کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 534

يتخلف، فحذف إحدى القرينتين للعلم به كقوله‏ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: 81] و كذا الكلام في قوله‏ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أراد و لا النهار سابق الليل أي لا يدخل شي‏ء منهما في غير وقته. سلمنا أن المراد بالليل و النهار آيتهما لكنه يمكن أن يقال: إنه إشارة إلى الحركة الدورية لأنه لما قال: إن الشمس لبطء سيرها لا تدرك القمر. فهم منه أن القمر يسبق الشمس بحركته، فأشار إلى أن هذا السبق ليس على قياس المتحركات على الاستقامة و لكنه سبق هو بعينه موجب للقرب، و هذا معنى قول أهل الهيئة إن الكوكب هارب عن نقطة ما طالب لها بعينه. و أما قوله‏ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏ فقد مرّ تفسيره في سورة الأنبياء.

و لما بين ما هو كالضروري لوجود الإنسان من المكان و الزمان و ما يتبعه و يسبقه، شرع في تقرير ما هو نافع لهم في أحوال المعاش. قال بعض المفسرين: أراد بحمل الذرية حمل آبائهم و هم في أصلابهم. و الفلك فلك نوح و مثله هو ما يركبون الآن عليه من السفن و الزوارق. قال جار اللّه: و إنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم و أدخل في التعجب من قدرته في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح، و لو لا ذلك لما بقي للآدمي نسل. و من فوائد ذكر الذرية أن من الناس من لا يركب السفينة طول عمره و لكنه في ذريته من يركبها غالبا. و ذهب آخرون إلى أن المراد حمل أولادهم و من يهمهم حمله كالنساء. و قد يقع اسم الذرية عليهن لأنهن مزارع الأولاد.

في الحديث‏ «إنه نهى عن قتل الذراري»

يعني النساء فكأنه قيل: إن كنا ما حملناكم بأنفسكم فقد حملنا من يهمكم أمره و على هذا يكون قوله‏ وَ خَلَقْنا لَهُمْ‏ إلى آخره اعتراضا، و مثل الفلك ما يركبون من الإبل لأنها سفائن البر. و في وصف الفلك بالمشحون مزيد تقرير للقدرة و النعمة فإن الفلك إذا كان خاليا كان خفيفا لا يرسب في الماء بالطبع. ثم ذكر ما يؤكد كونه فاعلا مختارا قائلا وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ‏ و هو مصدر أو صفة أي لا إغاثة أو لا مغيث. و قوله‏ إِلَّا رَحْمَةً إشارة إلى أن الإنقاذ رحمة بالنسبة إلى المؤمن و متاع إلى حلول الأجل بالإضافة إلى الكافر، أو المراد أن أحد لا يتخلص من الموت و إن سلم من الآفات و للّه در القائل:

و لم أسلم لكي أبقى و لكن‏

سلمت من الحمام إلى الحمام‏

التأويل:

يس‏ إشارة إلى أنه بلغ في السيادة مبلغا لم يبلغه أحد من المرسلين‏ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ‏ فيه أنه لعزته لا يحتاج إلى تنزيل القرآن و لكن رحمته اقتضت ذلك‏ نُحْيِ‏ القلوب‏ الْمَوْتى‏ وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا من الأنفاس المتصاعدة ندما و شوقا، و آثار خطا أقدام صدقهم و آثار دموعهم على خدودهم‏ أَصْحابَ الْقَرْيَةِ القلوب‏ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ‏ من الخواطر الرحمانية و الإلهامات الربانية بالتجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 535

الخلود فَكَذَّبُوهُما النفس و صفاتها فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ‏ من الجذبة إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ‏ لأن النفس و صفاتها لا يوافقهما ما يدعو الإلهام و الجذبة إليه‏ طائِرُكُمْ مَعَكُمْ‏ لأن النفس خلقت من العدم على خاصيتها المشئومة رَجُلٌ يَسْعى‏ هو الروح المشتاق إلى لقاء الحق‏ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً لأنه لا شرب له من مشاربكم. قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ و هي عالم الأرواح و هو كقوله‏ يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إلى قوله‏ وَ ادْخُلِي جَنَّتِي‏ [الفجر: 30] عَلى‏ قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ‏ أي بعد رجوع الروح إلى الحضرة ما أنزل إلى النفس و صفاتها ملائكة من السماء لأنهم لا يقدرون على النفس و صفاتها و إصلاح حالها، فإن صلاحها في موتها و المميت هو اللّه. صَيْحَةً واحِدَةً من وارد حق‏ فَإِذا هُمْ‏ يعني النفس و صفاتها خامِدُونَ‏ ميتون عن أنانيته بهويته‏ أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا فيه إشارة إلى أن هذه الأمة خير الأمم شكى معهم من كل أمة و ما شكى إلى أحد من غيرهم شكايتهم‏ وَ آيَةٌ لَهُمُ‏ القلوب‏ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها بالطاعة و نخيل الأذكار و أعناب الأشواق و عيون الحكمة و ثمر المكاشفات و عمل الخيرات و الصدقات‏ خَلَقَ الْأَزْواجَ‏ من الآباء العلوية و الأمهات السفلية مِمَّا تُنْبِتُ‏ أرض البشرية بازدواج الكاف و النون. وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ بازدواج الروح و القلب‏ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ‏ من تأثير العناية في قلوب المخلصين مما لا عين رأت و لا أذن سمعت‏ وَ آيَةٌ لَهُمُ‏ ليل البشرية نَسْلَخُ مِنْهُ‏ نهار الروحانية فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ‏ بظلمة الخليقة فإن اللّه خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره. و شمس نور اللّه‏ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها و هو قلب استقر فيه رشاش نور اللّه و قمر القلب‏ قَدَّرْناهُ‏ ثمانية و عشرين منزلا على حسب حروف القرآن و أسماؤها:

الألفة و البر و التوبة و الثبات و الجمعية و الحلم و الخلوص و الديانة و الذلة و الرأفة و الزلفة و السلامة و الشوق و الصدق و الصبر و الطلب و الظمأ و العشق و العزة و الفتوة و القربة و الكرم و اللين و المروءة و النور و الولاية و الهداية و اليقين. فإذا قطع كل المنازل فقد تخلق بخلق القرآن و لهذا قال لنبيه صلى اللّه عليه و سلم‏ وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ‏ [الحجر: 90] و هو آخر المنازل و المقامات، فإن السالك يألف الحق أوّلا ثم يتوب فيثبت على ذلك حتى تحصل له الجمعية، و على هذا يعبر المقامات حتى يصير كاملا كالبدر، ثم يتناقص نوره بحسب دنوّه من شمس شهود الحق إلى أن يتلاشى و يخفى و هو مقام الفقر الحقيقي الذي افتخر به نبينا صلى اللّه عليه و سلم‏

بقوله‏ «الفقر فخري».

ثم أشار بقوله‏ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها إلى أن الرب لا يصير عبدا و لا العبد ربا. ثم ذكر أن العوام محمولون في سفينة الشريعة و الخواص في بحر الحقيقة كلاهما بفلك العناية و ملاحة أرباب الطريقة، و مثل ما يركبون هو جناح همة المشايخ. وَ إِنْ نَشَأْ نغرق العوام في بحر الدنيا و الرخص و الخواص في بحر الشبهات و الإباحة.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 536

[سورة يس (36): الآيات 45 الى 83]

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (46) وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ (49)

فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى‏ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)

إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)

أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى‏ أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى‏ مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَ لا يَرْجِعُونَ (67) وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ (68) وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ (69)

لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَ لَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ أَ فَلا يَشْكُرُونَ (73) وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)

لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ (76) أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)

الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى‏ وَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 537

القراآت:

يَخِصِّمُونَ‏ بفتحتين ثم كسر الصاد المشددة: ابن كثير و ورش و سهل و يعقوب و أصله «يختصمون» أدغمت التاء في الصاد بعد نقل حركتها إلى الخاء، و قرأ أبو جعفر و نافع غير ورش بسكون الخاء، و قرأ أبو عمرو بإشمام الفتحة قليلا و قرأ حمزة بسكون الخاء و تخفيف الصاد من الخصم ثلاثيا. الباقون: بكسر الخاء للاتباع و تشديد الصاد.

و روى خلف عن يحيى بكسر الياء و الخاء و التشديد. شُغُلٍ‏ بضمتين: عاصم و خلف و ابن عامر و يزيد و يعقوب. فكهون و بابه بغير ألف: يزيد. ظل بضم الظاء و فتح اللام:

حمزة و علي و خلف على أنه جمع ظلة. الآخرون: ظِلالٍ‏ جمع ظل‏ جِبِلًّا بضم الجيم و سكون الباء. ابن عامر و أبو عمرو. و قرأ أبو جعفر و نافع و عاصم و سهل بكسرتين و اللام مشددة، و قرأ يعقوب بضمتين و التشديد. و الباقون: بضمتين و التخفيف‏ نُنَكِّسْهُ‏ مشددا:

حمزة و عاصم غير مفضل. الآخرون: بالتخفيف من النكس. تعقلون بتاء الخطاب:

أبو جعفر و نافع و ابن ذكوان و سهل و يعقوب لتنذر على الخطاب أبو جعفر و نافع و ابن عامر و سهل و يعقوب يقدر على صيغة المضارع: يعقوب كن فيكون بالنصب: ابن عامر و علي.

الوقوف:

تُرْحَمُونَ‏ ه‏ مُعْرِضِينَ‏ ه‏ رَزَقَكُمُ اللَّهُ‏ لا لأن ما بعده جواب «إذا» أَطْعَمَهُ‏ لا كذلك لاتحاد المقول و لئلا يبتدأ بما لا يقوله مسلم. و جوز جار اللّه أن يكون قوله‏ إِنْ أَنْتُمْ‏ قول اللّه أو حكاية قول المؤمنين لهم فالوقف جائز. مُبِينٍ‏ ه‏ صادِقِينَ‏ ه‏ يَخِصِّمُونَ‏ ه‏ يَرْجِعُونَ‏ ه‏ يَنْسِلُونَ‏ ه‏ مَرْقَدِنا ه لئلا يوهم أن هذا صفة و ما بعده منفي و فيه وجوه أخر نذكرها في التفسير الْمُرْسَلُونَ‏ ه‏ مُحْضَرُونَ‏ ه‏ تَعْمَلُونَ‏ ه‏ فاكِهُونَ‏ ه ج لاحتمال أن‏ هُمْ‏ تأكيد الضمير و أَزْواجُهُمْ‏ عطف عليه و فِي ظِلالٍ‏ ظرف‏ فاكِهُونَ‏ ، و لاحتمال أن ما بعده مبتدأ و خبره‏ مُتَّكِؤُنَ‏ يَدَّعُونَ‏ ه ج لأنه من المحتمل أن يكون‏ سَلامٌ‏ خبر محذوف أي عليهم سلام يقول قولا، و أن يكون‏ سَلامٌ‏ بدل‏ ما يَدَّعُونَ‏ أي لهم ما يتمنون و هو سلام‏ سَلامٌ‏ ط ج لحق الحذف‏ رَحِيمٍ‏ ه‏ الْمُجْرِمُونَ‏ ه‏ الشَّيْطانَ‏ ج لأن التقدير فإنه‏ مُبِينٌ‏ ه لا للعطف‏ اعْبُدُونِي‏ ج‏ مُسْتَقِيمٌ‏ ه‏ كَثِيراً ه‏ تَعْقِلُونَ‏ ه‏ تُوعَدُونَ‏ ه‏ تَكْفُرُونَ‏ ه‏ يَكْسِبُونَ‏ ه‏ يُبْصِرُونَ‏ ه‏ يَرْجِعُونَ‏ ه‏ فِي الْخَلْقِ‏ ط يَعْقِلُونَ‏ ه له ج‏ مُبِينٌ‏ ه‏ الْكافِرِينَ‏ ه‏ مالِكُونَ‏ ه‏ يَأْكُلُونَ‏ ه‏ وَ مَشارِبُ‏ ه‏ يَشْكُرُونَ‏ ه‏ يُنْصَرُونَ‏ ج‏ نَصْرَهُمْ‏ لا لأن الواو للحال‏ مُحْضَرُونَ‏ ه‏ قَوْلُهُمْ‏ ه لئلا يوهم أن ما بعده مقول الكفار يُعْلِنُونَ‏ ه‏ مُبِينٌ‏ ه‏ خَلْقَهُ‏ ط رَمِيمٌ‏ ه‏ مَرَّةٍ ط عَلِيمٌ‏ ه لا لأن‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 538

الَّذِي‏ بدل‏ تُوقِدُونَ‏ ه‏ مِثْلَهُمْ‏ ط لانتهاء الاستفهام‏ الْعَلِيمُ‏ ه‏ فَيَكُونُ‏ ه‏ تُرْجَعُونَ‏ ه.

التفسير:

لما بين الآيات المذكورة حكى أنهم في غاية الجهالة و نهاية الضلالة، لا مثل العلماء الذين يتبعون البرهان، و لا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي خوفا من تبعته و طمعا في منفعته و إليه الإشارة بقوله‏ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏ أي في ظنكم فإن الذي لا تفيده الآيات يقينا فلا أقل من أن يحترز من العذاب و يرجو الثواب أخذا بطريقة الاحتياط، و نظير الآية ما مرّ في أوّل سورة سبأ أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى‏ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏ [الآية: 9] و عن مجاهد: أراد ما تقدّم من ذنوبكم و ما تأخر. و عن قتادة: ما بين أيديكم من وقائع الأمم و ما خلفكم أي من أمر الساعة. و قيل: ما بين أيديكم من أمر الساعة. و قيل: ما بين أيديكم الآخرة فإنهم مستقبلون لها، و ما خلفكم الدنيا فإنهم تاركون لها. أو ما بين أيديكم من أمر محمد صلى اللّه عليه و سلم فإنه حاضر عندهم و ما خلفكم من أمر فإنكم إذا اتقيتم تكذيب محمد صلى اللّه عليه و سلم و الحشر رحمكم اللّه. أو ما بين أيديكم من أنواع العذاب كالحرق و الغرق المدلول عليه بقوله‏ وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ‏ ما خلفكم الموت الطالب لكم يدل على قوله‏ وَ مَتاعاً إِلى‏ حِينٍ‏ و جواب «إذا» محذوف و هو لا يتقون أو يعرضون، يدل عليه ما بعده مع زيادة فائدة هي دأبهم الإعراض عند كل آية.

و يحتمل أن يكون قوله و ما تَأْتِيهِمْ‏ متعلقا بما قبله و هو قوله‏ يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ . وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ‏ يعني إذا جاءتهم الرسل كذبوهم فإذا أتوا بالآيات أعرضوا عنها. و قوله‏ أَ لَمْ يَرَوْا إلى قوله‏ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏ اعتراض. ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر اللّه حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق اللّه و لا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق على أنهم خوطبوا بأدنى الدرجات في التعظيم و الإشفاق، فإن أدنى الانقياد الاتقاء من العذاب، و أدنى الإشفاق هو إنفاق بعض ما في التصرف من مال اللّه، فأين هم من معشر أقبلوا بالكلية على اللّه و بذلوا أموالهم و أنفسهم في سبيل اللّه؟ و في قوله‏ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ‏ إشارة إلى أن اللّه تعالى قادر على إغناء الفقير و إعطائه و لكنه جعل الغني واسطة في الإنفاق على الفقير. فالسعيد من عرف حق التوسيط و انتهز فرصة الإمكان و علم أن الإنفاق سبب للبركة في الحال و مجلبة للثواب في المآل. و قوله‏ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا دون أن يقول «قالوا» تسجيل عليهم بالكفر. و قوله‏ لِلَّذِينَ آمَنُوا مزيد تصوير لجهالتهم حين قالوا لهؤلاء الأشراف ما قالوا. و قوله‏ أَ نُطْعِمُ‏ دون «أ ننفق» إظهار لغاية خستهم فإن الإطعام أدون من‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 539

الإنفاق و من بخل بالأدون فهو بأن يبخل بالأكثر أولى. و قوله‏ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ‏ كلام في نفسه حسن لكنهم ذكروه في معرض الدفع فلهذا استوجبوا الذم و قد بين اللّه خطأهم بقوله‏ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ‏ فإن من في خزائنه مال و له في يد الغير مال فإنه مخير إن أراد أعطى زيدا مما في خزائنه و إن شاء أعطاه مما في يد الغير و ليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ. و قوله‏ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ بناء على ما اعتقدوه أن الأمر بالإنفاق ضائع، لأنه سعي في إبطال مشيئة اللّه و لم يعلموا أن الضلال لا يتعدّاهم أيه سلكوا، و ذلك أنهم لم ينظروا إلى الأمر و الطلب و بادروا إلى الاعتراض، و الطاعة هي اتباع الأمر لا الاستكشاف عن الغرض و الغاية. و من جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على الاتقاء و الإنفاق قائلين‏ إِنْ كُنْتُمْ‏ أيها المدّعون للرسالة صادِقِينَ‏ فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب و العقاب فأجابهم اللّه تعالى بقوله‏ ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئا. و تنكير صيحة للتهويل و وصفها بواحدة تعظيم للصيحة و تحقير لشأنهم أي صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، و في قوله‏ تَأْخُذُهُمْ‏ أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، و كذا في قوله‏ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ‏ أي يشتغلون بمتاجرهم و معاملاتهم و سائر ما يتخاصمون فيه و مع ذلك يصعقون. و قيل: تأخذهم و هم يختصمون في أمر البعث قائلين إنه لا يكون.

ثم بالغ في شدّة الأخذ بقوله‏ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً و في قوله‏ فَلا يَسْتَطِيعُونَ‏ دون أن يقول «فلا يوصون» مبالغة لأن من لا يوصي قد يستطيعها، و كذلك في تنكير توصية الدال على التقليل، و كذا في نفس التوصية لأنها بالقول و القول يوجد أسرع من الفعل من أداء الواجبات و ردّ المظالم، و قد تحصل التوصية بالإشارة فالعاجز عنها عاجز عن غيرها. و في قوله‏ وَ لا إِلى‏ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ‏ بيان لشدّة الحاجة إلى التوصية فإن الذي يقطع بعدم الوصول إلى أهله كان إلى الوصية أحوج. و فيه تنبيه على أن الميت لا رجوع له إلى الدنيا و لا اجتماع له بأهله مرة أخرى إلى حين يبعثون. ثم بين حال النفخة الثانية، و الأجداث القبور و النسلان العدو. و كيف صارت النفختان مؤثرتين في أمرين متضادين الإماتة و الإحياء؟ نقول: لا مؤثر إلا اللّه، و النفخ علامة على أن الصوت يوجد التزلزل و أنه قد يصير سببا لافتراق الأجزاء المجتمعة تارة و لاجتماع المتفرقة أخرى. ثم إن أجزاء كل بدن قد تحصل في موضع هو بمنزلة جدثه، أو أعطى للأكثر حكم الكل. و ذكر الرب في هذا الموضع للتخجيل فإن من أساء و اضطر إلى الحضور عند من أحسن إليه كان أشدّ ألما و أكثر ندما. و قوله‏ يَنْسِلُونَ‏ لا ينافي قوله في موضع آخر فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ‏ [الزمر: 68] فلعل ذلك في أول الحالة ثم يحصل لهم سرعة المشي من غير اختيارهم. و يمكن أن يقال:

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏5، ص: 540

إن هيئة الانتظار ليست بمنافية للمشي بل مؤكدة له و معينة عليه. و في «إذا» المفاجأة إشارة إلى أن الإحياء و التركيب و القيام و العدو كلها تقع في زمان النفخ.

ثم بين أنهم قبل النسلان‏ قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا كأنهم شكوا في أنهم كانوا موتى فبعثوا أو كانوا نياما فتنبهوا فجمعوا في السؤال بين الأمرين: البعث و المرقد.

عن مجاهد: للكفار. هجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور قالوا ذلك، ثم أجابهم الملائكة في رواية ابن عباس، و المتقون على قول الحسن‏ هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ‏ كأنه قيل: ليس بالبعث الذي عرفتموه و هو بعث النائم من مرقده حتى يهمكم السؤال عن الباعث أن هذا هو البعث الأكبر الذي وعده الرحمن في كتبه المنزلة على لسان رسله الصادقين. و الظاهر أن‏ هذا مبتدأ و ما وَعَدَ الرَّحْمنُ‏ إلى آخره خبره، و «ما» مصدرية أي هذا وعد الرحمن و صدق المرسلين على تسمية الموعود و المصدوق فيه بالمصدر.

و يجوز أن يكون «ما» موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن و صدقه المرسلون أي صدقوا فيه. و جوّز جار اللّه أن يكون‏ هذا صفة للمرقد و ما وَعَدَ خبر مبتدأ محذوف أي هذا وعد الرحمن، أو مبتدأ محذوف الخبر أي ما وعده الرحمن و صدقه المرسلون حق عليكم.

و قيل: إن قوله‏ هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ‏ من كلام الكافرين كأنهم تذكروا ما سمعوا من الرسل فأجابوا به أنفسهم، أو أجاب بعضهم بعضا. ثم عظم شأن الصيحة بالنسبة إلى المكلفين و حقر أمرها بالإضافة إلى الجبار قائلا إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً الآية. و قد مر نظيره. ثم بين ما يكون في ذلك اليوم قائلا فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ‏ أيها الكافرون‏ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ و فيه إشارة إلى أن عدله عام و فضله خاص بأهل الإيمان و فيه أنهم إذا جمعوا لم يجمعوا إلا للعدل أو الفضل فالفاء فيه كما في قول القائل للوالي أو للقاضي: جلست للعدل فلا تظلم. أي ذلك يقتضي هذا و يستعقبه. و قوله‏ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ إشارة إلى عدم الزيادة فإن الشي‏ء لا يزيد على عينه كقولك: فلان يجازيني حرفا بحرف. أي لا يترك شيئا.

صفحه بعد