کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 40

القراآت‏

لا يَنْفَعُ‏ على التذكير: نافع و حمزة و علي و خلف و عاصم‏ تَتَذَكَّرُونَ‏ بتاء الخطاب: عاصم و حمزة و علي و خلف. ادْعُونِي أَسْتَجِبْ‏ بفتح الياء: ابن كثير.

سيدخلون من الإدخال مجهولا: ابن كثير و يزيد و عباس و رويس و حماد و أبو بكر غير الشموني شيوخا بكسر الشين: ابن كثير و ابن عامر و حمزة و علي و هبيرة و الأعشى و يحيى و حماد.

الوقوف‏

الْأَشْهادُ ه لا لأن‏ يَوْمَ‏ بدل من الأول‏ الدَّارِ ه‏ الْكِتابَ‏ ه لا الْأَلْبابِ‏ ه‏ وَ الْإِبْكارِ ه‏ أَتاهُمْ‏ لا ن ما بعده خبر «إن» ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ ج لاختلاف الجملتين‏ بِاللَّهِ‏ ط الْبَصِيرُ ه‏ لا يَعْلَمُونَ‏ ه‏ وَ لَا الْمُسِي‏ءُ ط يتذكرون ه‏ لا يُؤْمِنُونَ‏ ه‏ أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ ط داخِرِينَ‏ ه‏ مُبْصِراً ط لا يَشْكُرُونَ‏ ه‏ شَيْ‏ءٍ لا لئلا يوهم أن ما بعده صفة شي‏ء و خطؤه ظاهر إِلَّا هُوَ ز لابتداء الاستفهام و رجحان الوصل لفاء التعقيب و لتمام مقصود الكلام يؤفكون ه‏ يَجْحَدُونَ‏ ه‏ الطَّيِّباتِ‏ ط الْعالَمِينَ‏ ه‏ الدِّينَ‏ ه‏ الْعالَمِينَ‏ ه‏ شُيُوخاً ج لاختلاف الجملتين‏ تَعْقِلُونَ‏ ه‏ وَ يُمِيتُ‏ ج لأجل الفاء مع الشرط فَيَكُونُ‏ ه‏ فِي آياتِ اللَّهِ‏ ط لانتهاء الاستفهام و ابتداء آخر يُصْرَفُونَ‏ ه ج لاحتمال كون‏ الَّذِينَ‏ بدلا من الضمير في‏ يُصْرَفُونَ‏ رُسُلَنا قف إن لم تقف على‏ يُصْرَفُونَ‏ . يَعْلَمُونَ‏ ه لا لتعلق الظرف‏ وَ السَّلاسِلُ‏ ط لأن ما بعده مستأنف. و قيل: وَ السَّلاسِلُ‏ مبتدأ و العائد محذوف أي و السلاسل يجرون بها في الحميم‏ يُسْجَرُونَ‏ ه ج للآية مع العطف‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ ط شَيْئاً ط الْكافِرِينَ‏ ه‏ تَمْرَحُونَ‏ ه‏ خالِدِينَ فِيها ج‏ الْمُتَكَبِّرِينَ‏ ه‏ حَقٌ‏ ه للشرط مع الفاء يُرْجَعُونَ‏ ه‏ نَقْصُصْ عَلَيْكَ‏ ط بِإِذْنِ اللَّهِ‏ ج‏ الْمُبْطِلُونَ‏ ه‏ تَأْكُلُونَ‏ ه ز للآية مع العطف و شدّة اتصال المعنى‏ تُحْمَلُونَ‏ ه ط لأن ما بعده مستأنف و لا وجه للعطف. تُنْكِرُونَ‏ ه‏ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ ط للفصل بين الاستخبار و الأخبار يَكْسِبُونَ‏ ه‏ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ ه‏ مُشْرِكِينَ‏ ه‏ بَأْسَنا الثاني ط فِي عِبادِهِ‏ ج لأن الفعل المعطوف عليه مضمر و هو سن‏ الْكافِرُونَ‏ ه.

التفسير:

هذا من تمام قصة موسى و عود إلى مقام انجر الكلام منه و ذلك أنه لما قيل‏ فَوَقاهُ اللَّهُ‏ و كان المؤمن من أمة موسى علم منه و مما سلف مرارا أن موسى و سائر قومه قد نجوا و غلبوا على فرعون و قومه فلا جرم صرح بذلك فقال‏ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا الآية.

و نصرتهم في الدنيا بإظهار كلمة الحق و حصول الذكر الجميل و اقتداء الناس بسيرتهم إلى مدة ما شاء اللّه، و قد ينصرون بعد موتهم كما أن يحيى بن زكريا لما قتل به سبعون‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 41

ألفا. و أما نصرهم في الآخرة فمن رفع الدرجات و التعظيم على رؤوس الأشهاد من الحفظة و الأنبياء و المؤمنين و قد مر باقي تفسير الأشهاد في أوائل «هود». ثم بين أن يوم القيامة لا اعتذار فيه لأهل الظلم و الغواية و إن فرض اعتذار فلا يقبل و سوء الدار عذاب الآخرة. ثم أخبر عن إعطاء موسى التوراة و إيراثها قومه بعده. و المراد بكون الكتاب هدى أنه دليل في نفسه، و بكونه ذكرى أن يكون مذكرا للشي‏ء المنسيّ. و حين فرغ من قصة موسى و ما تعلق بها خاطب نبيه صلى اللّه عليه و سلم مسليا له بقوله‏ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بالنصر و إعلاء كلمة الحق‏ حَقٌ‏ كما قص عليك من حال موسى و غيره. ثم أمره باستغفار لذنبه و قد سبق البحث في مثله مرارا. و العشيّ و الإبكار صلاتا العصر و الفجر أو المراد الدوام. قوله‏ إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ‏ عود إلى ما انجر الكلام إليه من أول السورة إلى هاهنا. و فيه بيان السبب الباعث لكفار قريش على هذا الجدال و هو الكبر و الحسد و حب الرياسة، و أن يكون الناس تحت تصرفهم و تسخيرهم لا أن يكونوا تحت تصرف غيرهم فإن النبي صلى اللّه عليه و سلم لا بد أن تكون الأمة تحت أمره و نهيه و ذلك تخيل فاسد لأن الغلبة لدين الإسلام و لهذا قال‏ ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ ثم أمره أن يستعيذ في دفع شرورهم باللّه السميع لأقوالهم البصير بأحوالهم فيجازيهم على حسب ذلك. ثم إنهم كانوا أكثر ما يجادلون في أمر البعث فاحتج اللّه تعالى عليهم بقوله‏ لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ‏ و من قدر على الأصعب في نظر المخالف و قياسه كان على الأسهل أقدر، فظاهر أن هؤلاء الكفار يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان و لا برهان بل لمجرد الحسد و الكبير بل لا يعرفون ما البرهان و كيف طريق النظر و الاستدلال و لهذا قال‏ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ .

ثم نيه على الفرق بين الجدال المستند على العناد و التقليد و بين الجدال المستند إلى الحجة و الدليل قائلا وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ و حين بين التفاوت بين الجاهل و العالم أراد أن يبين التفاوت بين المحسن و المسي‏ء ثم قال‏ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ‏ و فيه مزيد توبيخ و تقريع، و فيه أن هذا التفاوت مما يعثر عليه المكلف بأدنى تأمل لو لم يكن معاندا مصرا. ثم صرح بوجود القيامة قائلا إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ أدخل اللام في الخبر بخلاف ما في «طه» لأن المخاطبين هاهنا شاكون بخلاف المخاطب هناك و هو موسى، و هذه الآية كالنتيجة لما قبلها. و معنى‏ لا يُؤْمِنُونَ‏ لا يصدّقون بالبعث. ثم إنه كان من المعلوم أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بالطاعة فلا جرم أشار إليها بقوله‏ وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ أكثر المفسرين على أن الدعاء هاهنا بمعنى العبادة، و الاستجابة بمعنى الإنابة بقوله سبحانه‏ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ و الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 42

كقوله‏ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً [النساء: 117]

روى النعمان بن بشير أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال «الدعاء العبادة» و قرأ هذه الآية.

و جوّز آخرون أن يكون الدعاء و الاستجابة على ظاهرهما، و يراد بعبادتي دعائي لأن الدعاء باب من العبادة يصدّقه قول ابن عباس: أفضل العبادة الدعاء. و قد مرّ تحقيق الدعاء في سورة البقرة في قوله‏ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ‏ [الآية: 186] و قد فسره ابن عباس بمعنى آخر قال: وحدوني أغفر لكم. و في الدعاء. قال جار اللّه: و هذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد. و معنى‏ داخِرِينَ‏ صاغرين. و قال أهل التحقيق: كل من دعا اللّه و في قلبه مثقال ذرة من المال و الجاه و غير ذلك فدعاؤه لساني لا قلبي و لهذا قد لا يستجاب لأنه اعتمد على غير اللّه. و فيه بشارة هي أن دعاء المؤمن وقت حلول أجله يكون مستجابا البتة لانقطاع تعلقه و قتئذ عما سوى اللّه.

ثم إنه تعالى ذكر نعمته على الخلائق بوجود الليل و النهار و قد مر نظير الآية مرارا و لا سيما في أواخر «يونس» و أواسط «البقرة». و كرر ذكر الناس نعيا عليهم و تخصيصا لكفران النعمة بهم من بين سائر المخلوقات. و أما وجه النظم فكأنه يقول: إني أنعمت عليك بهذه النعم الجليلة قبل السؤال فكيف لا أنعم عليك بما هو أقل منه بعد السؤال؟ ففيه تحريض على الدعاء. و أيضا الاشتغال بالدعاء مسبوق بمعرفة المدعوّ فلذلك ذكر في عدّة آيات دلائل باهرة من الآفاق و الأنفس على وحدانيته و اتصافه بنعوت الكمال. قوله‏ ذلِكُمُ اللَّهُ‏ إلى قوله‏ إِلَّا هُوَ قد مر في «الأنعام». قوله‏ كَذلِكَ يُؤْفَكُ‏ أي كل من حجد بآيات اللّه و لم يكن طالبا للحق فإنه مصروف عن الحق كما صرفوا. قوله‏ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ كقوله‏ وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ‏ [الإسراء: 70] لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏ [التين: 4] قوله‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ إما استئناف مدح من اللّه تعالى لنفسه، و إما بتقدير القول أي فادعوه مخلصين قائلين الحمد للّه. قوله‏ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ‏ شامل لأدلة العقل و النقل جميعا. قوله‏ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏ متعلق بمحذوف أي ثم يبقيكم لتبلغوا و كذلك لتكونوا. و أما قوله‏ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ فمتعلق بفعل آخر تقديره و نفعل ذلك لتبلغوا أجلا مسمى هو الموت أو القيامة، و رجاء منكم أن تعقلوا ما في ذلك من العبر.

و حيث انجر الكلام إلى ذكر الأجل وصف نفسه بأن الإحياء و الإماتة منه، ثم أشار بقوله‏ فَإِذا قَضى‏ إلخ إلى نفاذ قدرته في الكائنات من غير افتقار في شي‏ء ما إلى آلة و عدّة. و أشار إلى أن الإحياء و الإماتة ليسا من الأشياء التدريجية و لكنهما من الأمور الدفعية المتوقفة على أمر كن فقط، و ذلك أن الحياة تحصل بتعلق النفس الناطقة بالبدن، و الموت يحدث من قطع ذلك التعلق، و كل من الأمرين يحصل في آن واحد. و يمكن أن‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 43

يكون فيه إشارة إلى خلق الإنسان الأوّل و هو آدم كقوله‏ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ [آل عمران: 59] ثم عاد إلى ذم المجادلين و ذكر وعيدهم قائلا أَ لَمْ تَرَ الآية و الكتاب القرآن. و ما أرسل به الرسل سائر الكتب. و قوله‏ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ‏ ليس كقول القائل: سوف أصوم أمس. بناء على أن سوف للاستقبال و إذ للمضي، لأن «إذ» هاهنا بمعنى «إذا» إلا أنه ورد على عادة أخبار اللّه نحو وَ سِيقَ‏ [الزمر:

73] وَ نادى‏ [الأعراف: 48] و قال المبرد: إذ صارت زمانا قبل سوف لأن العلم وقع منهم بعد ثبوت الأغلال. و المعنى علموا من الأغلال الذي كانوا أو عدوه من بعد أن حق بالوجود. و معنى‏ يُسْجَرُونَ‏ قال جار اللّه: هو من سجر التنور إذا ملأه بالوقود، و معناه أنهم في النار فهي محيطة بهم و هم مسجورون بها مملوءة أجوافهم منها. و الحاصل أنهم يعذبون مرة بالماء الشديد الحرارة و مرة بالنار. و قال مقاتل: في الحميم يعني في حر النار ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ‏ على سبيل التوبيخ‏ أَيْنَ ما كُنْتُمْ‏ «ما» موصولة مبتدأ و «أين» خبرها. و معنى‏ ضَلُّوا غابوا و ضاعوا و لم يصل إلينا ما كنا نرجوه من النفع و الشفاعة، و أكدوا هذا المعنى بقوله‏ بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً يعتدّ به كما تقول: حسبت أن فلانا شي‏ء فإذا هو ليس بشي‏ء أي ليس عنده خير. و من جوّز الكذب على الكفار لم يحتج إلى هذا التأويل و قال: إنهم أنكروا عبادة الأصنام. ثم قال‏ كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ قالت الأشاعرة: أي عن الحجة و الإيمان. و قالت المعتزلة: عن طريق الجنة بالخذلان. و قال في الكشاف:

أي مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر. و اعترض عليه بأنهم مقرونون بآلهتهم في النار لقوله‏ إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ‏ [الأنبياء: 98] و الجواب أن كون الجميع في النار لا ينافي غيبة أحدهما عن الآخر. و أجاب في الكشاف باختلاف الزمان و بتفسير الضلال بعدم النفع.

ذلِكُمْ‏ العذاب بسبب ما كان لكم من الفرح و المرح أي النشاط بِغَيْرِ الْحَقِ‏ و هو الشرك و عبادة الصنم. و يجوز أن يكون القول محذوفا أي يقال لهم ادخلوا أبواب جهنم السبعة المقسومة لكل طائفة مقدّرين الخلود فيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ يعني الذين مر ذكرهم في قولهم إن في صدوركم إلّا كبر و المخصوص بالذم محذوف و هو مثواكم أو جهنم. قال جار اللّه: إنما لم يقل «فبئس مدخل المتكبرين» حتى يكون مناسبا لقوله‏ ادْخُلُوا كقولك: زر بيت اللّه فنعم المزار. لأن الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثواء. و حين زيف طريقة المجادلين مرة بعد مرة أمر رسوله بالصبر على إيذائهم و إيحاشهم إلى إنجاز الوعد بالنصرة قال‏ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ من عذاب الدنيا فذاك‏ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ‏ هذا التقدير ذكره جار اللّه، و قد مر في «يونس» مثله.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 44

و أقول: لا بأس أن يعطف قوله‏ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ‏ على‏ نُرِيَنَّكَ‏ و يكون الرجوع إلى اللّه جزاء لهما جميعا و معناه: إنا نجازيهم على أعمالهم يوم القيامة سواء عذبوا في الدنيا أو لم يعذبوا. ثم سلاه بحال الأنبياء السابقة ليقتدي بهم في الصبر و التماسك فقال‏ وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا الآية. ذهب بعض المفسرين إلى أن عدد الأنبياء مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا.

و قيل: ثمانية آلاف، نصف ذلك من بني إسرائيل و الباقي من سائر الناس. و لعل الأصح أن عددهم لا يعلمه الا اللّه لقوله تعالى‏ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ‏ [إبراهيم: 9] لكن الإيمان بالجميع واجب.

عن علي رضى اللّه عنه: بعث اللّه نبيا أسود لم يقص علينا قصته.

ثم إن قريشا كانوا يقترحون آيات تعنتا كما مر في أواخر «سبحان» و أول «الفرقان» و غيرهما فلا جرم قال اللّه تعالى‏ وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ‏ بعذاب الدنيا أو بالقيامة. و قال ابن بحر:

أمر اللّه الآية التي اقترحوها و ذلك أنه يقع الاضطرار عندها وَ خَسِرَ هُنالِكَ‏ أي في ذلك الوقت استعير المكان للزمان‏ الْمُبْطِلُونَ‏ و هم أهل الأديان الباطلة. ثم عاد إلى نوع آخر من دلائل التوحيد قائلا اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا قال جار اللّه: ظاهر النظم يقتضي إدخال لام الغرض في القرائن الأربع أو خلو الكل عنها فيقال: لتركبوا و لتأكلوا و لتصلوا إلى منافع و لتبلغوا. أو يقال: منها تركبون و منها تأكلون و تصلون و تبلغون إلا أنه ورد على ما ورد لأن الركوب قد يجب كما في الحج و الغزو، و كذلك السفر من بلد إلى بلد لهجرة أو طلب علم لا أقل من الندب فصح أن يكونا غرضين. و أما الأكل و إصابة المنافع فمن جنس المباح الذي لا تتعلق به إرادته كثير تعلق شرعا. و إنما قال‏ عَلَى الْفُلْكِ‏ و لم يقل «و في الفلك» مع صحته إذ هي كالوعاء إزدواجا لقوله‏ وَ عَلَيْها [المؤمنون: 22] و الحمل محمول على الظاهر. و قيل: هو من قول العرب: حملت فلانا على الفرس إذا وهب له فرسا. ثم وبخهم بقوله‏ وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ‏ .

ثم حرضهم و زاد توبيخهم بقوله‏ أَ فَلَمْ يَسِيرُوا الآية. و قد سبق. و قوله‏ فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ‏ «ما» نافية أو استفهامية و محلها النصب. و قوله‏ ما كانُوا مصدرية أو موصولة أي كسبهم أو الذي كسبوا. قوله‏ فَرِحُوا لا يخلو إما أن يكون الضمير عائدا إلى الكفار أو إلى الرسل. و على الأول فيه وجوه منها: أنه تهكم بعلمهم الذي يزعمون كقولهم‏ وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً [الكهف: 36] ا إذا كنا ترابا و عظاما ا انا لفي خلق جديد [ق: 4] و منها أنه أراد بذلك شبهات الدهرية و بعض الفلاسفة كقولهم‏ وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] و كانوا إذا سمعوا بوحي اللّه دفعوه و حقروا علم الأنبياء بالنسبة إلى علمهم‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 45

كما يحكى عن سقراط أنه سمع بموسى عليه السلام فقيل له: لو هاجرت إليه؟ فقال: نحن قوم مهديون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا. و يروى أن جالينوس قال لعيسى عليه السلام:

صفحه بعد