کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 448

صناديد قريش و أضرابهم من أهل العجب و الكفر المرتفعين على الفقراء مع أن أوّلهم نطفة مذرة و آخرهم جيفة قذرة و هم فيما بين الوقتين حملة عذرة فقال‏ قُتِلَ الْإِنْسانُ‏ و هو دعاء عليه أشنع دعوة لأنه لا أفظع من القتل و ما أَكْفَرَهُ‏ تعجب من حال إفراطه في الكفران و تلقي نعم خالقه بالجحود و الطغيان، و هذا قد ورد على أسلوب كلام العرب و أنه لا يمكن أن يحمل في حقه تعالى إلا على إرادة إيصال العقاب الشديد و ليكون لطفا للمعتبرين المتعجبين المتأملين في مراتب حدوثهم التي أوّلها نطفة و أشار إليها بقوله‏ مِنْ أَيِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ و الاستفهام لزيادة التقرير في التحقير.

ثم قال‏ فَقَدَّرَهُ‏ فحمله الفراء على أطواره بعد كونه نطفة إلى وقت إنشائه خلقا آخر، و على أحواله من كونه ذكرا أو أنثى و شقيا أو سعيدا. و قال الزجاج: قدره على الاستواء كقوله‏ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا [الكهف: 37] و يحتمل أن يراد فقدر كل عضو في الكمية و الكيفية على التقدير اللائق بمصلحته. و أما المرتبة الوسطى فإليها الإشارة بقوله‏ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ‏ و هو نصب على شريطة التفسير فمن فسر التقدير بالأطوار فسر السبيل بمخرج الولد من بطن أمه. يقال: إن رأس المولود في بطن أمه يكون من فوق و رجله من تحت، فإذا جاء وقت الخروج انقلب بإلهام اللّه تعالى إياه على أن نفس خروج الولد حيا من ذلك المنفذ الضيق من أعجب العجائب و على التفاسير الأخر فالمراد تسهيل سبيل الخير و الشر كقوله‏ إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ‏ [الدهر: 3] و أشار إلى المرتبة الأخيرة بقوله‏ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ‏ أي جعله ذا قبر فيكون متعديا إلى واحد، و يحتمل أن يكون الثاني محذوفا أي فأقبره غيره. يقال: قبر الميت إذا دفنه بنفسه، و أقبر غيره الميت إذا أمره بدفنه، فالمراد أن اللّه سبحانه أمر بدفن الأموات الإنسية تكرمة لهم دون أن يطرحوا على وجه الأرض طعمة للسباع كسائر الحيوان‏ ثُمَ‏ إن في كل هذه الانتقالات دلالات واضحة على أنه سبحانه‏ إِذا شاءَ أن ينشر الإنسان ببعثه من قبره‏ أَنْشَرَهُ‏ قوله‏ كَلَّا يجوز أن يكون ردعا للإنسان عن تكبره و ترفعه أو عن كفره و إنكاره المعاد. و قال في الكشاف: و هذا هو ردع للإنسان عما هو عليه فهذا قول مجاهد إن إنسانا لم يخل من تقصير قط فلم يقض أحد من لدن آدم إلى هذه الغاية جميع ما كان مفروضا عليه. و قال آخرون: معناه أن الإنسان الكافر لم يقض بعد ما أمره اللّه من التأمل في دلائل التوحيد و البعث. و قال الأستاذ أبو بكر بن فورك: القضاء بمعنى الحكم و الضمير للّه أي لم يقض اللّه لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان و ترك التكبر بل أمره بما لم يحكم له به. و حين فرغ من دلائل الأنفس أردفها بدلائل الآفاق قائلا فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ‏ نظر استدلال و تدبر إِلى‏ طَعامِهِ‏ الذي يعيش به كيف دبرنا أمره من إنزال الماء من السماء، ثم شق‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 449

الأرض بالنبات أو بالكراب على البقر فيكون إسناد الفعل إلى السبب. و الحب ما يصلح للقوت كالحنطة و الشعير، و القضب العلف بعينه قاله الحسن. و قال أكثر المفسرين: إنه القت لأنه يقضب مرة بعد أخرى أي يقطع. و الغلب الغلاظ الأعناق في الأصل يقال: أسد أغلب، ثم استعير للحدائق أنفسها لتكاثف أشجارها و لأشجارها لعظمها و غلظها. ثم أجمل الفاكهة ليعم الكل و أجمل العلف بقوله‏ وَ أَبًّا للعموم و هو المرعى لأنه يؤب أي يؤم و ينتجع. و الأب و الأم إخوان قاله جار اللّه. و قيل: الأب الفاكهة اليابسة المعدّة للبقاء. و الفاء في قوله‏ فَإِذا جاءَتِ‏ مثل ما مر في «النازعات» و الصَّاخَّةُ النفخة الأخيرة. قال الزجاج: أصل الصخ الطعن، و الصك صخ رأسه بالحجر أي شدخه، و الغراب يصخ بمنقاره في دبر البعير أي يطعن، و النفخة لشدّتها تصك الآذان. و قال جار اللّه: يقال صخ لحديثه مثل أصاخ له فوصف النفخة بالصاخة مجاز لأن الناس يصخون لها أي يستمعون. و فرار المرء من الجماعة المذكورين إما بالصورة و ذلك للاحتراز عن المطالبة بالتبعات يقول الأخ: ما واسيتني بمالك. و يقول الأبوان: قصرت في برنا. و تقول الصاحبة: أطعمتني الحرام و فعلت كذا و كذا، و البنون يقولون: لم تعلمنا و لم ترشدنا. قال جار اللّه: إنما بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه، و الفرار إنما يقع من الأبعد ثم من الأقرب، و أخر الصاحبة و البنين لأن البنين أقرب و أحب فكأنه قيل: يفر من أخيه بل من أبيه بل من صاحبته و بنيه. و أقول: هذا القول يستلزم أن تكون الصاحبة أقرب و أحب من الأبوين و لعله خلاف العقل و الشرع، و الأصوب أن يقال: أراد أن يذكر بعض من هو مطيف بالمرء في الدنيا من أقاربه في طرفي الصعود و النزول فبدأ بطرف الصعود لأن تقديم الأصل أولى من تقديم الفرع، و ذكر أوّلا في كل من الطرفين من هو معه في درجة واحدة و هو الأخ في الأول، و الصاحبة في الثاني على أن وجود البنين موقوف على وجود الصاحبة فكانت بالتقديم أولى. و قيل: أول من يفر من أخيه هابيل، و من أبويه إبراهيم، و من صاحبته نوح و لوط، و من ابنه نوح. و الأنسب عندي أن يكون الفار قابيل و قد جاء هكذا في بعض الروايات، و الأظهر أن الفرار المعنيّ هو قلة الاهتمام بشأن هؤلاء بدليل قوله‏ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ‏ أي يصرفه و يصدّه عن قرابته. قال ابن قتيبة: و يقال أغن عني وجهك أي اصرفه. و عندي أن اشتقاقه من الغنى و ذلك أن من أغناك فقد صرفك عن نفسه أو عن طلب حاجته. ثم ذكر أن الناس يومئذ فريقان و أن أهل الكمال تلوح على وجوههم أنوار الكمال من أسفر الصبح إذا أضاء يستبشرون بأنواع المسار، و يضحكون بدل ما كانوا يبكون في الدنيا خوفا من عقاب اللّه تعالى، و أن أهل النقائص يظهر على وجوههم سواد مع غبرة كوجوه الزنوج مثلا إذا

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 450

أعبرت. و القترة سواد كالدخان جمع اللّه في وجوههم ظلمة الضلال و الكفر مع غبار الفجور و الفسق و لهذا نعى عليهم بقوله‏ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ أعاذنا اللّه في الدارين من مثل أحوالهم.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 451

(سورة التكوير)

(مكية حروفها خمسمائة و ثلاثة و ثلاثون كلها مائة و تسع و ثلاثون آياتها تسع و عشرون)

[سورة التكوير (81): الآيات 1 الى 29]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3) وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4)

وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6) وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)

وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11) وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14)

فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)

ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)

وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَ ما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29)

القراآت‏

سُجِّرَتْ‏ بالتخفيف: ابن كثير و أبو عمرو و سهل و يعقوب. قتلت بالتشديد: يزيد و نُشِرَتْ‏ مخففا: أبو جعفر و نافع و ابن عامر و عاصم غير يحيى و حماد الْجَوارِ ممالة: قتيبة و نصير و أبو عمرو في رواية بظنين بالظاء: ابن كثير و علي و أبو عمر و يعقوب. الباقون: بالضاد.

الوقوف‏

كُوِّرَتْ‏ ه ص‏ انْكَدَرَتْ‏ ه ص‏ سُيِّرَتْ‏ ه ك‏ عُطِّلَتْ‏ ه ك‏ حُشِرَتْ‏ ه ك‏ سُجِّرَتْ‏ ه ك‏ زُوِّجَتْ‏ ه ك‏ سُئِلَتْ‏ ه ك‏ قُتِلَتْ‏ ه ج لاعتراض الاستفهام بين النسق‏ نُشِرَتْ‏ ه ص‏ كُشِطَتْ‏ ه ك‏ سُعِّرَتْ‏ ه ك‏ أُزْلِفَتْ‏ ه ك‏ أَحْضَرَتْ‏ ه ط لتمام الشرط و الجزاء و التقدير إذا كورت الشمس كورت ارتفعت الشمس بفعل مضمر تفسيره الظاهر و كذلك ما بعدها. و قوله‏ عَلِمَتْ‏ جواب عن الكل و هو العامل في «إذا» و ما عطف عليها بِالْخُنَّسِ‏ ه لا الْكُنَّسِ‏ ه لا عَسْعَسَ‏ ه ك‏ تَنَفَّسَ‏ ه ك‏ كَرِيمٍ‏ ه ك‏ مَكِينٍ‏ ه ك‏ أَمِينٍ‏ ه ط بناء على أن ما بعده مستأنف و من جعل‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 452

وَ ما صاحِبُكُمْ‏ و ما بعدها معطوف على جواب القسم لم يقف على‏ أَمِينٍ‏ إلى قوله‏ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ‏ . بِمَجْنُونٍ‏ ه ج‏ الْمُبِينِ‏ ه ج‏ بِضَنِينٍ‏ ه ج‏ رَجِيمٍ‏ ه ج‏ تَذْهَبُونَ‏ ه ط لِلْعالَمِينَ‏ ه لا لأن ما بعده بدل البعض‏ يَسْتَقِيمَ‏ ه‏ الْعالَمِينَ‏ ه.

التفسير:

إنه سبحانه لما ذكر الطامة و الصاخة في خاتمتي السورتين المتقدمتين أردفهما بذكر سورتين مشتملتين على أمارات القيامة و علامات يوم الجزاء. أما هذه ففيها اثنا عشر شيئا أوّلها تكوير الشمس و فيه و جهان: أحدهما إزالة النور لأن التكوير هو التلفيف على جهة الاستدارة كتكوير العمامة. و

في الحديث‏ «نعوذ باللّه من الحور بعد الكور» «1»

أي من التشتت بعد الألفة و الاجتماع، و منه كارة القصار و هي ثوب واحد يجمع ثيابه فيه. و لا يخفى أن الشي‏ء الذي يلف يصير مخفيا عن الأعين فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس و صيرورتها غائبة عن الأعين بالتكوير. الثاني أن يكون من قولهم طعنه فحوره و كوره إذا ألقاه أي ألقيت و رميت عن الفلك. و ثانيها انكدار النجوم أي تساقطها و تناثرها و الأصل في الانكدار الانصباب و كل متراكب ففيه كدورة فلهذا يقال للجيش الكثير دهماء. قال الخليل:

انكدر عليهم القوم إذا جاءوا أرسالا فانصبوا عليهم. قال الكلبي: تمطر السماء يومئذ نجوما فقال عطاء: و ذلك أنها في قناديل معلقة بين السماء و الأرض بسلاسل من النور و تلك السلاسل في أيدي الملائكة، فإذا مات من في السماء و الأرض تساقطت تلك السلاسل من أيدي الملائكة. و

يروى‏ في الشمس و النجوم أنها تطرح في جهنم ليراها من عبدها.

و ثالثها تسيير الجبال و قد مر في سورة «عم». و رابعها تعطيل العشار و هي جمع عشراء كالنفاس في نفساء. و العشراء الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر، ثم هو اسمها إلى أن تضع الحمل لتمام السنة، و هي أنفس ما يكون عند أهلها و هم العرب فخوطبوا بما هو مركوز في أذهانهم مصوّر في خزانة خيالهم، و الغرض بيان شدّة الاشتغال بأنفسهم حتى يعطلوا و يهملوا ما هو أهم شي‏ء عندهم. و قيل: العشار هي السحاب تعطلت عما فيها من الماء، و لعله مجاز من حيث إن العرب تشبه السحاب بالحامل. قال اللّه تعالى‏ فَالْحامِلاتِ وِقْراً [الذاريات: 2] و خامسها حشر الوحوش و الوحش ضد ما يستأنس به من دواب البر.

قال قتادة: يحشر كل شي‏ء حتى الذباب للقصاص، و فيه أنه سبحانه إذا كان لا يهمل أمر الوحوش فكيف يهمل أمر المكلفين. قال الإمام فخر الدين: و فيه دليل على أن هول ذلك‏

(1) رواه مسلم في كتاب الحج حديث 426. الترمذي في كتاب الدعوات باب 41. النسائي في كتاب الاستعاذة باب 41، 42. الدارمي في كتاب الاستئذان باب 42. ابن ماجه في كتب الدعاء باب 20.

أحمد في مسنده (5/ 82، 83).

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 453

اليوم بلغ مبلغا لا يفرغ الوحوش للنفار عن الإنسان و لا بعضها للاحتراز عن بعض مع العداوة الطبيعية بين بعض الأصناف حتى صار بعضها غذاء بعض. قلت: هذا الاستدلال ضعيف فإن الوحوش في الدنيا أيضا مجتمعة مع الناس و مع أضدادها لكن في أمكنة مختلفة، فلم لا يجوز أن تكون في القيامة أيضا كذلك. و عن ابن عباس في رواية إن حشر الوحوش عبارة عن موتها و ذلك إذا قضى بينها فردّت ترابا فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم و إعجاب بصورته كالطاوس و نحوه. يقال: إذا اجتاحت السنة الناس و أموالهم حشرتهم السنة أي أماتتهم. السادس تسجير البحار أي تنشيف ما فيها من الرطوبة حتى لا يبقى فيها شي‏ء من المياه و قد سبق في «الطور». السابع تزويج النفوس و هو اقتران الأرواح بالأجساد. و قال الحسن: هو كقوله‏ وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً [الواقعة: 7] أي صنفتم أصنافا ثلاثة و قريب منه قول من قال: هو أن يضم كل واحد إلى من يجانسه و يكون في طبقته من خير أو شر. و قول من قال: هو أن يقرن بين الرجل و بين من كان يلازمه في الدنيا من ملك أو سلطان. و قال ابن عباس: زوّجت نفوس المؤمنين بالحور العين، و نفوس الكافرين بالشياطين، و يقرب منه قول الزجاج هو أن تقرن النفوس بأعمالها. الثامن سؤال الموؤدة. قال جار اللّه: و أد يئد مقلوب آد يؤد إذا أثقل لأنه إثقال بالتراب، و كانوا يدفنون بناتهم في الأرض أحياء خوفا من الفقر و لخوف العار كما مر في «النحل» و غيره. و معنى هذا السؤال تبكيت قاتلها كما يخاطب عيسى بقوله‏ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ‏ [المائدة: 116] و الغرض تبكيت النصارى. و قيل: الموؤدة هي التي تسأل نفسها فهي السائلة و المسئول عنها. و إنما قيل‏ قُتِلَتْ‏ ماضيا مجهولا غائبا بناء على أن الكلام إخبار عنها، و لو حكى ما خوطبت به حين سئلت لقيل قتلت مجهولا مخاطبا، و لو حكى كلامها حين سألت لقيل قتلت متكلما مجهولا و به قرأ ابن عباس. قالت المعتزلة و به يحتج صاحب الكشاف: إن في الآية دلالة على أن أطفال المشركين لا يعذبون لأنه تعالى إذا بكت الكافر بسببها فلأن لا يعذبها أولى. و يمكن أن يجاب بأن تعذيب الوائد للوأد من جهة أنه تصرف في ملك اللّه تعالى بغير حق لا ينافي تعذيب الموؤدة من جهة أخرى و هي أن حكمها في الإسلام و الكفر حكم أبيها. التاسع نشر صحف الأعمال. عن قتادة: هي صحيفتك يا ابن آدم تطوى على عملك حين موتك ثم تنشر يوم القيامة فلينظر رجل يملى في صحيفته. و يجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أي فرقت بينهم. و عن مرثد بن وداعة: إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش فتقع صحيفة المؤمن في يده في جنة عالية و تقع صحيفة الكافر في يده في سموم و حميم أي مكتوب فيها ذلك و هي صحف غير صحف الأعمال قاله في الشكاف. العاشر كشط السماء كما يكشط

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 454

الإهاب عن الذبيحة. و الغطاء عن الشي‏ء أي كشفت و أزيلت عما فوقها و هو الجنة و عرش اللّه تعالى. الحادي عشر و الثاني عشر تسعير الجحيم أي إيقادها و إزلاف الجنة أي إدناؤها. استدل بعضهم بالآية على أن النار غير مخلوقة الآن لأنه علق تسعيرها بيوم القيامة، و يمكن المعارضة بأنها تدل على أن الجنة مخلوقة و إلا لم يمكن إزلافها على أن تعليق تسعير الجحيم بيوم القيامة لا ينافي وجودها قبل ذلك غير موقدة إيقادا شديدا. و قيل: يسعرها غضب اللّه عز و جل و خطايا بني آدم.

و قوله‏ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ‏ كقوله‏ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً [آل عمران: 30] و التنوين في‏ نَفْسٌ‏ للتقليل على أنه مفيد للتكثير بحسب المقام نحو قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ‏ [النور: 63] رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحجر: 2] و يجوز عندي أن يكون للتعظيم أو للنوع يعني النفس الإنسانية لا النباتية و لا الحيوانية و لا الفلكية عند القائلين بها. و إسناد الإحضار إلى الأنفس مجاز لأن الملائكة أحضروها في الصحف أو في الموازين إلا أنها لما تسبب منها ذلك أسند إليها على أن آثار أعمالها إنما تلوح عليها.

صفحه بعد