کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 84

و تفضيل على غيرها لأن الظاهر عود الضمير إليها فقط. و عن قتادة أن الصوامع للصابئين و البيع للنصارى و الصلوات لليهود. قال الزجاج: و هي بالعبرانية صلوتا. و قيل: الصوامع و البيع كلتاهما للنصارى و لكن الأولى في الصحراء و الأخرى في البلد، و إنما أخر متعبد أهل الإسلام لتأخر زمانهم و لا ضير فإن أول الفكر آخر العمل. و

قال صلى اللّه عليه و سلم‏ «نحن الآخرون السابقون» «1»

و تفسير الآية على قول الأكثرين لو لا دفع اللّه لهدم في شرع كل نبي المكان المعهود لهم في العبادة، فهدم في زمن موسى الكنائس، و في زمن عيسى الصوامع و البيع، و في زمن محمد صلى اللّه عليه و سلم المساجد. و على هذا الوجه إنما رفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف و النسخ، و يحتمل أن يراد لو لا ذلك لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان في زمن أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم من المسلمين و أهل الكتاب الذين في ذمتهم، و هدموا المتعبدات بأسرها. و على هذا الوجه إنما دفع عن سائر أهل الأديان لأن متعبداتهم يجري فيها ذكر اللّه في الجملة ليست بمنزلة بيوت الأصنام. ثم عزم على نفسه نصرة من ينصر دينه و أولياؤه و أكد ذلك بقوله‏ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ و معنى القوة و العزة أنه لا يمتنع شي‏ء من نفاذ أمره فيه مع أنه لا يتأثر عن شي‏ء أصلا. و نصرة اللّه العبد تقويته على أعدائه و وضع الدلائل على ما يفيده في الدارين و نفث روح القدس بأمره داعية الخير و الصلاح في روعه. ثم أتبع قوله الذين أخرجوا قوله. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ‏ و قيل: هو بدل من قوله‏ مَنْ يَنْصُرُهُ‏ و هو إخبار منه عز و جل عما ستكون عليه سيرة المهاجرين إذا مكنهم في الأرض و بسط لهم الدنيا. و عن عثمان: هذا و اللّه ثناء قبل بلاء، أراد أن اللّه تعالى قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا في شأن الدين و إعلائه ما أحدثوا. قيل: إنه مخصوص من المهاجرين بالخلفاء الراشدين لأنه تعالى لم يعط التمكين و نفاذ الأمر مع السيرة العادلة غيرهم. و عن الحسن أنهم أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم. و على هذا فتمكينهم هو إبقاؤهم إلى أوان التكليف، و قد يشمل الأطفال أيضا إذا ماتوا قبل البلوغ لقوله اللّه أعلم بما كانوا عاملين. ثم ختم الآية بقوله‏ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ أي مرجعها و مصيرها إلى حكمه و تقديره و قد أراد تمكين أهل هذا الدين في كل حين فيقع لا محالة.

التأويل:

وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ القلب سواء فيه من سبق إليه مدة طويلة و الذي يصل إليه في الحال لأفضل إلا بسبق مقامات القلب و منازله‏ وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ‏ الروح مكان بيت القلب‏ وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ‏ عن غيري و هو كل ما فيه حظ النفس دون‏

(1) رواه البخاري في كتاب الوضوء باب 68. مسلم في كتاب الجمعة حديث 19، 21. النسائي في كتاب الجمعة باب 1. الدارمي في كتاب المقدمة باب 8.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 85

الواردات المطيفة و الأخلاق الثابتة و الأحوال المتوالية كالرغبة و الرهبة و القبض و البسط و الأنس و الهيبة رِجالًا هي النفس و صفاتها وَ عَلى‏ كُلِّ ضامِرٍ هي البدن و جوارحه فإن الأعمال الشرعية قد ركبت الجوارح المرتاضة، فأعمال البدن مركبة من حركات الجوارح و نيات الضمير كما أن أعمال النفس بسيطة. لأنها نيات الضمير فقط مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ‏ هو مصالح الدنيا لأن مصالحها بعيدة عن مصالح الآخرة لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ‏ فمنافع النفس و صفاتها بتبديل الأخلاق، و منافع القلب و الجوارح بظهور أثر الطاعة عليها وَ يَذْكُرُوا أي القلب و النفس و القالب شكرا عَلى‏ ما رَزَقَهُمْ مِنْ‏ تبديل الصفات البهيمية بالصفات الروحانية فانتفعوا بها و أفيضوا منها على الطالبين فهو خير لأن العبد يصل بالطاعة إلى الجنة و يصل بحرمة الطاعة إلى اللّه، و ترك الخدمة يوجب العقوبة و ترك الحرمة يوجب الفرقة. وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ‏ استعمال الصفات البهيمية بقدر الضرورة إِلَّا ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ‏ في قولنا وَ لا تُسْرِفُوا [الأعراف: 31] و

في قول النبي صلى اللّه عليه و سلم‏ «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»

فَاجْتَنِبُوا مقتضيات الهوى و كونوا صادقين في الطلب لا مزورين مائلين إلى الحق غير طالبين معه غيره، و خر من سماء القلب فاستلبه طير الشياطين أو تهوي به ريح الهوى و الخذلان إلى أسفل سافلين البعد و الحرمان. لكم في شواهد آثار صنع الإرشاد منافع و هي لذة العبور على المقامات و لذة البسط و لذة الأنس إلى أجل مسمى و هو حد الكمال، ثم انتهاء السلوك إلى حضرة القديم. و لكل سالك جعلنا مقصدا و طريقا، منهم من يطلب اللّه من طريق المعاملات، و منهم من يطلبه من طريق المجاهدات، و منهم من يطلبه بطريق المعارف، و منهم من يطلبه به. فَلَهُ أَسْلِمُوا أي أخلصوا و الإخلاص تصفية الأعمال من الآفات، ثم الأخلاق من الكدورات، ثم الأحوال من الالتفات، ثم الأنفاس من الأغيار وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ‏ عنى المستقيمين على هذه الطريقة. وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ‏ الوجل عند الذكر على حسب تجلي الحق للقلب. وَ الصَّابِرِينَ عَلى‏ ما أَصابَهُمْ‏ من غير تمني ترحة و لا روم فرحة وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ الحافظين مع اللّه أسرارهم لا يطلبون إطلاع الخلق على أحوالهم‏ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ‏ يبذلون الموجود في طلب المقصود و الوجود بشهود المعبود وَ الْبُدْنَ‏ يعني بدن الأبدان الجسام جعلنا قربانها عند كعبة القلب بذبحها عن شهواتها من شعائر أهل الصدق في الطلب، فإذا ماتت عن طبيعتها فانتفعوا بها أنتم و غيركم من الطالبين و القانعين بما أفضتم عليه، و المعترين المتعطشين الذين لا يروون ريا من ماء حياة المعرفة

شربت الحب كأسا بعد كأس‏

فما نفد الشراب و ما رويت‏

كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ‏ فيه أن ذبح النفس بسكين الرياضة لا يتيسر إلا بتسخير خالقها

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 86

و تيسير موجدها يؤكده قوله‏ إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ‏ خيانة النفس و هواها عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ‏ فيه أن قتال النفس يجب أن يكون بإذن من اللّه تعالى و هو أن يكون على وفق الشرع و في أوان التكليف و على حسب ظلم النفس على القلب و إخراجها إياه من ديار الطمأنينة وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ‏ النفوس بالقلوب لضيعت صوامع أركان الشريعة، و بيع آداب الطريقة، و صلوات مقامات الحقيقة، و مساجد القلوب التي‏ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً لاتساعها بإشراق نور اللّه عليها إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ‏ البشرية أَقامُوا صلاة المواصلة و أتوا زكاة الأحوال و هي إيثار ربع عشر الأوقات على مصالح الخلق، و أمروا بحفظ الحواس عن مخالفات الأمر و بمراعاة الأنفاس مع اللّه، و نهوا عن مناكير الرياء و الإعجاب و إلى اللّه عاقبة الأمور.

[سورة الحج (22): الآيات 42 الى 64]

وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ (42) وَ قَوْمُ إِبْراهِيمَ وَ قَوْمُ لُوطٍ (43) وَ أَصْحابُ مَدْيَنَ وَ كُذِّبَ مُوسى‏ فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)

وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَ هِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51)

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 87

القراآت:

نكيري بإثبات الياء حيث كان في الحالين: يعقوب. وافق ورش و سهل و عباس في الوصل. أهلكتها على التوحيد: أبو عمرو و سهل و يعقوب الآخرون‏ أَهْلَكْناها و بير بالياء: أبو عمرو غير شجاع و أوقية و يزيد و الأعشى و ورش و ربيعة و ابن فليح و حمزة في الوقف. يعدون على الغيبة: ابن كثير و حمزة و علي و خلف معجزين بالتشديد: حيث كان: ابن كثير و أبو عمرو. ثم قتلوا بالتشديد ابن عامر وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ‏ بياء الغيبة و كذلك في سورة لقمان: أبو عمرو و سهل و يعقوب و حمزة و علي و خلف و حفص.

الوقوف:

وَ ثَمُودُ ه و لُوطٍ ه‏ مَدْيَنَ‏ ج لانقطاع النظم مع اتحاد المعنى‏ أَخَذْتُهُمْ‏ ج لابتداء التهديد مع فاء التعقيب‏ نَكِيرِ ه‏ مَشِيدٍ ه‏ يَسْمَعُونَ بِها ه للابتداء بأن مع الفاء الصُّدُورِ ه‏ وَعْدَهُ‏ ط تَعُدُّونَ‏ ه‏ أَخَذْتُها ط الْمَصِيرُ ه‏ مُبِينٌ‏ ه ج للابتداء مع الفاء كَرِيمٌ‏ ه‏ الْجَحِيمِ‏ ه‏ أُمْنِيَّتِهِ‏ ج لانقطاع النظم مع اتحاد المعنى‏ آياتِهِ‏ ط حَكِيمٌ‏ ه لا لتعلق اللام‏ قُلُوبِهِمْ‏ ط بَعِيدٍ ه لا قُلُوبُهُمْ‏ ط مُسْتَقِيمٍ‏ ه‏ عَقِيمٍ‏ ه‏ لِلَّهِ‏ ط بَيْنَهُمْ‏ ط النَّعِيمِ‏ ه‏ مُهِينٌ‏ ه‏ حَسَناً ط الرَّازِقِينَ‏ ه‏ يَرْضَوْنَهُ‏ ط حَلِيمٌ‏ ه‏ ذلِكَ‏ ج‏ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ‏ ط غَفُورٌ ه‏ بَصِيرٌ ه‏ الْكَبِيرُ ه‏ ماءً ز لنوع عدول مع العطف‏ مُخْضَرَّةً ط خَبِيرٌ ه‏ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ ط الْحَمِيدُ ه.

التفسير:

إنه سبحانه بعد ضمان النصر لنبيه صلى اللّه عليه و سلم و الدفع عن أمته ذكر ما فيه تسليته و هو أنه ليس بأوحدي في التكذيب له و القصص معلومة مما سلف. قال جار اللّه: إنما لم يقل «و قوم موسى» لأن موسى كذبه غير بني إسرائيل و هم القبط، أو المراد و كذب موسى أيضا مع وضوح آياته و عظم معجزاته فما ظنك بغيره؟ و النكير بمعنى الإنكار عبر به عن الهلاك‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 88

المعجل لأنه يستلزمه أو لأن الهلاك رادع لغيرهم فكأنه أنكر به عليهم حتى ارتدعوا، أو هو بمعنى التغيير لأنه أبدلهم بالنعمة محنة و بالحياة هلاكا و بالعمارة خرابا. قوله‏ وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ الأولى في محل النصب على أنها حال، و الثانية لا محل لها لأنها معطوفة على‏ أَهْلَكْناها و هذه ليس لها محل. قال أبو مسلم: أراد هي كانت ظالمة فهي الآن خاوية على عروشها و قد مر تفسيرها في البقرة في قوله‏ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى‏ قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ [الآية: 159] قوله‏ وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ عطف على‏ قَرْيَةٍ أي و كم بئر عطلناها عن سقائها مع أنها عامرة فيها الماء و معها آلات الاستقاء، و كم قصر مشيد مجصص أو مرتفع أخليناه عن ساكنيه؟ فحذف هذه الجملة لدلالة معطلة عليها. و قد يغلب على الظن من هاتين القرينتين أن «على» في قوله‏ عَلى‏ عُرُوشِها بمعنى «مع» كأنه قيل: هي خاوية أي ساقطة أو خالية مع بقاء عروشها قاله في الكشاف. و أقول: إذا كانت القرى المهلكة غير البئر و القصر فهذا الظن مرجوح أو مساو لا غالب. يروى أنها بئر نزل عليها صالح مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به و نجاهم اللّه من العذاب و هي بحضرموت، سميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات و سميت بلدة عند البئر اسمها حاضوراء بناها قوم صالح و أقاموا بها زمانا ثم كفروا و عبدوا صنما و أرسل اللّه إليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه فأهلكهم اللّه و عطل بئرهم و خرب قصورهم. يحكى أن الإمام أبا القاسم الأنصاري قال: هذا عجيب لأني زرت قبر صالح بالشام ببلدة يقال لها عكة فكيف قيل: إنه بحضرموت؟ قلت: لا غرو أن يتفق الموت بأرض و الدفن بأرض أخرى. ثم أنكر على أهل مكة عدم اعتبارهم بهذه الآثار قائلا أَ فَلَمْ يَسِيرُوا حثهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا. و يحتمل أن يكونوا قد سافروا و لم يعتبروا فلهذا جاء الإنكار كقوله‏ وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ [الصافات: 137، 138] و المراد بالسماع سماع تدبر و انتفاع و إلا كان كلا سماع كما أن المراد بالإبصار إبصار الاعتبار و لهذا قال‏ فَإِنَّها أي إن القصة لا تَعْمَى الْأَبْصارُ أي أبصارهم‏ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ و في هذا التصور زيادة التمكين و التقرير لغرابة نسبة العمى إلى القلب، و جوز في الكشاف أن يكون الضمير في‏ فَإِنَّها ضميرا مبهما يفسره الأبصار و فاعل‏ تَعْمَى‏ ضمير عائد إلى الضمير الأول المبهم.

و المعنى على الوجهين أن أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها و إنما العمى بقلوبهم، أو لا تعتدوا بعمى الأبصار و إن فرض لأنه ليس بعمى بالإضافة إلى عمى القلوب. و زعم بعضهم أن في الآية إبطالا لقول من جعل محل الكفر الدماغ و ليس بقوي فقد يتشاركان في ذلك، أو يكون سلطانه في القلب و الدماغ كالآلة.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 89

ثم حكي من عظيم ما هم عليه من التكذيب أنهم يستهزؤن باستعجال العذاب العاجل و الآجل كأنهم جوزوا الفوت فلهذا قال‏ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ‏ أو لعلهم طلبوا عذاب الآخرة فذكر أن استعجاله في الدنيا كالخلف لأن موعده الآخرة وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ قال أبو مسلم: أراد أن العاقل لا ينبغي أن يستعجل عذاب الآخرة لأن يوما واحدا من أيام عذاب اللّه في الشدة كألف سنة من سنينكم لأن أيام الشدائد مستطالة، أو كألف سنة من سني العذاب إذا عدها العاد و ذلك لشدة العذاب أيضا. و قيل: أراد أن اليوم الواحد و ألف سنة بالنسبة إليه على السواء لأنه القادر الذي لا يعجزه شي‏ء، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم فلا يستبعدوا أيضا إمهال ألف سنة. و قد يدور في الخلد أن هذا إشارة إلى لا تناهي طرف الأبد المستتبع لازدياد امتداد الآحاد الاعتبارية لأجل سهولة الضبط، و الغرض أن من كانت أيامه في الطول إلى هذا الحد لا يفيد الاستعجال بالنسبة إليه شيئا فالأولى بل الواجب تفويض الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها من غير تقدم و لا تأخر ثم كرر قوله‏ وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ و ليس بتكرار في الحقيقة لأن الأول سيق لبيان الإهلاك مناسبا لقوله‏ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ و لهذا عطف بالفاء بدلا عتن ذلك، و الثاني سيق لبيان الإملاء مناسبا لقوله‏ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ فكأنه قيل: و كم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حينا ثم أخذتهم بالعذاب و المرجع للكل إلى حكمي. ثم أمر رسوله بأن يتلو عليهم جملة حاله في الرسالة و هي أنه نذير مبين و جملة حالهم في باب التكليف مآلا، و إنما اقتصر على النذارة لأنها تتضمن البشارة فإن كلام الحكيم لا يخلو عن ترغيب و إن كان مبنيا على الترهيب بدليل‏ يا أَيُّهَا النَّاسُ‏ و هو نداء للكفرة في قول ابن عباس. قال في الكشاف: هم الذين قيل فيهم‏ أَ فَلَمْ يَسِيرُوا و وصفوا بالاستعجال، و إنما أقحم المؤمنون و ثوابهم ليغاظوا. قالت الأشاعرة: المغفرة إما للصغائر أو للكبائر بعد التوبة أو قبلها. و الأولان واجبان عند الخصم و أداء الواجب لا يسمى غفرانا فبقي الثالث و يلزم منه عفو صاحب الكبيرة من أهل القبلة، أما الرزق فلا شك أنه الثواب، و أما الكريم فإما أن يكون أمرا سلبيا و هو أن يكون الإنسان معه بحيث يستغنى عن المكاسب و تحمل المتاعب و الذل و الدناءة و ما ينجر إلى المآثم و المظالم، و إما أن يكون ثبوتيا و هو أن يكون رزقا كثيرا دائما خالصا عن شوائب الضرر مقرونا بالتعظيم و الإجلال‏ وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا أي بذلوا جهدهم في تكذيبها و إرادة إبطالها كمن يسعى سعيا أي يمشي مشيا سريعا. قال أهل اللغة: عاجزه سابقه لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل أعجزه و عجزه. و المراد معاجزين اللّه و رسوله أي مقدرين ذلك ظنا منهم أن كيدهم للإسلام يتم لهم، و أن طعنهم في القرآن و تثبيطهم الناس عن التصديق يبلغ بهم غرضهم.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 90

ثم بين أن له أسوة بالأنبياء السالفة و الرسل السابقة في كل ما يأتي و يذر فقال‏ وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍ‏ خصص أولا ثم عمم، فكل رسول نبي و ليس كل نبي رسولا، فقد لا يكون معه كتاب بل يؤمر بأن يدعو إلى شريعة من قبله، و قد لا ينزل عليه الملك ظاهرا و إنما يرى الوحي في المنام أو يخبره بذلك رسول في عصره، و لا بد للكل من المعجزة.

عن النبي صلى اللّه عليه و سلم‏ أنه سئل عن الأنبياء فقال: مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا قيل: فكم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة و ثلاثة عشر جما غفيرا.

قال عامة المفسرين في سبب نزول الآية: أنه صلى اللّه عليه و سلم لما شق عليه إعراض قومه عنه تمنى في نفسه أن لا ينزل عليه شي‏ء ينفرهم عنه لحرصه على إيمانهم. و كان ذات يوم جالسا في ناد من أنديتهم و قد نزل عليه سورة وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏ [النجم: 1] فأخذ يقرؤها عليهم حتى بلغ قوله‏ أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى‏ [النجم: 19- 20] و كان ذلك التمني في نفسه فجرى على لسانه «تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى» فلما سمعت قريش ذلك فرحوا و مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين و المشركين، فتفرقت قريش مسرورين و قالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر فأتاه جبرائيل و قال: ما صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن اللّه، فحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و خاف خوفا شديدا فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

و اعترض المحققون على هذه الرواية بالقرآن و السنة و بالمعقول. أما القرآن فكقوله‏ وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ‏ [الحاقة: 44- 46] و قوله‏ وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ [النجم: 3] و قوله‏ وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ‏ [الإسراء: 74] نفى القرب من الركون فكيف به؟ و أما السنة فهي ما روي عن ابن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة، و قد صنف فيه كتابا و قال الإمام أبوبكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. و

قد روى البخاري في صحيحه‏ أنه صلى اللّه عليه و سلم قرأ سورة النجم و سجد فيها المسلمون و المشركون الإنس و الجن و ليس فيه حديث الغرانيق.

صفحه بعد