کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 292

حكم الاستثناء لأنه قول حق، و إنما أورده إتماما لقصة إبراهيم مع أبيه. و قال في الكشاف:

هو مبني على الاستغفار و تابع له كأنه قال: أنا أستغفر لك و ما في طاقتي إلا الاستغفار. ثم أكد أمر المؤمنين بأن يقولوا رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا الآية. و يجوز أن يكون من تتمة قول إبراهيم و من معه و فيه مزيد توجيه. ثم أكد أمر الائتساء بقوله‏ لَقَدْ كانَ‏ فأدخل لام الابتداء و أبدل من قوله‏ لَكُمْ‏ قوله‏ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا و ختم الآية بنوع من الوعيد. ثم أطمع المؤمنين فيما تمنوا من عداوة أقاربهم بالمودة وَ اللَّهُ قَدِيرٌ على تقليب القلوب و تصريف الأحوال‏ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ لمن وادهم قبل النهي أو لمن أسلم من المشركين، فحين يسر اللّه فتح مكة أسلم كثير منهم و لم يبق بينهم إلا التحاب و التصافي. و لما نزلت هذه الآيات تشدّد المؤمنون في عداوة أقاربهم و عشائرهم فنزل‏ لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ‏ و قوله‏ أَنْ تَبَرُّوهُمْ‏ بدل من‏ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ‏ و كذا قوله‏ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ‏ من‏ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ‏ و المعنى لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء و إنما ينهاكم عن تولي هؤلاء. و معنى‏ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ‏ تعطوهم مما تملكون من طعام و غيره قسطا. و عدّي ب «إلى» لتضمنه معنى الإحسان و قال في الكشاف: تقضوا إليهم بالقسط أي العدل و لا تظلموهم. و قيل: أراد بهم خزاعة و كانوا صالحوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على أن لا يقاتلوه و لا يعينوا عليه. و عن مجاهد: الذين آمنوا بمكة.

و قيل: هم النساء و الصبيان. و عن قتادة: نسختها آية القتال.

قال المفسرون: إن صلح الحديبية كان على أن من أتاكم من أهل مكة رد إليهم و من أتى مكة منهم لم يرد إليكم و كتبوا بذلك كتابا و ختموه. فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة و النبي صلى اللّه عليه و سلم بالحديبية، فأقبل زوجها مسافرا المخزومي. و قيل: صيفي بن الراهب فقال: يا محمد اردد إليّ امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا و هذه طية الكتاب لم تجف فأنزل اللّه تعالى‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ‏ الآية.

فكانت بيانا لأن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء.

و عن الضحاك: كان بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين المشركين عهد أن تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا، فإن دخلت في دينك و لها زوج أن ترد على زوجها الذي أنفق عليها. و للنبي صلى اللّه عليه و سلم من الشرط مثل ذلك فأتت امرأة فاستحلفها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقوله تعالى‏ فَامْتَحِنُوهُنَ‏ فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق و تزوّجها عمر.

و فائدة قوله‏ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ‏ أنه لا سبيل لكم إلى ما تسكن إليه النفس من اليقين الكامل لأنكم تختبرونهن بالحلف و النظر في سائر الأمارات التي لا تفيد إلا الظن، و أما الإحاطة بحقيقة إيمانهن فإن ذلك مما تفرد به علام الغيوب‏ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ‏ العلم الذي يليق بحالكم و هو الظن الغالب‏ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى‏ أزواجهن‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 293

الْكُفَّارِ لأنه لا حلّ بين المؤمنة و المشرك و آتوا أزواجهن‏ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا مثل ما دفعوا إليهن من المهور. ثم نفى عنهم الحرج في تزوّج هؤلاء المهاجرات إذا أعطوهن مهورهن.

قال العلماء: إما أن يريد بهذا الأجر ما كان يدفع إليهن ليدفعنه إلى أزواجهن فيشترط في إباحة تزوّجهن تقديم أدائه، و إما أن يراد بيان أن ذلك المدفوع لا يقوم مقام المهر و أنه لا بد من إصداق. احتج أبو حنيفة بالآية على أن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلما أو بذمة و بقي الآخر حربيا وقعت الفرقة بينهما و لا يرى العدة على المهاجرة و يصح نكاحها إلا أن تكون حاملا وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ و هو ما يعتصم به من عقد و سبب قال ابن عباس: أراد من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعدّها من نسائه لأن اختلاف الدين قطع عصمتها و حل عقدتها. و عن النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر. و قال مجاهد: هذا أمر بطلاق الباقيات مع الكفار و مفارقتهن‏ وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ‏ من مهور أزواجكم الملحقات بالكفار وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا من مهور نسائهم المهاجرات. أمر المؤمنين بالإيتاء ثم أمر الكافرين بالسؤال و هذه غاية العدل و نهاية الإنصاف. ثم أكد ما ذكر من الأحكام بأنها حكم اللّه. قال جار اللّه: يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ‏ كلام مستأنف أو حال من حكم اللّه على حذف العائد أي يحكمه اللّه، أو جعل الحكم حاكما على المبالغة.

يروى‏ أن بعض المشركين أبوا أن يؤدّوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين فأنزل اللّه تعالى‏ وَ إِنْ فاتَكُمْ‏

أي سبقكم و انفلت منكم‏ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ‏ أحد منهن قال أهل المعاني: فائدة إيقاع شي‏ء في هذا التركيب التغليظ في الحكم و التشديد فيه أي لا ينبغي أن يترك شي‏ء من هذا الجنس و إن قل و حقر غير معوّض عنه. و يجوز أن يراد و إن فاتكم شي‏ء من مهور أزواجكم. و معنى‏ فَعاقَبْتُمْ‏ فجاءت عقبتكم من أداء المهر و العقبة النوبة شبه أداء كل طائفة من المسلمين و الكافرين المهر إلى صاحبتها بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب و غيره‏ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ‏ إلى الكفار مِثْلَ ما أَنْفَقُوا أي مثل مهرها من مهر المهاجرة و لا تؤتوه زوجها الكافر. و قال الزجاج: معنى‏ فَعاقَبْتُمْ‏ فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم، فالذي ذهبت زوجته كان يعطي من الغنيمة المهر. قال بعض المفسرين: جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة: أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شدّاد الفهري، و فاطمة بنت أبي أمية كانت تحت عمر بن الخطاب و هي أخت أم سلمة، و بروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان، و عبدة بنت عبد العزى بن نصلة و زوجها عمرو بن عبد ودّ، و هند بنت أبي جهل كانت تحت هشام بن العاص، و كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر. أعطاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مهور نسائهم من الغنيمة. و في قوله‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ ندب إلى سيرة التقوى و رعاية العدل و لو مع الكفرة.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 294

ثم نبّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم على شرائط المبايعة و هي المعاهدة على كل ما يقع عليه اتفاق كالإسلام و الإمارة و الإمامة، و المراد هاهنا المعاقدة على الإسلام و إعطاء العهود به و بشرائطه و عدم قتل الأولاد و وأد البنات، و كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدي منك فكني عنه بالهتان المفترى بين يديها و رجليها لأن بطنها الذي تحمله فيه هو بين اليدين و فرجها الذي تلد به بين الرجلين. و قيل: البهتان في الآية الكذب و التهمة و المشي بالسعاية مختلقة من تلقاء أنفسهنّ. و قيل: قذف المحصنين. قال ابن عباس: في قوله‏ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ‏ إنما هو شرط شرطه اللّه تعالى على النساء، و المعروف كل ما ندب إليه الشرع و نهى عنه من المحسنات و المقبحات. و اختلف في كيفية مبايعته إياهنّ فقيل: دعا بقدح من ماء و غمس يده فيه ثم غمسن أيديهنّ. و قيل: صافحهنّ و كان على يده ثوب. و قيل: كان عمر يصافحهنّ ما مست يد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يد امرأة يملكها إنما كان كلاما.

و عن أميمة بنت رقيقة قالت: أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نسوة من الأنصار نبايعه على الإسلام فأخذ علينا يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئا و لا يسرقن و لا يزنين و لا يقتلن أولادهنّ و لا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهنّ و أرجلهنّ و لا يعصينك في معروف. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: فيما استطعتن و أطقتن. قلنا؛ اللّه و رسوله أرحم بنا منا بأنفسنا هلمّ نصافحك يا رسول اللّه. قال:

إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة.

يروى‏ أن بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود طمعا في ثمارهم فنزلت‏ لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً الآية.

و سبب يأسهم من الآخرة تكذيبهم بصحة نبوّة الرسول ثم عنادهم كما يئس الكفار من موتاهم أن يرجعوا أحياء. و قيل: من أصحاب القبور بيان للكفار لأنهم أيسوا من خير الآخرة و معرفة المعبود الحق فكأنهم أولى.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 295

(سورة الصف)

(مدنية و قيل مكية كلماتها مائتان و إحدى و عشرون و حروفها تسعمائة و ستة و عشرون و آياتها أربع عشرة)

[سورة الصف (61): الآيات 1 الى 14]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4)

وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (5) وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُوَ يُدْعى‏ إِلَى الْإِسْلامِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَ أُخْرى‏ تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى‏ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)

القراآت:

زاغُوا بالإمالة مثل‏ زاغَ الْبَصَرُ [النجم: 17] بعدي بفتح الياء:

أبو جعفر و نافع و ابن كثير و أبو عمرو و حماد و أبو بكر غير ابن غالب‏ مُتِمُّ نُورِهِ‏ بالإضافة:

ابن كثير و حمزة و علي و خلف و حفص. الآخرون: بالتنوين و نصب‏ نُورِهِ‏ تنجيكم بالتشديد: ابن عامر أنصارا بالتنوين لله جارا و مجرورا: أبو جعفر و نافع و ابن كثير و أبو عمرو. و الباقون: بالإضافة أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ‏ بالفتح كما مر في «آل عمران».

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 296

الوقوف:

وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ ط الْحَكِيمُ‏ ه ج‏ تَفْعَلُونَ‏ ه‏ تَفْعَلُونَ‏ ه‏ مَرْصُوصٌ‏ ط إِلَيْكُمْ‏ ط قُلُوبَهُمْ‏ ط الْفاسِقِينَ‏ ه‏ أَحْمَدُ ط مُبِينٌ‏ ه‏ الْإِسْلامِ‏ ط الظَّالِمِينَ‏ ه‏ الْكافِرُونَ‏ ه‏ الْمُشْرِكُونَ‏ ه‏ أَلِيمٍ‏ ه ز وَ أَنْفُسِكُمْ‏ ط تَعْلَمُونَ‏ ه لا لأن قوله‏ يَغْفِرْ لَكُمْ‏ جواب‏ تُؤْمِنُونَ‏ على أنه خبر في معنى الأمر عَدْنٍ‏ ط الْعَظِيمُ‏ ه ج للعطف‏ تُحِبُّونَها ط لحق الحذف أي هي نصر قَرِيبٌ‏ ه لانقطاع النظم و اختلاف المعنى‏ الْمُؤْمِنِينَ‏ ه‏ إِلَى اللَّهِ‏ ط وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ ه لاتفاق الجملتين مع تخصيص الثانية ببيان حال أحد الفريقين‏ ظاهِرِينَ‏ ه.

التفسير:

يروى‏ أن المؤمنين قالوا قبل أن يؤمروا بالقتال: لو نعلم أحب الأعمال إلى اللّه لعملناه فدلهم اللّه على الجهاد فولوا يوم أحد فعيرهم.

و روي‏ أن اللّه تعالى حين أخبر بثواب شهداء بدر قالوا: لئن لقينا قتالا إلى اللّه لنفرغن فيه وسعنا ففرّوا يوم أحد و لم يفوا.

و قيل؛ كان الرجل يقول: قلت و لم يقل و طعنت و لم يطعن فأنزل اللّه تعالى‏ لِمَ تَقُولُونَ‏ و اللام الجارة إذا دخلت على «ما» الاستفهامية أسقطت الألف لكثرة الاستعمال. و قد عرفت مرارا أن خصوص سبب النزول لا ينافي عموم الحكم، و هذا التفسير يتناول إخلاف كل وعد. و قال الحسن: نزلت في الذين آمنوا بلسانهم لا بقلوبهم. ثم عظم أمر الإخلاف في قلوب المنافقين فقال‏ كَبُرَ الآية. و فيه أصناف مبالغة من جهة صيغة التعجب و التعجب لا يكون إلا من شي‏ء خارج عن نظائره و أشكاله، و من جهة إسناد الفعل إلى‏ أَنْ تَقُولُوا و نصب‏ مَقْتاً على التمييز و من قبل أن المقت أشدّ من البغض أو من وصفه بأنه‏ عِنْدَ اللَّهِ‏ لأن الممقوت عنده ممقوت عند كل ذي لب. ثم حث على الجهاد بنوع آخر و ذلك أنه نسب أوّلا ترك الجهاد بعد تمنيه إلى المقت ثم نسب الجهاد إلى الحب. و انتصب‏ صَفًّا على المصدر بمعنى الحال. و قوله‏ كَأَنَّهُمْ‏ مع الأول حالان متداخلان أي صافين أنفسهم أو مصفوفين كأنهم في تراميهم من غير فرجة و لا خلل‏ بُنْيانٌ‏ رص بعضه على بعض أي رص صف. و جوزوا أن يراد صف معنوي و هو اتفاق كلمتهم و استواء نياتهم في الثبات.

و على الأول استدل بعضهم به على تفضيل القتال راجلا بناء على أن الفرسان لا يصطفون من غير فرجة، ثم ذكرهم قصة موسى عليه السلام مع قومه كيلا يفعلوا بنبيهم مثل ما فعل به بنو إسرائيل. و تفسير الإيذاء مذكور في آخر «الأحزاب» و سائر أصناف إيذائهم إياه من عبادة العجل و طلب الرؤية و الالتماسات المنكرة مشهورة وَ قَدْ تَعْلَمُونَ‏ في موضع الحال.

و فائدة «قد» تأكيد العلم لا تقليله و فيه إشارة إلى نهاية جهلهم إذا عكسوا القضية و صنعوا مكان تعظيم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إيذاءه. و الزيغ الميل عن الحق و الإزاغة الإمالة فكأنهم تسببوا

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 297

لمزيد الانحراف عن الجادة، فالطاعة تجر الطاعة و المعصية تجر المعصية. قال بعض العلماء: إنما قال عيسى‏ يا بَنِي إِسْرائِيلَ‏ و لم يقل يا قوم كما قال موسى، لأنه لا نسب له فيهم. قلت: ممنوع لقوله تعالى في «الأنعام» وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ إلى قوله‏ وَ عِيسى‏ [الآية: 48] قال النحويون: قوله‏ مُصَدِّقاً و مُبَشِّراً حالان و العامل فيهما معنى الإرسال في الرسول فلا يجوز أن يكون‏ إِلَيْكُمْ‏ عاملا لأنه ظرف لغو. عن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى: يا روح اللّه هل بعدنا من أمة؟ قال: نعم أمة محمد حكماء علماء أبرار أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من اللّه باليسير من الرزق و يرضى اللّه منهم باليسير من العمل. قوله‏ وَ هُوَ يُدْعى‏ إِلَى الْإِسْلامِ‏ نظير ما مر من قوله‏ وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ‏ ففي كل منهما تعكيس القضية إذ جعل مكان إجابة النبي إلى الإسلام الذي فيه سعادة الدارين افتراء الكذب على اللّه و هو قولهم للمعجزات هي سحر، لأن السحر كذب و تمويه و لهذا عرف الكذب بخلاف آخر «العنكبوت». ثم ذكر غرضهم من الافتراء بقوله‏ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا و لهذا خص هذه السورة باللام كأنه قال: يريدون الافتراء لأجل هذه الإرادة كما زيدت اللام في «لا أبالك» لتأكيد معنى الإضافة. و باقي الآيتين سبق تفسيره في «براءة».

و إنما قال هاهنا وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ‏ لمكان الفصل بالعلة كأنه قال: يريدون الافتراء لغرض إطفاء نور اللّه و الحال أن اللّه متم نوره، و أما هنالك فإنه عطف قوله‏ وَ يَأْبَى‏ على قوله‏ يُرِيدُونَ‏ .

ثم دل أهل الإيمان على التجارة الرابحة و هي مجاز عن وجدان الثواب على العمل كما قال‏ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ إلى قوله‏ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ‏ [التوبة: 111] قال أهل المعاني:

فائدة إيقاع الخبر موقع الأمر هي التنبيه على وجوب الأمر و تأكيده كأنه أمتثل فهو يخبره به كأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان؟ و عن الفراء أن قوله‏ يَغْفِرْ لَكُمْ‏ جواب‏ هَلْ أَدُلُّكُمْ‏ بتأويل أن متعلق الدلالة هو التجارة و التجارة مفسرة بالإيمان و الجهاد فكأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان و الجهاد يغفر لكم‏ ذلِكُمْ‏ يعني ما ذكر من الإيمان و الجهاد خَيْرٌ لَكُمْ‏ من أموالكم و أنفسكم و هو اعتراض. و قوله‏ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ اعتراض زائد على اعتراض و معناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرا لكم لأن نتيجة الخير إنما تحصل بعد اعتقاد كونه خيرا. ثم قال‏ وَ لكم مع هذه النعم الآجلة نعمة أُخْرى‏ عاجلة تُحِبُّونَها و هي فتح مكة كما قال و أثابكم فتحا قريبا [الفتح: 18] و عن الحسن: هو فتح فارس و الروم.

قال في الكشاف: في قوله‏ تُحِبُّونَها شي‏ء من التوبيخ على محبة العاجلة. و عندي أنه سبحانه رتب أمرين على أمرين: المغفرة و إدخال الجنة على الإيمان، و النصر و الفتح على‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 298

صفحه بعد