کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 569

قريش. و لا يبعد أن تكون اللام بمعنى «إلى» أي فعلنا كل ما فعلنا مضمومة إلى نعمة أخرى و هي إيلافهم الرحلتين تقول: نعمة إلى نعمة و نعمة لنعمة. قال الفراء: و مما يؤيد هذا القول الثالث ما روي أن أبي بن كعب جعلهما في مصحفه سورة واحدة بلا فصل. و عن عمر أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب من غير فصل بينهما بالبسملة. و المشهور المستفيض هو الفصل بينهما بالبسملة فإن لم تكن اللام متعلقة بما قبلها فلا إشكال، و إن تعلقت بما قبلها من السورة فالوجه فيه أن القرآن كله بمنزلة كلام واحد و الفصل بين طائفة و طائفة منه لا يوجب انقطاع إحدى الطائفتين عن الأخرى بالكلية. ثم إن هؤلاء قالوا: لا شك أن مكة كانت خالية عن الزرع و الضرع، و كان أشراف مكّة يرتحلون للتجارة هاتين الرحلتين و يأتون لأنفسهم و لأهل بلدهم بما يحتاجون إليه من الأطعمة و الثياب، و أن ملوك النواحي كانوا يعظمونهم و يقولون: هؤلاء جيران بيت اللّه و قطان حرمه فلا يجترئ أحد عليهم، فلو تم لأهل الحبشة ما عزموا عليهم من هدم الكعبة لزال منهم هذا العز فصار سكان مكة كسكان سائر النواحي يتخطفون و يغار عليهم و لا يتيسر لهم تجارة و لا ربح، فلما أهلك اللّه أصحاب الفيل ورد كيدهم في نحورهم ازداد وقع أهل مكة في القلوب و احترمهم الملوك فضل احترام و ازدادت تلك المنافع و المتاجر. قال علماء اللغة: ألفت الشي‏ء و آلفته إلفا و إيلافا بمعنى أي لزمته، و على هذا يكون قوله‏ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ‏ من إضافة المصدر إلى الفاعل و ترك مفعوله الأول. ثم جعل مقيدا ثانيا في قوله‏ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ إما لأن المقيد بدل من ذلك المطلق تفخيما لأمر الإيلاف و تذكيرا لعظيم المنة فيه، و إما لأن الأول عام في كل مؤانسة و موافقة كانت بينهم فيدخل فيه مقامهم و سفرهم و سائر أحوالهم. ثم خص إيلافهم الرحلة بالذكر كما في قوله‏ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ‏ [البقرة: 98] لأنه قوام معاشهم. و فائدة ترك واو العطف التنبيه على أنه كل النعمة. و الإلزام ضربان: إلزام بالتكليف و الأمر، و إلزام بالمودة و المؤانسة، فإنه إذا أحب المرء شيئا لزمه لقوة الداعي إليه و منه‏ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى‏ [الفتح: 26] كما أن الالتجاء قد يكون لدفع الضرر كالهرب من السبع، و قد يكون لجلب النفع العظيم كمن وجد كنزا، و لا مانع من أخذه لا عقلا و لا شرعا و لا حسا فإنه يأخذه البتة كاللجأ. و قال الفراء و ابن الأعرابي: الإيلاف التجهيز و التهيئة و المعنى لتجهيز قريش رحلتيها حتى تتصلا و لا تنقطعا. و على هذا القول يكون المصدر مضافا إلى الفاعل أيضا. و قيل: ألف كذا فلان لزمه و آلفه غيره إياه فيكون الإيلاف متعديا إلى اثنين، و الإضافة في‏ إِيلافِهِمْ‏ إضافة المصدر إلى المفعول و المعنى إن هذه الألفة إنما حصلت في قريش بتدبير اللّه و لطفه و ذلك بانهزام أصحاب الفيل، و اتفقوا على أن قريشا ولد النضر بن كنانة.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 570

عن معاوية أنه سأل ابن عباس بم سميت قريش؟ قال: بدابة البحر تأكل و لا تؤكل تعلو و لا تعلى و هي التي تعبث بالسفن و لا تنطلق إلا بالنار و أنشد:

و قريش هي التي تسكن البح

ر بها سميت قريش قريشا

فالتصغير للتعظيم و الدابة القرش. و قيل: القرش الكسب لأنهم كانوا أهل كسب و تجارة فسموا بذلك. و قال الليث: كانوا متفرقين في غير الحرم فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوها مسكنا فسموا قريشا لأن التقرش التجمع، و تقرش القوم اجتمعوا و لذلك سمي قصي مجمعا، قال بعضهم:

أبوكم قصي كان يدعى مجمعا

به جمع اللّه القبائل من فهر

و قيل: القرش التفتيش. قال ابن حلزة:

أيها الشامت المقرش عنا

عند عمر و وهل لذاك بقاء .

و كانت قريش يتفحصون عن حال الفقراء و يسدّون خلة المحاويج. و الرحلة اسم من الارتحال قال أكثر المفسرين: كانت لقريش رحلتان رحلة الشتاء إلى اليمن لأنه أدنى، و رحلة الصيف إلى الشام و كانت معايشهم قد استقرت على ذلك كما قررنا. و قال آخرون:

الرحلتان رحلة الناس إلى أهل مكة. أما في رجب فللعمرة، و أما في ذي الحجة فللحج، و كانت إحداهما في الشتاء، و الأخرى في الصيف و موسم منافع مكة يكون بهما. فلو كان تم لأصحاب الفيل ما أرادوه لتعطلت هذه المنفعة و التقدير: رحلتي الشتاء و الصيف أو رحلة الشتاء و رحلة الصيف فاقتصر لعدم الإلباس. و في قوله‏ فَلْيَعْبُدُوا و جهان أحدهما: أن العبادة مأمور بها شكرا لما فعل بأعدائهم و لما حصل لهم من إيلافهم الذي صار سببا لطعامهم و أمنهم كما مر. و قوله‏ مِنْ جُوعٍ‏ كقولهم «سقاه من العيمة» و هي من التعليلية أي الجوع صار سببا للإطعام. و قوله‏ مِنْ خَوْفٍ‏ هي للتعدية يقال «آمنه اللّه الخوف و من الخوف». الوجه الثاني: أن معناه فليتركوا رحلة الشتاء و الصيف و ليشتغلوا بعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع و يؤمنهم من خوف. و لعل في تخصيص لفظ الرب إشارة إلى ما قالوه لأبرهة «إن للبيت ربا سيحفظه» و لم يعولوا في ذلك على الأصنام فلزمهم لإقرارهم أن لا يعبدوا سواه كأنه يقول: لما عولتم في الحفظ عليّ فاصرفوا العبادة إليّ. و في الإطعام وجوه أحدها: ما مر. و الثاني: قول مقاتل: شق عليهم الذهاب إلى اليمن و الشام في الشتاء و الصيف لطلب الرزق فقذف اللّه تعالى في قلوب الحبشة أن حملوا الطعام إلى مكة حتى‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 571

خرجوا إليهم بالإبل و الحمر و اشتروا طعامهم من جدة على مسيرة ليلتين، و تتابع ذلك فكفاهم اللّه مؤنة الرحلتين. و الثالث:

قال الكلبي: معنى الآية أنهم لما كذبوا محمدا صلى اللّه عليه و سلم دعا عليهم فقال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف. فاشتد عليهم القحط و أصابهم الجهد فقالوا: يا محمد ادع اللّه فإنّا مؤمنون فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أخصب أهل مكة فذلك قوله‏ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ‏

و وجه المنة بالإطعام مع أنه ليس من أصول النعم في الظاهر أنه سبب الفراغ للعبادة، و فيه أن البهيمة تطيع من يعلفها و لا يليق بالإنسان أن يكون دون الأنعام، على أنه يندرج في الإطعام النعم السابقة التي لا يحصل الغذاء إلا بعد وجودها كالأفلاك و العناصر و غيرها، و النعم اللاحقة التي لا يتم الانتفاع بالأكل إلا بها من القوى و الآلات البدنية و الخارجية. و في قوله‏ مِنْ جُوعٍ‏ إشارة إلى أن فائدة الطعام و الغاية منه سد الجوعة لا الإشباع التام. و أما الأمن فهو قصة أصحاب الفيل أو تعرض أهل النواحي لهم و كانوا بعد وقعة أصحاب الفيل يعظمونهم و لا يتعرّضون لهم. و قال الضحاك و الربيع: آمنهم من خوف الجذام. و قيل: من أن تكون الخلافة في غيرهم و فيه تكلف. و قيل: أطعمهم من جوع الجهل بطعام الإسلام و الوحي و آمنهم من خوف الضلال ببيان الهدى. و قيل: إشارة إلى ما دعا به إبراهيم عليه السلام في قوله‏ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ‏ [البقرة: 126] فأجاب اللّه تعالى بقوله‏ وَ مَنْ كَفَرَ [البقرة: 126] و التنكير في‏ جُوعٍ‏ و خَوْفٍ‏ للتعظيم. و قد روي أنه أصابهم شدة حتى أكلوا الجيف و العظام المحرقة، و أما الخوف فهو الخوف الشديد الحاصل من أصحاب الفيل. و يحتمل أن يكون المراد التقليل أي أطعمهم من جوع دون جوع ليكون الجوع الثاني و الخوف الثاني مذكرا لما كانوا فيه أولا فيكونوا شاكرين تارة و صابرين أخرى فيستحقوا ثواب الخصلتين.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 572

(سورة الماعون)

(مكية و قيل مدنية حروفها مائة و خمسة عشر كلمها و عشرون آياتها سبع)

[سورة الماعون (107): الآيات 1 الى 7]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)

الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7)

الوقوف:

بِالدِّينِ‏ ه ط لأن قوله‏ فَذلِكَ‏ كالجزاء لشرط محذوف أي إن لم تعرفه فهو فلان‏ الْيَتِيمَ‏ ه لا الْمِسْكِينِ‏ ه ج‏ لِلْمُصَلِّينَ‏ ه لا ساهُونَ‏ ه لا يُراؤُنَ‏ ه لا الْماعُونَ‏ ه‏

التفسير:

هذا مثال آخر لكون الإنسان في خسر. قال ابن جريج: نزلت في أبي سفيان كان ينحر جزورين في كل أسبوع فأتاه يتيم فسأله لحما فقرعه بعصاه. و قال مقاتل: نزلت في العاص بن وائل السهمي و كان من صفته الجمع بين التكذيب بيوم القيامة و الإتيان بالأفعال القبيحة. و عن السدي: نزلت في الوليد بن المغيرة و قيل: في أبي جهل.

حكى الماوردي‏ أنه كان وصيا ليتيم فجاءه و هو عريان أن يسأله شيئا من مال نفسه فدفعه و لم يعبأ به فأيس الصبي فقال له أكابر قريش استهزاء: قل لمحمد يشفع لك فجاء إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم و التمس منه الشفاعة، و كان النبي صلى اللّه عليه و سلم لا يرد محتاجا فذهب معه إلى أبي جهل فقام أبو جهل و رحب به و بذل المال لليتيم فعيره قريش فقالوا: صبأت فقال: لا و اللّه ما صبأت لكن رأيت عن يمينه و عن يساره حربة خفت إن لم أجبه يطعنها فيّ.

و قال كثير من المفسرين: إنه عام لكل من كان مكذبا بيوم الدين و المعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو فإن لم تعرفه فهو الذي يدع اليتيم، و ذلك لأن إقدام الإنسان على الطاعات و إحجامه عن المحظورات إنما يكون للرغبة في الثواب أو الرهبة من العقاب. فإذا كان منكرا للقيامة لم يترك شيئا من المشتهيات و اللذات، فإنكار المعاد كالأصل لجميع أنواع الكفر و المعاصي، و الغرض منه لتعجيب كقولك «أ رأيت فلانا ماذا ارتكب» و الخطاب لكل عاقل، أو للرسول صلى اللّه عليه و سلم. و قيل:

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 573

الدين هاهنا هو الإسلام لأنه عند الإطلاق يقع عليه و سائر الأديان كلادين، أو يتناولها مع التقييد كقولك «دين النصارى أو اليهود». و الدع الدفع بالعنف كما مر في الطور ذكر شيئين من قبائح أفعال المكذب بالجزاء على سبيل التمثيل و سبب تخصيصهما أنهما منكران بحسب الشرع و بحسب العقل و المروءة أيضا. و في لفظ يَدُعُ‏ بالتشديد رحمة من اللّه على عباده و إشارة إلى أنه إن صدر أدنى استخدام له أو شي‏ء مما يكرهه الطبع دون الاستخفاف التام و الزجر العنيف كان معفوا عند اللّه و لم يكتب في زمرة المكذبين بالدين، و لا سيما إذا كان بغير اختيار و الحض الحث و قد مر في «الفجر». و لما كان إيذاء اليتيم و المنع من الإطعام دليلا على النفاق فالصلاة لا مع الخشوع كانت أولى بأن تدل على النفاق قال‏ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ‏ و جوز جار اللّه أن يكون فذلك عطفا على الذي يكذب إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة، و يكون جواب‏ أَ رَأَيْتَ‏ محذوفا لدلالة ما بعده عليه كأنه قيل: أخبرني ما تقول فيمن يكذب بالجزاء و فيمن يؤذي اليتيم و لا يطعم المسكين، أنعم ما يصنع أو أخبرني ما تقول في وصف هذين الشخصين أ مرضيّ ذلك؟ ثم قال‏ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ‏ أي إذا علم أنه مسي‏ء فويل لهم، فوضع صفتهم موضع ضميرهم. و جمع لأن المراد بالذي هو الجنس و وجه الاتصال أنهم كانوا مع التكذيب و ما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم. و فيه أنهم كما قصروا في شأن المخلوق حيث زجروا اليتيم و لم يحضوا على إطعام المسكين فقد قصروا في طاعة الخالق فما صلوا و ما زكوا. و السهو عن الصلاة تركها رأسا أو فعلها مع قلة مبالاة بها كقوله‏ وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى‏ [النساء:

142] و هو قول سعد بن أبي وقاص و مسروق و الحسن و مقاتل: و فائدة عن المفيدة للبعد و المجاوزة هذه. و أما السهو في الصلاة فذلك أمر غير اختياري فلا يدخل تحت التكليف، و قد ثبت أنه صلى اللّه عليه و سلم سها في الصلاة، و قد أثبت الفقهاء لسجود السهو بابا في كتبهم. و عن أنس: الحمد للّه الذي لم يقر «في صلاتهم» و لعل في إضافة الصلاة إليهم إشارة إلى أن تلك الصلاة لا تليق إلا بهم لأنها كلا صلاة من حيث إنهم تركوا شرائطها و أركانها فلم يكن هناك إلا صورة صلاة صح باعتبارها إطلاق المصلين عليهم في الظاهر. و يجوز أن يطلق لفظ المصلين على تاركي الصلاة بناء على أنهم من جملة المكلفين بالصلاة و معنى المفاعلة في المرآة أن المرائي يرى الناس عمله و هم يرونه الثناء عليه و الإعجاب به و قد مر في قوله‏ رِئاءَ النَّاسِ‏ [النساء: 142] و يُراؤُنَ النَّاسَ‏ [البقرة: 264] و لا بأس بالإراءة إذا كان الغرض الاقتداء أو نفي التهمة و اجتناب الرياء صعب إلا على من راض نفسه و حملها على الإخلاص و من هنا

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم‏ «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 574

المظلمة على المسح الأسود» «1»

و في‏ الْماعُونَ‏ أقوال: فأكثر المفسرين على أنه اسم جامع لما لا يمنع في العادة و يسأله الفقير و الغني في أغلب الأحوال و لا ينسب سائله إلى لؤم بل ينسب مانعه إلى اللؤم و البخل كالفأس و القدر و الدلو و المقدحة و الغربال و القدوم، و يدخل فيه الماء و الملح و النار لما

روي‏ «ثلاثة لا يحل منعها الماء و النار و الملح» «2»

و من ذلك أن يلتمس جارك الخبز في تنورك أو أن يضع متاعه عندك يوما أو نصف يوم. قالوا:

هو «فاعول» من المعن و هو الشي‏ء القليل و لا منه ماله سعنة و معنة أي كثير و قليل. و قد تسمى الزكاة ماعونا لأنه يؤخذ من المال ربع العشر و هو قليل من كثير. قال العلماء: و من الفضائل أن يستكثر الرجل في منزله مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ذلك و لا يقتصر على قدر الضرورة، و قد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار. و

عن أبي بكر و علي رضي اللّه عنهم و ابن عباس و ابن الحنيفة و ابن عمرو الحسن و سعيد بن جبير و عكرمة و قتادة و الضحاك: هو الزكاة لأنه تعالى ذكرها عقيب الصلاة.

و قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الماعون هو الماء و لعله خص بالذكر لأنه أعز مفقود و أرخص موجود و أول آلام أهل النار أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ [الأعراف: 50] و أول لذات أهل الجنة وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً [الدهر: 21] و قيل: هو حسن الانقياد و الطاعة. و في الآيتين إشارة إلى أن الصلاة لي و الماعون للخلق، فالذي يحب أن يفعل لأجلي يرونه الناس و الذي هو حق الخلق يمنعونه منهم فلا يراعون جانب التعظيم لأمر اللّه و لا جانب الشفقة على خلق اللّه و هذه كمال الشقاوة نعوذ باللّه منها و اللّه تعالى أعلم.

(1) رواه أحمد في مسنده (4/ 403).

(2) رواه ابن ماجه في كتاب الرهون باب 16. بلفظ «الكلا» بدل «الملح».

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏6، ص: 575

(سورة الكوثر)

(مكية و عن قتادة مدنية حروفها اثنان و أربعون كلمها عشر آياتها ثلاث)

[سورة الكوثر (108): الآيات 1 الى 3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)

القراآت‏

شانِئَكَ‏ بالياء: يزيد و الشموني و حمزة في الوقف. و قرأ قتيبة و نصير مهموزا ممالة.

الوقوف‏

الْكَوْثَرَ ه ط وَ انْحَرْ ه ط الْأَبْتَرُ ه‏

التفسير:

صفحه بعد