کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 181

المنادي هو اللّه لقوله‏ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و الصيحة النفخة الثانية كما قال‏ إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ‏ [يس: 53] و قوله‏ بِالْحَقِ‏ متعلق بالصيحة و المراد به البعث للجزاء أي بسبب الحق الذي هو البعث. و يجوز أن يتعلق بالسماع أي أي يسمعونها باليقين. و قيل: الباء للقسم أي باللّه الحق. قوله‏ سِراعاً حال من المجرور أي ينكشف عنهم مسرعين‏ ذلِكَ‏ الشق أو الحشر حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ لا على غيرنا و هو ردّ على قولهم‏ ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ . نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ‏ أي من المطاعن و الإنكار و فيه تهديد لهم و تسلية للنبي صلى اللّه عليه و سلم‏ وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أي بمسلط حتى تقسرهم على الإيمان و إنما أنت داع. و لعل في تقديم الظرف إشارة إلى أنه كالمسلط على المؤمنين و لهذا وقع إيمانهم و هذا مما يقوّي طرف المجبرة. و قيل: أراد إنك رؤوف رحيم بهم لست فظا غليظا. و الأول أولى بدليل قوله‏ فَذَكِّرْ إلى آخره أي اترك هؤلاء و أقبل على دعوة من ينتفع بتذكيرك و اللّه أعلم.

تم الجزء السادس و العشرون و يليه الجزء السابع و العشرون أوله تفسير سورة الذاريات‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 182

بسم اللّه الرحمن الرحيم الجزء السابع و العشرون من أجزاء القرآن الكريم‏

(سورة الذاريات)

(و هي مكية و حروفها ألف و مائتان و ستة و ثمانون كلماتها ثلاثمائة و سبعون آياتها ستون)

[سورة الذاريات (51): الآيات 1 الى 60]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4)

إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)

قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (19)

وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ (21) وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى‏ أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَ لا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)

قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‏ قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)

فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَ تَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) وَ فِي مُوسى‏ إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى‏ فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)

فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَ هُوَ مُلِيمٌ (40) وَ فِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) ما تَذَرُ مِنْ شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَ فِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ (44)

فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَ ما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46) وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48) وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)

فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَ لا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَ تَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)

وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59)

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 183

القراآت:

وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً بإدغام التاء في الذال: حمزة و أبو عمرو و مثل ما بالضم: حمزة و علي و خلف و عاصم سوى حفص. الباقون: مِثْلَ‏ بالفتح على البناء لإضافته إلى غير متمكن، أو على أنه لحق حقا مثل نطقكم سلم بكسر السين و سكون اللام: حمزة علي و خلف و المفضل و الصعقة بسكون العين للمرة: علي و قوم نوح بالجر: أبو عمرو و علي و خلف.

الوقوف:

ذَرْواً ط وِقْراً ه لا يُسْراً ه لا أَمْراً ه ط لَصادِقٌ‏ ه لا لَواقِعٌ‏ ه‏ الْحُبُكِ‏ ه لا مُخْتَلِفٍ‏ ه لا أُفِكَ‏ ه ط الْخَرَّاصُونَ‏ ه لا ساهُونَ‏ ه لا لأن‏ يَسْئَلُونَ‏ صلة بعد صلة، الدِّينِ‏ ه ط بناء على أن عامل يوم منتظر أي يقال لهم ذوقوا يُفْتَنُونَ‏ ه‏ فِتْنَتَكُمْ‏ ط تَسْتَعْجِلُونَ‏ ه‏ وَ عُيُونٍ‏ ه لا رَبُّهُمْ‏ ط مُحْسِنِينَ‏ ه ط يَهْجَعُونَ‏ ه‏ يَسْتَغْفِرُونَ‏ ه‏ وَ الْمَحْرُومِ‏ ه‏ لِلْمُوقِنِينَ‏ ه ط للعطف‏ أَنْفُسِكُمْ‏ ط تُبْصِرُونَ‏ ه‏ تُوعَدُونَ‏ ه‏ تَنْطِقُونَ‏ ه‏ الْمُكْرَمِينَ‏ ه م لأن عامل «إذ» محذوف و هو «اذكر» و لو وصل لأوهم أنه ظرف للإتيان‏ سَلاماً ط سَلامٌ‏ ج لحق المحذوف مع اتحاد القائل أي أنتم قوم‏ مُنْكَرُونَ‏ ه‏ سَمِينٍ‏ ه لا للعطف‏ تَأْكُلُونَ‏ ه للآية مع العطف‏ خِيفَةً ط لا تَخَفْ‏ ه‏ عَلِيمٍ‏ ه‏ عَقِيمٌ‏ ه‏ كَذلِكَ‏ لا للتعلق بما بعده‏ رَبُّكِ‏ ط الْعَلِيمُ‏ ه‏ الْمُرْسَلُونَ‏ ه‏ مُجْرِمِينَ‏ ه‏ طِينٍ‏ ه‏ لِلْمُسْرِفِينَ‏ ه‏ الْمُؤْمِنِينَ‏ ه ج للآية مع العطف بالفاء و اتصال المعنى‏ الْمُسْلِمِينَ‏ ه ط كذلك‏ الْأَلِيمَ‏ ه لتناهي القصة و حكم العربية الوصل للعطف على قوله‏ وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ‏ مُبِينٍ‏ ه‏ مَجْنُونٌ‏ ه‏ مُلِيمٌ‏ ه كما مر الْعَقِيمَ‏ ه ج لاحتمال ما بعده الاستئناف و الحال أي غير تاركته‏ كَالرَّمِيمِ‏ ه‏ حِينٍ‏ ه‏ يَنْظُرُونَ‏ ه‏ مُنْتَصِرِينَ‏ ه لا على القراءتين فيما بعده للعطف أي و في قوم نوح أو و أخذنا قوم نوح و لو قدر و اذكر قوم نوح فالوقف‏ قَبْلُ‏ ج‏ فاسِقِينَ‏ ه‏ لَمُوسِعُونَ‏ ه‏ الْماهِدُونَ‏ ه‏ تَذَكَّرُونَ‏ ه‏ إِلَى اللَّهِ‏ ط مُبِينٌ‏ ه للآية مع العطف‏ آخَرَ ط مُبِينٌ‏ ه‏ أَوْ

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 184

مَجْنُونٌ‏ ه‏ أَ تَواصَوْا بِهِ‏ ج لأن «بل» للإضراب معنى مع العطف لفظا طاغُونَ‏ ه‏ بِمَلُومٍ‏ ه لا للآية مع اتفاق الجملتين‏ الْمُؤْمِنِينَ‏ ه‏ لِيَعْبُدُونِ‏ ه‏ يُطْعِمُونِ‏ ه‏ الْمَتِينُ‏ ه‏ يَسْتَعْجِلُونِ‏ ه‏ يُوعَدُونَ‏ ه‏

التفسير:

لما بين في آخر السورة أنهم بعد إيراد البراهين الساطعة عليهم مصرون على إنكار الحشر، و لهذا سلى نبيه صلى اللّه عليه و سلم بقوله‏ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق: 45] لم يبق إلا توكيد الدعوى بالإيمان فلذلك افتتح بذلك.

عن علي كرم اللّه وجهه أنه قال على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني و إن لا تسألوني لا تسألوا بعدي مثلي.

فقال ابن الكواء فقال: ما الذاريات؟ قال: الرياح.

و قد مر في الكهف في قوله‏ تَذْرُوهُ الرِّياحُ‏ [الآية: 45] قال: فَالْحامِلاتِ وِقْراً ؟ قال رضي اللّه عنه: السحاب لأنها تحمل المطر. و إنما لم يقل أوقارا باعتبار جنس المطر و هو واحد. قال: فَالْجارِياتِ يُسْراً ؟ قال رضي اللّه عنه: الفلك و المراد جريان اليسر. قال: فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً ؟ قال رضي اللّه عنه:

الملائكة لأنها تقسم الأمور من الأمطار و الأرزاق و غيرها، أو تفعل التقسيم مأمورة بذلك فيكون مصدرا في موضع الحال. و معنى الفاء فيها ظاهر لأنه تعالى أقسم بالرياح فبالسحاب الذي تسوقه فبالفلك التي تجريها بهبوباتها كأن ماء البحر أو مدده من السحاب فلذلك أخر. ثم أقسم بالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن اللّه من الأمطار و تجارات البحر.

و قيل: إن الأوصاف الأربعة كلها للرياح لأنها تذرو التراب و غيره أولا، ثم تنشئ السحاب و تحمله. و لا ريب أن السحاب حمل ثقيل و لا سيما إذا كان فيه مطر ثم تجري- أعني الرياح- في الجو جريا سهلا في نفسها أي لا يصعب عليها الجري أو بالنسبة إلينا بخلاف الصرصر و العاصف و نحوها فتبسط السحاب في السماء ثم تقسم الأمطار في الأقطار بتصريف السحاب، و قد روعي في ذكر هذه الأوصاف لطيفة فإن الحشر يتم إمكانه بها لأن أجزاء بدن المكلف إن كانت في الأرض فتميز الريح بينها بالذرو، و إن كانت في الهواء فتحملها بالنقل، و إن كانت في البحر فتخرجها بإنشاء السحاب منها إذ الذي قدر على إجراء السفن في البحار يقدر على إخراج تلك الأجزاء منها إلى البر. و بعد ذلك تقسم الملائكة أرواح الخلائق على أجسادها بإذن اللّه تعالى. و قيل: المقسمات الكواكب السبعة. و جواب القسم‏ إِنَّ ما تُوعَدُونَ‏ و «ما» مصدرية أو موصولة لَصادِقٌ‏ في نفسه كما يقال «خبر صادق» أو «ذو صدق» كعيشة راضية. ثم صرح بالموعود قائلا وَ إِنَّ الدِّينَ‏ أي الجزاء لَواقِعٌ‏ أي حاصل. و حين أقسم على صدق موعوده أقسم على جهلهم و عنادهم، و الحبك الطرائق كطرائق الرمل، و الماء إذا ضربته الريح و يقال: إن‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 185

خلقة السماء كذلك واحدها حباك، و قال الحسن: حبكها نجومها لأنها تزينها كما تزين الموشىّ يكون بطرائق الوشي. و قيل: حبكها صفاقتها و إحكامها يقال للثوب الصفيق «ما أحسن حبكه». و على القول الأول يكون بين القسم و المقسم عليه مناسبة لأن القول المختلف له أيضا طرائق، قال الضحاك: قول الكفرة لا يكون مستويا و إنما هو متناقض مختلف و لهذا قالوا للرسول شاعر مجنون، و للقرآن مثل ذلك، و عن قتادة: أراد منكم مصدّق و مكذب و مقر و منكر. و الضمير في‏ يُؤْفَكُ عَنْهُ‏ للقرآن أو النبي أي يصرف عنه من صرف الصرف الذي لا صرف بعده لأنه غاية و نهاية. و يمكن أن يقال: يصرف عنه من صرف في سابق علم اللّه، و يجوز أن يكون الضمير للموعود أقسم بالذاريات و غيرها أن وقوعه حق، ثم أقسم بالسماء أنهم مختلفون في وقوعه يؤفك عن الإقرار به من هو عديم الاستعداد، مغمور في الجهل و العناد. و جوّز جار اللّه أن يرجع الضمير إلى‏ قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ‏ و يكون «عن» كما في قوله ينهون عن أكل و عن شرب أي يتناهون في السمن من كثرة الأكل و الشرب و حقيقته يصدر تناهيهم في السمن من الأكل و الشرب و كذلك يصدر إفكهم عن القول المختلف. ثم دعا عليهم بقوله‏ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ‏ أي الكذابون المقدرون ما لا يصح و هم المعهودون و أعم فيشملهم شمولا أوليا. و لا يراد بهذا الدعاء وقوع القتل بعينه بل اللعن و ما يوجب الهلاك بأي وجه كان.

و قد لا يراد إلا تقبيح حال المدعو كقوله‏ قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ‏ و الغمرة كل ما يغمر الإنسان أي إنهم في جهل يغمرهم غافلون عما أمروا به‏ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ‏ أي متى وقوعه؟

ثم أجاب بقوله‏ يَوْمَ هُمْ‏ أي يقع في ذلك اليوم. و معنى‏ يُفْتَنُونَ‏ يحرقون و يعذبون.

ثم وبخهم و تهكم بهم قائلا ذُوقُوا إلى آخره. و حين حكى حال الفاجر الشقي أراد أن يبين حال المؤمن التقي فقال‏ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ‏ أي في جنات فيها عيون حال كونهم‏ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ‏ قال جار اللّه: قابلين لكل ما أعطاهم راضين به لا كمن يأخذ شيئا على سخط و كراهية. و قال غيره: أراد أنهم يأخذونه شيئا فشيئا و لا يستوفون ذلك بكماله لامتناع استيفاء ما لا نهاية له. و قيل: الأخذ بمعنى التملك يقال: بكم أخذت هذا كأنهم اشتروها بأنفسهم و أموالهم. قال: إن فيض اللّه تعالى لا ينقطع أصلا و إنما يصل إلى كل مكلف بقدر ما استعد له، فكلما ازداد قبولا ازداد تأثرا من الفيض و الأخذ في هذا المقام لعله إشارة إلى كمال قبولهم للفيوض الإلهية، و ذلك لما أسلفوا من حسن العبادة و وفور الطاعة و لهذا علله بقوله‏ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ‏ أي في الدنيا و ظهر عليهم‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 186

بعد قطع التعلق آثار الإحسان و نتيجته. و قوله‏ ما آتاهُمْ‏ على المضي لتحقق الإيتاء مثل‏ وَ نادى‏ [الأعراف: 38] وَ سِيقَ‏ [الزمر: 72] و قال أهل العرفان: ما آتاهم في الأزل يأخذون نتائجه في الأبد. ثم فسر إحسانهم بقوله‏ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ‏ «ما» صلة أي كانوا ينامون في طائفة قليلة من الليل أو يهجعون هجوعا قليلا. و جوز أن تكون ما مصدرية أو موصولة. و ارتفع «ما» مع الفعل على أنه فاعل قليلا من الليل هجوعهم أو الذي يهجعون فيه. و فيه أصناف من المبالغة من جهة لفظ الهجوع و هو النوم اليسير، و من جهة لفظ القلة، و من جهة التقييد بالليل لأنه وقت الاستراحة فقلة النوم فيه أغرب منها في النهار، و من جهة ما المزيدة على قول. و لا يجوز أن تكون «ما» نافية لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها. و صفهم بأنهم يحيون أكثر الليل متهجدين فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار و كأنهم باتوا في معصية الملك الجبار. و هذا سيرة الكريم يأتي بأبلغ وجوه الكرم. ثم يستقله و يعتذر، و اللئيم بالعكس يأتي بأقل شي‏ء ثم يمن به و يستكثر. و مثله المطيع يأتي بغاية مجهوده من الخدمة ثم ينسب نفسه إلى التقصير فيستغفر. و يمكن أن يقال:

إنهم يستغفرون من الهجوع كأنهم أرادوا أن يقوموا على إحياء الليل كله. و يجوز أن يكون الاستغفار بمعنى الصلاة لقوله بعده‏ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ‏ فيكون كقوله‏ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [البقرة: 3] و وجه أغرب و هو أن يكون السين في استغفر مثله في استحصد الزرع أي حان أن يحصد فكأن وقت السحر و هو الأولى بحصول المغفرة. قال جار اللّه: في قوله‏ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏ إشارة إلى أنهم هم المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرين. و قيل: إبراز الضمير لدفع و هم من يظن أن التقدير و بالأسحار قليلا يستغفرون على قياس الفعل السابق.

و حيث ذكر جدهم في التعظيم لأمر اللّه أردفه بذكر شفقتهم على خلق اللّه. و المشهور في الحق أنه القدر الذي علم إخراجه من المال شرعا و هو الزكاة قيل: إنه على هذا لم يكن صفة مدح لأن كل مسلم كذلك بل كل كافر و ذلك إذا قلنا إنه مخاطب بالفروع إلا أنه إذا سلم سقط عنه. و أجيب بأن السائل من له الطلب شرعا. و المحروم من الحرمة و هو الذي منع الطلب فكأنه قيل: في أموالهم حق للطالب- و هو الزكاة- و لغير الطالب و هو الصدقة المتطوع بها التي تتعلق بفرض صاحب المال و إقراره و ليس عليه فيها مطالبة. و يمكن أن يقال: أراد في أموالهم حق في اعتقادهم و سيرتهم كأنهم أوجبوا على أنفسهم أن يعطوا من المال حقا معلوما و إن لم يوجبه الشرع. و في السائل و المحروم وجوه أحدها ما مر. الثاني السائل هو الناطق و المحروم كل ذي روح غيره من الحيوان كما

قال صلى اللّه عليه و سلم‏ «لكل كبد حرى‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 187

أجر». «1»

الثالث و هو الأظهر أن السائل هو الذي يستجدي و المحروم الذي يحسب غنيا فيحرم الصدقة لتعففه‏

قال صلى اللّه عليه و سلم‏ «ليس المسكين الذي ترده الأكلة و الأكلتان و التمرة و التمرتان قالوا: فما هو قال: الذي لا يجد و لا يتصدق عليه.» «2»

و تقديم السائل على ترتيب الواقع لأنه يعرف حاله بمقاله فيسد خلته، و أما المحروم فلا تندفع حاجته إلا بعد الاستكشاف و البحث. و قيل: المحروم الذي لا ينمى له مال. و قيل: هو المنقوص الحظ الذي لا يكاد يكسب. ثم أكد وقوع الحشر و الدلالة على قدرته بقوله‏ وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ‏ كقوله‏ وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً إلى قوله‏ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ [فصلت: 39] و من عجائب الأرض ما هي في جرمها من الاستدارة و الألوان المختلفة و طبقاتها المتباينة، و منها ما عليها و فيها من الجبال و المواليد الثلاثة، و منها ما هي واردة عليها من فوقها كالمطر و غيره. و خص الآيات الأرضية بالذكر لقربها من الحواس، و خص كونها آيات بالمؤمنين لأنهم هم المنتفعون بذلك، و من لم يتأمل في المصنوعات لم يزد يقينه بالصانع. ثم استدل بالأنفس فقال‏ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ‏ آيات. و ذلك أن الإنسان عالم صغير فيه تشابه من العالم الكبير و قد مر تقرير ذلك مرارا. و قيل: هي الأرواح أي و في نفوسكم التي بها حياتكم آيات. قال أهل النظم: هذه الآية مؤكدة لما قبلها فإن من وقف على هذه الآيات الباهرة تبين له جلال اللّه و عظمته فيتقيه و يعبده و يستغفره من تقصيره و لا يهجع إلا قليلا، و هكذا من عرف أن رزقه في السماء لم يبخل بماله و يعطيه السائل و المحروم. و عن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه: فيه رزقكم يعني المطر و لكنكم تحرمونه.

وَ ما تُوعَدُونَ‏ هي الجنة فوق السماء السابعة و تحت العرش. و قيل: إن أرزاقكم في الدنيا و ما توعدون في العقبى كلها مقدرة مكتوبة في السماء. ثم أنتج من الأخبار السالفة من أول السورة إلى هاهنا حقيقة القرآن أو النبي أو الموعود، و أقسم عليه برب السماء الأرض ترقيا من الأدنى و هي المربوبات كالذاريات و غيرها إلى الرب تعالى. و «ما» مزيدة بنص الخليل حكاه جار اللّه يقال في الأمر الظاهر غاية الظهور أن هذا الحق أنك ترى‏

(1) رواه البخاري في كتاب المساقاة باب 9 مسلم في كتاب السلام حديث 103 أبو داود في كتاب الجهاد باب 44 ابن ماجه في كتاب الأدب باب 8 الموطأ في كتاب صفة النبي حديث 33 أحمد في مسنده (2/ 222، 375)

صفحه بعد