يُسْقى‏ مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ هو ما يتولد من الصفات و الأخلاق من الأفعال الرذيلة، يسقى منه صاحب النفس الأمارة يَتَجَرَّعُهُ‏ بالتكلف‏ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ‏ لأنه ليس من شربه‏ يَأْتِيهِ‏ أسباب‏ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ‏ من كل فعل مذموم‏ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ هو عذاب القطيعة و البعد و اللّه أعلم بالصواب.

[سورة إبراهيم (14): الآيات 18 الى 34]

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى‏ شَيْ‏ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَ ما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22)

وَ أُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27)

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ (29) وَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32)

وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ (33) وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 185

القراآت:

الرياح على الجمع: أبو جعفر و نافع. الباقون على التوحيد خالق السماوات و الأرض بلفظ اسم الفاعل: حمزة و علي و خلف. الباقون بلفظ الفعل.

سُبُلَنا بإسكان الباء حيث كان: أبو عمرو لِي عَلَيْكُمْ‏ بفتح الياء: حفص.

بِمُصْرِخِيَ‏ بكسر الياء: حمزة. الآخرون بالفتح. أشركتموني بالياء في الحالين:

سهل و يعقوب و ابن شنبوذ عن قنبل، وافق عمرو و يزيد و قتيبة و إسماعيل في الوصل‏ الْبَوارِ ممالة: أبو عمرو و علي. لِيُضِلُّوا بفتح الياء: ابن كثير و أبو عمرو و سهل و يعقوب. الباقون بضمها. لِعِبادِيَ الَّذِينَ‏ مرسلة: الياء: ابن عامر و حمزة و علي و يعقوب و الأعشى. الباقون بالفتح. مِنْ كُلِ‏ بالتنوين: يزيد و عباس. الباقون بالإضافة.

الوقوف:

عاصِفٍ‏ ط بناء على أن ما بعده مستأنف كأن سائلا سأل هل يقدرون من أعمالهم‏ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ ط الْبَعِيدُ ه‏ بِالْحَقِ‏ ط جَدِيدٍ ه لا لأن ما بعده يتم معنى الكلام‏ بِعَزِيزٍ ه‏ مِنْ شَيْ‏ءٍ ط لَهَدَيْناكُمْ‏ ط مَحِيصٍ‏ ه‏ فَأَخْلَفْتُكُمْ‏ ط فَاسْتَجَبْتُمْ لِي‏ ج لاختلاف الجملتين‏ أَنْفُسَكُمْ‏ ط لابتداء النفي‏ بِمُصْرِخِيَ‏ ط الحق أن من قال إن الابتداء بقوله: إِنِّي كَفَرْتُ‏ قبيح فجوابه أن الكفر بالإشراك واجب كالإيمان‏ مِنْ قَبْلُ‏ ط أَلِيمٌ‏ ه‏ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ‏ ط سَلامٌ‏ ه‏ فِي السَّماءِ ه لا رَبِّها ط يَتَذَكَّرُونَ‏ ه‏ مِنْ قَرارٍ ط وَ فِي الْآخِرَةِ ج لتكرار اسم اللّه تعالى في الفعلين مع أن كليهما مستقل بخلاف قوله: وَ يَفْعَلُ اللَّهُ‏ لأنه في المعنى بيان قوله:

وَ يُضِلُّ اللَّهُ‏ ما يَشاءُ ه‏ الْبَوارِ لا جَهَنَّمُ* ج لأن ما بعده يصلح استئنافا أو حالا من فاعل‏ أَحَلُّوا أو من مفعوله أو من كليهما يَصْلَوْنَها ط الْقَرارُ ه‏ عَنْ سَبِيلِهِ‏ ط إِلَى النَّارِ ه‏ وَ لا خِلالٌ‏ ه‏ رِزْقاً لَكُمْ‏ ط بِأَمْرِهِ‏ ج‏ الْأَنْهارَ ج‏ دائِبَيْنِ‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 186

ج‏ وَ النَّهارَ ج لحسن هذه الوقوف مع العطف لتفصيل النعم تنبيها على الشكر سَأَلْتُمُوهُ‏ ط لابتداء الشرط مع تمام الكلام‏ لا تُحْصُوها ط كَفَّارٌ ه.

التفسير:

لما ذكر في الآيات المتقدمة أنواع عذاب الكفار أراد أن يبين غاية حسرتهم و نهاية خيبتهم. فقال: مَثَلُ الَّذِينَ‏ و ارتفاعه عند سيبويه على الابتداء و الخبر محذوف أي فيما يتلى أو يقص عليكم مثلهم. و قوله: أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول: كيف مثلهم. و قال الفراء: المضاف محذوف أي مثل أعمال الذين كفروا. و إنما جاز حذفه استغناء بذكره ثانيا. و قيل: المثل صفة فيها غرابة فأخبر عنها بالجملة المراد صفة الذين كفروا أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ كقولك «صفة زيد عرضه مصون و ماله غير مخزون» و يجوز أن يكون‏ أَعْمالُهُمْ‏ بدلا و الخبر كَرَمادٍ وحده. و المراد بأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام و عتق الرقاب و فداء الأسارى و عقر الإبل للأضياف و إغاثة الملهوفين و إعانة المظلومين، شبهها في حبوطها- لبنائها على غير أساس التوحيد و الإيمان- برماد طيرته الريح في يوم عاصف. قال الزجاج: جعل العصف لليوم و هو لما فيه يعني الريح مجازا كقولك «يوم ماطر». قال الفراء: و إن شئت قلت في يوم ذي عصوف أو في يوم عاصف الريح فحذف لذكره مرة. و قيل: المراد من أعمالهم عباداتهم للأصنام. و وجه حسرتهم أنهم أتعبوا أبدانهم فيها دهرا طويلا. ثم لم ينتفعوا بذلك بل استضروا به. و قوله: مِمَّا كَسَبُوا عَلى‏ شَيْ‏ءٍ القياس عكسه كما في «البقرة» لأن «على» من صلة القدرة و لأن مما كسبوا صفة لشي‏ء و لكنه قدم في هذه السورة لأن الكسب- أعني العمل الذي ضرب له المثل- هو المقصود بالذكر و لهذا أشار إليه بقوله:

ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ أي عن الحق و الثواب. ثم كان لسائل أن يسأل: كيف يليق بحكمته إضاعة أفعال المكلفين؟ فقال: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ‏ مستتبعة للفوائد و الحكم دالة على وجود الصانع القدير، فحبوط الأعمال إنما يلزم من كفر المكلفين و كونها غير مبنية على قاعدة الإيمان و الإخلاص لا من أنه سبحانه يمكن أن يوجد في أفعاله عبث أو خلل أو سهو. ثم بين كمال قدرته و استغنائه عن الظلم و القبائح و عن عمل كل عامل فقال: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ‏ و قد مر مثله في سورة النساء. وَ ما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ بمتعذر لأنه قادر الذات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور. فإن قيل:

الغرض من الآية إظهار القدرة و زجر المكلفين عن المعصية و ذلك إنما يتم بقوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ‏ فما فائدة قوله: وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ و هل فيه دليل على أن الفياض لا يوجد بدون الفيض؟ قلنا: على تقدير تسليمه لا تنحصر الفائدة فيه بل لعل الفائدة هي‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 187

تأكيد التخويف فإن التألم من تصور العدم المجرد ليس كالتألم من تصور عدمه مع إقامة غيره مقامه، على أن الإذهاب لا يلزم منه الإعدام فيكون شبيها بعزل شخص و نصب غيره مقامه. و للحكيم أن يستدل بقوله: يُذْهِبْكُمْ‏ على أن مادة الجوهر لا تعدم و إنما تنعدم الصور و الأعراض. و الجواب أن الإذهاب هاهنا بمعنى الإعدام، و لو سلم فلا يلزم من عدم وقوع الإعدام هاهنا امتناعه في جميع الصور. و فيه أنه الحقيق بأن يخشى عقابه و يرجى ثوابه فلذلك أتبعه أحوال الآخرة فقال: وَ بَرَزُوا بلفظ الماضي تحقيقا للوقوع مثل‏ وَ سِيقَ‏ [الزمر: 73] وَ نادى‏ [الأعراف: 48] و التركيب يدل على الظهور بعد الخفاء و منه «امرأة برزة» إذا كانت تظهر للناس «و برز فلان على أقرانه» إذا فاقهم. و معنى برزوهم للّه و هو سبحانه لا يخفى عليه شي‏ء أنهم كانوا يستترون عن العيون عند ارتكاب الفواحش و يظنون أن ذلك خاف على اللّه. فإذا كان يوم القيامة انكشفوا للّه عند أنفسهم و علموا أن اللّه لا يخفى عليه خافية، أو المضاف محذوف أي برزوا لحساب اللّه و حكمه. قال أبو بكر الأصم: قوله: وَ بَرَزُوا لِلَّهِ‏ هو المراد من قوله: وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ و على قواعد الحكماء: النفس إذا فارقت الجسد زال الغطاء و كشف الوطاء و ظهرت عليه آثار الملكات و الهيئات التي كان يمنعها عن الشعور بها اشتغالها بعالم الحس فذلك هو البروز للّه، فإن كانوا من السعداء برزوا لموقف الجمال بصفاتهم القدسية و هيئاتهم النورية، فما أجل تلك الأحوال و يا طوبى لأهل النوال. و إن كانوا من الأشقياء برزوا لموقف الجلال بأوصافهم الذميمة و هيئاتهم المظلمة، فما أعظم تلك الفضيحة و ما أشنع تلك المهانة.

كتب الضعفواء بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو و مثله: علمواء بني إسرائيل [الشعراء: 197] و الضعفاء العوام و الأراذل، و الذين استكبروا سادتهم و أشرافهم الذين استنكفوا عن عبادته تعالى فضلوا و أضلوا. قال الفراء: أكثر أهل اللغة على أن التبع جمع تابع كخدم و خادم و حرس و حارس. و جوز الزجاج أن يكون التبع مصدرا أي ذوي أتباع إما في الكفر أو في الأمور الدنيوية فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ‏ هل يمكنكم دفع عذاب اللّه‏ عَنَّا و من في‏ مِنْ عَذابِ اللَّهِ‏ للتبيين و في‏ مِنْ شَيْ‏ءٍ للتبعيض. و المعنى هل تدفعون عنا بعض الشي‏ء الذي هو عذاب اللّه أو كلاهما للتبعيض بمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شي‏ء هو بعض عذاب اللّه‏ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ‏ . عن ابن عباس: لو أرشدنا اللّه لأرشدناكم. قال الواحدي: معناه أنهم إنما دعوهم إلى الضلال لأن اللّه أضلهم و لو هداهم لدعوهم إلى الهدى. و قال في الكشاف:

صفحه بعد