کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 318

شوائب الرياء. و قيل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا استيفاء الزيادة وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ‏ في ترك أصل الانتقام. فإن أردت أن أكون معك بالنصر و التأييد فكن من المتقين و من المحسنين، و فيه أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يجب أن يكون بالرفق و اللين مرتبة مرتبة. و قيل: الذين اتقوا إشارة إلى التعظيم لأمر اللّه، و الذين هم محسنون إشارة إلى الشفقة على خلق اللّه و منه قال بعض المشايخ: كمال الطريق صدق مع الحق و خلق مع الخلق. و احتضر هرم بن حبان فقيل له: أوص. فقال: إنما الوصية من المال و لا مال لي أوصيكم بخواتيم سورة النحل.

التأويل:

وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً إنه تعالى يعالج بدواء القرآن أمراض القلوب في كل وقت بنوع آخر على حسب ما يعلمه من المصالح فلذلك قال: وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ‏ وَ بُشْرى‏ لِلْمُسْلِمِينَ‏ الذين استسلموا للطبيب و معالجته حتى صارت قلوبهم سليمة. إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ففيه إنكار أن طب القلوب و علاجها من شأن البشر بنظر العقل لأنه مبني على معرفة الأمراض و كميتها و كيفيتها، و معرفة الأدوية و خواصها و كيفية استعمالها، و معرفة الأمزجة و اختلاف أحوالها، و أن القلوب بيد اللّه يقلبها هو كيف يشاء فيضيق عن معالجتها نطاق عقول البشر و لهذا قال إبراهيم صلى اللّه عليه و سلم: وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ‏ [الشعراء: 80] اللّهم إلا إذا علم بتعليم اللّه كقوله: وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ‏ [النساء: 113] و مع هذا كان يقول نحن نحكم بالظاهر يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ‏ هو الذي لا يفهم من كلام اللّه أسراره و حقائقه و العربي ضده كما قال: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ‏ [مريم: 97]. إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ‏ لأن الافتراء من شأن النفس الأمارة الكافرة التي لا تؤمن بآيات اللّه. وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ‏ أي هم الذين استمروا على الكذب لأن المؤمن قد يكذب في بعض الأحوال إلا أنه لا يصر على ذلك، و هكذا في جميع المعاصي و لهذا لا يخرج من الإيمان بالكلية و لكن ينقص الكذب إيمانه و يرجع بالتوبة إلى أصله.

قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «ما يزال العبد يكذب و يتحرى الكذب حتى يكتب عند اللّه كذابا» «1» .

مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ‏ إشارة إلى المريد المرتد بنسيم روائح نفحات الحق بمشام قلبه عند هبوبه، و اصطكاك أهوية عوالم الباطن، و انخراق سحب حجب البشرية فلمع له برق أضاءت به آفاق سماء القلب و أشرقت أرض‏

(1) رواه البخاري في كتاب الأدب باب: 69. مسلم في كتاب البر حديث: 102- 105. أبو داود في كتاب الأدب باب: 80. الترمذي في كتاب البر باب: 46. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب:

7. الدارمي في كتاب الرقاق باب: 7. أحمد في مسنده (1/ 384، 410)

.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 319

النفس، فآمن بحقية الطلب و احتمال التعب فاستوقد نار الشوق و المحبة، فلما أضاءت ما حوله و بذل في الاجتهاد جده و حوله هبت نكباء النكبات فصدئت مرآة قلبه، و ذهب اللّه بنوره و انخمدت نار الطلب و آل المشئوم إلى طبعه‏ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ‏ على مباشرة فعل أو قول يخالف الطريقة من معاملات أهل الطبيعة فيوافقهم فيها في الظاهر و يخالفهم بالباطن حتى يخلص من شؤم صحبتهم‏ اسْتَحَبُّوا اختاروا محبة الدنيا و شهواتها على محبة اللّه‏ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي‏ إلى حضرته‏ الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏ بنعمته‏ وَ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ‏ عما أعدّ اللّه لعباده الصالحين. هُمُ الْخاسِرُونَ‏ لأن الإغضاء عن العبودية يورث خسران القلوب عن مواهب الربوبية ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا نفوسهم و هواهم‏ مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا بمخالفة أوامر الحق و نواهيه‏ ثُمَّ جاهَدُوا النفوس بسيوف الرياضات‏ وَ صَبَرُوا على تزكيتها و تحليتها متمسكين بذيل إرادة الشيخ‏ يَوْمَ تَأْتِي‏ أرباب النفوس‏ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها على قدر بقاء وجودها دفعا لمضارّها و جذبا لمنافعها حتى إن كل نبي يقول نفسي نفسي إلا محمدا صلى اللّه عليه و سلم فإنه فان بالكلية عن نفسه باق ببقاء ربه فيقول: أمتي أمتي لأنه مغفور ذنب وجوده المتقدم في الدنيا و المتأخر في الآخرة بما فتح اللّه له ليلة المعراج إذ واجهه بخطاب «سلام عليك أيها النبي» ففني عن وجوده بالسلام و بقي بوجوده بالرحمة، فكان رحمة مهداة ببركاته إلى الناس كافة، و لكن رفع الذلة من تلك الضيافة وجب لمتابعيه فلهذا قال: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين. يعني الذين صلحوا لبذل الوجود في طلب المقصود قَرْيَةً هي قرية شخص الإنسان‏ كانَتْ آمِنَةً أي آهلة و هو الروح الإنساني‏ مُطْمَئِنَّةً بذكر اللّه‏ يَأْتِيها رِزْقُها من المواهب‏ مِنْ كُلِّ مَكانٍ‏ روحاني و جسماني‏ فَكَفَرَتْ‏ النفس الأمارة فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ‏ و هو انقطاع مواد التوفيق فأكلوا من جيفة الدنيا و ميتة المستلذات‏ وَ الْخَوْفِ‏ و هو خوف الانقطاع عن اللّه‏ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ‏ الوارد الرباني فما تخلقوا بأخلاقه‏ وَ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ‏ من أنوار الشريعة و أسرار الطريقة هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ‏ على عادة أهل الإباحة وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا أي تابوا حَرَّمْنا من موانع الوصول‏ ما قَصَصْنا عَلَيْكَ‏ في بدوّ نبوتك حتى كنت محترزا عن صحبة خديجة و تنحيت إلى حراء أسبوعا أو أسبوعين. وَ ما ظَلَمْناهُمْ‏ بتحريم ذلك عليهم بل أنعمنا به عليهم‏ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏ بالإعراض عنا بعد الإقبال علينا وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ ممن له شركة مع اللّه في الوجود اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ‏ في الظاهر حتى يتبعك هو في الباطن و لهذا ذهب إلى ربه ماشيا إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏ رَبِّي‏ [الصافات: 99] و أسري بمحمد راكبا سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ‏ [الإسراء: 1]

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 320

فهو خليل و أنت حبيب، اتبعت الخليل في الدنيا فيتبعك الخليل في الآخرة

«الناس محتاجون إلى شفاعتي يوم القيامة حتى إبراهيم عليه السلام».

وَ إِنْ عاقَبْتُمْ‏ النفس الأمارة فَعاقِبُوا أي بالغوا في عقابها بالفطام عن مألوفاتها بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ‏ من الانقطاع عن مواد التوفيق و المواهب. وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ‏ على معاقبتهم‏ لَهُوَ خَيْرٌ لأن عقاب الحبيب على قدر عقاب العدو و أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك. وَ اصْبِرْ على معاقبة النفس و مخالفة الهوى. وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ‏ لأن الصبر من صفات اللّه و لا يقدر أحد أن يتصف بصفاته إلا به بأن يتجلى بتلك الصفة له. وَ لا تَحْزَنْ‏ على النفس و جنودها عند المعاقبة فإن فيها صلاح حالهم و مآلهم. وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ‏ فإن مكرهم يندفع بمعونة اللّه عند الفرار إليه و اللّه أعلم.

تم الجزء الرابع عشر، و يليه الجزء الخامس عشر أوله تفسير سورة الإسراء

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 321

بسم اللّه الرحمن الرحيم الجزء الخامس عشر من أجزاء القرآن‏

(سورة بني إسرائيل‏

مكية إلا قوله و إن كادوا ليفتنونك إلى قوله و قل جاء الحق حروفها 6460 كلمها 1563 آياتها 111)

[سورة الإسراء (17): الآيات 1 الى 21]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) وَ قَضَيْنا إِلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4)

فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسى‏ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)

وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11) وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (12) وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)

مَنِ اهْتَدى‏ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16) وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَ كَفى‏ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى‏ لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)

كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 322

القراآت:

يتخذوا بياء الغيبة: أبو عمرو و عباس مخيرا. الباقون بتاء الخطاب‏ أَسَأْتُمْ‏ بالمد: أبو عمرو و يزيد الأصبهاني عن ورش و الأعشى و حمزة في الوقف.

ليسوء بياء الغيبة على التوحيد: ابن عامر و حمزة و أبو بكر و حماد و لنسوء بالنون:

علي. الباقون‏ لِيَسُوؤُا على الجمع‏ وَ يُبَشِّرُ مخففا: حمزة و علي. و يخرج بالياء مجهولا: يزيد و يخرج لازما: يعقوب الآخرون بالنون متعديا تلقاه مشددا: ابن عامر و يزيد، و روى النقاش عن ابن ذكوان بالإمالة. الباقون مخففة، و قرأ حمزة و علي و خلف بالإمالة اقْرَأْ كِتابَكَ‏ بغيرهم: الأعشى و أوقية و حمزة في الوقف: أمرنا من باب المفاعلة: يعقوب.

الوقوف:

آياتِنا ط الْبَصِيرُ ه‏ وَكِيلًا ط لمن قرأ تَتَّخِذُوا بتاء الخطاب لإمكان أن يجعل‏ ذُرِّيَّةَ منادى‏ نُوحٍ‏ ط شَكُوراً ه‏ كَبِيراً ه‏ الدِّيارِ ط مَفْعُولًا ه‏ نَفِيراً ه‏ فَلَها ط لأن ما بعد عائد إلى قوله‏ فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما مع اعتراض العوارض‏ تَتْبِيراً ه‏ يَرْحَمَكُمْ‏ ه للابتداء بالشرط مع العطف‏ عُدْنا ه حذرا من توهم العطف‏ حَصِيراً ه‏ كَبِيراً ه لا للعطف‏ أَلِيماً ه‏ بِالْخَيْرِ ط عَجُولًا ه‏ وَ الْحِسابَ‏ ، ط تَفْصِيلًا ه‏ عُنُقِهِ‏ ط مَنْشُوراً ه‏ كِتابَكَ‏ ط حَسِيباً ه ط للابتداء بعد بالشرط لِنَفْسِهِ‏ ج للشرط مع العطف‏ عَلَيْها ط أُخْرى‏ ط رَسُولًا ه‏ تَدْمِيراً ه‏ نُوحٍ‏ ط بَصِيراً ه‏ جَهَنَّمَ‏ ج لاحتمال ما بعده الحال و الاستئناف‏ مَدْحُوراً ه‏ مَشْكُوراً ه‏ عَطاءِ رَبِّكَ‏ ط مَحْظُوراً ه‏ بَعْضٍ‏ ط تَفْضِيلًا .

التفسير:

لما عزم على نبيه في خواتيم النحل جوامع مكارم الأخلاق حكى طرفا مما خصه به من المعجزات فقال: سُبْحانَ الَّذِي‏ و هو اسم علم للتسبيح و قد مر إعرابه في قوله: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا [البقرة: 32] و المراد تنزيه اللّه من كل ما لا يليق بجلاله و أَسْرى‏ و سرى لغتان.

يروى‏ أنه لما وصل النبي صلى اللّه عليه و سلم إلى المراتب العلية في معراجه أوحى اللّه إليه يا محمد: بم أشرّفك؟ فقال: يا رب تنسبني إلى نفسك بالعبودية. فأنزل فيه: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ‏

و قوله: لَيْلًا نصب على الظرف و فيه تأكيد الإسراء، و في تنكيره تقليل مدة الإسراء لأن التنكير فيه معنى البعضية،

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 323

أخبر أنه أسرى به في بعض الليل‏ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏

عن النبي صلى اللّه عليه و سلم: بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم و اليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق.

و قيل: المراد بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد و التباسه به. و عن ابن عباس: الحرم كله مسجد و إلى هذا القول ذهب الأكثرون. قالوا: إنه أسرى به من دار أم هاني‏ء بنت أبي طالب قبل الهجرة بسنة. و عن أنس و الحسن أنه كان قبل البعثة. إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى‏ هو بيت المقدس بالإتفاق سمي بالأقصى لبعد المسافة بينه و بين المسجد الحرام و لم يكن حينئذ وراءه مسجد. الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ‏ يريد بركات الدين و الدنيا لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى عليه السلام، و مهبط الوحي و هو محفوف بالأنهار الجارية و الأشجار المثمرة. و قوله: أَسْرى‏ مع قوله: بارَكْنا سلوك لطريقة الالتفات‏ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا بيان لحكمة الإسراء.

سؤال: أرى إبراهيم عليه السلام ملكوت السموات و الأرض، و أرى محمدا صلى اللّه عليه و سلم بعض آياته فيلزم أن يكون معراج إبراهيم أفضل؟

الجواب: لعل بعض الآيات المضافة إلى اللّه تعالى أشرف و أجل من ملكوت السموات و الأرض كلها و لهذا ختم الآية بقوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏ لأقوال محمد الْبَصِيرُ بأفعاله المهذبة الخالصة فيكرمه على حسب ذلك.

و اعلم أن الأكثرين من علماء الإسلام اتفقوا على أنه أسري بجسد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و الأقلون على أنه ما أسرى إلا بروحه. حكى محمد بن جرير الطبريّ في تفسيره عن حذيفة أنه قال: كان ذلك رؤيا و أنه ما فقد جسد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لكنه عرج بروحه. و حكى هذا القول عن عائشة أيضا. و قد احتج بعض العقلاء على هذا القول بوجوه منها: أن الحركة الجسمانية البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقولة: و منها أن صعوده إلى السموات يوجب انخراق الفلك. و منها أنه لو صح ذلك لكان من أعظم معجزاته فوجب أن يكون بمحضر من الجم الغفير حتى يستدلوا بذلك على صدقه، و ما الفائدة في إسرائه ليلا على حين غفلة من الناس. و منها أن الإنسان عبارة عن الروح وحده لأنه باق من أول عمره إلى آخره، و الأجزاء البدنية في التغير و الانتقال و الباقي مغاير للمتغير، و لأن الإنسان يدرك ذاته حين ما يكون غافلا عن جميع جوارحه و أعضائه.

و منها قوله سبحانه: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏ [الإسراء: 60] و ما تلك الرؤيا إلّا حديث المعراج. و إنما كانت فتنة للناس لأن كثيرا ممن آمن به حين سمعها

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏4، ص: 324

ارتد و كفر به. و منها أن حديث المعراج الجسماني اشتمل على أشياء بعيدة عن العقل كشق بطنه و تطهيره بماء زمزم و ركوب البراق و إيجاب خمسين صلاة، فإن ذلك يقتضي نسخ الحكم قبل حضور وقته، و أنه يوجب البداء.

أجاب الأكثرون عن الأول بأنه حركة الرسول صلى اللّه عليه و سلم من مكة إلى فوق الفلك الأعظم لم يكن إلّا نصف قطر الفلك، و نسبة نصف القطر إلى نصف الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة أمثال و سبع هي نصف حركة الفلك في يوم بليلته، و إذا كان الأكثر واقعا فالأقل بالإمكان أولى، و لو كان القول بمعراج محمد صلى اللّه عليه و سلم في ليلة واحدة ممتنعا لكان القول بنزول جبريل من العرش إلى مكة في لحظة واحدة ممتنعا، لأن الملائكة أيضا أجسام عند جمهور المسلمين، و كذا القول في حركات الجن و الشياطين و قد سخر اللّه تعالى لسليمان الريح غدوّها شهر و رواحها شهر، و قد قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ‏ [النمل: 40]. و كان عرش بلقيس في أقصى اليمن و سليمان في الشام. و على قول من يقول إن الإبصار بخروج الشعاع فإنما ينتقل شعاع العين من البصر إلى الكواكب الثابتة في آن واحد، فيثبت أن المعراج أمر ممكن في نفسه. أقصى ما في الباب الاستبعاد و خرق العادة و لكنه ليس مخصوصا بهذه الصورة و إنما ذلك أمر حاصل في جميع المعجزات. و عن الثاني أن انخراق الأفلاك عند حكماء الإسلام جائز. و عن الثالث أن فائدة الإسراء قد عادت إليه حيث شاهد العالم العلوي و العرش و الكرسي و ما فيها و عليها فحصل في قلبه زيادة قوة و طمأنينة، بها انقطعت تعلقاته عن الكونين و لم يبق مشغول القلب بشي‏ء من أمور الدنيا و الآخرة. و عن الرابع أن العبد عبارة عن مجموع الروح و الجسد. و عن الخامس أن تلك الرؤيا هي غير حكاية المعراج كما سيجي‏ء في تفسيره، و لو سلم أنها هي المعراج فالرؤيا بمعنى الرؤية.

و عن السادس أنه لا اعتراض على اللّه تعالى في شي‏ء من أفعاله و أنه على كل شي‏ء قدير.

و اعلم أنه ليس في الآية دلالة على العروج من بيت المقدس إلى السموات و إلى ما فوق العرش إلّا أنه ورد الحديث به. و منهم من استدل على ذلك بأول سورة النجم أو بقوله‏ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ‏ [الإنشقاق: 19] و تفسير هما مذكور في موضعه.

صفحه بعد