کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 281

القصة الخامسة قصة صالح. قال جار اللّه: الهمزة في‏ أَ تُتْرَكُونَ‏ يجوز أن تكون للإنكار أي لا تتركون مخلدين في الأمن و الراحة و لكل نعمة زوال، و يجوز أن تكون للتقرير أي قد تركتم في أسباب الأمن و الفراغ، أجمل أولا بقوله‏ فِي ما هاهُنا أي في الذي استقر في هذا المكان من النعيم، ثم فسره بقوله‏ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ‏ و ذكر النخل بعد ذكر الجنات إما تخصيص للجنات بغير النخل، و إما تخصيص للنخل بالذكر تنبيها على فضله و مزيته.

و طلع النخلة ما يبدو منها كنصل السيف و قد مر في «الأنعام». و الهضيم اللطيف الضامر من قولهم «كشح هضيم» أراد أنه وهب لهم أجود النخل و ألطفه كالبرني مثلا. و قيل: وصف نخيلهم بالحمل الكثير فإنه إذا كثر الحمل هضم أي لطف. و قيل: الهضيم اللين النضيج كأنه قال: و نخل قد أرطب ثمره. و الفراهة الكيس و النشاط و منه «خيل فرهة» و فارِهِينَ‏ حال من الناحتين. قال علماء المعاني: جعل الأمر مطاعا مجاز حكمي و إنما المطاع بالحقيقة هو الآمر. و في قوله‏ وَ لا يُصْلِحُونَ‏ إشارة إلى أن إفسادهم في الأرض غير مقترن بالإصلاح رأسا. و المسحر الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله. و قيل: هو من السحر الرئة. أرادوا أنه بشر ذو سحر و هو ضعيف لأنه يلزم التكرار بقوله: ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا إلا أن يقال: إنه بيان. و الشرب النصيب من الماء كالسقي للحظ من السقي. و قرى‏ء بالضم عن قتادة إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله و لهم شرب يوم لا تشرب فيه الماء. سؤال:

لم أخذهم العذاب و قد ندموا و الندم توبة؟ جوابه كان ندمهم ندم خوف من العقاب العاجل أو ندموا ندم توبة في غير أوانها و ذلك عند عيان العذاب. و قيل: ندموا على ترك عقر ولدها و فيه بعد. و اللام في العذاب إشارة إلى عذاب يوم عظيم.

القصة السادسة: قصة لوط: أنكر على قومه إتيانهم الذكور من الناس لا الإناث على كثرتهن، أو أنكر عليهم كونهم مختصين من العالمين بهذه الفاحشة. فقوله: مِنَ الْعالَمِينَ‏ يعود على الأول إلى المأتي، و على الثاني إلى الآتي. و العالمون على هذا كل ما ينكح من الحيوان و لا شي‏ء من الحيوان يرتكب هذه الفعلة إلا الإنسان. قوله‏ مِنْ أَزْواجِكُمْ‏ إما بيان لما خلق و إما للتبعيض فيراد بما خلق العضو المباح منهن فلعلهم كانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم. و العادي المتجاوز الحد في ظلم أي‏ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ‏ في جميع المعاصي و هذه واحدة منها، أو بل أنتم قوم أحقاء بأن تنسبوا إلى العدوان حيث فعلتم هذه الجريمة العظيمة. قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ عن نهينا لَتَكُونَنَ‏ من جملة من أخرجناه من بلدنا و لعلهم كانوا يطردون من خالف أراد أنه كامل في قلاهم عصبية للدين، أو أنه معدود في زمرة مبغضيهم كما تقول: فلان من العلماء. فيكون أبلغ من قولك «هو

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 282

عالم». ثم طلب النجاة من عقوبة عملهم أو سأل العصمة عن مثل عملهم و لقد عصمهم اللّه‏ إِلَّا عَجُوزاً رضيت بفعلهم و أعانت على ذلك و كانت من أهله بحق الزواج و إن لم تشاركهم في الإيمان. و معنى‏ فِي الْغابِرِينَ‏ إلا عجوزا مقدرا غبورها أي بقاؤها في الهلاك. و اللام في‏ الْمُنْذَرِينَ‏ للجنس لتصلح الفاء علة فعل الذم و المخصوص محذوف أي ساء مطر جنس المنذرين مطر أولئك المعهودين و اللّه أعلم.

[سورة الشعراء (26): الآيات 176 الى 227]

كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ (179) وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى‏ رَبِّ الْعالَمِينَ (180)

أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185)

وَ ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَ إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190)

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى‏ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)

وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197) وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى‏ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)

لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205)

ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى‏ وَ ما كُنَّا ظالِمِينَ (209) وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210)

وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ وَ ما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)

فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى‏ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى‏ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225)

وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 283

القراآت:

ليكة بلام مفتوحة بعدها ياء ساكنة و بفتح التاء على أنها ممتنعة من الصرف للعلمية و التأنيث، و كذلك في «صاد»: أبو جعفر و نافع و ابن كثير و ابن عامر.

الآخرون‏ الْأَيْكَةِ معروفا مجرورا. كِسَفاً بفتح السين: حفص غير الخزاز. الآخرون بسكونها رَبِّي أَعْلَمُ‏ بفتح الياء: نافع و أبو جعفر و ابن كثير و أبو عمرو و نَزَلَ بِهِ‏ مخففا الرُّوحُ الْأَمِينُ‏ مرفوعين: أبو جعفر و نافع و ابن كثير و أبو عمرو و حفص و أبو زيد عن المفضل و زيد عن يعقوب. الباقون نزل مشددا الرُّوحُ الْأَمِينُ‏ منصوبين أ و لم تكن بتاء التأنيث آية بالرفع: ابن عامر. الباقون بالياء التحتانية. آيَةً بالنصب: فتوكل بالفاء: أبو جعفر و نافع و ابن عامر. الباقون بالواو مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ‏ بتشديد التاء و كذلك تنزل البزي و ابن فليح يتبعهم بالتخفيف: نافع وادي بالياء في الوقف:

يعقوب و السرنديبي عن قنبل و قرأ قتيبة بالإمالة.

الوقوف:

الْمُرْسَلِينَ‏ ج ه‏ تَتَّقُونَ‏ ه‏ أَمِينٌ‏ ه لا وَ أَطِيعُونِ‏ ه ج‏ أَجْرٍ ج‏ الْعالَمِينَ‏ ه ط الْمُخْسِرِينَ‏ ج ه‏ الْمُسْتَقِيمِ‏ ج ه‏ مُفْسِدِينَ‏ ج ه‏ الْأَوَّلِينَ‏ ه ط الْمُسَحَّرِينَ‏ ه لا الْكاذِبِينَ‏ ه ج نصف آي القرآن‏ الصَّادِقِينَ‏ ه ط تَعْمَلُونَ‏ ه‏ الظُّلَّةِ ط عَظِيمٍ‏ ه‏ لَآيَةً ط مُؤْمِنِينَ‏ ه‏ الرَّحِيمُ‏ ه‏ الْعالَمِينَ‏ ه‏ الْأَمِينُ‏ ه لا الْمُنْذِرِينَ‏ ه لا مُبِينٍ‏ ه‏ الْأَوَّلِينَ‏ ه‏ إِسْرائِيلَ‏ ط ه‏ الْأَعْجَمِينَ‏ ه لا مُؤْمِنِينَ‏ ه ط الْمُجْرِمِينَ‏ ه ط بناء على أن‏ لا يُؤْمِنُونَ‏ مستأنف للبيان و لو جعل حالا فلا وقف‏ الْأَلِيمَ‏ ه لا لا يَشْعُرُونَ‏ ه لا مُنْظَرُونَ‏ ه ط يَسْتَعْجِلُونَ‏ ه‏ سِنِينَ‏ ه لا للعطف‏ يُوعَدُونَ‏ ه لا لأن قوله‏ ما أَغْنى‏ جملة نفي أو استفهام قامت مقام الشرط يُمَتَّعُونَ‏ ه ط مُنْذِرُونَ‏ ه و قد يوقف عليها بناء على أن‏ ذِكْرى‏ ليس بمفعول له و المراد ذكرناهم و الوقف على‏ ذِكْرى‏ جائز ظالِمِينَ‏ ه‏ الشَّياطِينُ‏ ه‏ يَسْتَطِيعُونَ‏ ه ط لَمَعْزُولُونَ‏ ه ط الْمُعَذَّبِينَ‏ ج ه‏ الْأَقْرَبِينَ‏ ج ه للعطف‏ الْمُؤْمِنِينَ‏ ه‏ تَعْمَلُونَ‏ ه ج‏ الرَّحِيمِ‏ ه لا تَقُومُ‏ ه لا السَّاجِدِينَ‏ ه‏ الْعَلِيمُ‏ ه‏ الشَّياطِينُ‏ ه ط لانتهاء الاستفهام إلى الأخبار أَثِيمٍ‏ ج ه بناء على أن‏ يُلْقُونَ‏ حال من ضمير الشَّياطِينُ‏ أي تنزل ملقين السمع أو صفة ل كُلِّ أَفَّاكٍ‏ و إن جعل مستأنفا كأن قائلا قال: لم تنزل؟ فقيل: يفعلون كيت و كيت فلك الوقف. كاذِبُونَ‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 284

ه ط الْغاوُونَ‏ ه ط يَهِيمُونَ‏ ه لا لا يَفْعَلُونَ‏ ه‏ ظُلِمُوا ط يَنْقَلِبُونَ‏ ه.

التفسير:

القصة السابعة قصة شعيب و أنه كان أخا مدين دون أصحاب الأيكة و لهذا لم يقل «أخوهم شعيب».

يروى‏ أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف و كان شجرهم الدوم و هي التي حملها المقل.

قال في الكشاف: قرى‏ء أصحاب ليكة بتخفيف الهمزة و بالجر على الإضافة و هو الوجه، و من قرأ بالنصب و زعم أن ليكة بوزن ليلة اسم بلد فتوهم قاد إليه خط المصحف في هذه السورة و في سورة ص، ثم اعترض عليه بأن ليكة اسم لا يعرف. قلت: إنه لا يلزم من عدم العلم بالشي‏ء عدم ذلك الشي‏ء، و الظن بالمتواتر يجب أن يكون أحسن من ذلك. أمرهم شعيب بإيفاء الكيل و نهاهم عن الإخسار و هو التطفيف و أن يجعل الشخص خاسرا فكأنه أمره بالإيفاء مرتين توكيدا ثم زاد في البيان بقوله. وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ‏ و قد مر في سورة سبحان. قال في الكشاف: إن كان من القسط و هو العدل و جعلت السين مكررة فوزنه «فعلاس» و إلا فهو رباعي. قلت: إن كان مكررا فوزنه «فعلال» أيضا. و قوله‏ وَ لا تَبْخَسُوا تأكيدا آخر و قد سبق في «هود». و الجبلة الخليقة حذرهم اللّه الذي تفضل عليهم بخلقهم و خلق من تقدمهم ممن لو لا خلقهم لما كانوا مخلوقين. قال في الكشاف: الفرق بين إدخال الواو هاهنا في قوله‏ وَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ و بين تركها في قصة ثمود هو أنه قصد هاهنا معنيان منافيان عندهم للرسالة: كونه مسحرا و كونه بشرا و هناك جعل المعنى الثاني مقررا للأول. قلت: الفرق بين و الإشكال في تخصيص كل من القصتين بما خصت به، و لعل السبب فيه هو أن صالحا قلل في الخطاب فقللوا في الجواب، و أكثر شعيب في الخطاب و لهذا قيل له خطيب الأنبياء فأكثروا في الجواب. «و إن» في قولهم‏ وَ إِنْ نَظُنُّكَ‏ هي المخففة من الثقيلة عملت في ضمير شأن مقدر. و اللام في قوله‏ لَمِنَ الْكاذِبِينَ‏ هي الفارقة. و الكسف بالسكون و الحركة جمع كسفة و هي القطعة و قد مر في سبحان في اقتراحات قريش. و المعنى إن كنت صادقا في دعوة النبوة فادع اللّه أن يسقط علينا قطع السماء. و إنما طلبوا ذلك لاستبعادهم وقوعه فأرادوا بذلك إظهار كذبه فحلم عنهم شعيب و لم يدع عليهم بل فوض الأمر إلى اللّه بقوله: رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ‏

يروى‏ أن شعيبا بعث إلى أمتين: أصحاب مدين و أصحاب الأيكة. فأهلكت مدين بصيحة جبرائيل، و أهلكت أصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة

و ذلك إنه حبس عنهم الريح سبعا و سلط عليهم الحرّ فأخذ بأنفاسهم لا ينفعهم ظل و لا ماء و لا شراب، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى الصحراء فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا و نسيما فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 285

و حين سلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بهذه القصص المؤكدة بالمكررات المختتمة بالمقررات عاد إلى مخاطبته قائلا وَ إِنَّهُ‏ أي و إن الذي نزل عليك من الأخبار لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي منزله. و الباء في‏ نَزَلَ بِهِ‏ على القراءتين للتعدية و لكنها في قراءة التشديد تقتضي مفعولا آخر هو الروح أي جعل اللّه تعالى الروح الأمين نازلا به على قلبك محفوظا مفهوما لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ‏ من الذين أنذروا بهذا اللسان و هم خمسة: هود و صالح و شعيب و إسماعيل و محمد صلى اللّه عليه و سلم. و يجوز أن يكون قوله‏ بِلِسانٍ‏ متعلقا ب نَزَلَ‏ أي نزله‏ بِلِسانٍ عَرَبِيٍ‏ لتنذر به فإنه لو نزله بالأعجمي لقالوا: ما نصنع بما لا نفهمه. و من هذا الوجه ينشأ فائدة أخرى لقوله‏ عَلى‏ قَلْبِكَ‏ أي نزلناه بحيث تفهمه و لو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون قلبك.

و الظاهر من نقل أئمة اللغة أن القلب و الفؤاد مترادفان. و نقل الإمام فخر الدين الرازي عن بعضهم أن القلب هو العلقة السوداء في جوف الفؤاد و ذكر كلاما طويلا في أن محل العقل هو القلب دون الدماغ و هو المخاطب في الحقيقة فلهذا قال‏ نَزَّلَهُ عَلى‏ قَلْبِكَ‏ و نحن قد تركناه لقلة تعلقه بالمقام و لضعف دلائله مع مخالفته لما عليه معظم أرباب المعقول. قوله‏ وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ‏ يعني أن ذكر القرآن مثبت في الكتب السماوية للأمم المتقدمة، و إن معاني القرآن في تلك الزبر. و قد يحتج به لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة. و قيل: الضمير فيه و في‏ أَنْ يَعْلَمَهُ‏ للنبي صلى اللّه عليه و سلم و أنه حجة ثابتة على نبوته قد شهد بها علماء بني إسرائيل كعبد اللّه بن سلام و غيره من الذين أسلموا منهم و اعترفوا أن نعته و صفته في كتبهم مذكور، و كان مشركوا قريش يذهبون إلى اليهود يتعرفون منهم هذا الخبر.

من قرأ يَكُنْ‏ بالتذكير و آيَةً بالنصب على الخبر و الاسم‏ أَنْ يَعْلَمَهُ‏ فظاهر، و من قرأ تكن بالتأنيث و آيَةً بالرفع على الاسم و الخبر أَنْ يَعْلَمَهُ‏ فقيل: ليست بقوية لوقوع النكرة اسما و المعرفة خبرا. و يمكن أن يجاب بأن الفعل المضارع مع أن ليس من المعارف الصريحة، و قد توجه هذه القراءة بتقدير ضمير القصة في تكن و جملته‏ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ‏ و لَهُمْ‏ لغوا أو لَهُمْ آيَةً و أَنْ يَعْلَمَهُ‏ بدل من آية. قال جار اللّه: إنما كتب علموء بالواو على لغة من يميل الألف إلى الواو و لذلك كتبت الصلاة و الزكوة بالواو. ثم أكد بقوله‏ وَ لَوْ نَزَّلْناهُ‏ ما مر من آية لو نزله بالأعجمي فقرأه عليهم بعض الأعجمين لم يؤمنوا به لأنهم لم يكونوا يفهمونه. و قال جار اللّه: معناه و لو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلا أن يقدر على نظم مثله فقرأه عليهم هكذا فصيحا معجزا متحدّى به لكفروا به كما كفروا و لتمحلوا لجحودهم عذرا و لسموه سحرا. ثم قال‏ كَذلِكَ‏ أي مثل هذا السلك‏ سَلَكْناهُ‏ في قلوبهم و قررناه فيها فعلى أيّ وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى تغييرهم عما هم‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 286

عليه من الإنكار و الإصرار، و قد سبق مثل هذه الآية في أول «الحجر». و الحاصل أنهم لا يزالون على التكذيب حتى يعاينوا الوعيد، و فيه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فإن اليأس إحدى الراحتين. قال في الكشاف: ليس الفاء في قوله‏ فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَيَقُولُوا لأجل ترادف العذاب و مفاجأته و سؤال النظرة، و إنما المعنى ترتيبها في الشدة كأنه قيل: لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب فما هو أشد منها و هو لحوقه بهم مفاجأة. فما هو أشد منه و هو سؤالهم النظرة. نظيره قولك: إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك اللّه، لا تريد الترتيب في الوجود و لكن في الشدة. قلت: هذا معنى صحيح و لكن لا مانع من إرادة الترتيب و التعذيب في الوجود يظهر بالتأمل إن شاء اللّه العزيز. ثم نكرهم بقوله‏ أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ‏ و فيه إنكار و تهكم أي كيف يستعجل العذاب من لا طاقة له به حتى استمهل بعد أن كان من العمر في مهلة؟ و جوز في الكشاف أن يكون‏ يَسْتَعْجِلُونَ‏ حكاية حال ماضية يوبخون بها عند استنظارهم، أو يكون متصلا بما بعده و ذلك أنهم اعتقدوا العذاب غير كائن فلذلك استعجلوه و ظنوا أنهم يمتعون بأعمار طوال في سلامة و أمن، فأنكر اللّه عليهم استعجالهم الصادر عن الأشر و البطر و الاستهزاء و الاتكال على طول الأمل. ثم قال: هب أن الأمر كما ظنوه من التمتع و التعمير فإذا لحقهم الوعيد أو الأجل أو القيامة هل ينفعهم ذلك؟. عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف و كان يتمنى لقاءه فقال له: عظني فتلا عليه هذه الآية فقال له ميمون: لقد وعظت فأبلغت.

ثم بين أنه ما أهلك قرية إلا بعد إلزام الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة و عبرة لغيرهم، و على هذا يكون‏ ذِكْرى‏ متعلقة ب أَهْلَكْنا مفعولا له. و يجوز أن يكون مفعولا مطلقا ل أَنْذِرْ بمعنى التذكرة فإن‏ أَنْذِرْ و ذكر متقاربان، أو حالا من الضمير في‏ مُنْذِرُونَ‏ أو مفعولا له متعلقا به أي ينذرونهم ذوي تذكرة أو لأجل الموعظة و التذكير، أو التقدير: هذه ذكرى فالجملة اعتراض. و يجوز أن يكون صفة ل مُنْذِرُونَ‏ على حذف المضاف أي ذوو ذكرى، أو جعلوا ذكرى لبلوغهم في التذكرة أقصى غاياتها.

و البحث عن وجود الواو و عدمه في مثل هذا التركيب قد مر في أول الحجر في قوله‏ وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ‏ [الحجر: 4] إلا أنا نذكر هاهنا سبب تخصيص تلك الآية بالواو و هذه بعدم الواو فنقول: لا ريب أن الواو تفيد مزيد الربط و الاجتماع في الحال و في الوصف إن جوزتا: فسواء قدرنا الجملتين أعني قوله‏ وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ‏ [الحجر:

4] و قوله‏ لَها مُنْذِرُونَ‏ حالا أو وصفا فالمقام يقتضي ورود النسق على ما ورد، و ذلك أن قوله‏ وَ لَها كِتابٌ‏ صفة لازمة للقرية فإن الكتب في اللوح وصف أزلي فناسب أن يكون في‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 287

اللفظ ما يدل على اللزوم و اللصوق و هو الواو، ثم زيد في التأكيد بقوله‏ مَعْلُومٌ‏ و بقوله‏ ما تَسْبِقُ‏ و هذا بخلاف قوله‏ لَها مُنْذِرُونَ‏ فإنها صفة حادثة فأطلقت وجود صدر الجملة عن الواو لذلك و اللّه أعلم. ثم إنه لما احتج على صدق محمد صلى اللّه عليه و سلم بكون القرآن معجزا منزلا من رب العالمين مشتملا على معاني كتب الأولين و كان الكفار يقولون إنه من إلقاء الجن كحال الكهنة أراد أن يزيل شبهتهم بقوله: وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ‏ التنزل بالوحي‏ وَ ما يَسْتَطِيعُونَ‏ . ثم بين عدم اقتدارهم بقوله‏ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ‏ أي عن سماع كلام أهل السماء لَمَعْزُولُونَ‏ و ذلك بواسطة رجم الشهب كما أخبر عنه الصادق و المعجزات يتساند بعضها ببعض، و لو فرض أنهم غير مرجومين بالشهب فالعقل يدل على أن الاهتمام بشأن الصديق أقوى منه بشأن العدو، و كان محمد صلى اللّه عليه و سلم يلعن الشياطين و يأمر الناس بلعنهم فلو كان الغيب بإلقاء الشياطين لكان الكفار أولى بأن يحصل لهم ذلك. و حين أثبت حقية القرآن أمر نبيه بجوامع مكارم الأخلاق و محاسن العادات قائلا فَلا تَدْعُ‏ و المراد أمته كما مر في نظائره من قوله‏ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ‏ [البقرة:

120] و غير ذلك‏ وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ‏ فيه أن الاهتمام بشأن من هو أقرب إلى المرء أولى. و فيه أنه يجب أن لا يأخذه في باب التبليغ ما يأخذ القريب للقرب من المساهلة و لين الجانب.

يروى‏ أنه صلى اللّه عليه و سلم لما نزلت الآية صعد الصفا فنادى الأقرب فالأقرب فخذا فخذا و قال: يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول اللّه، إني لا أملك لكم من اللّه شيئا سلوني من المال ما شئتم.

و روي‏ أنه جمع بني عبد المطلب و هم يومئذ أربعون رجلا، الرجل منهم يأكل الجذعة و يشرب العس على رجل شاة، فأكلوا و شربوا حتى شبعوا ثم أنذرهم فقال: يا بني عبد المطلب لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أ كنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

صفحه بعد